آه من وجع الآه! في الماضي كانت رؤية الصورة على الحيطان وزجاج السيارات تشي بمناسبات احتفائية لعريس أو متخرج من أكاديمية علمية، وغير ذلك من المناسبات الفرائحية. أما اليوم فقد تغيرت إيحاءات الصورة الذهنية لمجرد رؤية الصورة الحقيقية على الجدران، وعلى جوانب السيارات، أو اللوحات الدعائية، إذ لم تعد تشي بغير الحزن المتسرب إلى قلوب فقدت عزيزاً، هكذا نقرر يقينا لنلتفت بعد ذلك لقراءة مؤشر عبارات الصورة المكتوبة لتحديد نوع الحتف الذي راح ضحيته صاحب الصورة: دهساً، أم قنصاً، أم غدراً وخيانة، أو نتيجة اختطاف، أو انفجار، أو رصاصات طائشة، أو شهيد واجب، هل بسبب بلطجة، أو عصابات أراضٍ... تنوع واختلاف الضربات وكثرة المواجع والمآسي غيرت نمط التفكير تجاه رؤية الصورة لأول وهلة.
ظلامية الصورة الذهنية تبدو مشابهة للواقع الطاغي، كونها انعكاساً له، لذا لم تعد الصورة المعبرة عن الأفراح - على ندرتها - أكثر إبهاجاً، الفوضى المؤدية للعدم قتلت معاني الحياة والجمال ومشاعر السعادة.
الموت المتربص، وروائح الدمار والخيانة تفوح من زوايا الأمكنة في مرابع الوطن، لم يعد أحد يأمن على ذاته: الراجل والراكب والسائق والمواطن، والمسؤول والجندي، الكل بانتظار لحظة موت غير مرتبة، وأوفر الناس حظاً من استعد لما بعد الرحيل بالتقاط صورة أنيقة صالحة للنشر، وعبارات رثاء ونعي، وتنديد بالأيادي الآثمة.
آه. . كم نحن بحاجة لتناسي العنف والدمار والموت، وطي واقع أكثر إيلاماً، وكم نحن بأمس حاجة لاسترجاع ماضي الصورة المشرق في الواقع كي نضمن معانيها الجميلة ذهنياً في صورة البرواز.