بين جنبات كلية الزراعة ومدرجاتها تنتعش هموم الطلاب وينمو الطموح بتخوف شديد نحو المستقبل على حدٍ سواء. فالقادمون الجدد متلهفون لدراسة تمكّنهم من الحصول على شهادات علمية بكفاءة. وآخرون قضوا سنوات من عمرهم تحت سقف الكلية ينظرون إلى المستقبل ولا يكادون يقرؤون ملامحه. باتوا أقرب إلى حمل لقب "مهندس زراعي"، الذي طالما حلموا به، ليخرجوا بعد ذلك إلى الواقع التطبيقي الذي يثبت الدراسة الحقيقة، وبين هذا وذاك تبرز أهمية التطبيق في الكليات التطبيقية ودورها في تأهيل جيل قادر على إدارة مهنته بنجاح من خلال المنهج العلمي والمعامل والأدوات، كل هذا يدفعنا للتساؤل عن واقع التأهيل الجامعي؟ وهل استطاعت تلك الكليات تأهيل منتسبيها وطلابها تأهيلاً علمياً وأكاديمياً يتواكب مع تقنيات العصر؟
طلاب الزراعة دراسة بدون معامل شارفت الكلية على إنهاء عقدها الثالث منذ تأسيسها عام 1984، كانت تشمل بصفة مؤقتة جانباً من مباني كلية التجارة، وفي 1989، وجه الدكتور عبد العزيز المقالح، بصفته رئيساً للجامعة آنذاك، بإنشاء الكلية.
الطالب نبيل معيض (اقتصاد زراعي) مستوى رابع يرى أن "دراسة الزراعة من أهم الدراسات، غير أن مشكلتنا في جامعة صنعاء هي أن الجانب النظري يغلب على الجانب العملي برغم أهمية الأخير".
نبيل الذي يقول إنه عانى وبقية زملائه سنين قاسية أثناء الدراسة، يضيف أن هناك قصوراً في تدريس المواد وأن معامل الدراسة غير متوفِّرة. ويقاطعه زميله هاني "وإذا توفرت تكون قد انتهت صلاحيتها".
أوشك نبيل على التخرّج وبات أقرب إلى أن يدعى "باش مهندس" - حسب تعبيره- ومع تبرّمه من الحصيلة العلمية التي خرج بها من الدراسة خلال سنواته الأربع إلا أنه يلتمس العذر لإدارة الكلية أحياناً نتيجة ضعف الإمكانيات، ويضيف "ولكن هذا لا يعفيها من تحمل مسؤوليتها كاملة تجاه شريحة طلابية مرتبط أداؤها بخدمة المجتمع والنهوض بالوطن". ويرى أن الفساد والمفسدين شريكان في نهب الوطن وليس ضعف الإمكانيات.
ويبدي تخوّفه من كلمة "باش" التي سيُنادى بها مستقبلاً، ويتساءل: "هل فعلاً حصلنا على كافة المعارف في هذا التخصص لنستحق هذا اللقب بجدارة"، مجيباً إدارة الكلية "أعلم بذلك".
دكاترة يهمهم أمر السياسة أشواق الجرباني، طالبة في مستوى رابع، قالت إن "معامل الدراسة غير متوفرة المواد، وإن توفّرت بجهود طلابية يطبق أستاذ المادة والطالب يبقى في وضع المتفرِّج. ناهيك عن صناديق زجاجية، البعض منها فارغة والأخرى توجد داخلها نباتات، لكنها دائماً مغلقة، وإن فُتحت تفتح لأصحاب الدراسات الخاصة".
أشواق التي كافحت أربع سنين عجاف لتحقق حلمها في نيل شهادة البكالوريوس في الزراعة إلا أنها فوجئت بأنها أحد الطلاب الموقوفين من قبل العمادة بتهمة التحريض على التظاهر، إلا أن الاعتذار للعمادة والالتزام بعدم مشاركتها في التظاهرات مرّة أخرى شفع لها بدخول الامتحانات، لكنها - وبحسب قولها- لازالت تتلقى تهديدات بتوقيف شهادتها الجامعية من قبل بعض الدكاترة لخروجها في وقفة احتجاجية؛ تضامناً مع زملائها المفصولين.
وأضافت " لا زلتُ من ضمن قائمة المغضوب عليهم من قبل مدرِّسي بعض المواد والعمادة"، متسائلة: "هل نحن في بلد ديمقراطي أم العكس؟ وهل قرار فصل وإيقاف الطلاب يأتي لتكميم الطلاب بعدم المطالبة بأبسط الحقوق الذي لو وفّرتها رئاسة الجامعة وعمادة الكلية لما احتاج الطلاب للخروج والتظاهر".
أعضاء هيئة تدريس أم حرامية!! يشكو بعض طلاب الزراعة من الاستغلال المادي من قبل بعض الدكاترة عن طريق المقررات الدراسية، حيث يعمل الدكتور على طباعة الكتاب وإيداعه في المكتبة وتحديد سعره بألف وخمسمائة ريال، يُرغم الطالب على أن يشتري الكتاب، وإن كان هناك ملزمة فلا تُقبل، وقد يرسب الطالب إذا لم يشتر الكتاب، كما يقول الطلاب.
كما يعاني طلاب الزراعة من تغيّب بعض المدرِّسين الذين هم مرتبطون بأعمال أخرى تجعلهم ينشغلون عن التدريس في الكلية، خاصة وأن هناك مواد تخصصية يفترض فيها التطبيق، بالإضافة إلى سعي العمادة من تقليص التسجيل في النظام العام، وأتاحت أكبر عدد للموازي.
قاعات دراسية للإيجار بدلا من أن تحرص عمادة الكلية على توفير القاعات لتدريس الطلاب تقوم بتأجيرها للمناسبات والاحتفالات، يقول طلاب الكلية إن قاعة "علي ولد زايد" التابعة لطلاب المستوى الثاني تؤجّر يومياً للمناسبات والاحتفالات ومناقشة رسالات الماجستير وبأسعار متفاوتة على أن يدفع طالب الماجستير 10 آلاف ريال إيجار القاعة، أما منظمات المجتمع المدني والتي تقيم فعاليات وندوات فيكون الإيجار 60 ألف ريال، ناهيك عن جهات معيّنة تستأجرها ب30 ألف ريال، ويظل الطلاب يبحثون عن قاعة بديلة.
وأبدى الطلاب استغرابهم هل القاعة تابعة للمبنى الحكومي أم أنها قطاع خاص؟ متسائلين: "إلى جيب من تروح فلوس الإيجار على مدى العام، وخاصة أن القاعة لا يمر يوم بدون مناسبة من المناسبات".
رؤساء الأقسام يستلمون ميزانية المعامل نائب عميد الكلية حدثنا على عجالة أنه تم توزيع مبالغ مالية على رؤساء الأقسام؛ أكبر مبلغ 500 ألف ريال وأقل مبلغ 150 ألف ريال لقسم المحاصيل لتفعيل الأنشطة المعملية، وأن دورهم كعمادة تحويل الفلوس إلى رؤساء الأقسام، قائلاً: "اذهبوا و أسئلوا رؤساء الأقسام؟". ذهبنا إلى حيث أمرنا لكننا فوجئنا بجميع المكاتب مغلقة.
أمين الكلية أحمد رمضان بدوره أطلعنا على بعض الوثائق التي تبيّن توزيع ميزانية المعامل الموزّعة على 9 أقسام، وأن الرسائل عند رؤساء الأقسام منذ أسبوعين، ولم تصل المواد المعملية إلى الآن. ما عدا قسمين لم يفصح عنهما.
وقال: "أول مرّة يتم توزيع الفلوس على رؤساء الأقسام مباشرة في ظل وجود العمادة الجديدة".
وأضاف رمضان "نسعى عند جهات ومنظمات دولية للحصول على أدوات معملية"، وذكر زيارة السفير الصيني وتقديمه بعض الأجهزة المعملية وخمسة أجهزة "لابتوب" وكتباً للمكتبة.
لكن الطلاب أبدوا استغرابهم من ذلك، وقالوا "إذا كان ما قاله نائب العميد وأمين الكلية صحيحاً فلماذا لم تكلّف لجنة بمتابعة وتحرِّي رؤساء الأقسام؟".
العمل على الطلاب والبيض والحليب للدكاترة هكذا يبدي طلاب الزراعة تذمرهم من تصرف عمادة الكلية، تسمع بعض الطلاب من يردد عبارة "الشغل على الطلاب والفائدة للدكاترة"، الطالبة أفنان قسم علوم تغذية تقول: "يأتي الدكتور في الصباح ليأخذ نصيبه من الحليب والبيض، والطالب يباع له بنفس السعر في السوق، ومن المفترض أن يكون للطالب تخفيض ولو بنسبة 50% لكي يشعر الطالب أنه عنصر فعّال".
وأضافت "الجامعة تشبه صحراء الرّبع الخالي، ومن المفترض أن كلية الزراعة تعمل على تشجيرها ابتداءً من أمام الكلية من خلال عمل تطبيقي للطلاب، وأن تغطي العاصمة من الحقين والبيض".
أما الطالب صالح عبد الله قسم إنتاج حيواني، شكا بحدّة من تعسف الموظفين للطالب، يقول: "العشوائية هي السائدة لا تُوجد لوائح منظمة لسير العملية التعليمية حتى يعرف كل شخص دوره وعمله وفق النظام. والمعاناة التي يُعاني منها الطالب تتمثل في عدم كفاية المعامل وعدم توفّر الأدوات التي تطبّق بها التجارب، ولا نعلم مبرراً لعدم توفّرها". ويتمنى أن تتجه الكلية إلى إصلاح المعامل وتحديث المناهج وإيجاد دكاترة ثابتين بدلاً من القرارات الارتجالية التي تُربك الطالب أحياناً.
ونشير هنا إلى كارثة حدثت في الكلية في العام 2004، أدت إلى نفوق اثني عشر بقرةً في الكلية وإصابة عشرة طلاب بالتسمم إثر خطأ بسيط في استخدام مادة "الديازينون" لرش الأبقار حتى تقضي على القمل.
يتمنّى الطلاب أن يلامس كلامهم آذان عمادة الكلية والجهات المعنية لتصحيح الوضع في الكلية، ويحلموا أن يصبحوا يوماً ليروا كليتهم خالية من الفساد، ويرى التطبيق طريقه إلى كليتهم الذي حُرمت منه منذ سنوات عدة.