رغم ان وثيقة بنعمر برزت كضرورة ومثلت مخرجاً وحيداً للطريق المسدود الذي بدا لائحاً في أفق الأداءات داخل فريق القضية الجنوبية ولجنة 8+8 المنبثق عنه، إلا ان المخاوف بشأنها تكتسب أيضاً دوافع ذات أبعاد منطقية الى حد كبير. واقع الأمر ان الوثيقة جاءت لإخراج فريق 8+8 من عنق زجاجة الأقاليم عبر إعادة إنتاجه في صورة لجنة جديدة تحت مسمى الآلية، على اعتبار ان فريق ال16 لم يعد بتلك الموثوقية لدى الرأي العام لاتخاذ قرار بشأن حدود وعدد اقاليم الدولة الاتحادية كنتاج للخلافات والتدخلات التي عصفت بمجمل اداءاته وهو ما استدعى ضرورة انشاء كيان آخر يحظى بأدنى درجات القابلية لدى الشارع ويتصف بالتحلل من معظم العقد والازمات التي عصفت بفريق ثمانية زائد ثمانية خلال يوميات الحوار.
المخاوف الراهنة بشأن قضية الأقاليم والتفاصيل التي أوردتها الوثيقة بهذا الشأن لا تلغي نقاطاً أخرى ذات طابع إيجابي، ومنها مثلاً حديث الوثيقة عن نظرية الديمقراطية التشاركية التي تجسد مصطلحاً متسقاً مع الديمقراطية التوافقية، على اعتبار ان وضع البلاد خلال مرحلة ما بعد الحوار لن يكون مهيئاً للانسياق في إطار حكم ذا طابع إزاحي (ديمقراطية الأغلبية) وهو بالمناسبة الخطأ الذي وقع فيه شركاء وحدة 22 مايو 1990.
شخصياً لا أعتقد ان الجنوبيين يمكن ان يحظوا بضمانات فعلية لحقوقهم كتلك التي منحتها وثيقة بنعمر التي لم تقتصر على التشدد في مسألة التناصف الندي بين الشمال والجنوب فحسب، بل وتضمنت ما سيُعرف في المستقبل ب "حق النقض الجنوبي" او الفيتو الجنوبي حيث سيكون من حق الجنوبيين الممثلين في كل الهيئات القيادية على المستويات الثلاث الاتحادية والاقليمية والمحلية (الولايات) استخدام هذا الحق لإعاقة اتخاذ اي قرار يمكن ان يتسبب في الاقتراب من ما اسمته الوثيقة ب "المصالح الحيوية للجنوب".
بصرف النظر عن التباينات الراهنة بشأن وثيقة بنعمر، والمخاوف المتصاعدة حول كثير من الافكار الجدلية الواردة في سياقاتها النصوصية، غير ان مسألة اعتمادها والمضي قدماً في تطبيقها يبدو أمراً ضرورياً لسببين أساسيين أولهما انعدام وجود حلول بديلة تحظى بأدنى درجات التوافق لحل القضية الجنوبية، وثانيهما: فشل الحوار الذي بدوره سينعكس على معظم الأوضاع في البلاد بصورة يمكن لها ان تهدد مسار ومستقبل التسوية الراهنة برمتها.