لا يمكن الحديث عن صحافة يمنية مستقلة مؤثرة وفعالة في وضع "أعوج" يتحمل الصحفيون جزءاً من مسؤولية إنتاجه، وهم أكثر ضحاياه. بداية التشخيص يمكن أن تتم بنظرة فاحصة إلى العلاقة بين مثلث "الإعلام، الجمهور، النخبة" إذ إن المثلث الذي يتغول فيه أحد الأضلاع لا يمكن أن تكون النتيجة إلا شكلاً متطرفاً ومشوهاً للعلاقة بين الأطراف الثلاثة.
تلك خلاصة حكاية عنوانها "الصحافة والإعلام في اليمن".
يكتب الصحفيون اليمنيون فقط على أمل أن تقرأ النخبة السياسية، ولا يأبهون كثيراً لوجود طرف ثالث هو الجمهور، الغائب والمغيب لاعتبارات كثيرة، وهذا يفسر جزئياً هيمنة وطغيان المضمون السياسي في مجمل الأداء الصحافي.
عندما يكتب الصحافي اليمني (غالباً) فإنه إنما يكتب استجابة للصراع السياسي، ولا يبذل جهداً كافياً للاحتفاظ بمسافة معقولة يستطيع من خلالها القارئ أن يميز بين الأداء الإعلامي المحترف والاشتباك السياسي الذي يجعل الصحافة مجرد لافتة سياسية، والصحافي مجرد "دوشان"!
يخسر الصحافي كثيراً عندما يحرر عنواناً مراوغاً ومخادعاً وبعيداً عن التفاصيل التي تستظل به.
يخسر الصحافي كثيراً عندما يوظف الصورة توظيفاً مروعاً للتشفي أو لتسجيل النقاط في مرمى خصوم السياسة. يخسر الصحافي كثيراً عندما يصبح مجرد "صدى صوت" لفرقاء الصراع السياسي والطائفي والأيديولوجي.
يخسر الصحفي كثيراً عندما يضع لنفسه هدفاً واحداً "ينصع" عليه ليل نهار، بالحق وبالباطل، وبسبب ومن غير سبب.
خسارة الصحافيين اليمنيين بالمعنى السابق لا ترتبط بغياب مواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة، التي تصبح "كذبة كبرى" مالم تكن حاضرة منذ البداية في المحاضن الأولى للتربية: الأسرة والمدرسة والجامعة والسوق، ومجموعات اللعب في الحارات والشوارع.
الصحافي اليمني ضحية أطراف عديدة، تبدأ بأدائه الذي ينحت من رصيده المهني، وتنتهي بالصعوبات المالية والمؤسسية التي تسهل عمليات الاستقطاب والتبعية. ورغم وجود أصوات وأقلام مهنية رفيعة إلا أنها تضيع وسط الركام، ولا تكفي لصناعة صحافة يمنية حقيقة ومؤثرة.
مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي قدم في الأيام الماضية إشارات قوية ومهمة في هذا الاتجاه، عندما أكد أن الحل يبدأ بالاستثمار في الإعلام وعدم ترك المجال لناهبي المال العام، الذين نجحوا حتى الآن في اختطاف أصوات صحفية وإعلامية مهمة ومؤثرة في الساحة.