قلمي يرتعش بين أصابعي، أجد صعوبة كبيرة في البحث عن تبريرات مقبولة للشهداء الذين سقطوا في "جمعة الكرامة" – 18 مارس 2011 - في ذكراها الثالثة، الكتابة عمّا جرى في "جمعة الكرامة" هي كتابة بدم القلب، غوص في أكبر جراحنا الوجدانية بشاعة، سفر من رحلتنا التاريخية العامرة بالمآسي والآلام، ولا ثمة عزاء غير أننا شعب يمتلك قدرة عجيبة على نسيان مواجعه، نلتفت إلى الوراء لنرى حجم خسائرنا الفادحة، لذلك تبقى تضحياتنا بلا ثمن، ومع ذلك لا نرعوي عن الاحتفال بالمواجع. لقد مثلت "جمعة الكرامة" لحظة فارقة في التاريخ اليمني، أو هكذا كُنا نعتقد، بعد ثلاث سنوات عن تلك اللحظة لا نملك ما نقدمه لشهداء تلك الملحمة سوى أعذار إدانة لنا جميعاً أمامهم.
بودي العثور على برهان واحد ينقذنا من مأزق الوقوع في محاكمة أخلاقية أمام الشهداء لتفريطنا بدمائهم الطاهرة، كون من ارتكبوا تلك المجزرة طلقاء بل وينصبون المحاكات لبعض شبان الثورة في مفارقة عجيبة.
لقد أسقط شهداء "جمعة الكرامة" النظام العائلي في وحل العار، وجردوه من كل ما يمت الإنسانية بصلة دون اكثرات بشهادات إنتسابهم للثورة أو البحث عن مغانم مفترضة, فماذا عنا -نحن المزايدين بثوريتنا-؟ ماذا فعلنا لأجلهم؟
إنه لمن المؤسف حقاً ألاّ نملك ما نسوِّقه في هذه المناسبة غير تبريرات العجز الفاضح والخذلان المعيب, استثمرنا دماءهم في تسويات مشبوهة.
لم يساورنا أدنى شك في أن مجزرة "جمعة الكرامة" كانت بمثابة ضريبتنا الفادحة للعبور إلى مرافئ الأمان والعيش الكريم.
أفرطنا في التفاؤل ربّما لدرجة كبيرة، ولم يدرْ بخلدنا حينها أن يثبت علينا جحافل عصور الظلام والتخلف لتفرض علينا منطق الرق والعبودية وتجبرنا بقوة السلاح على العيش تحت رحمة شريعة الفرز المذهبي والطبقي المظلم والإذعان بالولاء للسيد صاحب السلالة الطاهرة الوحيد.
لا نملك ما نقوله في ذكرى "جمعة الكرامة" غير أن شهداء تلك المجزرة سقطوا وكرامتهم مرفوعة عالياً, بينما نعيش نحن بلا كرامة ونموت يومياً بلا قضية، فكم "جمعة كرامة" يا ترى سنحتاج لبلوغ حلمنا البسيط؟ وكم من المجازر تستوجب الاحتفال بها حتى نستحق الحياة بحربة؟