لا تصنع حضارة لأنهما فعل متناقض، فالوثنية تُقدِّس الماضي وما يرتبط به في إطار ثقافة الموت، والحضارة هي فعل إنساني يتصل بالحياة كمتوالية إيجابية تجاه المستقبل. منهجية العقل العربي لا تزال تضع الموت بمبالغة مفرطة؛ باعتباره أنبل الأشياء في الوجود.
لا نزال نجد السلبية فينا تجاه كل ما يتصل بالحياة ونُستفز بكل حدث يتصل بالحياة فكرةً وسلوكاً ومنهجيةً.
لا ننصف البشر المؤثرين في الشأن العام في حياتهم بل نضع كل العراقيل أمامهم حتى إذا ما فارقوا الحياة نقدّس سيرتهم حد الاستلاب والتماهي مع الماضي؛ كونه أقل كُلفة من التعاطي الإيجابي في حياتهم.
هذه الذهنية في طبيعتها هي ذهنية وثنية شكّلت حالة من الانحراف في كل مجالات الحياة حتى العقيدة، وما كان يغوث ويعوق ونسرا إلا شخصيات صالحة وإيجابية في حياتهم حولهم استعداد العقل العربي إلى حالة من اللعنة على الحاضر والمستقبل بالمبالغة المفرطة لسيرتهم وتقديسها.
الحضارة هي فعل المستقبل ولذلك كان موقف أبي بكر من موت رسول الله هو الذي غيّر مسار هذه الذهنية من المحسوس الذات المقدّسة إلى قدسية المبدأ وسيرورتها "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فالله حيٌّ لا يموت".
إنه العقل الاستثناء الذي شكل بداية انطلاقة الحضارة التي امتدت لكل الجغرافيا حتى بلغت الأندلس في ذروتها المعرفية والفكرية.