رسالة قوية وجهها مجلس القضاء الأعلى للقضاة إبان اجتماعه يوم الاثنين الماضي. "إجراءات غير قانونية". هكذا وصف اجتماع القضاة تشكيل ما كان يفترض تسميته بالرابطة اليمنية لأعضاء السلطة القضائية، والذي أفشلت قوات الأمن إنشاءه.
كلّف ذلك الاجتماع المزعج للسلطة القضائية مجلس القضاء برئاسة رئيسه رئيس المحكمة العليا، القاضي عصام عبدالوهاب السماوي، عقد اجتماع عاجل لبحث الأمر.
خرج اللقاء بالتعبير عن "أسف المجلس للجوء بعض أعضاء السلطة القضائية إلى مثل هذا السلوك وهم يعلمون بوجود المنتدى القضائي الذي ينضوي تحته كافة أعضاء السلطة القضائية".
المجلس وجّه ما يشبه التحذير لجميع أعضاء السلطة القضائية "بعدم الانجرار وراء أية دعوات تهدف إلى تسييس السلطة القضائية تحت أية دعوى من الدعاوى وذلك حرصاً من المجلس على عدم وقوع أي عضو من أعضاء السلطة القضائية تحت طائلة المساءلة القانونية".
بيان المجلس الذي صدر عن اجتماع الاثنين لم يتحدث عن مهام المنتدى القضائي لكنه انتقل مباشرة إلى عمل المجلس وأنه "يعمل على دراسة تقارير التفتيش الدوري وتقديرات الكفاءة لأعضاء السلطة القضائية تمهيداً لإجراء الترقيات المستحقة باعتبار أن المجلس هو المعني بضمان حقوق أعضاء السلطة القضائية وفقاً للقانون والإمكانيات المادية المتاحة".
بدا القضاة وكأنهم فتحوا النار على الحكومة من خلال محاولة تشكيلهم لهيئة نقابية ناطقة باسمهم ومطالبة بحقوقهم، لكن الأمر ظهر أنه صعب للغاية، وأخرجوا من قاعة الاجتماع بالقوة العسكرية وأغلقت قاعتهم.
ما يقرب من مائتي قاض اجتمعوا في العاصمة صنعاء نهاية الأسبوع المنصرم وذلك للتشاور وتشكيل هيئة تأسيسية وإشهار ناد لهم يريدون تسميته "الرابطة اليمنية لأعضاء السلطة القضائية".
الفكرة أخذت من القضاة أربعة أعوام من الإعداد والتواصل، لكن قوات الأمن أنهت الأمر في دقائق وكانت لهم بالمرصاد، فطردتهم من القاعة التي كانوا يجتمعون فيها وأغلقتها بناء على توجيهات من قبل وزيري العدل والداخلية.
يقول القاضي عبدالرحمن دبوان، مقرر اللجنة التحضيرية لتأسيس نادي القضاة، ل"المصدر أونلاين": إن النادي أزعج وزارة العدل والهيئات القضائية العليا لأنه سيشكل نواة للمطالبة بحقوق القضاة وستقض مضجعهم نظراً للتغافل عن تلك الحقوق.
ويتهم القاضي دبوان مجلس القضاء الأعلى -وهو أعلى هيئة قضائية في اليمن- بالمشاركة في هذا المنع، مورداً أن "قيادات مجلس القضاء الأعلى نسوا الظلم الذي كان واقعاً عليهم، واليوم يرتكبون مخالفة قانونية ودستورية بإغلاق القاعة، وخالفوا الدستور الذي يكفل لكل الفئات حق التشكيل والانخراط في العمل النقابي، وهو الأمر الذي يسري على القضاة وأعضاء النيابات".
وأضاف إن "أكثر من 500 قاض لم يتم منحهم كافة حقوقهم، ويبحثون عن حقهم في الترقية وحقهم في السكن وحقهم في الحصول على وسائل مواصلات، وفي الرعاية الصحية، وكذلك الترقيات التي تمنح للبعض وتمنع عن آخرين وقد تضررنا من عدم الترقيات".
وقال إن "الذين يحصلون على الترقيات هم المحسوبون والمقربون وليس المستحقون، وهذه الأشياء يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فكيف تطالب قاضياً أن يكون عادلاً وهو مظلوم أساساً".
واعتبر أن "النادي يصبو إليه جميع القضاة وسيخدم الجميع" متسائلا: "لماذا نمنع نحن من تشكيل ناد أو نقابة تخصنا مثلنا مثل أي مهنة ومثلنا مثل أي بلد؟".
وأضاف: "يفترض به أن يكون أول من ينفذ أحكام القضاء لصالح القضاة الذين رفعوا دعاوى عليه وكسبوها لكنه لا ينفذ تلك الأحكام".
لم تجد السلطات الرسمية الكثير من المبررات غير أنها قالت "إن الذين اجتمعوا لتشكيل النادي هم من القضاة المتقاعدين الذين ليس لهم عمل. لكن القاضي دبوان نفى ذلك وقال إن كل القضاة الساعين لإقامة النادي هم من الفاعلين، وكثير منهم رؤساء محاكم وأعضاء نيابات، معتبراً أن الأمر يأتي "للتقليل من شأن القضاة وشأن النادي".
أما عن "المنتدى القضائي" فإنه قال إنه كان الجهة التي تمثل القضاة، وكان فاعلاً "لكنه أجهض عام 1996 حين تم تغيير النظام الداخلي وأصبح بموجب ذلك التغيير يرأسه رئيس مجلس القضاء الأعلى" في حين يفترض أن تكون الجهات النقابية مستقلة ويتم انتخاب هيئتها من قبل الأعضاء كما كان في المنتدى وليس بالتعيين.
المنتدى يعتبره القضاة منتدى حكومياً وليس نقابياً ولا يستطيع أن يطالب بحقوق للقضاة كون رئيس المنتدى هو الرجل المسؤول عن الحقوق للقضاة.
وزير العدل كان قد بعث بمذكرة لوزيرة الشئون الاجتماعية والعمل المخولة بمنح تراخيص النقابات, أكد فيها على تمسك الوزارة برأيها بالاعتراض وعدم الموافقة على طلب أعضاء السلطة القضائية بإنشاء وتأسيس وإشهار الرابطة اليمنية لأعضاء السلطة القضائية.
واعتبر الوزير أن هناك كيان "المنتدى القضائي" وأن إنشاء أي كيان آخر تحت أي مسمى ليس له ما يبرره من الجانبين القانوني والعملي.
يضيف القاضي دبوان: "إن القضاة سيصرون على إنشاء المنتدى ولن يتراجعوا عن هذا المطلب كونه الكيان الوحيد الذي سيحقق لهم مطالبهم، وكونه أحد حقوقهم التي كفلها لهم الدستور والقانون اليمني، إضافة إلى اعتباره نقابة مهنية مثل كل المهن التي أنشئت لها نقابات تمارس حقها في المطالبة والحماية".
أشعلت الإجراءات الحكومية تلك الرأي العام، وعبرت عدد من منظمات المجتمع المدني عن وقوفها إلى جانب القضاة لتشكيل هذا المنتدى.
من جهته، دعا رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) المحامي محمد ناجي علاو مجلس القضاء الأعلى إلى إحياء "المنتدى القضائي" الذي اعتبره "منتهي الصلاحية منذ العام 1996".
وطالب في تصريح ل"المصدر أونلاين" بضرورة الفصل بين إدارته وأي منصب في القضاء، معتبراً أن ما دفع القضاة لتشكيل الرابطة اليمنية لأعضاء السلطة القضائية هو التعطيل الرسمي للمنتدى، ويمكن حل الأزمة بإعادة إحياء المنتدى وأن يكون له قيادة جديدة.
وكشف علاو عن معلومات تقول إن الأموال التي جمعت باسم المنتدى قد بلغت أكثر من مليار ريال حيث يستقطع له من أموال أعضاء السلطة القضائية.
وتحدث علاو عن حق القضاة في تشكيل منظمات ونقابات لهم، مشيراً إلى أن المادة 58 من الدستور اليمني أكدت على حق المواطنين في تشكيل وإنشاء منظماتهم المهنية والنقابية والسياسية والاجتماعية، واصفاً تلك المادة بأنها فريدة لأنها لم تحل هذا الحق إلى مادة في القوانين.
وأضاف: إن أي حديث من أي سلطة تحظر على أعضائها حقهم في التنظيم المهني والنقابي يعتبر اعتداء على حق دستوري أصيل لأصحاب هذه الفئة أو الشريحة أو المهنة.
وأشار إلى موضوع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها اليمن مذكراً باتفاقية فيينا الدولية بشأن القضاء وهي من الاتفاقيات التي صادقت عليها اليمن، إضافة إلى الإعلان العالمي بشأن استقلال القضاء والمحاماة وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يقرر حق القضاة في إنشاء نقاباتهم ومنظماتهم المهنية التي لا تتعارض مع كرامة القضاء.
واعتبر ما قام به القضاة الأفاضل من ترتيبات لإنشاء الرابطة اليمنية لأعضاء السلطة القضائية إنما يأتي في إطار التنظيم المطلبي لقضايا حقوقية متصلة بحماية حقوقهم المالية والمهنية والإدراية وما من شأنه القيام بوظيفتهم بشكل آمن يشعرون فيه بأن العدالة قد تحققت لهم أولاً، وبالتالي فإنهم سيكونون قادرين على منحها وإعمالها على أطراف القضايا التي يفصلون فيها.
وقال إن القاضي المهضوم لا يمكن أن بأي حال أن يؤدي واجبه في حماية حريات الناس وحقوقهم بالشكل الأمثل الذي يتطلع إليه الناس.
علاو رأى إن من المفترض على المجتمع بجميع أشكاله السياسية والمهنية والاجتماعية أن تحرص وتدافع على حقوق السلطة القضائية بما فيهم مجلس القضاء الأعلى باعتبار أن حمايتهم لهذه السلطة إنما هو حماية لحريات الكل ودمائهم وأموالهم وأعراضهم.
وشدد على ضرورة أن لا يكون لأي جهة سلطة على القضاء أو تأثير على أعضاء السلطة القضائية، معتبراً التقصير في الوقوف مع القضاة هو تقصير في حق أنفسنا من خلال عدم حمايتنا لحصن الحرية الذي هو القضاء لأن حرية الناس كلهم مرتبطة بحسن أداء هذه السلطة من القضاة وأعضاء النيابة.
وقال علاو: "أريد توجيه رسالة إلى مجلس القضاء الأعلى وقضاته الأجلاء الذين نحترمهم ونجلهم ونعرف التركة التي ورثوها بعد أن تراكمت عقوداً طويلة من نقص في القضاة وإهمال شبه كامل لهذه السلطة نتيجة للظروف الماضية، ومع هذه التركة الثقيلة التي آلت إليهم فإن من مصلحة حسن أدائهم هو حسن معالجتهم لهذه القضايا وعدم الادعاء بأن كل شيء تمام، ويجب التسليم أننا بحاجة إلى صياغة التشريع الذي ينظم السلطة القضائية، وبحاجة لوقت ومال لمعالجة الخلل المتراكم".
وتابع: "أريد أن أذكرهم أن (المنتدى القضائي) الذي تحدثوا عنه قد جمد منذ العام 1996 ومنذ أن تم تعطيله عبر تعديل نظامه الأساسي لجعل رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس القضاء رئيساً له".
وأضاف: "لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون الهيئة الإدارية التي يتم الرقابة عليها مراقبة لنفسها، معتبراً أن الخلل في قانون السلطة القضائية الحالي هو أن منصب رئيس المحكمة العليا منصب قضائي ويفترض أن يكون منفصلاً عن المنصب الإداري".
ورأى أن الخلل منذ العام 1996 لا زال قائما، مشيراً إلى أنه لم يتم تغيير رئيس المنتدى منذ ذلك العام والذي كان يفترض أن يتم تغييره بعد أربع سنوات أي في عام 2000، لكن الأمر لم يتغير منذ ذلك التاريخ، وصار المنتدى في حكم المتوفي والمنتهي صلاحيته حيث لم يعد لديه أي وجود على أرض الواقع.
وطالب بإعادة إحياء المنتدى وإعادة انتخاب رئيس له بحيث يكون قاضياً عضواً في المحكمة العليا لكنه متفرغ لإدارة المنتدى.