منذ قرابة عقد ونصف واليمن تتلظى بنار الإرهاب وتذوق الويلات جراء الجنون الذي انتاب فئة من الناس الذين أدمنوا نشر الموت والخراب في أرجاء البلاد. هي "القاعدة" التي كانت ترفع شعار مواجهة أمريكا و"الغرب الكافر" لتتخلى عن ذلك الشعار تماماً قبل أن تبدأ معركتها مع "الغرب الكافر" ويتجه عناصرها ببندقياتهم ومتفجراتهم نحو أبناء دينهم ووطنهم.
كان النظام طوال الفترة الماضية يعلن محاربته للقاعدة وسواءً كان جاداً أم لا، لكنه أخفق في كسر شوكتهم وبلغ الإرهاب ذروته في آخر أيام المخلوع صالح حين سلم لهم محافظة أبين بكاملها ليقيموا عليها "إمارتهم الإسلامية"، وحصلوا على عدتهم وعتادهم من مخازن الجيش بطرق يعرفها الجميع أهمها استيلاؤهم حينها على المقار الأمنية والعسكرية في زنجبار دون أدنى مقاومة.
كان كثير من الأطراف السياسية والفئات المجتمعية لا يثقون في إدارة صالح للمواجهة مع القاعدة، وكان الشعور السائد لدى الجميع أن الرجل ظل يستعملها ورقة لابتزاز الداخل والخارج.
غادر صالح كرسي الحكم وبقيت القاعدة، مستفيدة من فترته الذهبية التي كانت سمتها الغالبة المناورة والمداورة، وفي أسوأ الأحوال يؤدب أحدهما الآخر بضربات متفاوتة التأثير.
ومنذ شن الجيش مطلع 2012حرباً على مجاميع القاعدة التي أقامت إمارتها في أبين وطهرها منهم وأنهى سيطرتهم على تلك المناطق، كان ذلك في نظري هو بداية الحرب الحقيقية على التنظيم وكانت فاصلة في مسيرة التعامل مع الإرهاب.
غادرت مجاميع القاعدة أبين، وتوزعت بين محافظاتأبين وشبوه والبيضاء لتشن هجمات متقطعة تستهدف الجيش والمنشآت الحيوية، وخسر البلد في هذه الهجمات العشرات من أبطال القوات المسلحة والأمن، وكان ذلك يعني أن القاعدة تراجعت عن استراتيجية السيطرة على الأرض الى استراتيجية الهجمات المباغتة والموجعة، وكان لزاماً على المعنيين بأمن البلد أن يتحركوا لاجتثاث هذه العناصر التي لا تزال تجد من يدعمها ويمولها بالمال والسلاح، وفي الجانب الآخر من يدافع عنها تحت لافتات عدة بقصد أو بدون قصد.
ومع اشتداد المواجهة وثقتنا أن لعبة المناورة والابتزاز قد انتهت، فقد بات واجباً علينا أن نقف صفاً واحداً خلف أبطال الجيش والأمن لمواجهة هذه العصابة الهمجية الغاشمة التي باتت تقتل دون أن تحتاج لأن تفكر أو تسأل نفسها لماذا تقتل وعلى أي دين أو ملة تقتل.
لم يعد هناك مجال للمزايدة في هذا الموضوع أو التعامل معه كميدان للمكايدة بين أصحاب التوجهات المختلفة، فالقاعدة عندما تهجم لا تعطي بالاً لأي موانع أو محرمات.
وأدعو أصدقائي الحقوقيين والناشطين الذين يبدون مزيداً من التعقل والإنسانية في غير محلها، ويطالبون الدولة أن تتعامل مع هذه العصابات وفق القانون وأن تستدعيهم الى المحاكم، أن يتذكروا أن هذه العصابات الإجرامية لا تعترف بهم ولا تعترف بالدولة ولا بالمحاكم والقانون الذي يتحدثون عنه، وعليكم أن تتعاطفوا مع مئات اليتامى والأرامل والأمهات الثكالى الذين كانوا ضحية عصابات القتل الأعمى طوال السنوات الماضية.