بعد قرابة سنتين من التشويش، واللمز، والغمز، والتعيير، والاتهام غير المباشر بخيانة المؤتمر والزعيم، وتدبير المؤامرات؛ تنفذ جماعة المؤتمر الموالية للرئيس المخلوع علي صالح هذه الأيام مهمة صعبة في التقرب للرئيس عبد ربه هادي، وإعلان الولاء التام له، وإظهار الود له والحزن مما يلاقيه من المشترك والإصلاح خاصة! حالة الوجد والحب المفاجيء هذه لا تقتصر على الرئيس؛ بل تتسع لتشمل أيضاً أبناء الرئيس الذين يتعرضون- وفقاً للملعنة المؤتمرية الجديدة- لحملات تشويه واتهامات بالفساد.. والنتيجة التي يخرج بها مؤتمر المخلوع من هذا الطرح هو: ضرورة إعلان انفصال الجنوب على يد هادي. أو الخروج إلى عدن والاحتماء بالجنوب بعيداً عن مراكز القوى الشمالية الموالية للإرهاب الداعمة له المستفيدة منه! ليس من الصعب إطلاقاً أن نتذكر أن أجهزة إعلام المؤتمر الشعبي العام الممول من المخلوع وابنه وأبناء أخيه هي التي قادت وما تزال الحملات ضد الرئيس هادي وابنيه.. وهي التي نشرت مواد إعلامية كثيرة عن الفساد المزعوم في مكتب ابنه فيما يتعلق بالقرارات الجمهورية المتكدسة والني لا يفرج عنها إلا بمقابل مادي! وليس صعباً أن نتذكر أن رموزاً مقربة جداً من المخلوع علي صالح هي التي قادت هذه الحملات القبيحة (أو التي صارت قبيحة الآن) ضد هادي وابنيه! وليس منسياً أن ابن الرئيس السابق وابن أخيه يمولان صحفاً تفرغت للإساءة للرئيس هادي وابنيه بوقاحة تعكس حقيقة الحقد الذي يكنه صالح وعائلته للرئيس الذي أطاح بهم من قيادة الجيش والأمن، وفاجأهم بأنه لن يكون طيّعاً في أيديهم كما كانوا يتوقعون! وقد كان في مقدمتهم: المناضل المؤتمري المحب للمخلوع المدعو ياسر اليماني الذي تفرغ منذ الإطاحة بزعيمه للإساءة لهادي وحكمه وكل ما يمثله بأسلوبه الفج الذي يسيء لداعميه ومموليه، ويفضح أمام الملأ حقيقة أهدافهم! وليس في هذا أي افتراء على ياسر اليماني (أحد كبار المساعدين الخصوصيين للمخلوع لشؤون البلطجة والإسفاف)، فهو نفسه يعترف قبل يومين؛ وهو يتظاهر بالغيرة والدفاع عن الرئيس هادي وابنيه؛ أنه كان دوماً من أشد منتقديه.. لكن بعد أن جاءه الوحي من غار مركز الكميم قرر أن الوقت قد حان للكف عن الإساءة لهادي، وتغيير الباروكة والمكياج، والبدء في حملة للدفاع عن هادي وابنيه ضد مراكز القوى في صنعاء التي تدعم الإرهاب، وكان أول عمل أو نصيحة يقدمها للرئيس مكونة من خيارين لا ثالث لهما: - إما أن يعلن هادي انفصال الجنوب عن الشمال، ويقود الانفصال بنفسه! - أو العودة إلى عدن والجنوب والاحتماء فيه من المؤامرات الشمالية ضده! (هذا التحول الإعلامي من التشويش والإساءة إلى التأييد وإبداء الغيرة على الرئيس هادي يمكن أن نلاحظه أيضاً في بعض صحف الحوثيين، وخاصة بعد بدء الحملة العسكرية على مواقع القاعدة في أبين وشبوة، والحوثة هم الذين كانوا ينددون مثل المؤتمريين بوقوع يمن هادي تحت الوصاية الأجنبية والنفوذ الخارجي! وإن كان موقفهم يفسّر بالخوف والرجاء في وقت واحد: الخوف من تعرضهم لنفس ما تتعرض له القاعدة الآن، والرجاء أن تتحقق أمنية محركي اليماني فيخلو الشمال لهم!).
****** من الاستخفاف بالعقول أن يقال إن اليماني بدعوته لهادي لقيادة الانفصال كان يعبر عن نفسه، ولا علاقة لأحد بذلك، لأنه جهاز دفع مسبق ويتحدث كما يراد منه فقط؛ وهو من الأشخاص الذين يتكلمون بوحي من شياطين الجن والإنس في المؤتمر.. وهو نفسه الذي أعلن – أيام الثورة الشعبية- أن إجبار صالح على ترك للسلطة سيكون مبرراً لتبني الجنوبيين (!) للانفصال! المسألة إذن أكبر من ياسر اليماني وعقله وتفكيره! وخاصة إذا لاحظنا أن الخطاب المؤتمري يركز منذ مدة على الطرْق دون توقف على أمر وجود خلافات شديدة بين الرئيس والمشترك والإصلاح واللواء علي محسن.. ولا يكاد يخلو عدد من صحيفة مؤتمرية إلا وتحول كتابها إلى عتاة متطرفين في تأييدهم لهادي ضد المشترك.. حتى وإن كانت الصحف نفسها تمتليء بالمواد التي تندد بانهيار الوضع العام في البلاد (تحت ظل رئاسة هادي بالضرورة) تحت شعار: فين أيامك يا زعيم أو سلام الله على صالح! ومائة في المائة هم يقصدون المقارنة بين هادي وصالح ولا يقصدون المقارنة بين صالح وحكومة الوفاق، وباسندوة، أو صخر الوجيه.. وإلا لكانوا قالوا: سلام الله على مجور أو باجمال إن كانوا يقصدون باسندوة.. أو علوي السلامي إن كانوا يقصدون صخر الوجيه؛ حتى تستقيم المقارنة ونفهم من يقصدون بكلامهم! وقبل أيام تباهى المؤتمر رسمياً بحكاية الذي يسافر من صنعاء إلى حضرموت ولا يخاف إلا الله والذئب على غنمه في زمن المؤتمر بقيادة علي صالح، وهذه كانت آخر اللمزات والغمزات من عهد هادي والدولة التي يحكمها؛ دون أن ننسى غمزات الزعيم عن المليارات الأمريكاني التي تركها في البنك عندما سلّم الرئاسة رداً على قول هادي أنه تسلم الرئاسة والخزينة.. فاضية! قلنا إن الأمر أكبر من مستوى عقليات أمثال ياسر اليماني، وهو رجل يوحَى إليه فقط ولا يأتي بشيء من عنده، فمثلاً حكاية اللجوء إلى عدن والجنوب للاحتماء فيه من القوى الشمالية ليست جديدة، فهي ماركة مسجلة باسم الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، وهو الذي نصح قياديين من المحافظات الجنوبية أكثر من مرة (آخرهم د. ياسين سعيد نعمان) بالعودة فوراً إلى عدن والبقاء فيها، وعدم العودة إلى صنعاء! والغريب أن الدعوة وجهت فقط للرئيس هادي ولم توجَّه للمسؤولين الجنوبيين في حكومة الوفاق؛ مما يفضح حقيقة الدعوة وأن لا علاقة لها بالغيرة على الرئيس الجنوبي! سنحسن الظن بالغيرة المؤتمرية المفاجئة على الرئيس هادي، وسنقول: لعلها توبة، ولعلها صحوة وطنية، ولعلها رغبة في التكفير عما سببوه للرجل من مشاكل وعراقيل، وما أثاروه من قلاقل أمنية ومؤامرات في وجهه.. لكن غيرنا قد لا يحسن الظن.. ولذلك نطالب الأخوة المؤتمريين لكي يقطعوا الطريق على القيل والقال وعلى المشككين في موقفهم الجديد من هادي وابنيه؛ نطالبهم بأن يعلنوا رسمياً أن هادي هو مرشحهم الوحيد في الانتخابات الرئاسية القادمة.. وحبذا لو سارعوا فوراً بانتخابه رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام بعد انسحاب الزعيم من قيادته، وتفرغه لكتابة مذكراته! وحبذا لو اعتذروا عن الاتهامات التي كالوها لابنيه حتى تكون توبة.. نصوحاً! لو حدث هذا فسنقول: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء!