طنين العكفة والزنابيل الصادر عن وسائل إعلام مؤتمرية وحوثية غضباً من انتشار الفساد وسقوط هيبة الدولة لا يجوز تجاهله والاستخفاف به.. وأقل القليل أن يخصص رئيس الجمهورية جزءاً من وقته لجبر قلوب الخُبرة وتطمينهم على مستقبل اليمن، وأن الفساد والفاسدين لن ينجوا من العقاب، وأن الدولة ستتجاوب مع مطالبهم لبسط نفوذها في كل مكان! وصحيح أن مشكلة انتشار الفساد في اليمن قديمة وعميقة ومؤسساتية؛ حتى أن المخلوع اضطر مجاراة للمطالب الشعبية أن يعلن ثورة ضد الفساد في نهاية 1995 (الفساد هو الشيء المؤسسي الوحيد الذي نجح في إقامته المخلوع) لكن ذلك لا يمنع من البدء بخطة عاجلة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، والاستجابة للمؤتمريين الذين سينتحرون من وجود الفساد، ولا تخلو صحيفة من صحفهم من التنديد به، والتعريض بأن عهد هادي امتلأ بالفساد كما لم يحدث من قبل؛ وبدليل مشاركتهم الفاعلة: بشرياً ومالياً في دعم مظاهرات ما يسمونه الثورة ضد الفساد!
••• ولأن مكافحة الفساد تبدأ بتغيير الإدارة الفاسدة ومحاسبة الفاسدين؛ فلا بد من البدء من هذه النقطة؛ فعلى سبيل المثال، ولأن المساس بالفساد المؤسسي في وزارات المؤتمر ومؤسساته المدنية والعسكرية صعب، وهم سيرفضون وسيعرقلون أي محاولة للإصلاح بأي حجة؛ فلماذا لا يقود الرئيس هادي حملة سريعة لتنظيف الوزارات والمؤسسات الحكومية التي ليست تحت إدارة المؤتمر.. أي تلك التي تحت إدارة وزراء ومسوؤلين من اللقاء المشترك والمستقلين؟ فمن مظاهر الفساد المؤسسي الأسوأ الذي تركته سنوات المخلوع هذه الهيمنة المؤتمرية الحزبية الكاملة على الجهات المشار إليها من أعلى منصب إلى مستوى مدراء العموم، والتي جردتها من الطابع الوطني للوظيفة العامة، ومن خلال هذه المنظومة تم إدارة البلاد خلال العقدين الماضيين حتى أوصلوها إلى قعر جهنم وانهيار كل شيء فيها! والمضحك أنهم يتباكون اليوم على انتشار الفقر والأمراض، وتدهور الخدمات العامة من الكهرباء إلى التعليم إلى الصحة وبراءة الفساد في عيونهم وفي سطور مقالاتهم. وكأن جمال بن عمر هو الذي تسبب بها وليس ميراثهم الأسود!
تحزيب الوظيفة العامة من أسوأ مظاهر الفساد باتفاق الجميع، ولأن السيطرة المؤتمرية حزبياً على الوظيفة ثابتة، بدليل هذه الضجة المضحكة عن استهداف الكوادر المؤتمرية عند كل تغيير في أي منصب في البلاد (يعني ما فيش غيرهم؟)، وبدليل هذه الشكاوى الباكية على النظام والقانون وتجاوز قوانين الخدمة المدنية في التعيينات (ذوقوا ما كنتم تفسدون!) .. فلأن الأمر كذلك فلتبدأ عملية التطهير فقط بتغيير كل المسؤولين المؤتمريين من منصب نائب وزير حتى المناصب الوظيفية التي صدرت بقرارات من رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة! ومرحلياً يتم البدء فقط بإحلال نسبة 50% من غير المؤتمريين بدلاً عن الموجودين، وعندها سوف نكتشف حقيقة الاحتلال المؤتمري للوظيفة العامة. هذه هي المرحلة الأولى، مع ملاحظة أن الاكتفاء بنسبة 50% مرتبط بتطبيقها بالمضمون نفسه بعد ذلك في الإقطاعيات الحكومية الواقعة تحت الاحتلال المؤتمري.. فإذا رفض المؤتمر قبول تخفيض احتلالهم للوظيفة العامة في وزارتهم ومؤسساتهم إلى نسبة 50% فعندها تعاد الكرة إلى ملعب الجهات الأخرى ويتم تطهير المراكز القيادية من بقية 50% المؤتمرية!
••• الفساد المالي يمكن أيضاً البدء في مكافحته من أجل عيون المؤتمريين المتذمرين منه من خلال تنفيذ عملية: من أين لك هؤلاء؟ وليس من أين لك هذا؟ فقط مع قيادات المؤتمر بدءاً من المخلوع الصالح وأفراد أسرته البارزين وأصهارهم وأنسابهم، وبقية قيادات المؤتمر وخاصة محدثي النعمة الذين اغتنوا في العشر سنوات الأخيرة؛ بحيث يقوم كل واحد منهم بتفسير كيفية حصوله على كل أملاكه وأمواله هو وأفراد أسرته! وهناك أيضاً هذه الملايين الهائلة التي ينفق منها المخلوع على نشاطات حزبه السياسية والإعلامية والتآمرية.. فلا بد من معرفة من أين جاءت وخاصة أنه اعترف جهاراً أن أموال المؤتمر مجمدة في البنك المركزي والمؤسسة الاقتصادية.. فمن أين ينفق؟ بمعنى آخر فهناك أموال أخرى منهوبة او مال مدنس موجود لديهم ولا بد من التحقيق في مشروعيته!
من الواجب أيضاً أخذ اعتراف المخلوع بحصول حزبه على أموال دعم خارجية؛ مخالفة للدستور والقوانين، ومخالفة أيضاً لفتاواه عن أن الدعم الخارجي هو مال حرام مدنس؛ باهتمام والتحقيق في الأمر طالما أنه من مظاهر الفساد الذي لا يجعل المؤتمريين ينامون هذه الأيام حتى أثناء الاستماع إلى.. محاضرات الزعيم!
هذا على المستوى الشخصي والحزبي؛ أما على مستوى الفساد المؤسسي فالأمر أبسط بكثير فلتبدأ عملية مكافحة الفساد من تقارير مجلس النواب، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والهيئة العليا لمكافحة الفساد وغيرها من مؤسسات الرقابة على مؤسسات الدولة خلال 15 سنة فقط.. ويقينا فسوف تقر عيون المؤتمريين بحجم الفساد المكشوف وأعداد الفاسدين الذين سيحالون إلى السجون!
••• أما مشكلة إعادة هيبة الدولة حتى تطمئن قلوب الحوثة فيسلموا السلاح الثقيل؛ فلتبدأ أيضاً من صعدة على أساس أنهم أولى بالمعروف وتغيير المنكر بعزل كل قيادات السلطة المحلية في المحافظة وتعيين قيادات أخرى.. والإعلان عن قرار رئاسي مدعوم بالفصل السابع لإعادة ضم صعدة إلى الجمهورية اليمنية.. وتحريرها من الحوثة فعلاً وقولاً.. ويا ليت لو تم استدعاء قيادات الحوثة المسؤولين عن أحداث عمران وهمدان وأرحب وإحالتهم إلى القضاء، والتحقيق معهم وفق قاعدة: من أين لك هذه المصفحات والدبابات والصواريخ؟
هنا سوف تظهر مصداقية الدعوة إلى وجود دولة قوية كما يطالب الحوثة؛ فمن غير المعقول أن توجد هذه الدولة وقوات البشمرجة الحوثية تتحرك مثل الجيوش الرسمية، ومثل الحرس الثوري في إيران.. فأقل الواجب هو بسط سيطرة الدولة حقيقة في صعدة، وإلغاء كل ما يعارض ذلك عسكرية ومدنياً!
••• كما رأينا المسألة بسيطة جداً.. يمكن مكافحة الفساد وبسط هيمنة الدولة بأقل التكاليف.. ونقصد بأقل التكاليف أن العملية سوف تتم في نطاق الجهتين اللتين تطالبان بذلك.. وقديماً قيل: به.. فابدأ!