ملعنة جديدة يطبخها المؤتمريون، فضحتها غباوتهم المشهورة كما عبر عنها عبده الجندي في تصريحاته الأسبوع الماضي؛ الذي بدا أنه في مهمة مستعجلة لتأكيد رفض المؤتمر وحلفائه لإقرار الجرعة الجديدة في مواجهة الحكومة، وتأييد الرئيس هادي بزعم أنه يرفض الجرعة ورفض استدراج الحكومة له إلى فخ الجرعة في آخر لحظة، وأنه بعد أن تنبه للفخ جعلها مسألة وطنية لا بد أن يقرها الجميع قبل إعلانها.. ووصل الأمر بالجندي في محاولة التبرؤ من الفخ الذي نصبوه هم للجميع إلى تملق الرئيس بصورة مقززة أظهرت الرئيس وكأنه ساذج يمكن التلاعب به، وخداعه؛ من خلال الزعم بأن إشارته لجرعة ضرورية قادمة؛ التي جاءت في خطاب الرئيس في ذكرى الوحدة عن اتخاذ قرارات قاسية لمواجهة أزمة العجز في الموازنة؛ كانت مدسوسة! والرئيس ما كان يقصدها (الخطاب لم يكن مرتجلاً وألقاه أحدهم نيابة عنه!).. وعلى طريقة الجندي؛ وهو يقصد الله في مؤتمره أو سوقه الأسبوعي عندما يتكلم باللهجة التعزية بأسلوب العجائز في غير مناسبة؛ فقد جاءت وصلة التزلف المقيت على النحو التالي:"زعم الرئيييس عبدربه هااادي كان يقصد الجرعة؟ قصف أعماركم والدس! كانوا يشتوم يحنجلموه.. لكن الله سترررر على فخااااامة الرئيييس حفظه الاااااه.. وعرف اللعبة حق المشترك.. وقال لهموه: الجرعة مسؤولية الجمييييع!". أقر أن تمثيلية الجندي أضاءت في ذهني جانباً آخر من المشهد كان غير واضح تماماً؛ إذ يبدو لي الآن بعد تأمل مشهد استجواب الحكومة في مجلس النواب، وأزمة المشتقات النفطية والكهرباء، وحماسة المؤتمريين الشديدة لسحب الثقة؛ أن الفخ الذي نصبته جماعة المخلوع للرئيس والحكومة كان خطة متكاملة على الطريقة المصرية في إثارة المشاكل أمام الرئيس مرسي تمهيداً للانقلاب عليه: تعطيل إنتاج البترول في مأرب.. تفجير الأنبوب بصورة متوالية.. اصطناع أزمة مشتقات نفطية بسبب ذلك.. إيقاف محطة الكهرباء في مأرب سواء بأعمال تخريبية أو بسبب أزمة المشتقات النفطية؛ الناتجة هي الأخرى عن أعمال تخريبية دورية؛ وإغراق البلاد في الظلام ومن ثم تعطيل مصالح الناس.. وكل ذلك يجري في الوقت نفسه الذي يخوض الجيش مواجهة مصيرية مع القاعدة في أبين وشبوة وحضرموت.. ومواجهة أخرى مع الحوثة في عمران الذين يخططون للتمدد حول حدود العاصمة.. وفي خضم هذا المشهد المعقد يفتعل أتباع المخلوع في مجلس النواب أزمة استجواب الحكومة استفادةً مما سبق ذكره، ويطالبون بسحب الثقة من الحكومة (نصفها من أعضاء المؤتمر).. وفي إعلامهم يثيرون ضجيجاً ضد قرار جاهز لرفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي حاولوا إقراره أيام دولتهم وفشلوا، واليوم يتظاهرون بأنهم يرفضونه! الفخ كان واضحاً: أوصلوا قيادة الدولة وتحديداً الرئاسة إلى قناعة بأن الحل للأزمة هو إلغاء الدعم أو انهيار البلد.. وبقيت المشكلة فقط في إقناع الحكومة التي رفضت إقرار الجرعة، وفي المقابل كانت الوقائع المتأزمة على الأرض تجعل الدولة بين خيارين: إما إلغاء الدعم وإما استمرار الأزمة الخانقة.. وفي الحالتين كان الاختيار سيؤدي إلى انفجار شعبي كبير يهدد ما تبقى من وجود للدولة لمصلحة أصحاب المشاريع الصغيرة الأربعة: الحوثة، القاعدة، الانفصاليين، وبقايا نظام المخلوع علي صالح.. وهو بالضبط ما يتفق مع استراتيجية الثورة المضادة في بلدان الربيع العربي التي نجحت في مصر وتونس إلى حد ما.. وفشلت في اليمن حتى الآن لاختلاف الظروف السياسية ووجود توازن قوى ليس في مصلحة الثورة المضادة! وعندما تمسكت الحكومة وأحزاب اللقاء المشترك بموقفها الرافض للجرعة، ويبدو في المقابل أن الرئيس هادي اقتنع بمبررات ذلك؛ بدليل أنه أعلن في اجتماعه بالقيادات الحزبية والبرلمانية والسياسية أن القرار هو قرار جماعي والمسؤولية مشتركة بين جميع أطراف الحكم لسحب البساط على القوى التي يعلم أنها تزايد سياسياً في رفضها للجرعة، وعندما بدأت الدولة تتجه لإزالة العوائق التخريبية أمام تصدير النفط وحل مشكلة الكهرباء، وصارت مسألة الجرعة غير مطروحة.. حينها فشل الفخ.. واضطرت جبهة المخلوع إلى تغيير الموسيقى التصويرية للعبة، وأرسلوا دوشانهم العتيد ليمثل دور المحبّ الولهان للرئيس هادي.. الحريص على سمعته ومركزه من ملاعيب المشترك، وليعلن تعاطفه مع الرئيس في مواجهة لعبة الجرعة التي يخطط لها باسندوة وصخر الوجيه واللقاء المشترك! ومع قناعتي أن أتباع المخلوع لعبوا بخبث ودهاء (لو كانوا استفادوا منه أثناء حكمهم فربما لم تصل البلاد إلى هذه الدرجة من الضعف!) في مجلس النواب لتأجيج الوضع إعلامياً وسياسياً اعتماداً على أغلبيتهم التي جاءت بالتزوير، إلا أن الحكومة بتشكيلتها الوفاقية (المهلنيش!) منحتهم مبرراً للاستمرار في صناعة الفخ: إعلامياً وسياسياً.. فلم يكن هناك أي مبرر ليعتذر وزيرا الدفاع والداخلية عن الحضور من أول يوم دُعيا فيه للحضور إلى مجلس النواب.. وكان يمكنهما بسهولة أن يفضحا كل شيء داخل المجلس.. ويكشفا أدوار الحلف الشيطاني الرباعي في افتعال المشاكل الأمنية في البلاد.. وبالاسم وخاصة عصابات المخلوع صالح.. وكان يمكنهم الكشف مثلاً عن قوائم الأسلحة والأموال التي نهبت من خزينة الدولة ومخازن الجيش والأمن في الفترة التي سبقت تسليم السلطة لحكومة الوفاق والرئيس هادي وتم إخفاؤها في مناطق قريبة من صنعاء! خذوا مسألة القصور الأمني؛ فعندما حقق الجيش والأمن نتائج إيجابية خلال الأسابيع الأخيرة هلل المؤتمريون وغيرهم لذلك.. لكن في ميزان من تم تجيير هذه الانتصارات؟ هل نال الحكومة مثلاً ثناء؟ سيقال: وما شأن الحكومة في ذلك؟ ليس لها أي علاقة بالجوانب الأمنية والعسكرية! لاحظتم الفرق؟ عند وقوع مشاكل أمنية فالحكومة مطلوبة إلى مجلس النواب، وسيف سحب الثقة (حقيقته أنه سيف خشبي لأن المجلس لم يعد يملك هذا الحق!) مسلط على رأسها.. أما عندما تتحقق انتصارات فهي كاليتيم في مائدة اللئام! وعليه فقد كان واجباً على رئيس الوزراء عند أي استدعاء له بشأن الأمن أن يسارع إلى المجلس ويعلنها صراحة أن توزيع المهام في الفترة الانتقالية وضع الأمن بكل جوانبه تحت قيادة اللجنة الأمنية العليا بقيادة رئيس الجمهورية، وإن أراد المجلس معرفة شيء فعليه تشكيل وفد للقاء الرئيس.. وخلاص.. نقطة آخر السطر! لا ندافع عن الحكومة عمال على بطال.. فيكفي أن فيها عدداً من المؤتمريين ما يكفي لإفشال أي حكومة، لكن النتوءات التي ظهرت في العلاقات بين أطراف اللقاء المشترك سمحت للطرف الآخر بإثارة الفوضى الإعلامية والسياسية، واتباع سياسة الهجوم بلا توقف في الوقت الذي يعد المؤتمر هو أكثر حزب موجود في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية! بإيجاز كان يمكن قلب الطاولة على فخاخ المؤتمر عند أي استدعاء للوزراء والحكومة، واتباع سياسة الهجوم لا الدفاع، وفتح ملفات الفشل القديم لدولة صالح في إدارة البلاد، والذي انفضحت حقيقته وحقيقة إنجازاته الآن.. لكن اعتذار بعض الوزراء أكثر من مرة كان وبالاً إعلامياً عليهم.. واستغل الإعلام المؤتمري الحوثي ضجر الشعب من المشاكل والأزمات المعيشية والكهربائية والنفطية لتصوير الأمر كله وكأن المشكلة فقط في بقاء الحكومة التي يجب أن تتغير لتحل محلها حكومة سوبر مانات أو حكومة كفاءات ومهنية كما يقال! (الأخ شوقي القاضي عضو مجلس النواب كشف فضيحة مؤتمرية في أن صانعي فخ الاستجواب وسحب الثقة من الحكومة في المؤتمر رفضوا شرط الاتفاق أولاً على الحكومة الجديدة قبل تغيير الحكومة القائمة!).
الهدف إذاً واضح وهو إسقاط البلاد في فراغ خطير مثل ليبيا ولبنان؛ بل أخطر من الحالة اللبنانية لأن لبنان محمي بالدول الغربية التي لن تسمح مهما حدث أن تنهار الدولة حماية للمسيحيين؛ أما في اليمن فحتى تتفق القوى السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية، وتلك التي لم توقع وتريد دخول الحكومة مثل الحوثيين والحراك الجنوبي والأحزاب الجديدة، على شخص رئيس الوزراء أولاً ثم نصيب كل طرف في الحكومة، ثم نوعية الوزارات التي ستكون من نصيب كل طرف.. حتى يحدث ذلك فيا سعد المخربين والمعرقلين للمبادرة الخليجية! فكل مسألة من هذه المسائل تكفي لعرقلة تشكيل الحكومة، وتجميد الوضع السياسي، وإيقاف أي تحرك نحو تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الشامل، وإغراق البلاد في دوامة الفوضى! وفي ظننا أنه لو كان المخلوع وأتباعه صادقين في مطلب حل الحكومة لحل المشاكل؛ فالأقرب للسلامة أن يلتزم الجميع بطريقة المبادرة الخليجية في تشكيل حكومة الوفاق الوطني الجديدة؛ بمعنى أن يرشح اللقاء المشترك رئيس الحكومة طالما أن رئيس الجمهورية عضو في المؤتمر الشعبي العام.. ويقوم كل طرف بتغيير ممثليه؛ أو تثبيت بعضهم؛ في الحكومة بكوادر جديدة وفق قناعته.. بل يمكن أن تعاد عملية تقسيم الوزارات في قائمتين، ويقوم طرف بعملية التقسيم والطرف الآخر باختيار القائمة التي تناسبه! وهذه الطريقة سوف تحسم الخلافات سريعاً.. وبإمكان المؤتمر مثلاً أن يمنح الحوثيين نصيباً من المقاعد المخصصة له طالما أنهم يتفقون في كثير من تحليلاتهم ومواقفهم لما يجري في البلاد! المهم أن هناك أكثر من طريقة لحلحلة موضوع الحكومة، وإعادة تنشيط الوزارات والوزراء في إطار توافقي.. إلا إذا كان المؤتمر يريد الانسحاب من الحكومة فهذا شأنه، ويمكن للرئيس هادي أن يعين بدلاً من المنسحبين شخصيات مؤتمرية حريصة على التوافق وترفض ممارسات شلة مركز الكميم!