استشناف الرحلات الى مطار صنعاء خلال اسبوع    لا تمتحنوا صبرهن.. ثورة النساء قادمة    # مفاتيح حقول شبوة    النجاح لا يُقاس بالمنصب، بل بما يُنجز على أرض الواقع    شبوة تحذّر العليمي.. "نفط شبوة خط احمر"    توجّس إسرائيلي من قرار ترامب التوقف عن قصف الحوثيين    باكستان تطلق عملية انتقامية ردا على "العدوان الهندي"    اليمنية توضح عن المسافرين العالقين في الأردن    الرسائل التي قدمها اعلام الجماعة في تغطيته لزيارة الفريق السامعي إلى مطار صنعاء الدولي    اضعاف للشعب اليمني وتدمير لامكانياته البشرية والمادية    صحيفة: إسرائيل تخطط لتوسيع عملياتها في اليمن واستهداف إيران    إسرائيل تتوعد مجددا ب"رد قوي" على الصاروخ الباليستي الذي استهدف مطار بن غوريون    إسرائيل ألقت 100 ألف طن متفجرات وأبادت 2200 عائلة في غزة    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    صلاح يفوز بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الثالثة    اختيار بن بريك من قبل العليمي لأجل تمرير صفقة نفط شبوة واعتمار قرارات القاهرة    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    لماذا نقيم مراكز تقديم الخدمة للمواطنين ؟    السيد فضل الله يشيد بمواقف الشعب اليمني ومقاومته تجاه الشعب الفلسطيني    وكيل وزارة الخارجية ورئيسة بعثة الصليب الأحمر يطّلعان على الأضرار في مطار صنعاء    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    الجيش الروسي يعلن السيطرة على ثلاث بلدات في دونيتسك    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    في شوارع الحزن… بين أنين الباعة وصمت الجياع    حتى أنت يا بروتوس..!!    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    الشلهوب يقود الهلال إلى الفوز من المباراة الأولى    الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الجوع في غزة بشكل متسارع    تشيلسي إلى نهائى دورى المؤتمر الأوروبي    الأهلي يفوز على المصري برباعية    ناطق الحكومة يوضح جانبا من إنجازات وجهود الحكومة في التصدي للعدوان الأمريكي    مانشستر يونايتد يضرب موعداً مع توتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    واقعة خطيرة.. هجوم مسلح على لاعبي فلامنغو    ليفربول يقدم عرض للتعاقد مع نجم مانشستر سيتي بروين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    العليمي اشترى القائم بأعمال الشركة اليمنية للإستثمار (وثائق)    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    الجولاني يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    تغاريد حرة .. صرنا غنيمة حرب    أرقام تاريخية بلا ألقاب.. هل يكتب الكلاسيكو نهاية مختلفة لموسم مبابي؟    السامعي يتفقد اعمال إعادة تأهيل مطار صنعاء الدولي    صنعاء.. عيون انطفأت بعد طول الانتظار وقلوب انكسرت خلف القضبان    سيول الامطار تجرف شخصين وتلحق اضرار في إب    القضاء ينتصر للأكاديمي الكاف ضد قمع وفساد جامعة عدن    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام اليمني في لعبة: القط والفأر..
نشر في المصدر يوم 12 - 03 - 2010

هل حقاً يمكن مجاراة من يعتقدون أن النظام أوقف حربه مع الحوثيين حتى يتفرغ لإخراس "الفأر" الذي ظل يلعب بذيله في الجنوب طوال فترة غياب "القط" حينما كان منشغلاً بحرب صعدة..؟

نائب الرئيس السابق، علي سالم البيض، تروقه تلك الفكرة كثيراً. تجسد ذلك في اتهامه للرئيس علي عبد الله صالح أنه أوقف حرب صعدة لكي "يدير البوصلة نحو الجنوب"، حسب تعبيره ضمن خطاب ألقاه بتاريخ 25 فبراير الماضي، ووزع ونشر في بعض المواقع التي تتبنى ما يسمى بقضية الجنوب في اليوم نفسه.

قد تكون الفكرة مغرية للتعامل معها إذا نظرنا إلى الأحداث التي تدور في الضالع ولحج اليوم على هذا النحو. وقد يمكن تعزيزها أيضاً من خلال استرجاع بعض ما جاء في خطاب الرئيس صالح الذي ألقاه في كلية الشرطة بتاريخ 16 فبراير الماضي (أي بعد خمسة أيام من إعلان إيقاف إطلاق النار في صعدة بتاريخ 11 فبراير). حين هاجم من أسماهم بدعاة الانفصال، وقال فيهم:"لقد رفع أولئك النفر من الحاقدين والمأجورين في بعض المناطق شعارات معادية للوطن ووحدته عدة أشهر، وسعوا إلى بث بذور الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد عندما كنا مشغولين بمواجهة فتنة التخريب والتمرد في صعدة، وكما يقول المثل الشعبي إذا غاب القط يلعب الفأر.."

لكن – وبعيداً عن تلك الفكرة، وما قد يعززها من تناولات وخطابات سياسية، وبغض الطرف قليلاً عن تفسير ما يدور في بعض المناطق الجنوبية الملتهبة اليوم– دعونا نعود إلى استقراء الواقع السياسي ومؤشراته لتفسير المواقف والأحداث، وصولاً إلى ما يفترض أن تكون عليه توجهات النظام خلال المرحلة القادمة.

إن مجموعة من المؤشرات تؤكد أن المرحلة القادمة للنظام يجب أن تتكلل بعقد الصفقات مع كافة أطراف بؤر التوتر في البلاد في سبيل التفرغ لمواجهة بؤرة واحدة: تنظيم القاعدة.

قد يكون مثل هذا الأمر –بشكل ما- مؤرق للنظام، لكنه في حقيقة الأمر يمتلك من نقاط القوة ما يجعله الأكثر قبولاً، ليس لأنه فقط يمثل رغبة الأطراف الدولية الداعمة لنهوض اليمن واستقراره، بل لكونه يجسد منطق العقل في مواجهة بؤر الصراع.

ولمزيد من التفصيل للنقطة الأخيرة، فإن الكثير –داخلياً وخارجياً– يعتقدون أن كافة الصراعات الداخلية في الوطن الواحد يمكن التوصل إلى تسوية مناسبة لإخمادها، فيما أن هناك بؤرة صراع معقدة لا يمكن التوصل إلى تسويتها عبر التفاوض وعقد الصفقات، وتلك هي: بؤرة "القاعدة" أو ما يمكن أن يسمى بالإرهاب. وتدخل في تعقيدات هذا الأمر تفصيلات ومسلمات كثيرة، تتعلق أهمها بالخلفيات الفكرية العقائدية، إلى جانب فكرة أن الإرهاب "لا دين له ولا مساحة جغرافية محددة"، ناهيك عن أن مطالب هذا الصنف تتجاوز المحلية نحو العالمية..

أين تكمن الرغبة الدولية؟
بعد حادثة الطالب النيجيري –المرتبط بالقاعدة- مع الطائرة الأمريكية 25 ديسمبر العام الماضي، ولكون الرجل زار اليمن، وخطط لعمليته فيها –كما يقال- فقد قررت كبريات الدول العظمى أن تضع اليمن في دائرة ضوء الخطر ذي اللون الأحمر. ذلك بعد أن ظلت بلادنا تمر بأكثر من بؤرة صراع وتوتر في الشمال والجنوب، دون أن يتقدم المجتمع الدولي خطوة حقيقية للمساعدة والوقوف إلى جانبها في سبيل تجاوز تلك الصراعات والبؤر الساخنة والمتصاعدة عاما بعد آخر..

لكن، أخيراً، وبعد تلك الحادثة الإرهابية، بدأ المجتمع الدولي بمراجعة تحذيرات منظريه المتخصصين بالشأن اليمني والإرهاب، ووضع تحليلاتهم وحلولهم في مقدمة الأولويات. تلك التي أكدت أكثر من مرة أن سبب تنامي القاعدة في اليمن يتعلق بتلك الصراعات المتفاقمة، والبؤر المفتوحة، التي فاقمت مشكلة ضعف الحكومة المركزية في اليمن، بل وجعلتها منشغلة بمواجهة مشاكلها الداخلية المتعلقة بالحرب الدائرة في صعدة مع الحوثيين، والمواجهات المتصاعدة في الجنوب، كونها تؤمن أن هذه البؤر تهدد النظام أكثر من غيره، بينما أن القاعدة تهدد العالم بأسره. وهو ما يلقي بالعبئ -في هذه البؤرة– على المجتمع الدولي أكثر من كونه عبئاً على اليمن فقط.

هذا ما يعتقده النظام في اليمن، وهو ما بات المجتمع الدولي يدركه تماماً بعد حادثة الطالب النيجيري. وهذا الإدراك تجسد مؤخراً من خلال تصريحات المسئولين في الدول الغربية. وقد لخص جيفري فيلتمان -مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية– هذا المعنى حين اعتبر أن "ما يقدم من دعم في جانب تطوير المعدات والتدريب لقوات الأمن، يعد استثمارا، ليس لأمن اليمن فحسب ولكن لأمن العالم". كما جاء ضمن تصريحاته للصحفيين أثناء زيارته الأخيرة لليمن (2 – 3 مارس الحالي).

ولذلك، دعا بلير إلى لقاء لندن (27 يناير) بدعم أمريكي غربي، وهناك وضعت اليمن على الطاولة مشاكلها التي طالبت بحلها قبل الحديث عن مكافحة الإرهاب. ولعل تلك الدول لم تستطع إلا أن تؤمن بحقيقة أن الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها اليمن يجب أن تترافق حلولها بالتوازي مع ما تقدمه من حلول في بقية الملفات المتفجرة. وعليه كان ولابد من إدراج مشكلة الحرب في الشمال ومواجهات الجنوب، والأزمة المفتوحة مع المعارضة، ضمن القضايا التي يجب التخلص منها وفق أي شكل، حتى يتفرغ النظام لتكريس جهوده وأموال المانحين للحرب ضد القاعدة. تلك الحرب، التي يرتبط الدعم الدولي بها على وجه الدقة. وهو ما ألمح إليه فيلتمان بقوله إن"منظومة أصدقاء اليمن ركزت على جلب الجهد الجماعي لمساعدة الشعب اليمني لمواجهة التحديات المختلفة"..

وللمزيد، في هذا الجانب، قال فيلتمان: "ندرك جيدا التحديات التي تواجهها اليمن. وحتى لو تم القضاء على القاعدة تماماً فإن ظروفاً من قبيل عدم قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة، وبقاء جزء من البلد محروماً من الخدمات التنموية، وبقاء الخطر الناتج عن الإحساس بعدم الرضا قائماً.. كل هذه الظروف ستظل تشكل بيئة خصبة لتزايد الإشكالات الأمنية، ونرى أن هذه القضايا متداخله مع بعضها.."

خلاصة الأمر: أن أمريكا مع حلفائها في الغرب، يؤمنون بفكرة أن تقديم الدعم لليمن، في سبيل تحقيق إنجازات في الحرب على القاعدة، يجب أن يسبقه أولاً خطوات أولية بضمنها ضرورة إغلاق كافة بؤر الصراع المتفجرة.

ما تكشفه مسارات الأحداث الأخيرة
والآن دعونا نجعل لقاء لندن نقطة انطلاقنا لتحليل مسار الأحداث التي أعقبته ووصلت إلى ما هي عليه اليوم. مع جعل المرتكز الرئيسي: إمكانية تحقق الرغبة الدولية في تفكيك بؤر الصراع..

في (يناير 2010) كان لقاء لندن حول اليمن. بنيت خلاصته بإعلان المجتمع الدولي دعمه لليمن على أساس أن استقراره يمثل استقرار ما حوله من جغرافيا، وهي في الغالب تلك المساحات الجغرافية التي يعتقد أن مصالحها تبقى فيها مهددة بفعل المناخ السيئ الذي يحيط بها.

وفي 11 فبراير، أعلن إيقاف إطلاق النار بين الحكومة والمتمردين الحوثيين. ويعتقد البعض أن الأمر متعلق بإحدى نتائج المؤتمر(على أساس الفكرة الرئيسية التي أشرنا إليها). وفي يومي 27– 28 فبراير التقى المانحون حول اليمن في ما سمي بلقاء الرياض. حينها كانت الحرب في صعدة قد هدأت، وتوزعت لجان تنفيذ بنود الاتفاق في المحاور الأربعة المحددة لها.

الآن، وبوضع الخلاصة أمامنا، علينا أن نعتقد أنه -بناء على الرغبة الدولية في فكفكة بؤر الصراع- كان يفترض أن يتوجه النظام بعد إيقاف حرب صعدة لنزع فتيل الجنوب. والسؤال هنا: هل ما يحدث في الجنوب اليوم ينسجم وتلك الرغبة؟ هنا ينقسم المحللون في إطار رأيين متباينين. الأول يعتقد أن ما حدث بعد ذلك يدخل في سياق الهدف نفسه، بينما الثاني يعتقد العكس تماماً، وكل له مؤشراته وتفسيراته التي يعتقد أنها الأنسب والأرجح للتفسير.

الأحداث الأخيرة وفق أراء متباينة
في تفسيره لتلك الأحداث الأخيرة، يعتقد أصحاب الرأي الأول، هنا، أن تحقيق هدف السعي لتفكيك بؤر التوتر في الجنوب بدأت من خلال نجاح عملية التفاوض مع الفضلي عبر اللجنة التي نزلت للتحاور معه والتوصل –بتاريخ 3 مارس– إلى عقد هدنة تقضي بتهدئة الأوضاع لمدة شهرين، يتم خلالها مواصلة التفاوض للتوصل إلى حلول مناسبة ترضي الطرفين. ربما تكون بعض تلك الحلول قد أعلنت عبر الصحافة في سياق منفلت بعيداً عن تحكم الطرفين بسريتها، بينما قد تكون معظمها ماتزال في إطار التفاوض المبدئي غير المعلن عنه بعد.

غير أن رفض بعض قادة الحراك، في الضالع ولحج -كما يقال- لنتائج تلك الصفقة، ربما أدى إلى تغير جزء من المخطط –كما يعتقد أصحاب هذا التفسير– واللجوء إلى استخدام القوة أولاً. القوة التي يعتقد هؤلاء أنها ستكون ضرورية لاعتقال مجموعة من النشطين في الحراك، لتأتي بعدها عملية التفاوض. ويمكن تعزيز ذلك من خلال الإعلان –في 6 مارس- عن تشكيل لجنة رئاسية برئاسة الدكتور رشاد العليمي، وعضوية عبد القادر هلال، ومحافظ الضالع. من أعمال هذه اللجنة النزول إلى المحافظة للنظر في مشاكلها والعمل على حلها. هذه اللجنة ربما يكون من مهامها الرئيسية إنجاح عملية التفاوض والحلول السلمية التي قد يستخدم خلالها ورقة إطلاق المعتقلين الذين تم اعتقالهم خلال العمليات الأخيرة، ومن يتم اعتقالهم حتى الآن، وربما أيضاً: من سبق اعتقالهم قبل العملية الأخيرة وأحيلوا للمحاكمات. في إطار ما يترافق معها من خطوات وحلول توافقية.

ولعل ما يزيد من تدعيم هذا الأمر، في السياق ذاته، تصريحات الرئيس الأخيرة وتأكيده بتشكيل لجان للحوار مع أعضاء الحراك. ففي محاضرته التي ألقاها أمس الأثنين، أمام ضباط الأكاديمية العسكرية بصنعاء، أعلن الرئيس أنه سيشكل لجاناً من أبناء تلك المحافظات الجنوبية نفسها للحوار مع قوى الحراك "إذا كانت تقبل بالحوار" حسب قوله.

وكان الرئيس قبل ذلك -في سياق محاضرته أيضاً- رحب بالحوار مع قوى الحراك الجنوبي تحت سقف الوحدة، وقال: "قوى ما تسمى بالحراك إذا كانوا قوة سياسية ولهم مطالب فليأتوا عبر القنوات السياسية، عبر مجلس النواب والمجالس المحلية نتحاور ونحن نمد أيدينا للحوار دون اللجوء إلى قطع الطرق وقتل النفس المحرمة ورفع العلم الشطري‎".

إن ذلك كله يمكن جمعه وتحليله لتعزيز فكرة فكفكة بؤر الصراع وفق هذا النسق المشار إليه، بدءاً بالحوار مع الفضلي والتوصل إلى اتفاق ثنائي، كما يدخل في السياق اعتبار العملية الأمنية الأخيرة في الضالع ولحج مقدمة للتوصل إلى اتفاق مناسب للتهدئة..

الرأي الثاني: نية مبيتة لبدء حرب جديدة
أما أصحاب الرأي الآخر الذي يقول بالعكس، فيسوقون لنا مؤشرات أخرى يؤمنون أنها تعزز ما ذهبوا إليه من أن النظام إنما يقوم بنقل الحرب إلى مناطقهم بعد تفرغه لهم. وفي هذا الشأن –أيضاً- نسبت تصريحات للشيخ عبدالرب النقيب –الذي وصف بأنه أحد قيادات الحراك الجنوبي– توقع فيها بأن النظام سيتفرغ لهم بعد إيقافه الحرب في صعدة. فضمن تصريحاته التي نشرت على موقع (AOL.NWES) الأمريكي الأحد الماضي، عزز تلك الفكرة بتساؤله: "ولماذا لا نتوقع أن الدور القادم سيكون علينا؟" مستنداً في ذلك على ما يقوم عليه النظام من قسوة وجبروت في مناهضة خصومه.

بل إن معظم قيادات الحراك الجنوبي يؤمنون بتلك الفكرة (تحويل بوصلة الحرب نحوهم بعد إيقافها في صعدة). الأحد الماضي (7 مارس أي بعد يوم واحد من انطلاق العملية الأمنية) صدر بيان عن ما يعرف ب"مجلس الحراك السلمي الجنوبي لتحرير الجنوب" في لحج، ضمن فيه تلك الفكرة بقوله: "إن ما يجري على أرض الجنوب اليوم من "حرب مفتوحة" إنما يأتي تنفيذاً لإعلان الرئيس صالح الحرب في كلمته التي ألقاها أمام طلبة كلية الشرطة في صنعاء قبل أكثر من أسبوع". في إشارة إلى سياق ما ورد في كلمته المشار إليها في بداية هذا التقرير والتي تضمنت الحديث عن أن الحراك استغل انشغال النظام في حرب صعدة لتصعيد مطالبه وأنشطته التشطيرية الانفصالية، وضرب لذلك مثلاً "إذا غاب القط يلعب الفأر.."

وبالعودة إلى المحور الرئيسي في هذه الفقرة، يورد أصحاب هذا الرأي تفسيراً آخر للصفقة مع الفضلي. فهم يعتقدون أن تلك الصفقة جاءت بهدف تهدئة جبهة أبين المؤثرة التي يقودها الرجل، بما سيضمن للنظام فرض قيود عليه، حتى لا يقوم بأنشطة وفعاليات ضد ما سيحدث لاحقاً في جبهة الضالع ولحج.

ها هي الضالع قد حوصرت وأعلنت حالة الطوارئ فيها. كما أصبحت لحج مسكونة بالأمن في كل مكان. وكما تفيد الأخبار الواردة من هناك، استخدم الأمن في تلك الحملة الأسلحة الخفيفة والثقيلة لملاحقة واعتقال نشطاء الحراك.

وفي السياق ذاته، يعتقد هؤلاء أن الهجمة الشرسة التي تعرضت لها قناة الجزيرة على خلفية تغطيتها الأحداث هناك إنما تأتي لإحجامها من مواصلة تغطياتها الإخبارية وكشف الحقائق الناجمة عن تلك العملية التي نزل من أجلها وزيرا الدفاع والداخلية الواحد تلو الآخر، حيث وصل الأخير إلى محافظة لحج في 7 مارس والتقى بالقيادات العسكرية وهدد بالضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه المساس بالوحدة اليمنية.

سبق ذلك بأيام قليلة –بحسب أصحاب هذا التفسير– مصادرة وإيقاف صحيفتي الأمناء والوطني الصادرتين من عدن بسبب مواضيع تضمنت لقاءات وتغطية للفعاليات الاحتجاجية. لقد حدث ذلك في اليوم ذاته الذي أعلن فيه إبرام الصفقة مع الشيخ الفضلي، لتنطلق بعدها بيومين (6 مارس) عملية الضالع الأمنية، التي تقول بعض الأخبار أن اثنين على الأقل لقيا حتفهما فيها، وأصيب 15 آخرون، واعتقل العشرات.

كما يعزز هؤلاء تفسيرهم بتعمد النظام قطع الاتصالات في تلك المحافظات والمديريات الملتهبة بالتزامن مع بدء العملية الأمنية هناك. وبهذا الخصوص نشرت بعض المواقع الإلكترونية معلومات تفيد حصولها على مذكرة من وزير الاتصالات يوجه فيها شركات الهاتف السيار بإيقاف خلايا المحطات التي تغطي 14 مديرية بمحافظتي الضالع ولحج حتى إشعار آخر.

ومثل تلك التصرفات السابقة من شأنها أن تدعم أصحاب هذا الرأي فيما يذهبون إليه من تفسيرهم لما يحدث أنه يسير وفق خطة منظمة ومحكمة لتنفيذ عمليات أمنية واسعة، وأن النظام قد بيت نوايا مسبقة لإمكانية فقدان السيطرة، وخروجه عن الحد اللازم في المواجهات، فقام بعمل الاحتياطات اللازمة لذلك من خلال منع الشهود الإعلاميين من التغطية، ومهاجمتهم واتهامهم، والتهديد بإغلاق مكتب الجزيرة، وفرض طوق أمني على المحافظتين مدعما ذلك بقرار منع الاتصالات..

وهناك تفسير مختلط..
بين الرأيين السابقين، يجد البعض تفسيراً آخر، لعل منطلقه الأساس هو محاولتة الجمع بين ما سبق في سياق تفسيره للأحداث. يعتقد هؤلاء أن تحقيق رغبة المجتمع الدولي في تصفية وإذابة بؤر الصراع هي عامل رئيسي في مسار الأحداث ولا يمكن إغفاله. غير أن الجديد هنا يكمن في تفسير أساليب وطرق تحقيق تلك الرغبة. وعليه يفسر هؤلاء أن ما حدث في المحافظات الجنوبية خلال الأيام القليلة الماضية يصب في هذا الاتجاه بغض النظر عن أسلوب تعامل النظام مع الأمر، سواء كان ذلك عبر استخدامه للقوة والعنف كما هو في الضالع ولحج، أو بالتفاوض والحوار كما حدث مع الفضلي في أبين. ففي كل الأحوال تظل النتيجة واحدة وهي: محاولة فكفكة بؤر الصراع والتوتر في اليمن.

ويستشهد أتباع هذا الرأي بالتصريحات الأخيرة التي أدلى بها مساعد وزير الخارجية الأمريكي جيفري فيلتمان، أثناء زيارته الأخيرة. حيث اعتبر الرجل أن"مستقبل اليمنيين بأيديهم وليس بيد أحد تقريره". فيما يعتقد هؤلاء أنها إشارة إلى عدم رغبة الحكومة الأمريكية في التدخل في موضوع الحراك الجنوبي والنظر في مطالب معظم فصائله بالتراجع عن الوحدة اليمنية‎.‎ بل إن الدبلوماسي الأمريكي بملف الشرق الأوسط أكد صراحة على أن "القضية الجنوبية قضية داخلية ولا يحق للولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها التدخل فيها".في سياق حديثه ضمن مؤتمره الصحفي المصغر الذي عقد في السفارة الأمريكية ( 3 مارس).

إن مثل هذا الأمر يجعل من أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها في الغرب، ربما باتوا يؤمنون بفكرة أن التخلص من بؤرة الجنوب يجب أن توكل طريقة التصرف فيها للنظام اليمني. وقد يستند هذا القرار الغربي أساساً على ما يقدمه النظام اليمني من مبررات للقيام بذلك. لعل بضمنها مبرر: ضرورة الإسراع في القضاء على تلك البؤرة قبل أن تستفحل وتتحول إلى حركة تمرد قوية مشابهة لتمرد الحوثيين.

الأمر الأهم هنا هو: غض الطرف عن طرق ووسائل التخلص من تلك البؤرة المتوترة (أياً كان شكلها) مقابل الوصول إلى استقرار اليمن كهدف منشود لدى الغرب. إن الأمر المهم هنا هو: التخلص للتفرغ في محاربة القاعدة. وقد يدخل في سياق فهم ذلك استدراكات فيلتمان أن الولايات المتحدة حريصة كل الحرص على أن يحافظ اليمنيون على وحدتهم، بقوله: "نحن نعتقد أن جميع المسؤولين اليمنيين يفهمون أن الولايات المتحدة حريصة على وحدة اليمن، وعبرنا عن ذلك لكل من التقيناهم وأبلغناهم دعمنا القوي لوحدة واستقرار اليمن‎".‎

وإن كان الرجل –كما يقول– قدم نصيحته للمسئولين الذين التقى بهم بضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية "من خلال إشراك جميع الأطراف بالحفاظ عليها". إلا أن هذا الحرص على الوحدة اليمنية يتعارض مع رغبة قيادات الحراك الجنوبي في الداخل والخارج. فهم يرفعون مطالبهم بالانفصال لا بالحوار على أساس الحقوق والمظالم. وهو ما قد يفسر أسلوب التغاضي الأمريكي عما يحدث هناك من عنف وتجاوز لأبسط حقوق الإنسان.
‎‎
وهنا يمكن الحديث عن تعارض تلك المطالب غير المرغوبة التي يسعى لتحقيقها قادة الحراك مع الرغبة الأمريكية باستقرار اليمن على أساس الحفاظ على الوحدة. وعليه يمكن ملاحظة بعض المظاهر التي غزت بعض المساحات الجغرافية الملتهبة للحراك من رفع للأعلام الأمريكية والبريطانية على سطوح المنازل، وبعض المؤسسات، إلى جانب الأعلام التشطيرية. ويمكن يفسر هذا الأمر على أنه محاولة للفت انتباه الدولتين العظميين الأكثر تأثيراً على السياسة اليمنية، ومحاولة بائسة لتوجيههما نحو قضيتهم.

ويتعزز هذا الأمر أيضاً من خلال تصريحات نسبت للقيادي في الحراك علي هيثم الغريب، قال فيها: "نحن بحاجة إلى دعم غربي لإنجاح مطالب حركتنا الحقوقية في الجنوب". وطالب الغرب بالتقدم نحو إزالة هذا النظام الذي وصفه ب"الديكتاتوري". ونشرت تلك التصريحات في سياق التقرير الأمريكي السابق ذكره على موقع(AOL.NWES).

خلاصة الأمر
تلك آراء ثلاثة. اثنان منها تضمنت تفسيرات بعضها نقيض للآخر. ورأي ثالث حاول الجمع والمزج بين ما سبق فيما يتعلق بالفكرة الأساسية حول الرغبة في تفكيك وإذابة بؤر التوتر والصراع. قد يمتلك أحدها قوة الحجة والبرهان، بيد أنها جميعاً قد لا تمتلك التفسير الحقيقي الذي قد يكون مختلفاً عما ورد فيها نهائياً. إن الأمر يتعلق بدرجة رئيسية بالسياسة. على أن السياسة في اليمن قد تختلف كثيراً عن السياسة في بقية دول العالم. والأمر هنا قد يعود بالأساس إلى خصوصية "الفرادة"..!

ولكن في كل الأحوال، تظهر تلك الآراء توافقاً –بشكل مباشر أم غير مباشر– حول الفكرة الرئيسية: سعي النظام إلى تفكيك البؤر المتوترة والتخلص من الصراعات والحروب الداخلية. بينما يبدو التباين واضحاً حول تفسير الأسلوب والطريقة التي يستخدمها في تحقيق ذلك.

على أن الحقيقة التي يغفلها هذا النظام –ربما بصورة دائمة بقصد أو بغيره– هي أن استخدام العنف، كطريق للسلام، هو أمر أستثنائي التحقق، وفي ظروف لم تكن متوفرة في المجتمع اليمني. هذا المجتمع المسكون بنزعة العنف، استناداً إلى طبيعته القبلية التي تجعل من حمله لسلاحه خلف ظهره جزءاً من تكوينه الدفاعي.

هناك أمر آخر: أن استخدام القوة في قسر مجتمع غالبية أبنائه لا يملكون ما يخسرونه، لهو أمر يعزز من صعوبة الوصول للاستثنائية التي معها يمكن تحقيق هدف أي نظام من استخدام القوة في حسم الصراع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.