لإغاظة قناة الجزيرة، اهتدى الرئيس لفكرة التحدث لقناة العربية وكبريات الصحف السعودية في وقت واحد. لست واثقاً ما إذا كان الرئيس نفسه هو الذي اهتدى لهذه الفكرة أم إن شخصاً آخر هو الذي اهتدى. لكن الراجح أن أحدهم فعل ذلك استناداً إلى التنافس ذي الأبعاد السياسية القائم بين الفضائيتين، ولأن امتعاض السلطات اليمنية من الجزيرة كان قد بلغ من الحدة لدرجة أن تقوم بسحب جهاز البث الخاص بمكتب الجزيرة في صنعاء. تحولت الفكرة إلى واقع. ونهاية الأسبوع الماضي، استقبل القصر الرئاسي فريقاً صحفياً سعودياً مؤلفاً من داوود الشريان مقدم برنامج "واجه الصحافة" على قناة "العربية"، وجمال خاشقجي رئيس تحرير جريدة "الوطن" السعودية، وخالد المالك رئيس تحرير جريدة "الجزيرة" السعودية أيضا. حظي الفريق باستقبال مميز، وتجولوا بصحبة الرئيس في فناء القصر، وبدوا كأنهم يتبادلون الدعابات الخفيفة عندما اقتادهم الرئيس صالح إلى كوخ خشبي حيث جرت المقابلة المشتركة. في الجزء الذي بثته قناة العربية مساء الجمعة، كان واضحاً إلى أي مدى كان جمال خاشقجي يؤدي دور الشرير. كان غضوباً ومشاكساً. ولاح كمن يتوق لأن يظهر في صورة الصحفي المولع بالتفاصيل، الرجل اللماح الذي يلتقط الانفعالات عن كثب، بدقة عالية وتركيز. وفي مقدمة المقابلة التي نشرتها صحيفته، سرّه جدا فكرة أنه خلص إلى أن اليمن لا يزال سعيدا، "أو بعضه على الأقل" على حد تعبيره. وهي الطريقة ذاتها التي افتتح بها توماس فريدمان مقالته عن اليمن قبل شهر، عندما بدأ هكذا: "اليمن ليست أفغانستان، وصنعاء ليست كابول، على الأقل حتى هذه اللحظة". رئيس تحرير الوطن، البالغ من العمر 52 عاما، والمتحدر من أصول تركية، تأسف لكون السياسة هي الشاغل الرئيسي للمثقف اليمني، وليس الاقتصاد. وانتهى إلى أن شعار "الوحدة أو الموت" الذي قال إنه شاهده على لوحة هائلة تضم صورة الرئيس، يجسد حدة الاشتغال السياسي في اليمن. غير أن الرئيس قدم له تفسيراً بسيطاً، لكن غني بالمغزى، لانصراف السعوديين عن السياسة خلافاً لليمنيين: المال. "لو كان هناك مال في اليمن لاشتغل الناس وراء مصالحهم؛ واحد يعمل شركة أو يعمل تجارة ما كان يتكلم في السياسة، لكن ما دام لا يوجد مال يتكلم في السياسة" قال الرئيس. "وماذا عن اليمنيين في الخارج؟"، رد خاشقجي. فقال الرئيس: "اليمنيون في الخارج كم عددهم، إنهم عشرات أو مئات، الآن يصل تعداد اليمن لأكثر من 25 مليون يمني يأكلون ويشربون، مشكلتنا هذا سعودي وهذا يمني يرى السعودي عنده سيارة لاند كروزر وملبس وعنده استثمار وعنده تجارة، ويرى نفسه لا يوجد عنده شيء، فيبدأ يتكلم في السياسة يتكلم عن الفساد يتكلم عن كل شيء، أما في السعودية كل الناس منصرفون وراء مصالحهم وأحسن شيء أنهم يتابعون الرياضة والأسهم، أما اليمني يحكي، لو عنده مال تجده في باريس في مصر في المغرب في تونس، لو وجد المال ما وجد الكلام في السياسة". "وكيف يأتي المال؟"، سأل خاشقجي. فرد الرئيس: "الله سبحانه وتعالى، شوف قطر وما لديها الآن، قبل عشرين سنة أنا أجرت لهم طائرتين من الأسطول اليمني، الآن الله فتح على قطر، كم تعدادها 300 ألف، كم تنتج من الغاز وكم دخل الفرد، أما أنا فكم عندي دخل الفرد؟ أنا ما عندي شيء وإنتاج النفط عندي 280 ألف برميل وأبيع حتى الآن في المرحلة الأولى للغاز 200 مليون دولار في السنة، ما يسوي شيء. موازنة للدفاع وموازنة للأمن وللصحة وموازنة للتربية، إذاً لازم يتكلم الناس عن الفساد وعن الرشاوى ويتكلمون في كل شيء لأنه لو وجد المال ما في مشكلة، عندك الآن أكثر من مليون عامل في السعودية، في السابق وتحديداً في الثمانينات كانت تحويلاتنا من العاملين بالسعودية ملياراً و800 مليون دولار، أما اليوم فتحويلاتنا من 300 مليون إلى 400 مليون مقارنة بمليار و800 مليون في الثمانينات. الآن الموضوع الاقتصادي صعب، إنتاج النفط 280 ألف برميل، أي للاستهلاك المحلي وأي للشركات الشريكة وأي للتصدير". لكن خاشقجي أوقع الرئيس في فخ "الوحدة أو الموت" بلا رحمة. بدا لحظتها كما لو أنه جلاد غليظ يمارس إغراقاً قاس لا يرفع يده من الماء إلا وقد تيقن من انقطاع أنفاس الضحية تماما. لم يكترث لاحمرار أذني الرجل ولا ضحكته الخجولة التي يلجأ إليها المرء عادة لإخفاء مشاعره الحقيقية في اللحظات الحرجة. يذكرك هذا المشهد بالقصة التي رواها ابراهام لينكولن عن صبي عاري القدمين اصطدم بإصبع قدمه "كانت الصدمة تؤلمه بشدة، إلى درجة لا يمكنه معها الضحك، وفي نفس الوقت كان كبيراً على الصراخ". على أن الانطباعات المرحة التي سطرها خاشقجي في "الوطن"، لا تشبه صورة المتجهم والعدواني التي بدا عليها في العربية. كتب أن الرئيس كان مطمئنا، وكيف أنه عمد إلى اختبار هذا الاطمئنان بسؤال صالح عن شعوره إزاء اليمن بعد خروجه من الحرب السادسة مع الحوثيين، ثم راح يصور الطريقة التي رد بها الأخير أثناء اجتيازهم للحديقة في طريقهم لقاعة من قاعات القصر "في يوم ربيعي وقد انجلى شتاء صنعاء". كتب أن الرئيس قال له: ""وما الجديد؟ اليمن يعيش حروباً وصراعات منذ بضع وخمسين سنة". خاشقجي علق على إجابة الرئيس بهذه الطريقة: حقاً ما الجديد هنا؟ ولكن-أضاف خاشقجي وصورة الحاذق لم تفارق وعيه للحظة- بقدر ما كانت إجابته حاسمة وواثقة فإنها مثيرة للقلق أن يتعايش شعب وقيادة على هذه الفتن وكأنها قدر محتوم. قال خاشقجي إن صالح يريد أكثر من المملكة، لاسيما بعد إبرام اتفاقية الحدود. وأضاف إن ما لم يقوله صالح ولن يقوله هو "إن السعودية هي الأخرى مشغولة بواقعها وتنميتها وتوفير آلاف الفرص لأبنائها ما يبرر لي كسعودي ألا تنشغل بتفاصيل اليمن الكثيرة والمزدحمة المتجددة". وامتدح ضمنيا الأخلاق الرأسمالية لدى المواطن السعودي "فالسعودي أصبح بارداً براجماتياً يقود أعماله بروح الربح والخسارة، وليس في ذلك ما يعيب، ولكنهم في اليمن يعيشون السياسة ويجعلونها السبب لكل شيء أكثر من الاقتصاد والأرقام". وشدد على أن التعليم والتنمية هما السبيل الوحيد لليمن كي تضخ يد عاملة مرغوب فيها. فيما يتعلق بالشريط الحدودي، كان الرئيس صالح حاداً وقاطعاً في إجاباته. فخاشقجي هو الذي طرح هذا السؤال: لوضع حد للتهريب، ماذا لو بنت السعودية سياجاً على الحدود مع اليمن؟ فجاء رد الرئيس على هذا النحو المستنكر: "لماذا؟ هذا لا يجوز. نحن لسنا يهودا وعربا، لو فعلنا ذلك نحقق أهداف الاستعمار القديمة بتقطيع أوصالنا، وتجزئتنا. لا يجوز أن نرى سياجا بين بلدين عربيين خاصة اليمن والسعودية، الشعب واحد، واتفاقية الحدود تسمح بحرية التنقل للرعاة، لدينا مشروع أفضل اتفقنا عليه مع إخواننا في المملكة يقضي ببناء اتوستراد مكشوف ومضاء ومراقب إليكترونيا، ونقاط تفتيش ويسمح بتنقل الرعاة عبر منافذ شرعية". خذوا أيضا هذين السؤالين: "من الواضح أننا في السعودية ننوي ترك مسافة عشرة كيلو ما بين الحدود وهذه إجراءات جديدة؟" الجواب: "بالنسبة لنا صعب أن نترك عشرة كيلو من الجانب اليمني لأن بها سكانا ومساكن ومزارع، ولا نستطيع أن نرحل مواطنين عاشوا منذ مئات آلاف السنين في هذه الوديان والمرتفعات، وهي مناطق جبلية ومزارع ووديان، صعب أن نرحلهم إلى مكان بعيد لأن وراءهم مرتفعات جبلية، وليس أراضي صحراوية تجعلنا نستطيع أن نوزع عليهم أراضي، صعب جداً أن نزحزح مواطنا، لكن مسؤوليتنا هي اختيار الشرطة وأجهزة السلطة المحلية وكذلك الجيش الذي هو حرس الحدود لتأمين سلامة الشريط الحدودي بين المملكة العربية السعودية واليمن". سؤال: "لكن ما تفعله السعودية في أرضها هي حرة فيه". جواب: "نحن غير معترضين، وهناك معاهدة بيننا وبين السعودية أن هناك مسافة 20 كيلو من الطرفين للسماح بالرعي ولا أعتقد أن إخلاء السكان يشكل خطورة أو اختلالا بمعاهدة الحدود بيننا وبينهم. لأنها تكفل حق الرعي والانتقال إلى المناطق المجاورة.. في الواقع ما من "اتوستراد" في الشريط الحدودي ولن يكون. ثمة بندقيةg3 تأخذ على عاتقها تطهير الأراضي السعودية من المتسللين المتهافتين بلا هوادة على الريالات الخضراء. وإليكم حصيلة المهمة التي يقوم بها رشاش g3: خلال الأيام القليلة الماضية نشرت وسائل الإعلام أن السلطات السعودية تضيق الخناق على المغتربين اليمنيين حتى المقيمين منهم بصورة شرعية. ونقل موقع "الصحوة نت" أن حرس الحدود السعودي يطلق الرصاص الحي على المتسللين. وأورد أن مصادر أكدت مصرع 3 أشخاص من مديرية الحسينية بمحافظة الحديدة الأسبوع الماضي على يد شرطة الحدود السعودية، طبقا لمتسلل يدعى صغير بخيت من محافظة ريمة. إلى ذلك، طبقا للصحوة نت، توفي متسللان يمنيان الأسبوع الماضي على يد شرطة حرس حدود المملكة في منطقة صبيا السعودية. حيث لا تزال جثتا الشابين شكري طه محمد حسان المقطري في إحدى ثلاجات مستشفى بجيزان وأن أهله يبذلون جهودا في محاولة استلام جثة ابنهم الذي قتل أثناء محاولة التسلل بعد مضي 4 أشهر من زواجه. وناشدت أسرة المقطري السلطات اليمنية التدخل لدى السلطات السعودية في تسليم جثة ابنهم حيث وأن والديه في حالة نفسية صعبة بعد مصرع ابنهم الذي قضى داخل الحدود السعودية قتلا بالرصاص، بينما كان قد وعد أهله وأسرته بحياة كريمة إن وجد عملاً من خلاله يحسن دخله ويقي أسرته الفقر والبهذلة. وقالت مصادر في الداخلية اليمنية إن 4 من مهربي القات أصيبوا يوم الجمعة بجروح مختلفة أثناء مطاردة الشرطة السعودية لهم وبحوزتهم كمية من القات كانوا بصدد تهريبها إلى داخل المملكة. .......... تحولات جمال خاشقجي (عن إسلام أون لاين). وُلد الصحافي السعودي جمال أحمد حمزة خاشقجي في "المدينةالمنورة" عام 1958م، لأسرة مدنية ذات أصول تركية، وتلقى علومه في جامعة ولاية إنديانا الأمريكية. عمل في بداية مسيرته الصحافية مراسلاً لجريدة "سعودي جازيت"، ثم أصبح مراسلاً لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية في الفترة الممتدة من 1987 إلى 1990. وبعد تغطيته أحداثاً في أفغانستان والجزائر والكويت والسودان والشرق الأوسط من عام 1991 حتى عام 1999، عُين في منصب نائب رئيس تحرير صحيفة "آراب نيوز" من 1999 إلى 2003، ثم تولى منصب رئيس تحرير صحيفة "الوطن" اليومية عام 2004، وشغل هذا المنصب لمدة 52 يوما، وأقيل إثر اتهامات للجريدة باستهداف المؤسسة الدينية، إلا أنه عاد إليها بعد 3 أعوام وبالتحديد في أبريل 2007. خاشقجي كان من أوائل الصحفيين العرب الذين غطوا الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عن كثب؛ إذ كان مقرباً من القادة الأفغان أمثال قلب الدين حكمتيار، والبروفسور عبد الرسول سياف، والرئيس السابق برهان الدين رباني، والقائد أحمد شاه مسعود. كما عمل منذ العام 2004 مستشارًا إعلاميّا للسفير السعودي الأمير تركي الفيصل في لندن، ومن ثم في واشنطن، إلى أن قدم الأخير استقالته. وينفي جمال تهم "الارتباط الاستخباراتي" التي بينه وبين الأمير تركي الفيصل، حينما كان رئيسا للاستخبارات السعودية العامة. وفي عام 2006 طالب خاشقجي بتدوين تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة في السعودية، ولعل ذلك ينطلق من تأثره في بداية نشأته بفكر الإخوان المسلمين وكتبهم. يعتقد جمال أن فكرة قيام الدولة الإسلامية التي آمن بها في بداية تكوينه الفكري أضحت مستحيلة –حسب وصفه- مطالبا بتطبيق الحل الديمقراطي بدلا من الحل الإسلامي. وهنا يقودنا جمال إلى ما وصفه في حوار منشور له 2005 بصحيفة الشرق الأوسط بضرورة تطبيق النظام السياسي الغربي داخل حدود اللعبة السياسية العربية. جمال –كما يقول عن نفسه، في حوار مذاع بقناة العربية، إنه بدا متشددا ثم تطور فكره إلى الاعتدال الشخصي السلوكي. ومن أهم أعماله الصحافية لقاءاته وحواراته الخاصة مع أسامة بن لادن في العديد من المناسبات قبل وقوع 11 سبتمبر، إلى جانب عمله كمعلّق سياسي للقناة السعودية المحلية ومحطة "إم بي سي" و"بي بي سي" وقناتي الجزيرة والعربية الإخباريتين. ومن مؤلفاته كتاب "علاقات حرجة - السعودية بعد 11 سبتمبر".