مأرب متحف تاريخ اليمن، قلبها النابض، شريان حياتها، وقلعتها الحصينة، من يحكم سيطرته عليها يسهل عليه إخضاع اليمن، هذا واقع تقره حقائق التاريخ والجغرافيا، منذ بلقيس ملكة سبأ وحتى اليوم. تمد مأرب تسع محافظات يمنية بالطاقة الكهربائية والغاز والمشتقات النفطية، وجميع الأطراف في صراع محموم للسيطرة عليها وعلى مقدراتها، فميليشيا الحوثي حاولت السيطرة على مأرب أو بعض أجزائها أثناء حربها في الجوف لكنها فشلت وتراجعت أمام ضربات المقاومة. اليوم عادت مأرب لواجهة الأحداث، وفي هذه المرة تحالف ضدها خصوم الأمس من عسكر وساسة، كلهم اجتمعوا وتعاضدوا وشابكوا أياديهم القذرة لإخضاع قلعة اليمن الحصينة، لأنهم يعلمون جيداً أنهم لن يهنأوا بحكم اليمن وإخضاعها، طالما بقيت "القلعة" عصية مصونة. الخصوم الثلاثة هم الحوثيون وقوى المخلوع علي عبدالله صالح والرئيس هادي، إذ نجد الماكينة الإعلامية الحوثية تجهد لفبركة الأخبار والفيديوهات عن المحافظة ووصم أهلها بالإرهاب والانتماء للقاعدة، لتبرير احتلالها، وتأليب الرأي العام العالمي على قبائلها تماماً كما صنعت في البيضاء. بالمقابل نجد قوى الرئيس المخلوع ما افتكت تحشد حلفاءها القبليين وتحرضهم على شق صف أبناء مأرب، في تكرار لسيناريو عمران وذمار وإب والبيضاء. الطرف الثالث من المعادلة هي الدولة ممثلة بالرئيس وفريقه الحاكم، فهؤلاء استمروا على نفس المنوال يقولون أشياء ويفعلون نقيضها، حيدوا الجيش عن المواجهة وتركوا القبائل تواجه الحوثي الأكثر تسليحاً وتنظيماً، بينما طلبوا من المليشيا المسلحة التدخل لحماية منشآت الطاقة وخطوط الإمداد في مأرب. حتى الآن فشل الحلف الثلاثي في تركيع مأرب ودك قلعتها، والفضل في ذلك يعود لاتحاد قبائل مأرب على حماية قلعة اليمن وكنز تاريخها، بقيادة قائد المنطقة العسكرية الثالثة في مأرب اللواء الركن أحمد اليافعي، الذي نجا من محاولة اغتيال قبل أيام.
الرئيس هادي اليوم يسعى لدمج مليشيا الحوثي في الجيش الوطني، لتغطية دخول الحوثي للمحافظة واحتلالها بلباس الجيش، وسبقته قبائل مأرب بمطالبة الرئيس هادي بتوظيف أبنائهم في قوة حماية المنشآت النفطية، باعتبارهم أبناء المنطقة والأقدر على تأمين منشآت الطاقة وخطوط الإمداد فيها. والسؤال الملح ما حال اليمن إذا أقدم حلف الشر على حماقة غزو مأرب؟ بلا شك تغرق في ظلام دامس، تعدم خطوط إمداد المشتقات النفطية والغاز الطبيعي المسال، وتستهدف المصالح العامة والمنشآت النفطية ومحطات الكهرباء، وكل هذه المنشآت ستكون عرضة للقصف العشوائي أو المتعمد، وتحرم المحافظاتاليمنية والعاصمة صنعاء من المشتقات النفطية والغاز، والخطوط البرية ستكون عرضة للتقطع والقصف العشوائي، ويصعب تحرك الناقلات من صافر إلى المحافظاتاليمنية. وما حصل أواخر أغسطس ومطلع سبتمبر بمديرية مجزر ومفرق الجوف يقدم دليلاً وعبرة، حيث تعرضت خطوط الكهرباء للقصف العشوائي ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن العاصمة صنعاءومحافظات أخرى أياماً، ولم تتمكن الفرق الهندسية من إصلاح الاعطال إلا بعد توقف الحرب الدائرة هناك، وانسحاب ميليشيا الحوثي المسلحة من المنطقة .