الإعلان عن تفاهم واتفاق من أي نوع بين التجمع اليمني للإصلاح وجماعة الحوثي كان متوقعاً، بل ونتيجة منطقية فرضتها سلسلة من المقدمات التي ساهم في صنعها – بقصد أو من غير قصد – خصوم الطرفين! الأحداث التي شهدتها اليمن في الأشهر الماضية تشير إلى أن الحوثيين يتم استخدامهم ضمن تحالفات وتفاهمات محلية وإقليمية ودولية لضرب الإصلاح، بل والقضاء عليه ككيان سياسي إن أمكن، ثم نزع "الهراوة الحوثية" وكسرها بعد أن تكون قد أُنهكت في مواجهات إضافية مع "القاعدة" والقبائل، ثم التفرغ لبناء خارطة سياسية جديدة في اليمن.
يبدو أن الإصلاح قد أدرك ذلك، في اللحظة التي اتخذ فيها قراره يوم 21 سبتمبر الماضي بعدم تصدر المشهد والقيام بدور الجيش في الدفاع عن العاصمة صنعاء.
لا يمكن الجزم مثلاً بأن "التواصل الحوثي الإصلاحي" الأخير قد أضفى شرعية لسلطة الأمر الواقع لميليشيا الحوثي، لأن "اتفاقية السلم والشراكة الوطنية" التي وقعتها جميع الأطراف السياسية في سبتمبر الفائت، هي التي صنعت ذلك الاعتراف القسري بسلطة الجماعة المسلحة، وبرعاية دولية!
الإصلاح يمتلك خبرة سياسية طويلة في نسج التحالفات وصنع التفاهمات مع الخصم السياسي، بما يخدم أهدافه ويقلل خسائره، لكنه سيواجه هذه المرة فيما يبدو موجة كبيرة من الاستياء من قواعده الشبابية التي تمت تعبئتها بقوة لمناهضة العمل الميليشياوي الذي يقوّض ما تبقى من بنيان الدولة الهشة، ستواجه قيادة الإصلاح أسئلة حرجة تتعلق بأسباب ما يعتبره البعض بطءاً في الاستجابة لمواقف مصيرية وحرجة في تاريخ اليمن والحزب.
قرأ البعض التواصل الإصلاحي الحوثي الأخير باعتباره تقويضاً لما تبقي من بنيان الدولة الهشة؟ واعتبره آخرون ترويضاً للميليشيا، وتشجيعها على تبني العمل السياسي، وتحريرها ولو جزئياً من ضغوط التحالفات التي نسجتها في الفترة الماضية!
في تقديري أن الموضوع تم تناوله بقدر كبير من المبالغة، لأن لقاء رئيسي الكتلة البرلمانية والدائرة السياسية للإصلاح بزعيم جماعة الحوثي، لم ينتج عنه تحالف سياسي، ولا حتى اتفاق مكتوب، وإنما مجرد صيغة موحدة لخبر بروتوكولي نشرته وسائل إعلام الطرفين، تضمن تأكيداً على أن الطرفين اتفقا على استمرار التواصل لإنهاء كل أسباب التوتّر.
بروتوكولياً.. يقتضي التمهيد لاتفاق سياسي مهم لقاءً على مستوى القمة في الهرم الإداري للطرفين (رئيس الهيئة العليا للإصلاح مع قائد جماعة الحوثي) وفي العاصمة صنعاء. ومع ذلك فإن لقاء صعدة بمستوى تمثيل الطرفين فيه، لا يقلل من أهمية ما حدث، ولا يرشحه أيضاً لأي شكل من أشكال التحالف أو حتى التطبيع الحقيقي للعلاقة بين الطرفين.
يمكن تصديق أن يتم التطبيع أو حتى التحالف في ظروف أخرى، تتحول فيها جماعة الحوثي إلى فصيل سياسي يناضل سلمياً للوصول إلى الحكم، أو يتحول فيه الإصلاح إلى جماعة مسلحة تنهب معسكرات الدولة وتفرض سيطرتها بالقوة على المدن والمحافظات، لذلك فالتوصيف الأقرب للقاء صعده أنه مقدمة لهدنة "كف الأذى" بين الطرفين.
أسوأ ما في المعادلة أن تجربتنا كيمنيين سيئة للغاية مع نتائج الحوار والاتفاقات السياسية، التي تعقبها غالباً انتكاسات وكوارث كبيرة، حدث ذلك بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق في عمّان عام 1994، وبعد مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2013- 2014 مروراً بسلسلة من الخيبات التي أنتجتها معظم التفاهمات والاتفاقيات السياسية التي تمت بين الأطراف السياسية المختلفة ونظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ومع ذلك فليس أمامنا إلا الترحيب بأي اتفاق سياسي ينزع – على الأقل- الصبغة الطائفية والمذهبية عن المواجهات والاحتقانات التي تشهدها اليمن، التي يصعب التكهن بانتهائها في الأمد القريب.