تطورات كبيرة شهدتها الساحة اليمنية، إثر تمكن الرئيس اليمني عبد ربه هادي من الخروج من محتجزه في صنعاء، واعلاناته المتتالية التي استعاد بها كامل شرعيته الدستورية والقانونية ووجد أرضاً مهمة لممارسة سلطاته الرئاسية في عدن العاصمة الثانية لليمن، كأرض هي جزء من السيادة الشاملة للجمهورية اليمنية، وتتابع الصفة والقرارات الرئاسية المركزية، ويبدو أن شرائح من الحراك الجنوبي ومجمل التشكيلات الاجتماعية والوطنية في جنوباليمن قد تجاوبت مع هذا المسار. وهو أن الرئيس هادي يستعيد مشروعيته كرئيس شامل ولن يكون حلقة في مشروع الانفصال، لكن هذا الطموح الجنوبي في هيئة كونفدرالية أو فدرالية شاملة مكثفة ستبقى له مساحة حضور حاسم، في الحل النهائي السياسي لليمن، وهو ما يجب التأكيد عليه للدور الكبير الذي يلعبه الجنوبيون اليوم لإنقاذ اليمن من سقوطها الكامل في قبضة إيران. أما قراءة المشهد بتفاصيل أكبر وأين يتجه فلعله يتضح باستعراض عناصر التغيير على الأرض منذ اجتياح صنعاء في سبتمبر الماضي وهل تغيرت قواعد اللعبة: 1 - أن سلسلة الإجراءات التي باشرها الحوثيون على الأرض تعرضت لضربة قوية في نزع الشرعية الدستورية عنها، ووضح تورط الحوثيين وإيران فيها. 2 - الاختراق الذي حققه الحوثيون في الحوار السياسي عن طريق جمال بن عمر، تم وقفه والانسحاب الفعلي منه وإعادة تنظيم شرعيته السياسية خارج بساطهم وتوجيهاتهم. 3 - إعادة الدولة اليمنية المؤسسة عبر رئيسها الشرعي الذي هو بوابة استكمال المدار القانوني للدولة ولو احتلت أجزاء منها، وهذا أمرٌ يرد على كثير من الدول، وتحويل الفراغ الذي عمل الحوثي على ملئه، الى عودة الجسم السيادي الصلب، وسقوط الفراغ، ومشروع الحوثي البديل ولو مؤقتاً. 4 - الإعلان عن مقر قيادة عسكرية جديد ترتبط بها معسكرات الجيش، كغطاء شرعي يمني، وبالتالي فإن المعسكرات التي تمردت على الحوثي ورفضت انقلابه تنضوي اليوم تحت سلطة شرعية، فيما يتم التواصل مع معسكرات أخرى. 5 - بات الحراك السياسي اليمني نشطا من عدن واليها، ووجدت القبائل الموالية للدولة، والمناهضة للانقلاب مرجعية سياسية، كما هو الحراك الشبابي الثوري الذي يتعرض للقمع من الحوثيين، واللقاء المشترك ومجمل القوى السياسية في الجمهورية. إذن اليمن المحرر والمستقل عن إرادة إيران له أرض وشرعية سياسية ومقر قيادة للقوات المسلحة فَرضت على المحب والكاره إقليميا ودولياً التعامل معه، وليس شعباً معزولاً وممزقاً، وتخوض بعض قواه كفاحاً ضد الاحتلال السياسي لليمن من إيران عبر ذراعها الحوثي، وهو بحد ذاته مسار سيئ لمشروع إيران لكنه ليس النهاية. فإيران لا تُسلّم بسهولة وتظل تُمسك طرف أي مسار للبناء عليه، ووجود صنعاء بقبضتها لا يزال موضع قوة لمشروعها. ولقد استفاد اليمن المستقل من موقف الرياض الجديد ومعها دول الخليج خاصة قطر، الذي صب مباشرة في دعم قرارات الاستقلال وبات بحسب المصادر يتعامل مع كل أطراف القوى الوطنية لليمن، بما فيها التجمع اليمني للإصلاح، وأهم مسار قد يؤثر فيه توجه الرياض، هو تفكيك مشروع علي صالح الحليف الرئيسي والتنفيذي الكبير للحوثي والإيرانيين. فتشجيع الرياض ذات العلاقة الموسعة مع قبائل اليمن وقيادات في القوات المسلحة والمؤتمر الشعبي العام تنتمي لها، للانخراط تحت قيادة غرفة العمليات والهيئة العليا للقوات المسلحة في مقرها المؤقت بعدن سيعزز مشروع الاستقلال، ويُضعف كثيراً من قدرات الحوثي وخاصة في الهياكل والمؤسسات التي اختطفها من الدولة. لكن المسار الصعب للعودة الى صنعاء تكتنفه ظروف خطيرة، أهمها العمل قدر الاستطاعة على تجنيب اليمن مشروع حرب وإن كان لا بد من عمليات حسم عسكرية حين يتاح توقيتها، إن لم يسفر الحوار الوطني بعد انتزاعه من قبضة الحوثيين عن مخرج، وتنازل الحوثيين غير وارد وفقا للتجارب الإيرانية في المنطقة، فاتفاق الدوحة لقوى لُبنان عاد حزب الله ونقضه وأكمل هيمنته على الدولة اللبنانية وأضحى سعد الحريري طريدا بين أوروبا وعواصم الخليج العربي. كما يُلاحظ قضية مهمة جدا، أن موقف السفير الأميركي الذي تعامل مع الضغط الخليجي في تأكيد الاعتراف بهادي، لا يعني وقف التعاون العسكري الأمني مع الحوثيين، فحتى اليوم الحوثي شريك عسكري أساسي مع البنتاغون والمخابرات الأميركية بقواته أو حلفائه من ميلشيات الرئيس المخلوع علي صالح وبعض القيادات العسكرية، في حرب واشنطن ضد القاعدة وبعض القبائل في اليمن المناوئة لإيران، وتبقى حسابات واشنطن مع إيران في مضمار الصفقة لم تتغير. ولذلك وفي مثل هذه الأوضاع الصعبة والمعقدة ما يحتاجه اليمن هو رؤية استراتيجية ورؤى مرحلية مهمة، يتخطى فيها أوضاعه ليتقدم الى صنعاء خطوة خطوة، مع تأكيد الإيمان بضرورات لاستخدام القوة العسكرية الشرعية في بعض المراحل، والتواصل المركّز والمباشر لتحالفات المؤتمر الشعبي العام، بدعم من الرياض بغض النظر عن موقع منصات الحوار الوطني. إن ما طرحته القوى الوطنية في اجتماعها مع الرئيس هادي، مهم جدا وموضوعي من ناحية تقوية بناء الرئاسة وشخصيتها الاعتبارية التي تسبب ضعفها في كارثة اجتياح صنعاء عبر وزير الدفاع السابق الموالي لعلي صالح، وتمكين الحوثيين من اختراق الجيش ونهب مستودعات السلاح، ولعل تعيين نائب له، مع عدد من المستشارين يعالج هذا النقص، ويعزز القدرات السياسية الرئاسية لخوض هذه المراحل الصعبة. لن تقف إيران صامتة وهي اليوم تخلق جسراً جويا معلناً وسرياً، وتنشط من صنعاء الى صعدة في صناعة مجتمع ميلشياوي كامل يخضع لقراراتها دون تردد، وهي إحدى وسائطها في تمزيق المجتمع العربي، ولذلك يجب التأكيد على أن مشروع الإنقاذ اليمني وطني لا مذهبي يتحد فيه الزيدي والشافعي كما عرفهما كل تاريخ اليمن وعقل سبأ الحكيم اخوة متضامنون. وأن المسار المرحلي يحتاج أن يكون فاعلاً وحيوياً ويُنقل الى مساحات وجغرافية واسعة، يشترك فيها أبناء الاستقلال مهما اختلفت رؤاهم ومناهجهم الفكرية، فيضيّق مكامن الخلاف ومساحات الاختراق وتُحشد الأقاليم وجماهيرها نحو قرار الاستقلال الكامل، فإن أنجز سلمياً فهو المطلوب وإن لم يتم، فلا تستخدم القوة العسكرية إلا بعد تحقيق أكبر مدار للوحدة الاجتماعية وتقليل الخسائر الوطنية قتكون المهمة العسكرية، كمبضع الجراج وليس فتحا لجرح غائر تغشاه الفيروسات من كل مكان.