حتى سلفيو الجنوب يبدو حديثهم عن الأزمة مختلفا – إلى حد ما- عما يطرحه إخوانهم من سلفيي المحافظات الشمالية، وإن بدت رؤاهم خافتة، إلا أن ملامستهم للأوضاع تجعلهم أحرص على قول شيء مختلف بقدر معقول يخرجهم من دائرة الحرج. فلم يكن بوسع الشيخ أحمد حسن المعلم رئيس جمعية الحكمة فرع حضرموت أن ينصرف كليا نحو التعميم والحديث عن فساد دمر كل شيء، كما فعل كثير من زملائه المشاركون في الملتقى السلفي العام، ووجد الشيخ السلفي نفسه ملزما بالحديث عن خلفيات وأسباب واقعية لما يدور في محافظته وجاراتها. وبعيدا عن المسار الرئيس لورقته التي كرست للحديث عن اليمن الموحد عبر التاريخ فقد اختتم المعلم - وهو وحده من القادمين من المحافظات الجنوبية الذي قدم ورقة في الفعالية- ورقته بفقرة حاول فيها أن يقدم ما يشبه براءة الذمة، حيث أشار إلى أن الأخطاء التي جاءت بعد الوحدة والسياسات الفاشلة والتسلط المقيت من المتنفذين، واستغلال كبير من بعض الشخصيات للوضع الجديد لتحقيق المكاسب الخاصة، مع غض الطرف من النظام هي المنغصات التي كانت البذرة الأولى للسخط والاستهجان لدى الكثيرين من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية. مشيرا إلى أن تلك الممارسات كانت المدخل الكبير للمتربصين بالوحدة مضيفا " وبعد ما يقارب خمسة عشر عاما ظهر السخط جليا وشاملا رافعا صوته". ناصحا الحاكم بترك المكابرات والتسليم بالمشكلة، والنزول إلى أرض الواقع، والأخذ بمعالجات مهما كانت قاسية "فلا شيء أقسى من اقتتال أبناء الأمة الواحدة، ولا شيء أقسى من تمزيق اليمن الواحد". أكثر من عشر أوراق عمل قدمت في جلسات الملتقى خلال يومي الأربعاء والخميس من قبل دعاة ومشايخ يعتبرون خلاصة التيار السلفي، ويمثلون 28 فصيلا وجمعية سلفية عاملة في اليمن في المجالين الخيري والدعوي، لكن ما تضمنته كل تلك الأوراق لم يتجاوز الرؤى النظرية المنقولة، دون التعامل المباشر مع المشكلة القائمة في جنوب البلاد والتي تهدد تفاعلاتها الوحدة اليمنية. وبنظرة تفصيلية أكثر فإن ما قدمه كل من د. عقيل المقطري، أحد أبرز مؤسسي جمعية الحكمة (الفصيل السلفي الأكثر حضورا)، والشيخ عارف الصبري النائب عن تجمع الإصلاح كان أقرب إلى الواقع، لكنه لم يلامس القضية الجنوبية بشكل مباشر، بقدر ما شخص أزمة البلد بشكل عام. وانصرف غالبية المتحدثين والمداخلين إلى الحديث الذي تفضله السلطة للهروب من تقديم معالجات حقيقية عن المؤامرات الخارجية التي تحاك ضد اليمن، وعن فتن من ضمنها المعارضة السياسية المرتهنة للخارج بحسب ما ذهب إليه الشيخ عبد الوهاب الحميقاني رئيس جمعية الرشد. الملتقى العام للسلفيين جاء انعقاده بعد أسبوع من انعقاد ملتقى التشاور الوطني الذي نظمته أحزاب المشترك، وكان محل غضب السلطة، حيث لم تر فرقا بين ما خرج به الملتقى، وبين مضمون خطاب علي سالم البيض الداعي إلى فك الارتباط، ولأن ملتقى التشاور قد ضم جهات وشخصيات من التي خاضت المعركة إلى جانب الرئيس في حرب 1994، وآخرون انضموا للحراك الجنوبي، فإن ملتقى السلفيين يأتي بحسب ما يذهب إليه مراقبون كمحاولة من الرئيس لتشكيل فريق استعدادا لخوض مواجهة محتملة إذا ما استمرت الأمور في تصاعد. لا مانع لدى الرئيس في مثل هذه الظروف أن يستدعي فريق الاحتياط ليبعث رسالة إلى الخصوم بأنه ليس وحده، لكن ذلك يجعل التساؤل مفتوحا: هل السلفيون لا يزالون على جاهزية لأداء دور قاموا به مع غيرهم من الإسلاميين في حرب 94، ومنح النظام مشروعية لاستعمال القوة في مواجهات تتصاعد وتيرتها كل يوم؟ يرى كثيرون في الملتقى استمرارا لسياسة الرئيس في استخدام الكروت، خاصة بعد انصراف اللاعبين من حوله، وبات بحاجة لاستدعاء لاعبي الاحتياط، بالإضافة إلى رسائل بعث بها المشاركون في الملتقى إلى القابضين على الزناد في صعدة. في الملتقى غابت الجهات الجغرافية وتوحدت الرؤى المشخصة لمشكلة اليمن الواحد كما تشابهت إلى حد الاتفاق النهايات التي اختتمت بها الأوراق العديدة. لم يذكر الشمال ولا الجنوب وبحسب ما خلصت إليه الأوراق فإن ما يصفها المتحدثون ب"الممارسات الخاطئة لمسؤولين لم يعينوا على أساس الكفاءة" هي التي تسببت في مشاكل يعاني منها جميع اليمنيين.
وباستثناء إشارة موجزة وردت في ورقة النائب الإصلاحي عارف الصبري إلى ما تشهده المحافظات الجنوبية من حراك؛ فقد فضل بقية المتحدثين الانصراف إلى الحديث عما يعيشه الوطن من أزمات بشكل عام. أشار النائب الصبري إلى أن هذا الحراك يأتي احتجاجا على فساد النظام واستبداده واستئثاره بالسلطة، وإقصاء شركائه في الوحدة، وقيام متنفذين في السلطة بنهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة في المحافظات الجنوبية، والتي تطورت، بحسب الصبري، إلى حصول تجاوزات خطيرة وكبيرة تمثلت في المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الوحدة، وجاء ذلك في معرض توصيف الصبري للأوضاع في اليمن وتلتها نقطتان تاليتان هما "الفتنة في محافظة صعدة" والوضع الداخلي بشكل عام، حسب تعبيره.
ما جاء في ورقة النائب عارف الصبري حول القضية الجنوبية يعد الأبرز بين كل ما طرح في الفعالية السلفية التي اسمرت على مدى يومين. وفي ورقة أخرى قدمها د.عقيل المقطري أحد أبرز مؤسسي جمعية الحكمة، الفصيل السلفي الأبرز، حول الإصلاحات المنشودة لمواجهة الأزمة القائمة في اليمن؛ أكد أن اليمن عاشت عقودا من الزمن على الفساد والإفساد المنظم. وبحسب المقطري فإن اليمن تعيش اليوم على مفترق طرق، يتقرر مصيرها على أي الطرق ستسلك. وأضاف "فإما أن تختار طريق الإصلاح الشامل كي تتعافى وتتهيأ أمامها فرصة النهوض، وإما أن تستمر في مواصلة السير في الطريق الراهن الذي سيفضي بها في نهاية الأمر إلى مزيد من الاضطرابات مما سيؤدي بها حتما إلى السقوط في هاوية الفشل والانهيار". ومضى المقطري يسرد في ورقته أوجه الاختلالات التي تعاني منها البلاد على مختلف الأصعدة، وأكد على أهمية الإصلاح السياسي كمخرج من هذه الأزمة المزمنة على حد وصفه. وخلت ورقته المقدمة للملتقى من أي حديث عما يدور في المحافظات الجنوبية، أو المخاطر المحدقة بالوحدة، والتي عقدت الفعالية من أجلها، باستثناء إشارة خاطفة إلى "ضرورة تشكيل محكمة عاجلة تتكون من قضاة نزيهين للنظر والفصل في المظالم التي يشتكي منها جميع المواطنين، وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية" التي أوردها ضمن تصوره لحل الأزمة القائمة. وجاء البيان الختامي في السياق نفسه الذي سارت فيه أوراق العمل المقدمة للملتقى، حيث أكد البيان أن "التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والتمسك بهما وتطبيقهما في كل المجالات هو الضمان الأكيد للحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره". ونصت الفقرة الثانية على "حماية الوحدة اليمنية باعتبارها فريضة شرعية وضرورة حياتية، وإدانة دعوات الانفصال والتفرق، وكل ما يؤدي إلى الإضرار بوحدة اليمن وأمنه واستقراره، والإشادة بجميع أبناء اليمن الذين يقفون سدا منيعا لحمايتها".