(1) من المؤكد أن السلطة لم تتعظ بالآثار المأساوية لحادثة (المعجلة).. وها هي تكرر غلطتها المؤسفة - أو جريمتها النكراء في بعض التقييمات- في مأرب.
ومن قبل المعجلة، لم تتعظ السلطة بما يجري في أفغانستان وباكستان من حوادث قتل المدنيين عن طريق الخطأ بواسطة الطائرات الأمريكية. وهي كلها أخطاء تزيد من النقمة ضد الحكومات فضلا عن الأمريكيين! وفي كل هذه الحوادث تكون الحكومات هي التي تتحمل اللوم الأكبر لأنها تسمح – وفي معظم الحالات: غصباً عنها- بقيام الطائرات الأمريكية بشن غارات يذهب ضحيتها أبرياء كثيرون!
القصف العشوائي بالطائرات لن يوقف الآلة الأمريكية الجهنمية عن شن غاراتها، لأن الأمريكيين في الأخير لا يهمهم شيء إلا تنفيذ خططهم.. ولن تدفعهم أرقام الضحايا المدنيين إلى تغيير أساليبهم لأن الرأي العام الأمريكي لا يتأثر بذلك ولا يؤثر على قراره في الانتخابات الأمريكية. ولذلك سوف تستمر الغارات ولو راح ضحيتها مليون باكستاني وأفغاني.. ويمني! وفي الأخير فإن الأمريكان يعرفون أن قواتهم ستغادر المنطقة.. ولن يبقى فيها إلا شركاؤها المحليون الذين لم يعودوا قادرين حتى على إيقاف قتل مواطنيهم واكتفوا بالبيانات التي يصدرها الأجانب ويعبرون فيها عن أسفهم للقتل الخطأ الذي حدث!.
(2) من الواضح الآن أن أسلوب مطاردة نشطاء القاعدة بالطائرات في بلادنا سيكون له عواقب مأساوية كثيرة.. وها هي حادثة مأرب تضع اليمن كله على كف عفريت خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث.. ولولا أن التقاليد القبلية نجحت في فرض هدنة لمدة ثلاثة أيام لكان اليمن قد دخل في حالة طوارئ لا تحدث عادة إلا عند وقوع غزو خارجي تقوم به دولة قوية! ولكانت السلطة قد فتحت لنفسها جبهة جديدة تشابه جبهة صعدة!
والأمر الذي يجب أن تنتبه له السلطة هو أن الإضرار بالأبرياء يسيء إليها تماما كما تسيء عمليات القاعدة لمنفذيها ولتنظيمهم عندما يقع ضحايا لها مدنيون يمنيون ولاسيما إن كانوا من النساء والأطفال! وكما تنصب على أولئك اللعنات فسوف تنصب على السلطة اللعنات سواء بسواء، وستخسر أي صفة أخلاقية لحربها ضد القاعدة أو الإرهاب أو معارضة مسلحة.
لا نقول هذا تبريرا لهجمات القاعدة، فكلامنا واضح.. فالذي يستهين بأرواح الأبرياء – أياً كان- وهو يواجه عدوه فإنه يخسر المعركة مسبقا. ولذلك يحتاج أسلوب القصف بالطائرات إلى مراجعة فورية، هذا طبعا إن كانت الغارة في مأرب والمعجلة تمت بالفعل بواسطة طائرات يمنية، فلا نظن أن الخبرات المحلية قد وصلت إلى درجة من البراعة حد تنفيذ غارات ليلية على أهداف متحركة أو صغيرة.. وعلينا أن نتذكر أن أسواق البلاد وشوارعها كثيرا ما تشهد معارك على خلفية قيام طقم عسكري أو طواقم عسكرية بمحاولة القبض على مطلوب أو صاحب عربية أو صاحب بسطة!
أما إذا اتضح أن الغارة نفذت بطائرة أمريكية فالأمر سيكون أدهى وأخطر.. فهذا معناه أن مناطق في اليمن سوف تتحول – لا قدر الله- إلى مناطق قتل وقصف كل حين وآخر.. وخاصة إذا كانت دقة المعلومات الاستخباراتية بالمستوى الذي توفر في حادثتي المعجلة ومأرب!
وفي المحصلة فإن الاستمرار في هذا الأسلوب والإصرار على هذا الطريق هو إصرار على السير في سكة الندامة.. وباكستان وأفغانستان خير شاهد!
(3) يمكن للسلطة في بلادنا أن تستفيد من الكيفية التي تواجه بها الحكومة الأمريكية ما تصفه بأنه إرهاب داخل أراضي الولاياتالمتحدة، ولو كان صادرا عن أشخاص غير أمريكيين، فلم نسمع أن طائرة أمريكية قصفت منازل أو تجمعات لأناس يشتبه بأنهم إرهابيون وتعريض حياة مواطنيهم للخطر في سبيل اصطياد مطلوب أو عدة مطلوبين!
القصف العشوائي والقتل حسب الظن تمارسه الولاياتالمتحدة خارج أراضيها وخاصة في بلدان العالم الثالث والرابع.. هناك حيث القتل الخطأ لا يضر بشعبية الرئيس الأمريكي! ولو استهدف أبرياء ونساء وأطفال ودمر مصانع أدوية ومدارس ومستشفيات.. لا يهم حكام واشنطن ما يحدث خارج بلادهم نتيجة أخطائهم ويتحمل شركاؤها النتيجة في الأخير!
(4) العمليات العشوائية التي يقوم بها المنتسبون لتنظيم القاعدة في اليمن وغيرها كانت نتائجها وبالاً على (القاعدة).. فلا أحد – حتى الدولة العظمى- يستطيع التحكم بالرصاصة والقنبلة دائما.. وهذه الحرب المفتوحة بين القاعدة وحلفائها من جهة والولاياتالمتحدة وحلفائها من جهة أخرى لن تكون في صالح الأمة الإسلامية ولا شعوبها.. وسيدفع المسلمون في كل مكان ثمنا باهضاً مقابلها. والبعض نسي أن النصر ليس بالضرورة أن يكون عسكريا.. والله تعالى وصف (صلح الحديبية) بأنه فتح عظيم وقيل فيه إن الإسلام لم يشهد فتحا مثله رغم أنه لم يكن نصرا عسكريا.. ولكنه دشن مرحلة انتصار الفكرة الإسلامية وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية وصولا إلى فتح مكة قبل أن يخرج النور إلى العالم.
أخشى أن نصل إلى وضع نكون فيه نحن اليمنيين ضحايا متصارعين يحيطون بنا.. والسمة المشتركة لهم أنهم كلهم يتقاتلون على أرواحنا وحاضرنا ومستقبلنا.. وكل منهم يزعم أنه يدافع عنا!. عن الناس