يواصل مجلس النواب اليوم مناقشة تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة بشأن نهب أراضي تهامة المثير للجدل والخطير.. ولكن النقاش الساخن الذي بُدئ يوم السبت، يصب في اسطوانة مشروخة ليصبح مادة للتصوير لا أكثر ولا أقل.. لا أحد من المعنيين الحكوميين حاضر لاستيعاب ملاحظات النواب والالتزام بالتوصيات الواردة في التقرير.. وحده القاضي حمود الهتار يحضر باعتباره وزيراً للأوقاف التي لم تسلم أراضيه (الأوقاف) هي الأخرى من الاعتداءات والبسط.. كما يحضر إلى جانبه وزير العدل الدكتور غازي الأغبري ويحيى دويد رئيس مصلحة أراضي وعقارات الدولة.. يترقب الرأي العام ما يمكن أن تسفر عنه نقاشات هذا التقرير وتوصياته الهامة. وأعضاء كتلة الحديدة أيضاً يترقبون في صمت مطبق وغياب..
التقرير الذي أنجزته لجنه برلمانية خاصة، قبل أزيد من شهر، برئاسة النائب البارز في كتلة الحزب الحاكم الشيخ سنان عبدالولي العجي، أثار جدلاً واسعاً وأحدث معه جلبة وصلت حد الاشتباك بالأيدي أكثر من مرة داخل القاعة.. لكن ومع كونه التقرير الأهم في تاريخ اللجان الخاصة، بحسب نواب، فإن الجانب الحكومي المعني بتنفيذ التوصيات لم يصل إلى القاعة بعد.
وطالب الشيخ سلطان البركاني، زعيم كتلة المؤتمر الشعبي العام، بضرورة حضور الحكومة بكاملها لمناقشة هذا الأمر نقاشاً جاداً وحقيقياً "لكون ما يحدث في الحديدة جريمة إنسانية ضد مواطنين مسالمين ومخلصين للوطن"..
واستغرب النائب عن مديرية "التحيتا" الذي طالها النهب والسطو، على أراضي الدولة والأشخاص، من عدم حضور وزيري الدفاع والداخلية كون أكثر النهابين "هم من الضباط والعسكريين". وإذ أيَّد مقترح سلطان البركاني بتشكيل لجنة برلمانية خاصة لمتابعة تنفيذ التوصيات طالب بأن تضاف إليها لجنة من الحكومة كجهة تنفيذية لتشرف وتراقب جنباً إلى جنب مستوى التنفيذ.
ويزخر التقرير بمئات الأسماء، التي تورطت أو اتُهم أصحابها، بموجب شكاوى، بأنهم متورطون بالسطو على أراضي تهامة (عامة وخاصة)، ومن بين هذه الأسماء التي شملها التقرير رئيس مجلس النواب يحيى علي الراعي، والشيخ حميد الأحمر القيادي البارز في أحزاب المعارضة، وعدد من الشخصيات الكبيرة التي استنكرت ورود أسمائها في التقرير بمجرد شكاوى من مواطنين تلقتها اللجنة.
وقال عبدالقادر الدعيس: "إن شعور البعض بأنهم فوق القانون وفوق الدولة وفوق الجميع لهو شعور بشع ومستفز وباعث على الفتنة". متسائلاً: "لماذا تنهب الأراضي في محافظات ولا تنهب في محافظات أخرى". وأضاف: "لماذا مثلاً لا ينهب هؤلاء أراضي مأرب والجوف مثلاً"؟
ووصف النائب علي محمد المعمري نُهّاب الأراضي ب"الجنجويد". وقال إن: "جماعة الجنجويد الذين يغتصبون الأرض لا يشكلون خطراً على الأفراد فقط، إنهم يشكلون خطراً على البلد". وأضاف: "هذا الفعل القبيح الذي يمثله أشخاص متنفذون في الدولة يهدد الوحدة الوطنية".. ومؤكداً: "هؤلاء النهابون خطر على الوحدة وخطر يهدد النسيج الاجتماعي. خطر متحرك ينذر ببركان مدمر يترقبه اليمن".. مذكراً أعضاء البرلمان بأن سبب الدعوة إلى الانفصال اليوم هو "نهب أراضي الجنوب. إنه نهب للبلد بكامله".
ووقف الشيخ محمد صالح البرعي، باعتباره رئيس كتلة الحديدة البرلمانية، يوم الأحد، يشكو حال المواطنين في تهامة والبكاء يكاد يخنقه مخاطباً رئيس المجلس بصوت مكلوم: "أنت المسؤول الأول أمام الله".. وهو ما دفع بالراعي ليرد عليه قائلاً: "المسؤول الأول قصدك بين ناهبي الأراضي"، ففزع البرعي ضاحكاً: "المسؤول الأول أمام الله".. وطالب البرعي من القاعة أن تقف إلى جانب الحديدة في محنتها هذه وأن تضغط معها باتجاه إحضار الحكومة للالتزام بالتوصيات.
وعلى الفور وقف النائب عن اللقاء المشترك عبدالرزاق الهجري متضامناً مع تهامة ضد هذا الجور والنهب "المنظم" قائلاً: "أقسم بالله العظيم لو أن أصحاب تهامة أخذوا بنادقهم وقاتلوا على حقهم ما بقي نهَّاب لكن المشكلة فيهم". ودعا الهجري أبناء تهامة إلى أن يتحركوا قائلاً: "لا بد من حراك في تهامة، لا بد من حراك في كل محافظة".. متسائلاً بطفح: "لماذا هناك محافظات تختطف وتنهب وتحكم وفي يدها الثروة والسلطة ومحافظات مستباحة ومنهوبة".
وإذ شن علي العمراني هجوماً شديداً على حالة النهب على الأراضي في تهامة وغيرها، دعا رئيس مجلس النواب يحيى علي الراعي والشيخ حميد الأحمر، باعتبارهما أبرز شخصيتين وردت في التقرير إلى التبرع بأرضيتهما لصالح جامعة الحديدة. كما دعا البرلمان والحكومة مجتمعين إلى الوقوف، أمام هذا الملف المتفجر، بمسؤولية ووطنية باعتباره واحداً من أخطر الملفات المنذرة بالشر في اليمن.
كما شدد النائب عبدالكريم شيبان، باعتباره عضو اللجنة الخاصة، على حضور الحكومة كاملة. وطالب القاعة أن لا تناقش هذا التقرير إلا وقد حضر المعنيون بتنفيذ التوصيات. وأيّد بقوة مقترح الشيخ البركاني بتشكيل محكمة خاصة لهذا الموضوع وتكليف لجنة نوعية لمتابعة تنفيذ التوصيات وتقديم تقرير بما أنجز كل شهر أو كل شهرين بحسب ما اتفق عليه.
الشيخ سلطان البركاني يطالب الراعي وحمير التنحي عن إدارة الجلسات طالب الشيخ سلطان البركاني من رئيس مجلس النواب ونائبيه (حمير الأحمر وأكرم عطية) التنحي عن إدارة الجلسات المخصصة لمناقشة تقرير أراضي الحديدة وإسناد المهمة إلى الشخص الوحيد في هيئة الرئاسة الذي لا علاقة له بهذا التقرير؛ محمد الشدادي.
ودعا رئيس كتلة المؤتمر الشعبي العام يومي السبت والأحد، أعضاء مجلس النواب إلى الوقوف بمسؤولية أمام قصة نهب الأراضي في تهامة. وقال: "علينا أن نناقش هذا الموضوع نقاشاً جاداً وحقيقياً وليس بالطريقة التي يتصرف بها بعض أعضاء هيئة الرئاسة". وغضب الشيخ سلطان البركاني من ردود وزير العدل "المستفزة" يوم السبت، عندما طعن في دستورية التقرير وقانونيته، ونهض البركاني طالباً الحديث مباشرة بعد كلمة الوزير ليقول: "أرجو من الأخ يحيى والأخ حمير أن يتنحوا عن رئاسة الجلسة وليسندوها لشخص آخر لم يرد اسمه ولا اسم قريب له في التقرير لكي نناقش الأمر بمسؤولية وبدون تأثير على الأعضاء ولا لتوجيه مسارات النقاش".
واقترح الشيخ سلطان البركاني حلولاً عملية لمشكلة الأراضي تضاف إلى التقرير كتوصيات ومن ذلك "أن يحال الموضوع إلى محكمة أمور مستعجلة تتشكل من كبار القضاة ورجال القانون والاختصاص ومن شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والشجاعة". وأضاف أيضاً مقترحاً موازياً للأول وهو: "أن تشكل لجنة برلمانية من داخل هذه القاعة مؤلفة من نواب محايدين وأكفاء يتولون متابعة تنفيذ توصيات هذا التقرير وإنجاز تقرير كل شهر أو شهرين إلى المجلس عمَّا تم تنفيذه".
ولاقى مقترح الشيخ سلطان البركاني ترحيباً واسعاً وتأييداً يصل حد الإجماع، عدا من ذكرت أسماؤهم في باطن التقرير.
وقد أيده نائب رئيس كتلة التجمع اليمني للإصلاح زيد الشامي، شريطة أن تأتي الحكومة أولاً لتلتزم بالتوصيات.. وافقه أيضاً الشيخ سلطان العتواني زعيم الحزب التنظيم الناصري، الذي طالب رئيس الجمهورية أيضاً بأن يوضح للذين نزلوا إلى السواحل من سكان الجبال "إنه دعاهم إلى أن ينزلوا إلى السواحل ليصطادوا في البحر وليس ليبسطوا على أراضي الدولة وأراضي الناس".. وقال العتواني: "لعل هؤلاء الذين نهبوا تهامة والجنوب فهموا دعوة رئيس الجمهورية في إحدى المناسبات خطأً".
وإلى العتواني والشامي، أيَّد النائب المعروف علي حسين عشال مقترح البركاني، وحمل بقسوة على أولئك الذين "نهبوا أموال الناس وبسطوا على الفيافي والقفار ولم يتركوا للناس حتى المراعي". وقال عشال: "فهمنا من التقرير أن النهب نوعان؛ نهب معسكر ونهب منظم، الأول بواسطة النفوذ والأطقم المسلحة وتقوم به قيادات عسكرية وضباط كبار ونافذون، والثاني منظم، كما رأينا تلك التوجيهات الرئاسية بمنح أراضي لشخصيات كبيرة في الدولة ومرموقة".
وشدد علي عشال على ضرورة التوزيع العادل للثروة في اليمن.. مستشهداً بإجابة أحد البسطاء في أبين عندما سأله أحدهم يوماً عن نهب أراضي الجنوب، فأجاب قائلاً: "كان الحزب الاشتراكي يأخذ أرض واحد ويعطيها ل50، واليوم تؤخذ أرض 500 شخص وتعطى لواحد"!