مزج الشاب محمد عز بين حرفيته ودوافعه الاقتصادية ليكسب إقبالاً تسويقياً لم يتوقعه على أطباق زجاجية متنوعة عرضها في المعرض المفتوح "ابتكار في ظل الحصار" الذي افتتح أبوابه في مدينة غزة لتشجيع ما تبقي من صناعات محلية. واستغل عز في نهاية العشرينيات من عمره أكوام الزجاج المدمرة في المباني التي استهدفها القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل 15 شهراً من أجل إعادة تصنيعه وتدويره في أشكال فنية مختلفة.
ووقف عز أمام جناحه الخاص في معرض ليشرح للمتسوقين الفلسطينيين كيفية إعادة تصنيع الزجاج المدمر الذي استعاض به عن استمرار إسرائيل في حظر دخوله إلى القطاع المحاصر بشكل مشدد منذ نحو ثلاثة أعوام.
وتمكّن المعرض بما تضمنه من تصاميم فريدة ذات طابع تراثي وفلكلوري من خطف ذهول المتسوقين الذين لم يتوقعوا أن تكون المواد الأولية لمعظم المنتجات الحرفية من مخلفات الحرب الإسرائيلية.
وأشرف على تنظيم المعرض اتحاد الصناعات الفلسطينية بدعم من البنك الدولي في محاولة لمنح القطاع الصناعي دفعة جديدة في ظل ما يواجهه من مصاعب جراء الحصار وتداعيات الحرب.
يقول عمرو حمد رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية إن المعرض قدم رسالة واضحة بأن الأرض القاحلة وما كان يعد صناعة مدمرة قادرة على الخروج بمنتجات وطنية فلسطينية تكسر الحصار وتحقق النهضة لهذا القطاع.
وشاركت في المعرض الذي ركز على صناعات التدوير والمنتجات اليدوية عدد من الشركات وورش للحدادة التي تعنى بالصناعات اليدوية والمشغولات من الأدوات الفخارية والنسيجية.
وضم المعرض نوعين من الصناعات الأول يقوم على الحرفية ومواد خام مثل منتجات الخيزران والتحف الزجاجية والثاني منتجات مبتكرة مثل صناعات حديدية من أبواب ومصابيح مغطاة بالخيزران وعدد آخر من الصناعات اليدوية.
"نموذج متكامل"
وغلب على منتجات المعروض طابع ابتكاري باستخدام مخلفات الحرب الإسرائيلية للتغلب على النقص الحاد في المواد الخام اللازمة لأي شكل من الصناعات المحلية.
وعرض علاء السوافيري صاحب ورشة حدادة مشارك في المعرض أبواباً مزخرفة مصنوعة من الحديد تمكن من إنتاجها باستخدام حديد ركام المباني عبر إعادة تصنيعه ومن ثم مزجه بحديد مهرّب من مصر لضمان جودته.
وفي الجوار عرض رجل الأعمال ناصر الحلو منتجات لشركته من أدوات منزلية ذات طابع فني جرى تصنيعها من بقايا لأشجار زيتون جرفتها الدبابات الإسرائيلية.
ويرى الحلو ومثله السوافيري أنهم تمكنوا من تقديم نموذج متكامل من صناعات التدوير التي تواجه بتواضع الظروف الاقتصادية السيئة التي تسببت في وقف عمل المنشآت الصناعية جراء الحصار.
يقول رئيس اتحاد الصناعة التقليدية في قطاع غزة عبدالرحيم أبوسيدو: "إن الحصار تسبب بتوقف تصدير المنتجات الزجاجية والخشبية الحديثة من غزة إلى الخارج والتي لا يقوى المستهلك في غزة على شرائها نظراً لتكلفتها العالية".
وأوضح أبوسيدو أن الشركات المحلية لجأت إلى إنعاش الصناعات اليدوية التي تجذب المستهلك في غزة من الزجاج والخزف والسجاد اليدوي والخيزران والصدف وخشب الزيتون وبأسعار منخفضة.
وتضمن المعرض عدا عن أبعاده الاقتصادية والتسويقية جوانب فنية مثلها عرض أشكال الفخار الذي يعد من أبرز ألوان التراث الشعبي الفلسطيني.
"رسوم وزخارف"
وعمد محمد الرفاتي، وهو فنان تشكيلي، على تقديم رسومات وزخارف متنوعة على قطع الفخار التي عرضها عبر شركة تجارية في المعرض.
ويطوع الرفاتي موهبته في التعامل مع الفخار لإنتاج الهدايا والأدوات المنزلية ذات القيمة الفنية في مسعى يقول إنه لتأكيد التراث الشعبي وتعزيز الابتكار تحدياً للحصار وظروفه.
وترصد دراسات متخصصة توقف أكثر من 90% من المنشآت الاقتصادية في قطاع غزة بفعل الحصار عدا عن تكبد خسائر مباشرة تقدر بنحو 48 مليون دولار شهرياً منذ منتصف حزيران (يونيو) 2007.
وتفرض إسرائيل حصارها المشدد منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على الأوضاع في القطاع وهي تتحكم بحركة الأفراد والبضائع منه وإليه وكانت اعتبرته "كياناً معادياً".
ويقول اقتصاديون إن حدة الحصار الإسرائيلي دفعت بمفهوم إعادة تدوير المواد الخام والصناعات الحرفية إلى واجهة الصناعات الاقتصادية في قطاع غزة.
ويرى عمر شعبان الخبير الاقتصادي أن هذا النوع من الصناعات يجب دعمه وإعادة إحياء دوره بكل الوسائل الممكنة فلسطينياً باعتباره البديل الوحيد لحالة الشلل التي تصيب الاقتصاد الفلسطيني.
وأوضح أن الصناعات اليدوية والحرفية هي عامل أساسي في الاقتصاد الفلسطيني خاصة في قطاع غزة ولها الدور الأكبر في توفير فرص عمل وتعزيز موارد الدخل الفردي رغم بساطتها وانخفاض تكلفتها، مشيراً إلى أن هذا النوع من الصناعات يعتمد على السوق المحلي ومواد خام ذاتية وبسيطة، وهو أمر يحتاجه قطاع غزة في مواجهة الحصار والإجراءات الإسرائيلية، مؤكداً أن تعزيزها من شأنه تعزيز الثقة بالصناعات المحلية وإنعاشها.
ويقول قائمون على معرض "ابتكار في ظل الحصار" إنهم عازمون على جعله تقليداً سنوياً لمواكبة الأذواق العالمية والمحلية وتقديم منتج فلسطيني ينافس الصناعات العالمية على أمل أن يتمكنوا من تطوير الصناعات المشاركة عبر توفير بيئة صناعية، ولو في حدها الأدنى من الإمكانيات.