مباشرة انتقلنا من احتفال ميدان الشهداء بتعز إلى استشهاد الشيخ جابر الشبواني وصحبه بمأرب.. من العيد إلى المأتم، ومن أجواء المبادرة الرئاسية في الخطاب المتلفز إلى أجواء أخرى مختلفة تماماً وملبدة باحتمالات تبعث على القلق والتوتر. الحادثة المأساوية باغتت الجميع وخطفت الأضواء من "المفاجأة" – القليلة- التي أطلقها الخطاب الرئاسي عشية عيد الوحدة تجاه الأزمة السياسية وأحزاب المعارضة، وسلّطت الأضواء والأنظار والاهتمامات كلها على ما يحدث في مأرب وما يمكن أن يحدث، وتحديداً تركزت المتابعة على اللجنة الرئاسية المستعجلة التي انخرطت بسرعة في جهود إسعافية لمحاولة لجم كارثة ما بعد الكارثة.. ومنع "انهيار سد مأرب" من جديد، حتى لا تتفرق أيدي سبأ أكثر مما قد كان وما هو كائن.
وما بين المفاجأة الرئاسية واللجنة الرئاسية، اكتشف اليمنيون مجدداً أن حياتهم عرضه لمفاجآت بلا نهاية، وأن اللجان الرئاسية المتوالية والمتكاثرة، هنا وهناك.. وفي وقت واحد، تعبير عن توغلنا عميقاً في مرحلة العجز عن اجتراح القرارات التاريخية الصعبة أو الذهاب إلى تسوية تأريخية، وبالتالي وعوضاً عن الالتفات إلى المشكلات القائمة والأزمات المتحققة فإننا على موعد لا يتخلف مع لطمات وأزمات جديدة، لا نعرف بالضبط متى وكيف سنتغلب عليها ونتفرغ لمداواة أنفسنا من آثارها وتبعاتها؟!
واضح بأن الأخطاء والكوارث الفادحة، على غرار حادثة مأرب الأخيرة، تجيء مباشرة على إثر محاولة أو مبادرة لصناعة أجواء مغايرة يمكنها أن تمهد لانفراج في الحياة السياسية والعامة.
والحال أن التكرار والتلازم يشيران إلى غياب التخطيط الاستراتيجي وتباعد مكونات الإدارة والسلطات العليا عن بعضها عند الإقدام على اتخاذ قرارات وخطوات كبيرة ومؤثرة قد تنعكس سلباً على مجمل الأوضاع والظروف المحيطة بصانع القرار ومدير السياسة العامة والشأن الوطني.
في حالتنا الأخيرة أقدم صانع القرار السياسي على اتخاذ نصف خطوة باتجاه الانفراج وحلحلة المشكل الوطني، وقبل أن تتبلور الرؤية كاملة ونستمع إلى الردود.. كان إجراء أمني وقرار غير سياسي بالمرة قد اتخذ وجاء تنفيذه بتلك الصورة والطريقة التي فجرت الوضع في مأرب ونسفت احتمالات ومكاسب التهدئة والانفراج الذي أراده صانع القرار السياسي من وراء إطلاق المبادرة السياسية عشية عيد الوحدة.
حتى أن توقيت عملية مأرب، كائناً من كان منفذها الفعلي فهذا لا يغير في النتيجة شيئاً طالما وهي لم يكن لها أن تتم من دون دراية وموافقة الجانب الرسمي، هو توقيت سيء وقاتل، وكأنه جاء للنكاية بالسياسي أو تخذيلاً له!
هذا هو ما نسميه انعدام التكامل في التخطيط الاستراتيجي بين مكونات الإدارة الرسمية، خصوصاً بين السياسي والأمني، وهذه الجزئية تحديداً تلخص جزءاً مهماً من المشكلة العويصة التي تعاني منها الإدارة الحكومية وإدارة القرار الرسمي والوطني.
في لحظة واحدة وخطوة واحدة كان يمكن أن نعاني كارثة تأريخية شبه محققة وانهياراً جديداً لسد مأرب يمتد طوفانه إلى أبعد مما وصلت إليه السيول الجارفة أول مرة مع الفارق أن السد البشرى وانهياره يكون أخطر ألف مرة من انهيار سد طبيعي.
ريثما يتمكن مدير السياسة وصانع القرار من تجاوز أزمة مصرع الشيخ الشبواني والسيطرة الكاملة على تبعاتها وتداعياتها – القبلية والاجتماعية والسياسية، وحتى الاقتصادية، باعتبار منابع النفط والغاز ومصادر الطاقة الكهربائية المتعثرة على نفسها منذ اليوم الأول للمشروع- المصاب على ما يبدو بالنحس الأسطوري، وإلى أن يفعل مدير السياسة وصانع القرار ويؤمن الظروف والمعالجات الناجعة لهذا الجرح والملف، ونتأكد من ذلك نحن، سوف يكون الكثير من الوقت قد مر على مباشرة الملف السياسي والانتقال بالدعوة للحوار الوطني من إعلان للنوايا إلى إعمال حقيقي وتطبيق عملي لها وهذا ما أضر به الحادث الاعتراضي المؤلم والمكلف في مأرب.
* عيد حميد في عيد "الناس" نتذكر صاحبها المؤسس حميد شحرة، رحمه الله، وهو لم يبرح الذاكرة أو يجف حبر قلمه من صفحات القلب.
أرادها حميد صحيفة الناس وهكذا كانت، خلد اسمه في قلوب الناس وذاكرة الصحافة الجماهيرية الملتزمة، وترك فينا شيئاً من روحه وقبساً من إنسانيته المناضلة المتواضعة، فكأنه لم يرحل إلا ليبقى ويرقى، يمنياً حميداً.. ويقاسمنا خبز التعب وضريبة الانتماء.
من الناس، ل"الناس".. خالص التهنئة ويستمر المسير. *عن صحيفة الناس