كيف يمكن لصبي بسيط جداً، وعادي جداً، قذفته الحياة البائسة بعربية فل إلى جولة العشرين في صنعاء أن يكون عدواً للوحدة ؟! الجواب بسيط: يبيع صحفاً مستقلة ..! الصبي بائع الصحف "صدام حسن" هو ذلك النوع من الأعداء في نظر وزارة الإعلام اليمنية، لأنه ببساطة شديدة قرر أن "يطلب الله" ببيع الصحف التي نهى ولي الأمر عن قراءتها، ويجد نفسه ملاحقاً من قبل العسكر وموظفي الإعلام الرسميين وغير الرسميين، لأن وزارة اللوزي اكتشفت أن مصدر المخاطر التي تعصف بالبلد وتهدد وحدته يأتي من الكلام المنشور في بعض الصحف الأهلية التي يحاول صدام توزيعها على عربية فل لا يملك سواها. صدام هذا يحتاج إلى توبيخ فعلاً حتى يدرك أكثر أن الصحافة لا تأتي إلا بوجع الرأس كما قال بعض زملائه بائعي الصحف لمحرر "نيوز يمن"، وعليه أن يتنازل عن العشرة ريال التي يكسبها من بيع صحيفة حفاظاً على الأمن العام وعدم تكدير مزاج السلطة، وأزيد على ذلك بالنصح له أن يتوقف أيضاً عن بيع الفل الذي يعوض به خسارة الملاحقة، فعشيرة السلطة وولاة الأمر غير معنيين هذه الأيام بالفل والكاذي، فمن ذا الذي يعمر بندقية بفلة..! هذا وقت الرصاص يا صدام وأنت يا لحماقتك تريد ان تعمر حياتك ببيع ما يجلب السخط عليك: كلمة في صحيفة وعنقود فل. أشفق عليك يا صدام، وأكتب دفاعاً عنك كما لو أنني أدافع عن الوحدة نفسها التي عمرها بمثل عمرك تقريباً، لكنني كما غيري لا أجد حيلة سوى ما أكتب، وأتناسى عن عمد أن مثل هذه الكتابات تورطك أكثر وتزيد عدد من يلاحقوك، والمصيبة أنها تضاعف من الخسارة المالية للصحيفة نفسها التي أكتب لها.. فحتى تسير الأمور كما نشتهي يجب أن نكتب بما يشبع شهوة السلطة للنفاق والتصفيق.. والبلد كما أنا وأنت مكتوم ومخنوق ولا شيء يلوح في الأفق يمنح الرئة والعقل شيء من الأكسجين والقليل من الحكمة.. أو حتى شيء من الحرية تسمح لك بالبيع وتسمح لنا بالتعبير. تأمل يا صدام حولك وستجد أن الفساد يحيط بك من كل جانب .. من الرصيف المغشوش الذي تقف عليه إلى سيارت الفساد الحكومية التي تمر بجوارك إلى اللافتات الأنيقة التي تزاحمك في كل جولة وشارع.. وبالمناسبة ما الذي يخطر ببالك وأنت تدفع العربية أمامك حين تشاهد على إحدى تلك اللوحات هذه الجملة المكتوبة إلى جوار صورة الرئيس : "سر بنا إلى الأمام"، أخشى وأنت لا تملك سوى الخوف من الملاحقة إلى تفسير هذا "الأمام" بحوش البلدية، شخصياً لا أعرف على وجه الدقة ماذا يعني هذا "الأمام" غير إني أعرف أنه لا ينقصنا سوى "دهفة" ونتردى من المنحدر الذي أوصلنا إليه من يسير بنا طيلة 31 سنة. ولو قدر لي مخاطبة السيد الرئيس لما زدت عن القول: " أرجوك توقف.. تعبنا يا قائد المسيرة". أعجز عن وصف حالك.. ولا أستطيع أن أقول لك أكثر من "رزقك على الله يا صدام" ولا أدري إن كان يخطر ببال من يمروا بك وأنت بهذا الحال البائس أن يتساءلوا عن من أوصلك إلى خلف عربية لا تأمن عليها من غارات العسكر ، ولا تضمن كيف ينتهي يومك.. فقبل أقل من ثلاثة أعوام جاءت شاحنة مسرعة في الحبيلين بالموت دهساً لزميلك في المهنة "عيسى" ابن الأربعة عشر عاماً وهو يبيع صحفاً على الطريق العام. اليوم لا أحد يدري ما قد يأتيك من الحبيلين أو من وزارة الإعلام.. تلك منطقة وهذه وزارة وما يجمع بينهما أنهما يحاربان بالطريقة الخاطئة ذاتها، ودائماً في مثل هذه الحروب الغبية أنت الضحية، وإن شئت الدقة يمكنك أن تقول أن من يدفع الثمن هي الوحدة وحرية الصحافة والسلم والعدالة الاجتماعية، وهي أشياء يزعم كل طرف أنه يحارب باسمها ولأجلها. ما يعنيني الآن هو صدام، وبودي لو يستطيع أن يبيع هذا الكلام بشيء يعود عليه بالنفع أكثر من الريالات القليلة التي يجنيها بتعب مؤلم. طبعاً هذا شيء صعب، لكني سأطلب ما هو أسهل من ذلك وهو أن تبادر نقابة الصحفيين إلى إيجاد صيغة ما يحصل بموجبها بائعو الصحف على حمايتها أو على الأقل دعمها وتضامنها. ويبدو أن هذا صعب أيضاً، فالنقابة نفسها عاجزة عن حماية نفسها أو منتسبيها والشواهد كثيرة، لكني اعتقد إن شيء شبيه بهذا يأتي من النقابة أو من أي جمعية هو أقل ما يمكن فعله تجاه صدام وإخوانه، على الأقل يشعرون انهم ينتمون لكيان ما بدلاً من هذا الرصيف والغبار الذين انتموا له طويلاً.. هل يبدو هذا الطلب كثيراً أو غير منطقياً.؟ لا أدري. وإن كان ثمة من يعرف شيئاً أفضل فليقل أو يفعل.. صدام ليس إلا نموذجاً لجيش من البائسين الذين وجدوا أنفسهم هكذا على الرصيف، بدون مستقبل يمكن الانتظار له، أو تعليم يمكن الركون عليه، وليس صدام وحده من يغالب همه وشقاه، الكثير جداً في هذا البلد يعاني الشقاء بطريقة أو بأخرى، والشقاء بحد ذاته في سبيل البحث عن حياة لائقة وعيش كريم قد يكون مقبولاً لأن الحياة في نهاية المطاف ملاحقة وتعب مستمر، الشقاء الحقيقي في مهنة الصحفيين في بلدنا أن يبتلوا بوزارة تحارب أبناء المهنة بطريقة غير نبيلة وغبية في الكثير من الأحيان، فهي تقول في العلن لوسائل الإعلام الأجنبية بأنها لا تضايق أو تمنع الصحف المستقلة من الطباعة أوالبيع، ثم تصدر توجيهاتها في السر للصحف الحكومية بعدم التوزيع في الأكشاك التي تبيع صحفاً كالمصدر والنداء والشارع.. دعونا من الوزارة والحكومة التي تنتمي لها فالعديد من الكتاب والصحفيين من داخل الدولة وخارجها قالوا كثيراً عن المشكلات التي يواجهها البلد وتعبوا من الحديث عن أزمة الإعلام وهم جميعاً في أغلب ما يكتبون يتوجهون في الحديث إلى شخصيات عديدة ليس بينها صدام المنسي وسط كل هذا الضجيج.. وهو وأمثاله الكثيرين يحتاجون إلى من يتحدث عنهم بشيء من الصدق والإخلاص. ويحتاجون أيضاً إلى شيء من الاحترام حين نلتقي بهم بين المركبات وعلى الأرصفة.. وأظن إن القليل من الابتسام في حضرته حين نشتري منه صحيفة أو عنقود فل وبلا "مبايعة" مرهقة له سيساعده كثيراً في تجاهل التهم الموجهة له بالمساس بالوحدة، وستعينه على مواجهة ملاحقية من عسكر الإعلام والبلدية. صحفي يمني مقيم في دبي