عبارة عن مبنى قديم أشبه بالمخافر العسكرية ، تتكون هذه الكلية من خمس قاعات تحمل أسماء متناقضة كثير ما تلفت الانتباه ( الوحدة ، أمان ، المحضار . . ) داخل مبنى الكلية ( الحوثي ، المحضار. . ) يتصارعان خارج المبنى، وهذه المسميات وان كانت بعضها تحمل رموز شخصية الا ان دلالاتها تشبه مسلسل اليمن الدرامي. لست معنيا بالغوص وراء هذه المسميات ولكنها كثيرا ما تلفت انتباهي. الى جوار هذه القاعات توجد عشر غرف صغيرة عبارة عن مكاتب يتقاسمها الدكاترة مع الموظفين، وقاعة اخرى تحوي اكثر من خمسة عشر جهازا كمبيوتر يبدو انها لعرض فقطلا يستفيد منها الطلاب، وفي هذه الكلية الكبيرة توجد مكتبة صغيرة مليئة بمؤلفات منسوخة من كتب مكاوي ومختار التهامي في الغالب ، والتي ينسبها دكاترة الكلية اليهم وغيرها من الكتب المصرية القديمة التي تجاوزتها الجامعات المصرية ذاتها، بالرغم ان معظم الدكاترة في كلية الاعلام خريجي الجامعات المصرية الا انهم كما يبدو لم يستفيدو من خبرة او تجارب الاساتذة المصريين في التاليف والانتاج الفكري ، بديلا عن اتقان مهارة النسخ واللصق والتي خلقت عند الطالب نوعا من الاتكالية وعدم البحث في ما من شأنه ان يثري الطالب في كافة المجلات .في هذه الكلية لا يوجد كتاب واحد لنجيب محفوظ، أو لطه حسين، أو حتى لمحمد عبد الولي، كما انه لا توجد فيها كتب علمية أو فكرية أو حتى سياسية متنوعة، فقط كتيبات صغيرة لشعراء شبان بعضها مهداه من الدكتور حاتم الصكر، والاعمال الكاملة للدكتور عبد العزيز المقالح، اضافة الى خمسة وعشرين كتاب في الدراسات النقدية لخطابات الرئيس، ومذكرات عبد الله بن حسين الاحمر، وبين هذه الكتب توجد مذكرات حسن البناء ولا ادري هل هو مجرد مصادفة أم هو كغيره من الكتب المهداه . في هذه الكلية يقبع حوالي اكثر من الف طالب من النظامين العام والموازي، غالبيتهم لا يحضرون الا اوقات الامتحانات ، حسب سجل المكتبة توجد اربع مائة بطاقة مكتبية، الفاعلة منها ما يقارب مائة بطاقة والتي معظمها لطلاب المستوى الاول المندفعين بدافع الاستعراض حسب جميل علي جابر امين الكلية، أما الاخرى فلم يستعير اصحابها كتابا واحدا حتى من باب المجاملة، ويدل هذا على عزوف غالبية الطلاب عن القراءة او الاهتمام بهذا الجانب . أظنني اعرف الكثيرين مممن يدرسون في هذه الكلية ومن خلال احتكاكي بهم لا ارى او اسمع الاهتمام المطلوب بهذا الجانب حتى انني احيانا اقول انه لا فرق بين مدرسة ابتدائية وهذه الكلية، والتي من المفترض ان يكون طلابها من اكثر الطلاب قراءة وثقافة في كافة المجالات ، لانهم سيكونون غدا قادة رأي عام ومن ينتظر منهم المجتمع صناعة وعي جديد، فالقراءة هنا ليست في سلم اولوية الطلاب فهم منشغلين بجوانب اخرى ، فالكثير منهم منشغلين بل ومتنافسين في نسج علاقات مع البنات، وغالبا ما اسمع البعض يقول من انه تعرف اليوم على "سلمى" ومن هذا القبيل . . . الا ان هناك بعض الطلاب وان كانوا بعدد الاصابع حسب معرفتي ارى عندهم جدية واهتمام بالقراءة، والاطلاع ، لكني لا اراهم يدخلون مكتبة الكلية ويبررون ذلك بانه لا توجد كتب تستحق القراءة القراءة، ويبدو انهم على حق في ذلك كما ارى، فمثلا الشاب الاصلاحي عبد الإله الطاهش ترى بطاقته صفحة بيضاء حيث لم يستعير كتابا واحدا، منذ دخوله الكلية، اظنه في عنى عنها ، فهذا الشاب الذي يلقبه زملائه ب عبد الباري عطوان، يقول انه افتقد لتصريحات محمد قحطان الذي كانت تثير اعجابه، ينتقد سياسة الزنداني ويفض قراءة اقتتاحيات الثورة لاعجابه بعبده بورجي ، يمتلك من الثقافة - حسب ما أرى- ما لا يمتلكه بعض دكاترة الكلية ، ما ان تنتهي المحاضرة حتى يذهب الى الكشك ياخذ كل الصحف الصادرة في اليوم، وغالبا ما يصطحبني الى مكتبته الخاصة، والتي اظنها ستصبح يوما اكبر من مكتبة الكلية، ان لم تتفوق عليها الا من بعض الكتب ، فابرز ما في المكتبة مقدمة بن خلدون ، والايام لطه حسين، ومؤلفات هيكل، وخالد محمد خالد، كم يتابع كافة المجلات الدورية، مثل نيوزويك، المنتدى ، العربي، وفي اعتقادي ان الحالة المادية وفضول المعرفة عند هذا الشخص هم اللاعبين الابرز في تميزه عن غيره بالاهتمام بهذا الجانب، يماثله الطالب زياد المحسن الذي خطف الانظار مؤخرا وفاز بجائزة شاعر الجامعة، يليها الفوز ببرنامج صدى القوافي، على الفضائية اليمنية، حيث تراه غارقا في الادب الصوفي ودائما ما يصطحب كتب الحلاج، وابن عربي ، لقرائتها في المكتبة، ربما لمعرفته في عدم جدوى البحث في مكتبة الكلية التي لا تشبع فضوله المعرفي، وقد خصصت وقتا قبل كتابة هذه المادة لزيارة مكتبته والتي وجدت فيها ما لم اجده في مكتبة الكلية، مثلا: الاعمال الكاملة لنجيب محفوظ، مؤلفات من الادب الجاهلي، والعثماني، والعباسي، . . . الخ، وكتب اخرى ل لوركا، هيجل ، ماركيز ، أندريه ، ودانتي ، والكثير من الكتب الهامة الاخرى، لكنه لا يقرا الصحف ، وأذكر أنه رأى يوما بيدي صحيفة المصدر فباشرني القول بانها صحيفة صفراء حسب قوله، ونصحني بالابتعاد عن قرائتها، ربما ليس لديه توجها سياسيا ويبدو ذلك من خلال انغلاقه على القراءة في الادب، وهناك بعض الطلاب يعتبرون الكلية متنفسهم الوحيد للقراءة واستغلال الوقت، فمثلا الطالب أمجد خشافة وهو طالب ملتزم ينتمي للتيار السلفي تراه أحيانا بعد نهاية المحاضرة في احدى زوايا المكتبة يقرأ كتابا دينيا اصطحبه معه من سكنه وغالبا ما يكون لمحمد قطب، أو محمد بن سرور، أو مجلة المنتدى ، أو البيان، كما أن بعض الكتب التي لا تحمل الطابع الديني يقول أنها لا تفيد في شيء.
غالبية الطلاب في كلية الاعلام محسوبين على التيار الاسلامي ( حزب الاصلاح) هؤلاء يشتغلون بدهاء في كسب الطلاب وتنظيمهم حزبيا، ويبدون نجاحا لافتا في استمالة غالبية الطلاب من خلال معاملتهم الطيبة، وخصوصا الطلاب المتميزين، لكن لا ترى عندهم اهتماما بالقراءة، أو أستغلال اوقات الفراغ، فشغلهم الشاغل هو كسب اكبرعدد من الطلاب، وتحريضهم على مناهضة أي قمع للانشطة الطلابية داخل الكلية، وترى بعضهم لا ينفك في قراءة مواعظ وحكم الامام حسن البناء ومؤلفات السيد قطب والذي يلصقونها على جدران الكلية، فالطالب خطاب الحميري أشبه بمروج حزبي منه الى طالب جامعي، فتراه يحمل الاوراق والوثائق الحزبية واستمارات الانتماء الحزبي ، لم أجده يوما يحمل كتابا فضلا عن قراءته. وعلى عكس هؤلاء يوجد شباب ناصريين واشتراكيين، من مختلف التوجهات ، الا أنهم يتبعون خطا قرائيا واحدا بما يتوافق مع توجهاتهم الحزبية والايدلوجية، فالطالب فخر العزب، شاب ناصري نشيط تراه يسابق ضوء الشمس في الوصول الى ساحة الكلية والذي يطمح في استعادة القومية الناصرية، حيث تراه يحمل كتب محمد عمارة ، ومنذر معالقي، ومصطفى طيبة، ويكتب قصائد في رثاء المجد الناصري، لعبد الناصر، خليفة المسلمين السادس كما يسميه، لا ينفك هذا الشاب في السخرية من سياسات حميد الاحمر القبلية ، كما يدعي، وقد يكون على حق في هوسه في التغني بمجد القومية الناصرية في ظل الاحباطات التي تعاني منها الامة العربية باعتبارنا جزء منها . أتذكر زميلا لي تربطني به علاقة قوية لا يقرأ حتى الصحف ويطمح بأن يكون مذيعا تلفزيوني، ودائما ما يسخر مني حين أقرأ لبعض الكتاب العرب والاجانب ويقول لي ( يا ابني انت اعلامي اخرط قليل وابرد، تتعب نفسك ليش؟!! ) مثل هذا الطالب وغيره الكثيرين ممن يسخرون من قراءة الكتب الاجنبية والتعرف على افكار الاخرين ، يماثله الى حد ما الطالب والزميل عبد الواسع الورد، حيث وصفني بالمنسلخ والممسوخ ثقافيا حين رآني احمل رواية (مائة عام من العزلة) لماركيز، عقليات مثل هذا الطالب لا تزال متخمة بنظرية المؤامرة، بالاضافة الى وجود عدد كبير لا يقراون وربما يوجد عدد أكبر ممن يعطلون ويثبطون من يجد في نفسه رغبة وشهوة في القراءة ودائما ما أسمع زميلي جابر الغزير يشكو من هذه الحالة !! في كلية الاعلام لا يوجد اختلاف بين الطالبات والطلاب في الحالات القرائية، فنادرا ما تجد طالبة تحمل صحيفة، وإن حملت نجدها السياسية أو الثورة الحكوميتين، فبعض الطالبات تحلم بأن تكون شبيهة ب " لونه الشبل " المذيعة اللامعة في قناة الجزيرة، لكنك لا تلمس أي مؤشر يؤهلها لذلك، وغالبيتهن ينحصر اهتمامهن في ملازم الدكاترة دون الرجوع الى مصادر أو مراجع أخرى، وترى ذلك من خلال مشاركاتهن مع الدكاترة "حيث تبدو وكأنها حفظت قصيدة شعرية !!! لكنني لا استطيع الجزم ان جميع الطالبات كذلك، فهناك حالات استثنائية، حيث ترى الطالبة هناء الفقية غالبا ما تحمل بعض الكتب الفلسفية ل " جون استيوارت مل" وبعض الكتب في علم النفس، كذلك الطالبة سارة الطيب، حيث تراها مهتمة بكتب التنمية البشرية لطارق السويدان ، وابراهيم الفقي، ولا تميل للقراءة في السياسة، مثلها الطالبة بشرى العنسي التي تراها تنزعج عند المداخلات السياسية مع بعض الدكاترة داخل القاعة، وزميلتها نسيم الفيل التي تقرأ في الكتب مع الدكاترة عدا في الجانب الدراسي فقط، عكس هؤلاء الطالبات اتذكر الزميلة جميلة الانسي في بعض مداخلاتها السياسية الساخنة حين ناقش احد الدكاترة قضية الحدود مع المملكة العربية السعودية، حيث أبدت رأيا لم يجرؤ أجد من الطلاب على قوله !!.