لا يراود سميرة مسقان حمدي، المهاجرة الإثيوبية، أدنى شك في صواب قرارها بالمجيء إلى اليمن على متن قارب مكتظ بالمهاجرين، حتى بعد أن انتهت رحلتها بمأساة بقيت فيها ثلاثة أيام تصارع الموت على شاطئ نائي بالساحل الجنوبي لهذا البلد العربي. سميرة التي تبلغ من العمر 30 عاما مقتنعة تماما بأن فرصة العمل كخادمة منزلية التي قد تحصل عليها في اليمن أو السعودية تستحق كل هذا العناء، فستمكنها من إرسال المال لمساعدة أسرتها التي تقطن إقليم "ولو" بشمال إثيوبيا.
وبدأت معاناة سميرة بعد أن ركبت قاربا يقوده مهربون من ميناء بوصاصو الصومالي مع نحو 110 مهاجرين صوماليين وإثيوبيين في منتصف نوفمبر الجاري. كان قائد القارب ومساعدوه يضربونها والمهاجرين الآخرين بالعصي بصورة مستمرة خلال الرحلة التي استمرت قرابة يومين.
وقبل وصول القارب إلى الشاطئ اليمني بدأ المهربون في إجبار ركاب القارب على القفز في المياه لمواصلة الرحلة سباحة. وتقول سميرة إن واحدة من ثلاث أثيوبيات كن على متن القارب غرقت في المياه العميقة لعدم تمكنها من السباحة، فيما تمكنت هي والركاب الآخرون من الوصول إلى الشاطئ وسط ظلام دامس.
ولم تكن تلك نهاية المطاف لمعاناة سميرة، فقد تركها الركاب الآخرون وراءهم بعد أن أدركوا أنها لن تتمكن من السير معهم باتجاه أقرب قرية بسبب إعيائها الشديد. وبقيت سميرة تصارع الموت على الشاطئ ثلاثة أيام إلى أن شاهدها صياد يمني ونقلها بسيارته إلى مركز لاستقبال اللاجئين ببلدة أحور بجنوب اليمن المطلة على خليج عدن حيث تلقت العلاج.
وقالت سميرة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن هذه الرحلة لم تكن تجربتها الأولى، فقد لجأت إلى عبور خليج عدن على متن قارب للمهربين مع أخيها العام الماضي ووصلا بعد ذلك إلى السعودية بعد السير على الأقدام عبر صحراء الربع الخالي. وبعد أن ضبطتها سلطات الهجرة السعودية في منطقة خميس مشيط قبل نحو ثلاثة أشهر ورحلتها جوا إلى أديس أبابا، قررت سميرة العودة ربما لتواجه المصير نفسه. وسميرة ليست حالة فريدة، فثمة آلاف الصوماليين والأثيوبيين مثلها يقدمون كل سنة إلي اليمن عبر رحلات بحرية تحف بها المخاطر لينتقلوا بعد ذلك إلى السعودية بحثا عن فرص عمل.
وأصبح مشهد طوابير المهاجرين الأفارقة وهم يسيرون على جوانب الطرق الاسفلتية التي تربط بين المناطق الساحلية اليمنية على خليج عدن وصحراء الربع الخالي مألوفا لدى سكان تلك المناطق رغم تزايد أعداد أولئك المهاجرين البائسين، فالكل يدرك هنا، أن المهاجرين يعبرون تلك المناطق في طريقهم إلى السعودية ولا يشكلون أي عبء عليهم. ويتوافد آلاف اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من القرن الأفريقي على اليمن على متن قوارب صغيرة عبر خليج عدن، ثم يواصلون التنقل لآلاف الكيلومترات سيرا على الأقدام عبر مناطق جبلية وصحراوية تجاه السعودية في رحلة لا تقل خطرا عن عبور خليج عدن.
وعلى الرغم من المخاطر التي تحيط بالرحلات البحرية التي تنقل المهاجرين الأفارقة إلى اليمن والعدد المتزايد من أولئك الذين يلقون حتفهم غرقا، إلا أن أعداد المهاجرين الذين يعرضون حياتهم للخطر باستخدام قوارب المهربين في تزايد نظرا لغياب طرق الهجرة المشروعة.
ووفقا لإحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن أكثر من 38 ألف شخص وصلوا إلى اليمن منذ مطلع العام الماضي حتى أكتوبر مقابل نحو 29 ألف و500 مهاجر في عام 2007. ولقي أكثر من 600 شخص حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى اليمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي.
وغالبا ما يروي المهاجرون بعد وصولهم إلى الساحل مشاهد مروعة عن وحشية المهربين الذين يستغلون ضعف المهاجرين ويعاملونهم بقسوة تبدأ بالضرب بالعصي وأعقاب البنادق وتنتهي بإجبارهم على القفز من القوارب في المياه العميقة قبل الوصول إلى الساحل. فاطمة عيد محمد، امرأة صومالية عمرها 24 عاما، وصلت على قارب يحمل 140 راكبا في أغسطس الماضي. تقول فاطمة: "وصلنا إلى قرب الساحل وطلب منا المهربون القفز من القارب وكنا مرهقين فتدافع الركاب إلى جهة واحدة من القارب مما أدى إلى انقلابه".
وتضيف أن خمس نساء وطفل غرقوا نتيجة الحادث. عبد الله محمد أحمد "25 عاما"، صومالي ينتمي إلى قبيلة طارود التي قاتلت إلى جانب القوات الأثيوبية في مقديشو، يقول إنه هاجر إلى اليمن ومنها إلى السعودية قبل نحو عام بعد أن أحرقت الميليشيات التي قاتلت القوات الأثيوبية منزله في مقديشو. وعمل الرجل راعيا للأغنام والإبل في جنوب السعودية قبل أن تعتقله سلطات الهجرة وترحله إلى مقديشو، غير أنه عاود الكرة مرة أخرى وجاء إلى اليمن. ويتذكر عبد الله معاناته في رحلته البحرية الأولى التي لقي فيها 25 شخصا من أصل 115 راكبا في القارب الذي أقله حتفهم غرقا قبالة الساحل اليمني وكان هو بين الناجين. ويقول: "كنت خائفا من الموت عندما ركبت القارب هذه المرة، لكن الخوف من عدم الأمن في بلادي أكثر.. كنت أخاف أن أقتل في أحد شوارع مقديشو".
ويضيف أنه على استعداد لتكرار عبور خليج عدن كلما جرى ترحيله من السعودية إلى الصومال، وأنه لن يتوقف عن فعل ذلك إلا بعد قيام حكومة قوية في بلاده يستطيع في ظلها أن يعمل بأمان ليطعم والده المسن وإخوانه الستة. ويرى رئيس بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في اليمن ألفونسو فردو بيريز أن معظم المهاجرين الذين يصلون إلى اليمن يفرون من العنف في الصومال وأجزاء من إثيوبيا.
وقال بيريز ل (د.ب.أ): "يقولون لنا بعد وصولهم إنه لم يكن أمامهم خيارات أخرى غير الوصول إلى اليمن بحثا عن إمكانية الوصول إلى السعودية أو البحث عن عمل في اليمن نفسه". ويعتقد بيريز أن حركة الهجرة من القرن الأفريقي إلى اليمن تختلف عن الهجرة إلى أوروبا التي يقصدها المهاجرون الأفارقة بحثا عن مستقبل أفضل. وقال: "المهاجرون الذين يأتون من الدول الأفريقية إلى أسبانيا مثلا يبحثون عن مستقبل أفضل، لكن ما نراه هنا هو نزوح هربا من العنف في الصومال أو من الأوضاع السيئة بسبب أزمة الغذاء وشحة فرص العمل في إثيوبيا".
وذكر بيريز أن الاستجابة الإنسانية التي تبديها الحكومة اليمنية تجاه هذه الظاهرة كبيرة على الرغم من بساطة إمكانياتها. وأضاف: "اليمن واحدة من أفقر الدول في آسيا، وحتى أنها أدنى من مستويات الفقر في بعض الدول الإفريقية كجيبوتي والسودان، ومع ذلك تحاول التعامل مع هذا الوضع الذي يتجاوز قدرتها على تحمله بمفردها".
ويرى عبد النبي قادري المنسق الميداني بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في محافظة أبين اليمنية المطلة على خليج عدن أن على المجتمع الدولي أن يعمل على إنهاء حالة الفوضى والحرب في الصومال لإنهاء معاناة المهاجرين في الرحلات البحرية إلى اليمن. ويقول قادري: "المشكلة الرئيسية هي الحرب في الصومال. ينبغي على حكومتي الصومال واليمن العمل مع الأممالمتحدة لوضع حد لتلك الرحلات المميتة".
ويضيف أن المهربين "لا يهمهم إلا الحصول على المال ولا يهتمون بسلامة المهاجرين". ويتقاضى المهربون الصوماليون ما بين 50 و150 دولارا من كل مهاجر مقابل نقلهم على متن قوارب صغيرة ومكتظة من ميناء بوصاصو الصومالي إلى سواحل اليمن. ويقول قادري إن المهربين يطلبون في أحيان كثيرة من ركاب تلك القوارب دفع مبالغ إضافية أثناء الرحلة. ويعمدون إلى رمي من يرفضون تلبية طلبهم إلى مياه البحر العميقة. ويضيف أنه في مطلع شهر نوفمبر الماضي أجبر مهربون صوماليون أكثر من 40 مهاجرا أثيوبيا على القفز من قارب في منتصف الرحلة إلى اليمن بعد أن أوسعوهم ضربا وأطلقوا عليهم الرصاص لرفضهم دفع أموال إضافية.