مطلع الأسبوع، قبل الفائت، وقَّع ما يزيد عن 180 نائباً على مقترح مكتوب تقدم به النائب عبدالرزاق الهجري يطلب عقد جلسة مغلقة لمناقشة الأوضاع الداخلية لمجلس النواب.. لكأنها مسألة تتعلق بالسيادة الوطنية! وفي نهاية الأسبوع الماضي عُقدت هذه الجلسة وأوصدت الأبواب في وجه الصحفيين وكل موظفي القاعة، غير أن تلك الجلسة لم تكن سرية أبداً.. إليكم التفاصيل. يفكر بعض النواب بعقلية بوليسية سخيفة وهم يعلمون أن كثيراً مما قالوه يوم الأربعاء الفائت لا يستحق أن ينُشر، ناهيك عن أن يقال داخل جلسة مغلقة.. هؤلاء فاشلون جداً وغير مؤهلين وهم لم ينجزوا، على امتداد 8 سنوات، ما هو جدير بالاهتمام سوى ما اكتسبوه من خبرة في مسألة جمع التوقيعات.. يرفض بعضهم أن يتصور، والبعض يعتذر عن التصريح معتقداً أن الصحفيين أعداء الوطن وغير أمناء، ناسين بأن الصحافة فعلاً لا تنقل كل شيء، كما وأيضاً لا تحب أن تفضح أولئك الذين يتعاطون "الشمة" داخل القاعة ثم "يبزقونها" إلى داخل السِلال. ليس في كلام أعضاء البرلمان ما هو سر حتى يؤثر انكشافه خطراً على الأمن القومي.. والسؤال الذي يطرحه كل ضيف على مجلس النواب هو؛ ما هو السر أنك عندما تدلف من بوابة المجلس إلى الساحة ينتابك شعور وكأنك داخل إلى معسكر؟! يوم الأربعاء الفائت كانوا يناقشون قضايا الفلوس وبدل المواصلات ويطالبون رئيس المجلس داخل جلسة سرية للغاية، بأن يتراجع عن أسلوبه الجلف في التعامل مع النواب.. بدأت الجلسة في تمام العاشرة والنصف، وكان غالبية النواب حاضرين ومتأهبين للقفز على ما يعتقدون أنها مستحقات ستصرف لهم. لم تكن سوى جلسة عادية افتتحها رئيس المجلس بنصاب غير مكتمل واختتمها بمقترح تشكيل لجنة خاصة كما هي العادة.. والقضية الأساسية، التي هيمنت على القاعة يوم الأربعاء، هي قضية المليون الريال كبدل مواصلات. وتساءل صخر الوجيه بشأن ذلك؛ لماذا لم تصرف للأعضاء خصوصاً وهي مسألة حددها المجلس واتخذ بشأنها قراراً؟ وطرح آخرون هذا الموضوع بحماس مشددين على ضرورة أن تصرف من باطن الحساب الجاري. عدد من المتحدثين ركزوا على أسلوب إدارة الجلسات كواحدة من القضايا الرئيسية التي تعيق الأداء.. وقال النائب المؤتمري، علي محمد المعمري، وهو أحد الأعضاء الأكثر جرأة في مواجهة الراعي ويحتفظ بعلاقة سيئة معه، قال مخاطباً رئيس المجلس: "يجب أن تحسن مناداة الأعضاء بأسمائهم وبأسمائهم المجردة حتى تتحقق المساواة والموضوعية وليس هذا ينادى عليه بالشيخ فلان أو الأستاذ فلان والبعض لا". وواصل المعمري انتقاده لأسلوب رئيس المجلس المعتاد قائلاً: "يجب عليك أيضاً أن تترك التعليقات على المتحدثين لأن ذلك عمل لا يليق بك ولا يليق بالأعضاء".. وهذه الملاحظة تطرق إليها صخر الوجيه أيضاً. وأضاف: "مهمة رئاسة المجلس أن تدير النقاش فقط وتنظمه ثم تبلور الآراء والمقترحات بموجب اللائحة ولكن للأسف؛ الرئاسة بدلاً من ذلك تنشغل بالتعليقات اللاذعة على النواب وهو أمر يحز في نفسية الأعضاء ويخلق الضغينة". وهيمن "أسلوب إدارة الجلسات" على مجمل النقاش، حيث انتقد النائب الإصلاحي فيصل الحبيشي أسلوب رئيس المجلس الذي قال إن التعليقات على النواب "يأخذ ثلث الوقت". وهو ما دفع يحيى الراعي لأن يعقب عليه وعلى من سبقه من المتحدثين قائلاً بابتسامه المائلة: "دوَّروا غيره". أكثر المداخلات تركيزاً وشمولاً يوم الأربعاء كانت مداخلة صخر الوجيه، فإلى المليون وأسلوب إدارة الجلسات، انتقد الوجيه أيضاً سفريات رئيس المجلس (الخارجية)، حيث وجه إلى هيئة الرئاسة وإلى أمين عام المجلس الذي سمح له بأن يحضر الجلسة، هذا السؤال: "لماذا عندما يسافر الرئيس تصرف عهد بعشرات الآلاف من الدولارات ولا تصفى؟!". وأضاف: "ثم لماذا البعض يسافر والبعض لا يسافر؟". وتطرق الوجيه أيضاً إلى مسألة غاية في الأهمية وهي مسألة اللائحة المالية التي لم تعرض على القاعة، حيث نبه إلى أن إنزالها بذلك الشكل يعتبر مخالفة صريحة للائحة الداخلية للمجلس.. وعندما علَّق عليه رئيس المجلس بقوله أنا أتحمل المسؤولية، رد عليه الوجيه قائلاً: "عندما تقول أنك تتحمل المسؤولية فمعنى ذلك أنك تنفرد بالأمر وهذا لا يصح". كما انتقد صخر الوجيه أسلوب "العد" أثناء التصويت على المقترحات ومشاريع القوانين قائلاً: "حيث وأنتم تديرون الجلسات أحياناً بغير نصاب مكتمل وتطلبون التصويت أحياناً بدون نصاب، وأيضاً تحصل مغالطات أثناء عد الأصوات". وطرح الوجيه مسائل الاختلالات الإدارية الكثيرة وما يتعرض له النواب من مضايقات وتعسف ولاسيما في مطار صنعاء الدولي. وبدا أعضاء مجلس النواب يوم الأربعاء متساوين مع عامة الشعب المطالبين بتحقيق العدالة.. وقد افتتح الحاج أحمد العقاري مداخلته بهذا السؤال: "هل للملتزمين الذين يأتوا إلى القاعة من صباح الصبح مكافأة أم لا؟". وأضاف: "هل في دوائرهم حراك وأسماءهم ملغية في هيئة الرئاسة تماماً". (يقصد أنها لا تهتم بهم). أما النائب الأكثر التزاماً صادق قاسم البعداني، فقد كانت مداخلته يوم الأربعاء بالأرقام، حيث أشار إلى مسألة غاية في الأهمية تغيب عن أذهان زملائه، حيث قال: "إذا أردتم أن تعرفوا نسبة الإهمال واللامسؤولية فعليكم أن تلقوا نظرة على نسبة الحضور أثناء مناقشة الحسابات الختامية". ولفت البعداني، وهو النائب الأول والذي يضطلع بدور هام أثناء مناقشة المشاريع والتقارير الرئيسية الحساسة، لفت إلى أن نسبة الحضور في الحساب الختامي 19 بالمائة (صباحاً) وفي الفترة المسائية 99%.. ثم أضاف: "لكن وجدنا في تقرير اللجنة أن نسبة الحضور 55 بالمائة صباحاً و44% مساءاً!!". وعند هذه النقطة بالذات بإمكانكم أن تلحظوا حجم الاختلال القائم!! اعترض عبدالسلام زابية على تشكيلها وطالبهم أولاً بأن يسألوا عن مصير توصيات اللجنة السابقة لجنة خاصة من 6 نواب للتحقيق في مشاكل مالية امتدت الجلسة المغلقة ساعة ونصف تقريباً وفي نهايتها صوت الحاضرون على تشكيل لجنة خاصة لدراسة الاختلالات المالية للمجلس وإعداد تقرير مالي مفصّل بذلك. وتتألف اللجنة، بناءً على اقتراح صخر الوجيه، من الأسماء التالية: "عزام عبدالله صلاح، عبده محمد بشر، علي أحمد العمراني، عبدالرزاق الهجري، إضافة إلى محمد عبده سعيد وعبدالله المقطري، بناءً على مقترح طرحه يحيى الراعي على القاعة بإضافتهما إلى قوام اللجنة. ومن المقرر أن تبدأ اللجنة عملها هذا الأسبوع، غير أن التفاؤل، بما يمكن أن تنجزه هذه اللجنة، يبقى ضعيفاً خصوصاً وأن لجنة برلمانية سابقة شكلت قبل 3 سنوات لهذا الهدف وعادت بتفاصيل هامة وتوصيات لم تنفذ حتى اللحظة. واعترض النائب عبدالسلام زابية على تشكيل هذه اللجنة مذكراً القاعة بتقرير اللجنة الخاصة التي عادت بتقرير داخلي ولم تنفذ من توصيات، سوى الشاشات الحائطية التي تعرض صور النواب من خلال حركة الكاميرا داخل القاعة. وقال زابية، وهو نائب جاد وعاقل في كتلة محافظة صعدة؛ "يجب أن نحترم أنفسنا وأن نسأل عن مصير تلك التوصيات بدلاً من أن تشكل لجنة لا جدوى لها". وفي الجلسة المغلقة، يوم الأربعاء، تحدث النائب ورجل الأعمال المعروف محمد عبده سعيد أنعم، وهو الذي لا يتحدث إلا بالنادر، لكن يبدو أن محمد عبده سعيد وجدها فرصة سانحة للكلام في غيبة الصحافة.. امتدح محمد عبده سعيد أنعم ذلك النقاش وقال: "لقاؤنا اليوم ظاهرة طيبة".. مقترحاً عليهم بأن يتأسس عُرف دوري لتقييّم الأوضاع الداخلية للبرلمان وأن يكون كل أربعة أشهر. يرى محمد عبده سعيد بأن الطريقة الناجعة لتفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب، لا تتحقق إلا من خلال تنفيذ التوصيات ومتابعتها. وأضاف جازماً: "إذا تابع المجلس تنفيذ توصياته فإن العمل البرلماني في اليمن سيحقق إنجازات كثيرة". وحول ما طرحه بعض أعضاء مجلس النواب من انتقادات لأداء المجلس، قال محمد عبده سعيد بأن "هذه الدورة حققت إنجازات كثيرة". وأضاف: "يجب أن لا نظل نجلد الذات فهذا المجلس أفضل من سابقيه"، حسب قوله.