لم يدر بخلد الأربعيني هشام محمد أن يكون طفله مشتاق (11 عاماً) الذي يدرس في الصف الرابع الابتدائي، بمدرسة سبأ وسط العاصمة صنعاء، غير قادراً على كتابة كلمة صحيحة املائياً أو أن يجيد عملية حسابية بسيطة. فقبل 30 عاماً كان هشام في عمر نجله، وكان يجيد الحساب ببراعة، وماهراً في قراءة القرآن، يقول «كنا نحظى بتعليم مختلف، ولم أكن أتوقع أن ينهار التعليم في اليمن إلى حد أن ابني لا يمكنه أن يكتب كلمة واحدة صحيحة إملائيا».
وخلال العامين الماضيين، شهدت العملية التعليمية أسوأ مراحل انهيارها، خصوصاً مع سيطرة الحوثيين على مؤسسات البلاد، وانقلابهم على الحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي الشرعية، وإحكام قبضتهم على وزارة التربية والتعليم.
وبدافع ما فرضته الحرب في اليمن، فهناك ملايين من الاطفال محرومين من التعليم بالمستوى المطلوب هذا العام، بسبب إغلاق المدارس وتدميرها ونزوح طلابها وتحويل المئات منها الي ثكنات عسكرية، وإضافة المنهج الحوثي للمقررات الدراسية.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الوضع بل التحق العشرات بجماعات مسلّحة للقتال، وبقي البعض محتار بين مواصلة التعليم، أو البحث عن عمل بعدما فقد الكثير من أولياء الأمور أعمالهم.
انقطاع رواتب المعلمين يقول إياد محمد وهو يدرس في الفصل التاسع ل«المصدر أونلاين»، إن أغلب دراستنا هذه السنة إجازات، بالإضافة إلى أن أكثر الأساتذة يتغيبون عن حصصهم المدرسية بسبب انعدام الرواتب.
وأضاف «لا يوجد لدينا مدرسين متخصصين في المواد العلمية، فمعلم الرياضيات ترك تعليمنا بعد انقطاع راتبه وعمل سائق أجرة، وإلى الآن لا يوجد لدينا مدرس رياضيات». وكانت منظمة الأممالمتحدة للأمومة والطفولة «يونيسف»، دعت كافة السلطات التربوية في البلاد والجهات الرسمية أن تتوصل إلى حل عاجل لمشكلة رواتب أكثر من 166 ألف معلم ومعلمة وكل التربويين.
وذكرت المنظمة إن المعلمين في 13 محافظة وهي إب، أمانة العاصمة، البيضاء، الجوف، الحديدة، المحويت، تعز، حجة، ذمار، ريمة، صعدة، صنعاء وعمران، لم يتسلموا رواتبهم، مما يجعل تعليم ما يقرب من أربعة ملايين ونصف الميلون طفل في 13 محافظة على المحك، فيتلقون تعليم أقل أو لا يحصلون على أي تعليم بالمطلق.
ويقول الأستاذ صالح العزي إن انعدام الرواتب للشهر السابع، تسببت في انهيار العملية التعليمية. وقال ل«المصدر أونلاين»، «مش لاقيين قيمة مواصلات، كيف نجي عشان ندّرس، كيف سيكون وضعي وكيف سأشرح للطلاب، وأنا أفكر كيف أوفّر لقمة الغداء لأطفالي، وقيمة الإيجار». وتابع «انهارت قيمة المعلم واحترامه، بدأنا نشحت».
انعدام الكتاب المدرسي بزيه الأخضر وبالقرب من زملائه بالطارود المدرسي، يتساءل إياد عما سيفعلونه في الاختبارات التي قرب موعدها، خصوصاً أن اختباراتهم ستكون من الوزارة. في المدارس يتم إشراك أكثر من طالب في الكتاب المدرسي الواحد، بعد أن تنصلت وزارة التربية والتعليم التي يديرها شقيق زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، يحيى الحوثي، من طباعة الكتاب المدرسي، رغم حصولها على ملايين الدولارات من المنظمات الدولية الداعمة كمنظمة الأممالمتحدة للأمومة والطفولة «يونيسف».
وقال مصدر في وزارة التربية والتعليم بالعاصمة صنعاء، إن المنظمة الدولية قدمت مبالغ كبيرة، لدعم طباعة الكتاب المدرسي، لكن جماعة الحوثيين وقوات صالح، وظفتها لما يسمى ب«المجهود الحربي».
وأضاف ل«المصدر أونلاين»، إن الجماعة طبعت الكتاب المدرسي للمستويات الدراسية الرابع والخامس والسادس، وبكميات محدودة، لا تكاد تكفي 30% من عدد الطلاب.
واجبات مهملة «التعليم هذا السنة.. لا قد شفنا مثلها ولا قبلها»، بهذه العبارة تلّخص أم يزن ل«المصدر أونلاين» وضع التعليم. تقول «ابني يعود من المدرسة في وقت مبكر، ولا يأخذ إلا دروس قليلة من المنهج، فالدفاتر فاضية ولا يكتب فيها شيء، والمدرسين يغلقون عليهم الفصول، أو يقومون بإخراجهم إلى ساحات المدرسة للتنظيف، وأسبوع آخر يعطوهم إجازات».
وتخشى أم يزن من ضياع مستقبل طفلها، فمن غير الممكن أن ينشأ طفلها أمياً، في القرن الحادي والعشرين. وتضيف «نحن على آخر السنة وابني لم يأخذ إلا دورس قليلة في بعض المواد، وباقي المواد لا يوجد مدرسين، فكيف سيكون في السنة القادمة وهو لا يفهم من منهج هذه السنة شيء».
نفقات للتعليم والمجهود الحربي لا تقتصر المشاكل في التعليم على توقف المعلمين عن التدريس أو الواجبات المهملة، بل تعدى ذلك إلى فرض إدارات المدارس على الطلاب دفع مبالغ مالية مقابل ما يسمى «المجهود الحربي».
وقال حميد عبده وهو أستاذ في إحدى المدارس بريف العاصمة صنعاء، إن إدارة المدرسة التي عينها الحوثيون فرضوا على الطلاب دفع مبالغ مالية بشكل اسبوعي لدعم الجبهة «والمجاهدين»، في إشارة إلى دعم مسلحي جماعة الحوثيين وقوات صالح، في حربهم على القوات الحكومية والمقاومة الشعبية.
وأضاف الأستاذ حميد أن أولياء الأمور خصوصا الذين لا يملكون المقدرة المالية، دفعوا بأبنائهم إلى مغادرة المدرسة، فهم لم يكونوا قادرين على تحمل نفقات دراستهم ودفع المجهود الحربي. واتهم الأستاذ الذي يعمل معلماً لتلامذة الصف الثالث، وزارة التربية والتعليم بإفشال العام الدراسي، وتدمير العملية التعليمية.
سياسة وتكفير وطائفية في المناهج فخخت جماعة الحوثيين ووزيرها يحيى الحوثي المناهج الدراسية، وأحكموا سيطرتهم على مفاصل الوزارة، حيث أجرت الجماعة هيكلة جديدة للوزارة، وعيّنت العشرات من الموالين لهم في مفاصل إدارية مهمة، رغم كونهم ليس لهم علاقة بالعمل التعليمي.
تتحدث نجلاء محمد، وهي إحدى المعلمات في مدرسة آية بصنعاء ل«المصدر أونلاين»، «لقد تدهور نظام التعليم وبصورة مخيفة الي حد لا يطاق، وكلما قلنا ان منظومة التعليم سوف تتحسن في السنة القادمة، زادت تدهوراً». ويستخدم الحوثيون المدارس في الدعاية ونشر أفكارهم بين طلاب المدارس وحثهم على القتال. وتقول نجلاء «يجبرنا الحوثيون على تقديم محاضرة وطنية، كما يسمونها، تتم كتابتها مسبقاً من قبلهم، ويطلبون منا إلقاءها على الطلاب خلال الإذاعة المدرسية في الطابور الصباحي، حيث تضم مفاهيم دعائية وتحريضية تهدف إلى استهواء الطلاب وحثهم على القتال».
كما عمدت الجماعة إلى منح نتائج الشهادة العامة في العامين الماضيين بمعدلات مرتفعة، للأطفال المجندين في الجماعة المسلحة، باعتبار أنهم مجاهدين، رغم كونهم لم يحضروا يوماً دراسياً واحداً.
وكشف المركز اليمني للدراسات والإعلام التربوي (جهة مستقلة)، توجه الحوثيين نحو تعديل مقررات مدارس التربية والتعليم في اليمن، و«تفخيخها بأجندات طائفية»، ما ينذر بمخاطر ثقافية وفكرية على الطلاب الدارسين، الذين لا يزال معظمهم في سن الطفولة.
وفي وقت قريب رفضت وزارة التربية والتعليم في الحكومة اليمنية بمدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي اليمن)، المنهج الجديد لطلاب التعليم الأساسي المقر من قبل الحوثيين، المحتوي لكلمات حسين بدر الدين الحوثي ووصايته وقصص مختلقه في سيرة الخلفاء الراشدين تحتوي على شتم عائشة أم المؤمنين والخلفاء الراشدين وأقوال ملفقة عن ولاية آل البيت والأسرة الهاشمية.
وحمّلت الوزارة المنهج القديم على موقع الكتروني. من جهتها أبدت دولة إيران استعدادها لطبع المنهج الذي أقره الحوثيون.