حظي المقال عن القبيلة بعدد كبير من التعليقات على صفحات "المصدر أونلاين"، منهم القادح ومنهم المادح ومنهم الضابح، وتمنيت لو أن النخبة الحاكمة قرأت ذلك لتدرك إلى أي مصير مجهول تقود اليمن، فبفضل حكمها العصبوي سوف يتحول اليمن إلى تكتلات متناحرة، ولعل ذلك ما تقصده، حتى تظل هي التكتل العصبوي الأقوى الذي يمتلك السلاح والسلطة والثروة، ولكن النخبة الحاكمة لا تدرك أنها تهدم على رأسها الدار الذي تسكن في أجمل أماكنه. ومن المعلوم أن الهويات المختلفة لا تنمو إلا في ظل حكم يغيب فيه العدل والمساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة.
فحين يظلم الإنسان وينتهك حقوقه ولا يجد قضاء عادلاً ينصفه ولا مؤسسات دولة تحميه وتحمي حقوقه لا شك سوف يسعى إلى الاحتماء بقبيلته أو طائفته أو أبناء منطقته، وصدق من قال إن مشكلتنا ليست في قوة القبيلة وإنما مشكلتنا في ضعف الدولة ومؤسساتها وغياب الحكم الرشيد، وعليه فإن معركتنا ليست مع القبيلة ولا مع الطائفة، ولا مع السلالات أو المنطقة، معركتنا مع نظام دمر الدولة وشخص النظام وحول المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى مسارح ودمى تدور مع النخبة حيث دارت مدعوماً بقلة من المتعلمين الانتهازيين الذين باعوا ضمائرهم وعلمهم وتخلوا عن وطنهم ومواطنيهم، والأداة التي ينظف بها الأوساخ تصبح أكثر قذارة من اليد التي تمسك بها، وعليه فلم يجد المواطنون من خيار إلا أن يعود كلٌ إلى حوله يبحث عن حام ونصير. ومن العادات السلبية لليمنيين أنهم يتجهون إلى التعميم بدلاً عن الإمساك بمن وجدوا متاعهم عنده.
وطبقاً لنظرية ضباط الكلية الحربية: "الحسنة تخص والعقاب يعم"، فإذا كان الظالم هاشمي فكل الهاشميين متهمون بالظلم، حتى لو كانوا هم أنفسهم مظلومين، وإذا كان الحاكم الظالم زيدياً فكل الزيود ظلمة وطغاة، وقد ناقشت هذا الاتجاه في التعميم في مقال نشرته صحيفة الوحدوي عام 1997 بعد عودتي والشهيد جار الله عمر من لندن، وذلك تعليقاً على لقاء مع المهاجرين قال فيه أحدهم "مشكلتنا خمس أسر زيدية إذا خلصنا منها انتهت المشكلة". قلت في المقال إن قاعدة التعميم قد جعلت لكل يمني خصوم، فخصوم أبناء الجنوب أبناء الشمال، وخصوم أبناء اليمن الأسفل أبناء اليمن الأعلى، وخصوم أبناء اليمن الأعلى قبيلة حاشد، وخصوم قبيلة حاشد قبيلة سنحان، وخصوم سنحان الشرقية سنحان الغربية، وخصوم سنحان الغربية الرئيس علي عبدالله صالح، وخصوم الرئيس الاشتراكي والهاشميين ووثيقة العهد والاتفاق.
وقد دعاني الرئيس إلى مكتبه بالقصر الجمهوري، وقال حين قالوا لي من هم خصومي الذي ذكرتهم قلت لهم لقد صدق، ولكن دعني أسألك: كم كان عدد الموظفين من بيت المتوكل أيام الإمام؟ قلت الذين أتذكرهم لا يزيدون عن خمسة. قال وكم هم الآن؟ قلت بالعشرات، ولكن القضية ليست قضية عدد فأنا لا أريد أن توظفني لأني هاشمي أو من بيت المتوكل، ولا أريد أن تمنع حقي في الوظيفة لأنني هاشمي أو من بيت المتوكل. وكدت أذكره أنه بعد عودي من أمريكا أشار عليه صديق بدون علمي أو رضائي بأن يعينني محافظاً لأب، فقال: هذا من بيت المتوكل. ولعله من حسن حظي أنه لم يفعل، فقد كنت حينها أعد رسالة الدكتوراة وقد أنقذني ذلك من انقلاب السيارة. قلت يا أيها الرئيس، المطلوب أن يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون، وهو الذي يحدد مواصفات الوظيفة ومؤهلات من يجب أن يتولاها بصرف النظر عن انتمائه السلالي أو المناطقي أو المذهبي أو الديني أو الحزبي، فالوظيفة أداة إنجاز وليست أداة إرضاء وتوزيع مغانم. نظر الرئيس إليّ باستغراب ولسان حاله يقول ما كانش الإمام يفعل هكذا. تصنيف اليمنيين لبعضهم البعض يتجاوز التصنيف البسيط إلى التصنيف المركب. في عام 1976 كنت في رحلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي منطقة "بافلو" دعاني اتحاد المغتربين إلى لقاء مع المغتربين اليمنيين المتطلعين لأخبار وطنهم. بعد اللقاء، شد على يدي أحد المغتربين الذين أعجبه كلامي وقال شدوا موقفكم. الزيود بايأكلونا. قال له منظم اللقاء: مالك فضحتنا هذا أكبر زيدي. سألت المنظم: ليش أكبر زيدي؟ قال: هاشمي وزيدي يعني فَعلة مُرَكَّبة. لا يقف الأمر عند هذا التصنيف، فهناك تصنيف بحسب المنظمة، فالهاشمي من اليمن الأسفل غيره من اليمن الأعلى. ففي أوائل الثمانينات كان المؤتمر يبحث عن أساتذة لمعهد الميثاق فطرح أحدهم اسمي، فرد عليه العزيز عبدالسلام العنسي: هذا هاشمي. قال له الصديق أنت اخترت الدكتور مطهر العزيز وهو هاشمي. قال: هذا هاشمي مسكين، من حق إب. هناك حقيقة لا بد وأن ندركها، وهي أن لا استقرار ولا تنمية ولا تطور بدون اندماج اجتماعي.. ولا اندماجاً اجتماعياً في ظل نظام عصبوي يغيب فيه العدل والمساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة. الخطوة الأولى لبناء هذا المجتمع الفاضل هو أن تكون مؤسسات المجتمع المدني السياسية وغير السياسية متحررة من التعصب لكل الهويات ومتجردة من كل تعصب لفئة أو ضد فئة، ومحققة في أطرها الاندماج الاجتماعي، فتشكل بذلك قدوة ونموذجاً لكل تكوينات المجتمع.. ويتم ذلك حين لا يجد الوحدوي صعوبة في اختيار أمين عام من صعدة.. والحق من المهرة، والاشتراكي من حجة، والإصلاح من حضرموت، والاتحاد من الضالع، ويتم الاندماج أيضاً حين لا يتم الانتخاب في النقابات والاتحادات والمنظمات على أساس حزبي، وحين يقوم الجميع بالدفاع عن حقوق الإنسان والانتصار للمظلوم بصرف النظر عن انتمائه. هذا مقياس أولي لمدى تحقيق مؤسسات المجتمع المدني للاندماج الوطني، وقبل أن نلوم القبيلة علينا إتباع الرسول عليه الصلاة والسلام القائل: رحم الله امرئ شغلته عيوب نفسه عن عيوب الآخرين، وإلا قال الناس على المجتمع المدني طبيب يداوي الناس وهو عليل، أو كما يقول المثل: باب النجار مخلع. وصدق الله القائل: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".