لم يكن إعصار "ميكونو" الأول من نوعه الذي تعرضت له سواحل جنوب شرق اليمن في 24 مايو الفائت، ولن يكون الأخير أيضاً. فقبل ثلاثة أعوام كانت محافظة أرخبيل سقطرى مركزاً لإعصار "تشابالا" في 1 نوفمبر 2015، وإثر ذلك ارتفعت أمواج البحر لقرابة 9 أمتار على سواحل الجزيرة، وتسببت التأثيرات المباشرة لتغير المناخ بهطول كميات كبيرة من الأمطار، أحدثت فيضانات وسيول جارفة، وبعد يومين فقط ضرب اعصار "تشابالا" سواحل حضرموت وشبوة والمهرة وأبين وعدن. بعد تلك الكارثة بأسبوع، تعرضت سقطرى مجدداً لإعصار آخر: إعصار "ميج" في 8 نوفمبر 2015، لتعلن حينها السلطات المحلية أن سقطرى منطقة منكوبة إثر مقتل العشرات، ونزوح 44 ألف شخص.
كان هذا بالضبط ما شاهدناه يتكرر الآن. المفزع في الأمر، أن اليمن تشهد تلازماً بين الازمة الطبيعية والازمة الإنسانية في آن، فلم يسبق أن تعرضت البلد لكارثة طبيعية خطرة، في ظل وجود كارثة إنسانية على هذا النحو. فقبل 3 اعوام هبت الأعاصير على سواحل جنوب شرق اليمن، وتعرضت الأخيرة لعواصف مدارية قوية، بالتزامن مع اندلاع الحرب في 2015.
أكثر ما تؤكده تغيرات المناخ الراهنة: أن هناك تغير طويل المدى سيحدث لحالة الطقس على مناطق وسواحل اليمن. ولعل تأثيراتها احدثت خسائر بشرية ومادية في سقطرى و 5 مدن أخرى، في ظل تزايد معدلات القحط، وارتفاع الحرارة، و زيادة حدة الفيضانات. وتفاقم ذلك كله مع النزاع الدائر في البلاد، واتساع جغرافيا الازمة الإنسانية، في ظل ندرة الموارد المائية والغذائية.
هذا التلازم المخيف، يجعل اليمن في مواجهة أكبر أزمة انعدام أمن غذائي في العالم، وسط ارتفاع معدل الوفيات السنوية المرتبطة بالتدهور البيئي. فوفقاً لتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية المستدامة الصادر في بيروت عام 2016، فان الوفيات في اليمن تصل حوالي 150 ألف حالة وفاة في السنة، نتيجة للتدهور البيئي. ما يؤكد ذلك تفشي أمراض الكوليرا والملاريا وغيرها في الاعوام الاخيرة، وبطريقة ما يرتبط ذلك بتغيرات المناخ، واستمرار النزاع المسلح. المحبط أن الحكومة اليمنية غير مكترثة تماما، ولا تولي الأمر أية قدر من الاهتمام والمسؤولية، رغم علمها ان تغير المناخ لم يعد أمراً مفاجئاً.
وبرغم ارتفاع التأثيرات المباشرة للتغيرات المناخية على البيئة الطبيعية في البلاد. الكارثة ان احدى السيناريوهات المحتملة لتغير المناخ في اليمن، حذرت من ان استنفاذ مخزون المياه سيزداد في معظم طبقات المياه الجوفية الحرجة حتى العام 2025. ما يتطلب التحرك السريع قبل ان تتفاقم الكارثة. في ظل غياب ترشيد استهلاك المياه وعدم الاهتمام بإدارة الموارد المائية بكفاءة. ولعل الاحتمالات الخطرة تفيد أن تغير المناخ قد يزيد من خطر الصراع المسلح في اليمن.
قد يبدو هذا الاحتمال مجرد فرضية، لكن ما تشهده بعض المناطق المحلية التي تعاني نقص المياه، و تضاؤل مصادر المياه الصالحة للشرب يبعث على الذعر. فبحسب الأممالمتحدة تسببت المياه الملوثة وعدم معالجة مياه الصرف الصحي بسبب الحرب بعدد من الأمراض التي أودت بحياة اليمنيين كالكوليرا وحالات الاسهالات المائية المتفشية بشدة. لكن هذا ليس كل شيء؛ فمخزون مياه حوض صنعاء يتعرض لضغط هائل، وماتزال مدينة تعز تعاني من ازمة مياه خانقة ومستمرة حتى اليوم.
هل تتذكرون كيف تسبب نقص المياه في تعز باندلاع صراع مسلح قبل 5 سنوات. حين نشب اقتتال في منطقة "الموادم" في "صبر" بين قريتي: "قراضة" و "المرزح" على آبار المياه العام 2013. لقد تسببت تلك الحرب بمقتل العشرات من أبناء الريف الواحد، ولم تهدأ تلك الحرب إلا في 2015، نتيجة اندلاع الصراع الراهن الذي وصلت معاركه إلى ريف جبل "صبر".
ماهو أهم من ذلك، أن تغير المناخ أصبح مسؤولاً عن تناقص المحاصيل وفقاً لتقرير الفاو 2017. ولعل قلة الأمطار في اليمن خلال السنوات الأخيرة، تسببت بتدهور الزراعة و تراجع الإنتاج الزراعي. فنسبة مساهمة القطاع الزراعي اليمني في الناتج المحلي الاجمالي تراجعت من 15% عام 2013، إلى 5% عام 2016. وهو مايفسر بروز ظاهرة هجرة الفلاحين من الريف للمدن للبحث عن فرص للعيش؛ لدرجة أن تفاقمت أزمة الأمن الغذائي مؤخراً، وازداد خطرها اكثر مع استمرار الازمة الانسانية الراهنة والصدمات البيئية. والنتيجة بروز شبح المجاعة التي يعلو صداها الآن.
ومنذ بدء النزاع المسلح، أدت أزمة انعدام الوقود (الديزل والبنزين) إلى انحسار الري الزراعي. وتسببت ازمة انعدام الغاز المنزلي بارتفاع الطلب على استخدام الحطب كوقود بديل للطبخ، وفي مدن صنعاء والحديدة وذمار وتعز وإب يجري اقتلاع الأشجار بشكل يومي، كما في الأرياف. الأمر الذي يزيد من تناقص الغطاء النباتي بشكل متسارع. كل هذا يجعلنا عرضة لمواجهة تأثيرات سلبية شديدة، تزيد من حدتها الصدمات البيئية واستمرار النزاع على حد سواء.