استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    مجزرة مروعة.. 25 شهيدًا بقصف مطعم وسوق شعبي بمدينة غزة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    وزير النقل : نعمل على إعادة جاهزية مطار صنعاء وميناء الحديدة    بيان مهم للقوات المسلحة عن عدد من العمليات العسكرية    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    الاتحاد الأوروبي يجدد دعوته لرفع الحصار عن قطاع غزة    الصاروخ PL-15 كل ما تريد معرفته عن هدية التنين الصيني لباكستان    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    لجنة الدمج برئاسة الرهوي تستعرض نتائج أعمال اللجان الفنية القطاعية    إصلاح المهرة يدعو لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة الكهرباء بالمحافظة    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعجيل الافطار في الصيام .. كيف شاع التحريف دينا وماذا عن الدليل ؟الجزء الثاني ( 2 4)
نشر في المشهد اليمني يوم 04 - 07 - 2014

في التنزيل قول الحق سبحانه: { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }
في كتب الفقه والحديث: تعجيل الإفطار بعد الغروب أو أذان المغرب
قياسا بالأحكام الواردة في التنزيل كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نجد في مدونات السنة روايات حديثية كثيرة يقدمها ضمن الدليل كثير من الفقهاء والعلماء الذين يرون شرعية الإفطار من الصيام بعد غروب الشمس أو وقت أذان المغرب في حين أن تفكيك هذه النصوص ودرسها في سياقها التاريخي يقودنا إلى نتائج مريعة، تجعل الاخذ بها دليلا على مواقيت عبادة الصيام مجازفة كبرى.
اكثر هذه النصوص يتطور في سياق تاريخي معين منذ أوائل القرن الثاني وصولا إلى القرن الرابع الهجري، ونجدها في مراحل تاريخية تركز على قضية تعجيل الافطار وفي مراحل اخرى يتلازم فيها التعجيل للإفطار وتأخير السُّحُور وقضايا اخرى تتعلق بهيئات الصلاة ليست موضوعنا هنا.
بناء هذه الروايات يبدأ بآثار تُنسب إلى تابعين، ثم ترد بصيغ مختصرة وموسَّعة، وأكثرها شيوعا لدى المحدثين يرد مرسلاً ثم مرفوعاً، ونوردها هنا من دون إسناد للإيجاز ولأنها رويت في عدد كبير من كتب الحديث.
- لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الِفطر.
- لا يزال الدين ظاهراً، ما عجَّل الناس الفِطر.
- لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم.
الروايات الثلاث هذه تحمل حكما يُرغب بتعجيل الفِطر الذي فسره كثيرون بأنه يعني إفطار الصائم، رغم أن المعنى أولى بحمله على تعجيل صلاة عيد الفِطر، أو تعجيل زكاة الفِطر لتعجيل الصلاة وهو اللبس الذي أنتج تاليا هذه الرواية ببناء مختلف تتحول فيه كلمة فِطر إلى إفطار:
- لا يزال الناس بخير ما عجلوا الإفطار.
- لا يزال الناس بخير ما عجلوا فطرهم.
وفي مرحلة تالية يرد هذا البناء في صيغة اخرى متطورة رواها المحدث الشهير أبي هريرة وتحوي تفسيرا للتعجل والتأخير:
- لا يزال الناس بخير ما عجلوا إفطارهم ولم يؤخروه تأخير أهل المشرق.
- لا يزال الناس بخير ما عجلوا الِفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون.
- لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم يؤخروه تأخير أهل الشرك.
سنلاحظ أن هذه الروايات كلها تحض فقط على تعجيل الفطر الذي يرد أيضا باستخدام لفظ إفطار في بعض الروايات.
لكننا نعثر في مدونات السنة الحديثية نصوصا ترقى إلى مرحلة تاريخية مختلفة على صور اخرى لهذه الروايات يضاف إليها مكون جديد هو تأخير السُّحُور:
- لا يزال الناس بخير ما عجلوا الِفطر، وأخروا السُّحُور.
- بكروا بالإفطار وأخروا السُّحُور.
خلافا لكتب محدثي القرن الثاني الهجري نجد في مؤلفات محدثي القرن الثالث صورة اخرى للرواية نفسها وترد بصيغ مختلفة: (من أخلاق الأنبياء) (من أخلاق النبوة) (من كلام النبوة) (مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى) (من السُّنَّة) ، (ثلاث من السُّنَّة) ، (أربع من السُّنَّة) (1)(ثلاث يحبها الله عزَّ وجلَّ) وجميعها تحض على تعجيل الفِطر وتأخير السُّحُور ويضاف إليها مكون آخر هو وضع اليد اليمنى على اليسرى في قيام الصلاة باعتبارها من سُنَّة النبي صلى الله عليه وآله وتتوسع أكثر في النصوص التي تتحدث عن أربع من السُّنَّة، وفيها تُضاف مسألة نصب القدم اليمنى، وافتراش اليسرى عند التشهد.
هذه الروايات حظيت باهتمام أشهر محدثي القرن الثالث، خلافاً لمحدثي القرن الثاني
ولا نكاد نعثر على النص الأول (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر) سوى في ثلاثة مصنفات فقط لمحدثي القرن الثاني، الأول الموطآت التي رواها تلاميذ مالك، والثاني مسند الشافعي عن مالك، والثالث مصنف عبد الرزاق عن الثوري عن سهل بن سعد، (2) في حين نجده منثوراً في سائر مدونات محدثي القرن الثالث ومن بعدهم، بدءاً من الصحاح والسنن مرورا بالمسانيد والمعاجم ، وكذلك في كتب الفقه التي تحفل بشرح وترجيح تعجيل الفِطر الذي يكافئ الإفطار وتأخير السُّحُور، سُنَّة نبوية.
ومسار هذه الروايات يبدأ بأثر في موطآت تلاميذ مالك، وهو في الحقيقة قول لعبد الكريم بن أبي المُخارق، وتاليا يرد مرسلا يُرغّب بتعجيل الفِطر عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن سعيد بن المسيب(3 ) إن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر( 4) ويتكرر مختصرا في الموطآت مرفوعاً، عن مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه (وآله) قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر.
محدثو الطبقة الرابعة في القرن الثالث أخذوا النص من الموطآت، فنقله البخاري، من دون إضافات عن عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم، قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر(5) ومثله فعل مسلم فأخرج الرُّواية من طريق يحيى بن يحيى ، عن ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر(6 ).
كذلك فعل الدارمي، والترمذي، ويتغير المَتن عند النسائي: ما عجلوا فطرهم؛ ثم يختلف اللفظ ويزيد قليلاً عند ابن أبي شيبة: ما عجلوا إفطارهم ولم يؤخروه تأخير أهل المشرق.
على خطى أحمد بن حنبل(7) يتوسع النص في مسندي أبي يعلى والربيع(8)والثلاثة يُخرجونه مزيّداً: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر، وأخروا السُّحُور.
تظهر روايات أبي هريرة في مسند أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم، قال: قال الله عز وجل: إن أحب عبادي إليَّ أعجلهم فِطرا(9). ثم مزيدة بعبارة توضح العلة من الفِطر، بأربع صيغ كلها من طريق أبي هريرة،: والأولى أخرجها ابن ماجه بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر فإن اليهود
يؤخرون (10).
الثانية كما عند ابن حبان بإسناده عنه مرفوعاً: لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفِطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون(11).
الثالثة كما عند البيهقي بإسناده عن أبي هريرة مرفوعاً: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر، ولم يؤخروا تأخير أهل المشرق(12).
الرابعة كما عند البزار بإسناده عن أبي هريرة مرفوعاً: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفِطر، ولم يؤخروا تأخير أهل الشرك(13).
تحليل النصوص في تخطيط واحد، يقتضي فصلها إلى مسارين؛ يشمل الأول النصوص التي عبّرت عن الترغيب بمبدأ تعجيل الفِطر من دون إضافات، والثاني النصوص التي عبّرت عن المبدأ ذاته باستخدام مفردة إفطار أو فطرهم، أو إفطارهم، أو جاءت بإضافات تُفسّر علة التعجيل.
مع توخي الإيجاز فإن تحليل النصوص السابقة في المسارين يفضي إلى التالي:
لم تحمل اكثر النصوص السابقة أمراً نبوياً يقضي بتعجيل الإفطار من الصوم بل جاء بصيغة ترغيب بتعجيل الفِطر(لا يزال الناس بخير، لا يزال الدين ظاهرا) واكثرها تقرر أن الناس بخير ما فعلوا ذلك والعكس في التأخير. والمعنى محمول بالضرورة على النص الآخر الذي يُبشّر بأن التعجيل سبب في بقاء الدين ظاهراً وعكسه في التأخير.
ولا تبدوا بقوة الحكم القرآني المحكم (ثم اتموا) بصيغة الأمر الشديد الوضوح البعيد عن اللبس.
زلل التفسير
أكثر المحدثين والفقهاء الحنابلة فسروا كلمة فِطر بأنها تعني الإفطار من الصوم في نهار رمضان(14) وأن السُّنَّة فيها التعجيل بعد غروب الشمس، واشترط قليلون تلازم إقبال الليل وإدبار النهار، وذهب آخرهم ابن العثيمين إلى تأكيد أن المبادرة إلى التعجيل سبب في الخير، وعدم المبادرة هي الشر(15).
كل ذلك اجتهادات جانب الصواب، فما من دليل قطعي على أن مادة فِطر في النصوص السابقة، تُعبّر تماماً عن هذا المعنى. والراجح أن المفسرين حملوا اللفظ على هذا النحو استنادا إلى ما عُرف عن الخليفة عمر بن الخطاب(ض) في تعجيل الإفطار بعد غروب الشمس بعدما أوّل معنى كلمة فِطر على أنها تعني الإفطار من الصوم في رمضان(16).
في صور اخرى لهذا النص ترد كلمة إفطار، ويصعب القول إن بعض الرواة لم يلتزموا الأمانة في نقل الرُّواية بلفظها دون تغيير أو تدخل، فقد يكون بعضهم أخرجوا الرواية بالمعنى أو لجأوا إلى تغيير اللفظ بعدما وجدوا أن كلمة فِطر لا يمكن أن ينصرف فيها القدر الزائد في المعنى للتعبير عن الإفطار، الذي هو الطعام الذي يتناوله الإنسان بعد الاستيقاظ من النوم أو بعد الصيام، فاستخدموا كلمة إفطار لتساوق مع الرواية ولتؤدي الوظيفة ذاتها.
استند البعض لدعم هذا التأويل على رواية اخرجها البخاري وغيره وهي بلفظه وإسناده عن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم(17).
والرواية بحرف أحمد: إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.
نجد هذه الرواية عند عبد ا لرزاق الصنعاني وغيره بسياق مختلف: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم(18).
وهذا النص أخرجه محدثون بروايات مختلفة، ودُعم بروايات مضطربة وفيها من العلل ما فيها، احداها للبخاري بإسناده عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه (وآله) و سلم فلما غربت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لي. قال: يا رسول الله لو أمسيت ثم قال: انزل فاجدح . قال: يا رسول الله لو أمسيت إن عليك نهارا. ثم قال: انزل فاجدح. فنزل فجدح له في الثالثة فشرب رسول الله صلى الله عليه (وآله) و سلم ثم أومأ بيده إلى المشرق فقال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم (19).
ولعل القارئ الكريم لاحظ حجم الشناعة في هذه الرواية التي يراجع فيه راجل رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات قبل أن يستجيب لأمره، وكأنه أعلم من النبي صلى الله عليه وآله، بمواقيت الامساك والصيام، ففي المرة الأولى يقول للنبي يا رسول الله لو امسيت، فيقول له النبي " ازل فاجدح" وفي المرة الثانية يراجعه "يا رسول الله لو أمسيت إن عليك نهارا " فيعيد النبي له القول ثم ينزل الرجل في الثالثة، ويا للهول من هذا الافتراء، ومن هذه الإساءة لنبينا صلى الله عليه وآله وحاشاه أن يعصي أمر ربه في مواقيت هذه العبادة العظيمة.
يعيد البخاري انتاج الرواية التي اخرجها شيخه أحمد عن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم : إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.(20)
ورواية البخاري هذه تقرر أن النبي صلى الله عليه وآله أفطر من صومه عند غروب الشمس، وهي تتناقض في الحكم الذي أضافته إلى النبي صلى الله عليه وآله: إذ رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم. والادهي أن هذه الرواية تناطح نفسها من جهة أنها تدعي أن رسول الله ص علّم أصحابه حكماً شرعياً ثم فعل عكسه.
يعزى ذلك إلى اضطراب في الرواية يقدح بصحتها تماما، فغياب الشمس كلياً في ظاهرة كسوف كلي مع بقاء ضوء النهار ظاهرة فلكية يمكن حدوثها، ويعرفها كل الناس، لكن أن تكون الشمس ظاهرة والليل يقبل من جهة المشرق، فذلك أمر مستحيل التحقق لأن الليل فلكياً يُقبل من المغرب ويأتي مشروطاً بانتهاء حمرة الشفق بعد فترة قليلة من دلوك الشمس، ولهذا الزمن مراحل تبدأ بالغروب، ثم الشفق، ثم الحمرة وزوالها الذي ينتج الغسق الذي يعني حلول الظلمة، ثم الليل.
هذا الامر الذي يقدح بالروايات السابقة كليا، يبدوا متوافقاً مع أمر الخالق بقوله سبحانه ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إِلَى اللَّيْلِ﴾ ونجد أن سائر الرايات الحديثية السابقة والتي استخدمت مادة فِطر ومادة إفطار، لم تُترجم المعنى الوارد في الآية، بل انتجت حكما مخالفا كليا لما جاء في حكم آية الصوم.
غدا الجزء الثالث ..
.................................../// الهوامش
(1) قد لا يكون لبعض الروايات صلة بموضوع بحثنا، لكن السبيل إلى تحليل النصوص موضع البحث، يحتاج أولاً إلى البحث عن الجذر: الرواية الأم.
(2) لا نعثر على النص في مسانيد أبي حنيفة النعمان، و الطيالسي، والحميدي الذي هو أحد شيوخ البخاري، كما لا نعثر عليه في مسانيد ابن الجعد، وابن الخياط، وابن المبارك، وغيرها من مدونات القرن الثاني الحديثية.
(4) سعيد بن المسيب تابعي وُلد في خلافة عُمر، ومن فقهاء المدينة في عصره، وتُقدمه كتب المحدثين بوصفه أعلم الناس بقضاء أبي بكر وعُمر، وروى عن صحابة وبعض أمهات المؤمنين.
(4) الموطأ تحقيق محمد مصطفى الأعظمي (3/411) باب ما جاء في الفِطر مؤسسة زايد بن سلطان للأعمال الخيرية الإمارات العربية المتحدة.
(5) صحيح البخاري باب تعجيل الإفطار (3/63) دار طوق النجاة، ونلاحظ أن البخاري أخذ النص من مالك وسماه في الباب الإفطار، كما سنلاحظ السند قريباً من أثر كان الناس يؤمرون.
(6) صحيح مسلم باب فضل السُّحُور وتأكيد استحبابه (2/771) دار إحياء التراث العربي، وسنلاحظ أن هذا الطريق هو نفس الطريق الذي اعتمده أحمد في إخراج أثر سهل بن سعد الساعدي(كان الناس يؤمرون) لكنه كحال مسلم تجاهله تماماً. وأخرجه كذلك من طريق قتيبة، حدثنا يعقوب، حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان كلاهما، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد.
(7) مسند أحمد (35/241) مؤسسة الرسالة. وفيه مجهول.
(8) انظر إتحاف الخيرة المهرة (3/99)، ومسند أبي يعلى الموصلي (1/130) دار المأمون للتراث دمشق.
(9) انظر المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي لابن حجر العسقلاني(2/317) دار ابن كثير، دار الكلم الطيب دمشق بيروت. وقال الترمذي: حديث حسن.
(10) سنن ابن ماجه (1/542) دار الفكر بيروت.
(11) سنن أبي داود (2/305) المكتبة العصرية صيدا. وفي عون المعبود عن الطيبي: في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنيفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتاب، وأن في موافقتهم تلفاً للدين.
(12) سنن البيهقي الكبرى(4/237) مكتبة دار الباز مكة. والمشرق: مصطلح جغرافي يشير إلى الجزء الشرقي من الوطن العربي، قياساً بالجزء الغربي، ويُطلق على جزء من منطقة الشرق الأوسط يمتد من البحر الأبيض المتوسط غرباً حتى الهضبة الإيرانية شرقاً ويضم دول الهلال الخصيب، العراق، وسوريا، وفلسطين، والأردن، ولبنان إلى دول شبه الجزيرة العربية.
(13) مسند البزار (2/290) جمع ملتقى أهل الحديث.
(14) بعض النحاة كذلك يقرون أن كلمة (الفِطر) قد تكون في أحيان مرادفة لكلمة الإفطار، لكنها في هذه النصوص تُحمل إلى معنى آخر يراد به تعجيل زكاة الفِطر، أو تعجيل الخروج في صلاة عيد الفِطر، وكلها تصلح بحذف المضاف، مثل قولهم: تَجبُ الفِطرةُ، وزكاة الفِطر؛ على حذف مضاف والتقدير زكاة عيد الفِطر، فَحذفَ المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، واستغني به في الاستعمال لفهم المعنى، كما في الرواية المرفوعة: كلّ مولود يولد على الفِطرةِ. يريد الفِطرة الإسلامية أو الخِلْقَةَ التي فُطِرَ عليها الإنسان في رحم أمه من سعادة أو شقاوة. انظر المصباح المنير لأحمد بن محمد المقري الفيومي مادة فِطر المكتبة العلمية – بيروت.
(15) انظر شرح رياض الصالحين لمحمد بن صالح العثيمين باب فضل تعجيل الفطر ويقول: إن التأخير كما حال الروافض (الشيعة) الذين يؤخرون إلى حين اشتباك النجوم، يخالفون السُنَّة ويفوتهم الأجر ويُعذّبون في الدنيا قبل الآخرة لأن الإنسان إذ تأخر وهو عطشان أو جائع يتألم أكثر.؟!
(16) المشهور لدى الخليفة عُمر أنه كان يعجل الفِطر ويحض على التعجيل. سنأتي على تفصيل ذلك بالدليل لاحقاً.
(17) صحيح البخاري (5/2029) دار ابن كثير اليمامة. تفكيك النص يقود إلى نتيجة واحدة وهي أن الصوم يستمر إلى الليل ومتى ما حل الليل أفطر الصائم، وليس كما أدعى البعض بوجوب الفطر بعد غروب الشمس، وتحقيق الحكم القرآني في أوقات الصوم يحتاج إلى تراتب شرطي، بحيث يبدأ الوقت من سقوط قرص الشمس وإدبار النهار رويداً ومعه أقبال الليل، وتحقق شرط الليل يحتاج مراحل تبدأ بالشَّفَق: ثم احمرار الشفق في شدة الحُمرة التي تظهر في الأفق بعد سقوط قرص الشمس تقريباً، ويليه الغسق وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الظاهرة الفلكية بتحديد دقيق لوقت الصلاة في قوله جلًّ وعزّ ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمْس إلى غسق الليل﴾ [الإسراْء آية 78] دلوك الشمس: ميلها للغُروب. وغسق الليل: ظلمته، ما يعني أن الضوء الباقي قبل الغسق هو من بقية النهار. انظر تفسير مقاتل، مقاييس اللغة لابن فارس، والمعجم الغني، والمعجم: اللغة العربية المعاصر.
(18) مصنف عبد الرزاق الصنعاني(4/226).
(19) صحيح البخاري باب الصوم في السفر والإفطار(3/33) دار طوق النجاة.
(20) الجامع الصحيح بترقيم أبن حجر العسقلاني(3/46) دار الشعب القاهرة. واخرجه كذلك مسلم في الصحيح.
.......................................................


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.