اليمن مكشوف على كل الاحتمالات، خصوصا بعد قفزة الحوثي في الظلام إلى المجهول وبالذات بعد رفض الرئيس هادي أن يستخدم من قبل قوة الظلام والهيمنة. اليمن أصبح ورقة يتصارع حوله العالم، فكما تراهن الولاياتالمتحدة على داعش في إضعاف إيران بعد توريط إيران في العراق، فهي كذلك تراهن على توريط إيران في اليمن، حتى أصبحت المنطقة العربية تعاني من أنصاف الحلول ومن التناقضات بعيدا عن رؤية واضحة لمعالجة مشاكل المنطقة، واليمن هو إحدى تلك الدول. الحوثي لا يعرف ماذا يريد، هل يريد أن يصبح حزب الله في اليمن، أم يريد أن يصبح على شاكلة الإخوان المسلمين حتى يصير له جناحا عالميا، ويمتلك تنظيما سريا، خصوصا بعدما غررت به الولاياتالمتحدة بعد التنسيق معه حول محاربة القاعدة من خلال الوسيط القطري تحت غطاء بأن المباحثات تدور حول المبادرة الخليجية، وعادت الولاياتالمتحدة على أنها على اتصال بجميع القوى السياسية في اليمن نتيجة الفوضى السياسية التي تعم اليمن، لأن الأولوية لدى الولاياتالمتحدة هي محاربة القاعدة وليس استقرار اليمن، وهي ترفض أن تربط الحركة الحوثية عضويا بإيران بل ترى أنها تمددت بقوى ذاتية. مثل تلك العقول لا تتعلم أي درس من التاريخ، وليس لديها نفسا في الحوار السياسي، وتتعامل مع المشهد من منطلق معادلة الخاطف والمخطوف، وتفاوض المخطوف بعقلية طائشة بل وكارثية، وكلما مروا بمأزق يقومون بمأزق آخر، مستفيدين من أن التشكيلات القتالية لا تأتمر بأمر الدولة، لأن تشكيلاتهم زمن علي عبد الله صالح لم تكن نتيجة كفاءاتهم بل كانت نتيجة ولائهم لعلي عبد الله صالح أي أن الحوثيين استفادوا من هدف مرحلي بحت وفضفاض. لم تنجح الدولة الانتقالية في الثلاث السنوات الماضية من تشكيل جيش وطني وركزوا على تقاسم المغانم بدلا من تركيزهم على تقديم الخدمات واستتباب الأمن، بل ركزت على معالجات بشكل انتقائي وانتقامي بعد سقوط علي عبد الله صالح، وشعر الضباط الموالين لعلي عبد الله صالح بأنهم مستهدفون بسبب أن ولاءهم لعلي عبد الله صالح استثمره الحوثي بعد تحالفه مع علي عبد الله صالح أي استفاد من السلبيات المترتبة على ضعف الدولة. المشهد اليمني لا زال ملتبس، والحوثيون أمام مأزق لأنهم يدركون أنهم لا يستطيعون السيطرة على أكثر من 20 في المائة من الأراضي، وكذلك من السكان، ومن الخطورة أن يلعبوا بورقة الزيدية، وهي ورقة ضعيفة جدا خصوصا بعد إعلان الدول التي ترعى المبادرة الخليجية موقفها. أسس الحل يجب أن تكون مبنية على المبادرة الخليجية، وآلية التنفيذ، وتنفيذ مخرجات الحوار، وتطبيق اتفاقية السلم والشراكة خصوصا وأن الحوثي يدرك أن اليمن تحت القرار 2140 وفق الفصل السابع. الحوثيون في ورطة، فانقلابهم يفضي إلى عزلة محلية وإقليمية، وأي مغامرة من طرفهم ستدخل البلاد في حرب ضد انقلابهم خصوصا بعد افتراق مصالحهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعدما استفاد الحوثيون من شبكة علاقاته ونفوذه خاصة في المؤسسة العسكرية والأمنية، وقد يكون الخصم لهم القادم، وستتغير خريطة التحالفات. إذا أقدم الحوثيين على اللجوء إلى خيارات ثورية في تشكيل مجلس رئاسي وهيئة انتقالية تقوم بدور الحكومة يعد بمثابة انتحار سياسي نتيجة التداعيات الداخلية والإقليمية والعزلة التي سيواجهونها قد تتسبب في انهيار كلي للوضع الأمني والسياسي والاقتصادي الهش في البلاد وهي بمثابة مغامرة ورطهم فيها علي عبد الله صالح. اليمن يعيش على القروض وعلى الدعم الخارجي، ولن يستطيع الحوثيون إدارة هذا الملف، كما أن الضغوط التي مارسها الحوثيون على الأحزاب للقبول بحل وفاقي حتى ولو كان فضفاضا والتي قوبلت بضغوط أخرى نتيجة انقسام حزب اللقاء المشترك بعد انسحاب الحزب الوحدوي الناصري وتصاعد الاحتجاجات داخل حزب التجمع اليمني للإصلاح ( إخوان) والحزب الاشتراكي. يرفض الشباب من تلك الأحزاب على منح الانقلابيون شرعية، وشرعنة احتلالهم لمؤسسات الدولة، فقاموا بإغلاق مقرات الأحزاب حتى يتوقف قادتهم عن الرضوخ لإملاءات الحوثيين في الحوار الذي يرعاه بنعمر المبعوث الأممي. في بلد يتمتع بموقع إستراتيجي هام كاليمن يمثل أهمية إستراتيجية كبرى للأمن القومي للسعودية ومصر ولدول كبرى، وقام الحوثي باغتيال قائد جزر حنيش اليمنية في البحر الأحمر الردفاني بعد محاولة الحوثي اقتحام معسكر 121 بالخوخة وهو من المعسكرات التي رفضت التسليم للحوثيين، لأن تلك الجزيرة هي ضمن المواقع الحيوية في البحر الأحمر، وخاصة تلك القريبة من الممر الدولي في محاولة لإخضاع المواقع العسكرية القريبة من باب المندب والمياه الدولية لتكون ورقة بأيديهم لابتزاز دول إقليمية ودولية. في اليمن هناك مؤسستان تقومان على تركيبة القبيلة، والتحديدات التاريخية للقبيلة هي من تحدد خيارات اليمنيين في الانتماء لتلك المؤسستين، لذلك تعتبر هذه العلاقة تكاملية بين القبيلة وأجهزة الدولة، وستكون المواجهة المقبلة مع جماعة الحوثي في محاولة لوقف تمددها باتجاه المناطق الأخرى. سيفشل الحوثي في إعادة اختراع الأمة اليمنية وهويتها على طريقة الحوثي لصياغة إستراتيجيته الشاملة لترسيخ وتوطيد علاقات الهيمنة على الأطراف المناوئة له، واليمن هو أبعد ما يكون عن اليمن الإمامي الذي يحاول أن ينتزعه عبد الملك الحوثي من درك التاريخ، بينما إيران همها الوحيد أن تنشئ حزب الله اليمني على شمال شمال اليمن ليكون الكماشة الأخرى على السعودية، لكن طموحات عبد الملك الحوثي كانت أكبر من ذلك. اليمن بين أن يدخل ساحة صراع مفتوح طويل الأمد، خصوصا وأن ورقة الجنوب تهدد الحل الشامل والاستقرار في المنطقة إذا لم تكن هناك حلول سياسية تنهي استدعاء الحوثي النزعات المذهبية والطائفية، ليس فقط في المناطق الجنوبية، بل حتى في الهلال السني إذا جاز لنا التعبير في الشمال الممتد من مأرب والبيضاء إلى تعز وإب. مشروع إعادة تقسيم اليمن إلى شطرين الرهان الخاسر لقضية الجنوب، وسيزداد الوضع اليمني تعقيدا، ويصعب التنبؤ بمآلات مستقبل اليمن لما له انعكاسات على المستويين الإقليمي والدولي تؤدي إلى استقطابات إقليمية ودولية كبيرة لن تخدم طرق الملاحة ولا الأمن الإقليمي. من ضمن الخيارات مبادرة اللقاء المشترك التي تقترح بإنشاء مجلس انتقالي يتكون من ستة نواب للرئيس هادي ثلاثة نواب من الجنوب وثلاثة نواب من الشمال، وهو خيار بين اللجوء للبرلمان وبين من يرفض التوجه للبرلمان، فهل ينجح هذا الخيار لإخراج اليمن من محنته وإخراجه من صراع طويل الأمد؟. * أستاذ بجامعة أم القرى بمكة