ما خلا الحذاء النسائي الذي لامس كتف حمزة الحوثي، رئيس وفد الحوثيين إلى محادثات السلام اليمنية اليمنية التي رعتها الأممالمتحدة في جنيف خلال الأسبوع الماضي؛ فإنّ وقائع التفاوض خلت من أيّ عنصر مثير للاهتمام، فبرهنت المحادثات على صحة مآلات الفشل التي كانت تُتنتظر منها. وبهذا فإنّ جنيفاليمنية لم تكن أفضل حظاً من جنيف السورية، مع فارق أنّ الحشد في الثانية كان رفيع المستوى ونخبوياً، ضمّ الأمين العام للأمم المتحدة، ووزراء خارجية قوى كونية عظمى؛ في حين أنّ جنيفاليمن كانت أشدّ تواضعاً، ولكن ليست أقلّ تعقيداً. الجوهر، خلف هذا الفشل الذي تمتعت به محادثات كثيرة مماثلة شهدتها جنيف، بسيط وجلي للعيان، حين يجري تفكيك عناصره إلى أصولها، وتُبحث جذوره العميقة. لكنّ بساطة ذلك الجوهر، مثل وضوحه، هي من طراز يستعصي على الحلّ عادة، لأنّ المعنيين بإيجاد الحلول يفضلون التعامي عن الحقائق، فيلتفون حولها، أو عليها، أو ضدّها أحياناً. فمن حيث المبدأ، ليست الحال الراهنة في اليمن حصيلة مجردة لاحتقانات مذهبية، حتى إذا كانت بعض رسوباتها عائدة بالفعل إلى فوارق، صغيرة أم كبيرة، بين الشوافع والزيود، أو السنّة والشيعة. المأساة التي يعيشها اليمن حالياً، والتي تستولد يومياً المزيد من شواهد اشتداد الحرب الأهلية، ناجمة عن أنساق التباين الهائلة في مستوى معيشة اليمنيين، أو بالأحرى سوية الفقر والبؤس والتخلف؛ وما تفرزه تلك الأنساق من عوامل تهدد وحدة وطنية هشة أساساً، بين جنوب وشمال بادىء ذي بدء، كما تنشّط اعتبارات الانقسام الأخرى كافة: سياسية، وطبقية، ومناطقية، ومذهبية. فإذا لم تبدأ الحلول من هذا العمق، أياً كانت آلام التوغل في تعقيداته، فإنها ستواصل خدش السطح وحده، ولن تنجح في إطفاء نار واحدة، إذا لم تنتهِ إلى صبّ الزيت على بعضها! ومن حيث المبدأ أيضاً، وثانياً، أنّ الصعود العسكري للحوثي لم يكن، في المقام الأوّل، وليد مؤامرة إيرانية مباشرة، تسليحاً أو دعماً لوجستياً، حتى إذا كانت طهران متورطة في الملفّ الحوثي منذ سنوات، وربما منذ أولى حركات الاحتجاج الزيدية ذات الطابع المطلبي/ المذهبي. لقد كان الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، صاحب النظرية المشهورة حول «الرقص مع الثعابين» الحوثية، هو مهندس ترقية ميليشيات الحوثي إلى مصافّ كتائب عسكرية عالية التسليح، تجتاح صنعاء دون مقاومة؛ لا لأي اعتبار آخر يسبق حقيقة أنّ القوات الموالية للمخلوع هي التي كانت تسيطر على العاصمة. ومن حيث المبدأ، ثالثاً، كانت السعودية، التي تقود اليوم عمليات «عاصفة الحزم»، هي الجهة الإقليمية القوية التي احتضنت صالح أولاً، بعد خلعه، وطيلة عقود سابقة أيضاً، ضمن منطق ضرب إسلاميي اليمن بسلاح إيران وصالح معاً؛ وهي التي نصّبت الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، في محاولة تطويق الانتفاضة الشعبية اليمنية وإفراغها من معظم مضامينها الثورية. صحيح أنّ سياسة السعودية تغيرت الآن، بصدد الشقّ الأوّل من المعادلة على الأقل، ولكن إذا لم تُعالج عربدة صالح، أسوة بمجموعات تناصره من «المؤتمر الشعبي» والعشائر الموالية، فإنّ السحر السعودي سوف يواصل الانقلاب على الساحر ذاته، تماماً كما تشير الحال الآن. ولكي لا تُنسى مفارقات اليمن ذات الدلالة، فإنّ ذكرى العراسي، صاحبة الحذاء النسائي الشهير، هي ناشطة عدنية، وليست من صنعاء أو تعز أو الحديدة؛ وسخطها ليس زيدياً أو شافعياً، أغلب الظنّ، بل هو نابع من عذابات الجنوب، حيث الأوبئة، بعد قذائف الحوثيين والمخلوع، تحصد الأطفال والنساء والشيوخ. وهذه، بدورها، مفارقة لا يجوز أن تُغيّب عن الجوهر! نقلا عن "القدس العربي"