«ضربة قوية لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب أخطر أفرع القاعدة، ولتنظيم القاعدة بشكل أوسع، فمقتل «الوحيشي» يزيل من ساحة المعركة قائداً إرهابياً محنكاً، ويقربنا من إضعاف وهزيمة هذه الجماعة». بهذه الكلمات عبرت الإدارة الأميركية عن موقفها بعد استهداف وقتل ناصر الوحيشي (أبوبصير) زعيم تنظيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب والرجل الثاني والأهم في قيادة التنظيم العالمي، فهذا الفرع يعد أخطر التنظيمات الفرعية التابعة للقاعدة، إذ انتقل إليه الثقل المركزي للقاعدة بعد تلاشي الدور القيادي للتنظيم المركزي في أفغانستان وشبه انتهائه. لا غرابة في أن يشكل مقتل «الوحيشي»، وتحديداً بالنسبة للحكومة الأميركية، انتصاراً مهماً جداً، كونه هو مصدر التهديد الأول على المصالح الأميركية؛ باعتباره هو الذي يدير ويخطط ويجند ويدرب للهجمات الإرهابية العالمية لتنظيم القاعدة كافة منذ أعوام عدة، فهذا التنظيم تمكن من إتقان طرق لتسلل المتفجرات وإدخالها إلى الطائرات مخفية في أجهزة لا يمكن لنظم الفحص الأمني كشفها، وذلك من خلال أحد أهم أفراده، وهو السعودي إبراهيم العسيري (32 عاماً)، كبير صانعي المتفجرات في تنظيم القاعدة، والعقل المدبر لعدد من العمليات التي تم إحباطها، ومنها محاولة تفجير «عمر فاروق عبدالمطلب» في رحلة تابعة لشركة «نورث إيست آيرلاينز» فوق أراضي الولاياتالمتحدة في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2009، وكذلك إرسال حزمة من المتفجرات إلى الولاياتالمتحدة على طائرة للشحن في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، وظهر «الوحيشي» آخر مرة في تسجيل مصوّر في نيسان (أبريل) 2014 مع مجموعة من قادة التنظيم وعناصره، وكانوا يحتفلون بفرار 29 سجيناً من السجن المركزي بصنعاء في شباط (فبراير) من العام نفسه. داعياً إياهم إلى «تدمير» أعداء تنظيم القاعدة من الصليبيين، ومنذ ذلك الحين لم يظهر الوحيشي في أي من البيانات، حتى اعتقد البعض أنه قُتل، وقد جاء مقتله بعد سلسلة ضربات وعمليات متقاربة زمنياً أدت إلى مقتل السعودي إبراهيم الربيش، وحارث النظاري، وناصر الآنسي، ومعظمهم من القيادات البارزة المعروفة للتنظيم خلال الأعوام الماضية. قد لا يكون مستغرباً أن فرع تنظيم القاعدة في اليمن أبدى نوعاً من التماسك، حينما حسم وبصورة سريعة مسألة خلافة الوحيشي بتعيين قاسم الريمي القائد العسكري زعيماً جديداً لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، وذلك لأن القاعدة في اليمن متجذرة بقوة «مقارنة مع الأفرع الأخرى للقاعدة»، ولكن الغارات الجوية الأميركية التي تزايدت وتيرتها خلال الشهرين الماضيين في استهداف قيادات التنظيم، تمكنت وبشكل لافت من بث حال من الذعر والقلق والارتباك وعدم الثقة داخل التنظيم، وكونه أصبح مخترقاً إلى مستوى أهم قياداته، وعمن يقوم بعمليات التجسس وتقديم المعلومات لمصلحة الأميركيين، وهو ما قد يجعل التنظيم في حال تخبط، هذه الحال من الارتباك وعدم الثقة بمثل هذه التنظيمات التي تعتمد على السرية المطلقة، قد يكون من الصعب أن تتغلب عليها، وهي كفيلة بحد ذاتها في خلق اختلافات وانشقاقات داخل التنظيم، في وقت يشهد فيه انتكاسات عدة متتالية، وهو ما يقودنا إلى التساؤل، إلى أي مدى ستؤثر تلك العمليات في مستقبل تنظيم القاعدة في اليمن؟ وكيف يبدو مستقبلها وسط المزاحمة مع تنظيم داعش؟ أهم التأثيرات المتوقعة هي ما يتعلق بحال الانشقاق والتصدع داخل التنظيم، فإذا كان أبوبصير الوحيشي القائد السابق للتنظيم في اليمن وإلى مقتله استطاع إلى حد كبير تجنيب التنظيم حال التصدع والتناحر والتقاتل، وذلك نتيجة موقفه الذي تبناه وهو موقف الحياد، إذ ظل في منطقة الوسط في الصراع الدائر بين دولة البغدادي وجبهة النصرة، ولم يمل إلى إحدى الكفتين، وحاول الانكفاء والنأي بالنفس عن الصراع الدائر، على رغم قربه وارتباطه الشديد من تنظيم القاعدة العالمي، فلم يكن مع أو ضد، وحتى مع إعلان البغدادي دولة الخلافة فإن التنظيم لم يتخذ موقفاً مناهضاً لها، بخلاف أفرع تنظيمات القاعدة ومنظريها، الذين أعلنوا موقفهم الرافض لها، على رغم أن بعض قياداته كحارث النظاري وناصر الآنسي انتقدوا في تسجيلات مصورة «داعش» وتوجهاته، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور بوادر توجه قيادات محلية في التنظيم إلى إعلان انحيازهم وتأييدهم ل«داعش»؛ باعتبارهم الكيان الأقوى والأقدر على البقاء والتأثير، فمأمون حاتم أحد القيادات الدعوية البارزة في تنظيم القاعدة، الذي قتل في غارة مطلع الشهر الماضي، أعلن موقفه بوضوح بأنه أصبح محسوباً على «داعش» لا على القاعدة، وهناك جلال بلعيدي، أحد القيادات التي ظهرت في أكثر من تسجيل بشكل لافت، خلال العام الماضي، وهو أحد الوجوه المرشحة لقيادات انشقاق داخل التنظيم لمصلحة «داعش»، قد تكون هناك عوامل عدة تقود إلى تسريع حال الانشقاقات والالتحاق ب«داعش» أهمها: أولاً: استهداف قيادات التنظيم الكبرى بالطائرات من دون طيار، وما سيواجهه الريمي من إصرار واشنطن على الاستمرار في استهداف قيادات «القاعدة» من خلال الغارات التي تشنها، وما سيخلقه من قلق داخل أعضاء التنظيم، وضمن صفوف الداعمين أيضاً، وهو ما سيسهم في استقطاب الكثيرين لتنظيم داعش ومبايعة البغدادي. ثانياً: وضع الانفلات الحالي في اليمن، والحرب الدائرة ضد الحوثيين، واستغلال هذه الظروف في صعود «داعش»، ولاسيما أنه هاجم القاعدة من قبل، بأنه لم يتمكن من ردع الحوثيين، ونهج «داعش» يقوم على استغلال الحروب الهوياتية بمحاربة التمدد الشيعي، وهو من أكثر الأمور التي قد تساعد في صعوده. ثالثاً: المعلومات التي ذكرها مخبر القاعدة «هاني مجاهد»، الذي ظهر أخيراً في قناة الجزيرة من أن قاسم الريمي القائد الجديد للتنظيم، يعمل لمصلحة نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأشارت مصادر إخبارية أيضاً إلى أن لديه حراسات خاصة من الحرس الخاص التابع لنظام صالح، فصعود الريمي على زعامة التنظيم قد تعجل في حدوث الانشقاقات، وهو ما سيجعل قاعدة اليمن في المرحلة المقبلة مرهوناً بين أمرين، إما انشقاق الكثيرين وانضمامهم إلى «داعش» أو إنشاء خلايا مستقلة، وإما استهداف الطائرات الأميركية من غير طيار. نقلا عن "الحياة"