ربما تكون المرة الأولى التي تتعرف فيها على مجموعة في الفيسبوك أسهمت في تغيير قناعات كثيرين من الشباب وتوجههم نحو التثقيف والوعي المجتمعي. خصوصاً أنك تعلم أن الغثاء المنتشر اليوم على ضفاف تلك المواقع واسع ويهدد المستقبل. استطاع مجموعة من الشباب أن يكسروا حاجز التسطيح المعرفي الموسومة به وسائل التواصل الاجتماعي. ليجعلوا منها ميدان انطلاقتهم نحو عالم الكتب. "اليمن تقرأ" المجموعة التي تحتضن بين رحابها ما يقرب من سبعة عشر ألف عضو، يشارك الكثير منهم في إثراءها وتطويرها بالمعلومة الهادفة والمشاركات القيمة. مؤخراً اقترح أحد شبابها ويدعى أيمن قصيلة نشاطاً أسماه "تحدي القراءة" تقوم فكرته على نشر فيديو يستعرض من خلاله أحد المشاركين ملخصاً لكتاب قام بقراءته، ومن ثم ينقل التحدي لعضو آخر من أعضاء المجموعة. لتستمر السلسة بالتمدد، دون أن يعرفَ أحدٌ مداها. النشاط شهد إقبالاً كبيراً من كلا الجنسين وساهم إلى حد كبير في تعلم العديد من المهارات التي لا تقف عند حدود القراءة والاطلاع فقط، وإنما جاوزت ذلك لتشجع الكثيرين على اقتحام عالم التصوير والمساهمة بمقاطع توضح آراءهم وتدربهم على أساليب الإلقاء والمشاركة بفاعلية. قالت لي إحدى المشاركات إنها استفادت من تلك التجربة، ووجدت أنها تمكنت من تقديم ما تعتقد أنه يمكن أن يسهم في تعزيز الجوانب الإيجابية في حياة آخرين، من خلال عرض ما تنتقيه من كتب. لا، بل إنها شجعت زميلاتها على المشاركة. المجموعة تتميز أيضاً بنشاطات ثقافية وحلقات لغوية كتلك التي ابتدعها محمد عرابي، الطالب في كلية الإعلام، تحت وسم "هاشتاق" #لنصحح لغتنا، وهو وسم يهدف إلى التعريف بأخطاء لغوية يتم تداولها بين القراء. وقد لاقى هذا الوسم تفاعلاً كبيراً نظراً لتأثيره الإيجابي في تحسين القدرات اللغوية بين الأعضاء. أخبرني محمد أن الفكرة خطرت له بينما كان يناقش بعض الزملاء موضوع لغوي. قال لي، إنه وجد الكثير منهم يستخدمون مفردات لا علاقة لها بالمعاني الأصلية في اللغة العربية، وقرر أن يراجع المصادر الرئيسة لتصحيح الأخطاء الشائعة. يمكن القول إن مجموعة "اليمن تقرأ" انتعشت في ظل ظروف قاسية تعيشها الحالة الثقافية في البلاد، والتي يمثل الشباب أحد ركائزها المعوّل عليها في بناء الغد المنشود. كما أنها مثلت بادرة طيبة يحاول القائمون عليها التوعية بمخاطر عدم استغلال أوقات فراغهم، في ظل حالة انعدام شبه كامل لأي مظاهر ثقافية سواءً رسمية أو غير رسمية. وهو ما يهدد حاضر الشباب اليمني، ويوشك أن يوقعه في فخ مستقبل لا تُعرف ملامحه إلا بثقافة السلاح ولغة الثأر.