عندما يتعلق الأمر بمسألة رياضية أو لغز غامض يحير العقل ويؤرقه، فإن حل الأمر لا يتعدى الثلاث حلول، وهو أن يجد العقل حلاً لمسألته أو يجد من يساعده أو ينسب الأمر لمجهول ويستسلم حفاظًا على نفسه، هذا هو العقل عندما يتم سؤاله أهذا الشيء أبيض أم أسود يجيب وبكل وضوح أبيض هو أم أسود ومن الممكن أيضًا أن يجيب (بل هو أبيض أسود!) ويقنعك العقل بالفلسفة المعقدة بداخله! ولكن إذا سألت القلب عن لون شيء وحددت له خيارين غير موجودين (أبيض أو أسود) سيجيب بكل حسم وصرامة معبرًا عن رأيه ورغبته رمادي! إذا كان اللون كذلك، فالقلب لا يعرف التزييف أبدًا.
القلب مخلوق فطري لم تشوه نصاعته أطماع النفس البشرية سيقول لك بكل قوة وصراحة ودون اكتراث (هذا ما أراه، وهذا ما أريد). الحب هو أغلى ما يملكه القلب في سيرة وجوده، يعزف أولى موسيقاه على أوتار تائهة ليكتشف فيما بعد سر بقائه ويرفض عن الحب بديلاً لسيطرة عليه ليجعله نابضًا مفعمًا بالحياة.
ماذا لو فقد القلب شيئًا يحبه أو بمعنى آخر فقد وترًا من أوتار الحب؟ ماذا لو فقد ذلك المخلوق الفطرى شيئًا أساسيًا يعتمد عليه كل الاعتماد في حياته؟
سيعتصر الألم القلب من الحزن على ما فقده ويصبح هائمًا لا يعرف ماذا يفعل أو كيف التصرف في مثل هذه الأحوال! لا يعرف سوى ما يريده فقط مثل الطفل الذي لا يرضى بدميته بديلاً ويقول أيضًا وبقوة متمسكًا برغبته (أنا أريد، ولا أعرف إلا ما أريد)، عندها يحاول العقل السيطرة على القلب لتغير الموازين ويدخل القلب والعقل في عراك للسيطرة على الوضع، عراك يعيشه الإنسان مع نفسه، ولا يقاتل إلا نفسه، محاولاً أن يجعل الأمر الناهي في نفسه.
سينتفض القلب مرات ومرات في هذا العراك من برد رغبته الفطرية وحمىَّ مرضه محاولاً الرجوع من علته، ومع المحاولات المستميته لتدفئة القلب، لا يزال القلب ينتفض حزنًا على ما فقده ولا يرضى بأي بديل عن رغبته، القلب عندما يتعلق بشيء ويفقده أو لا يعرف
كيف يصل إليه أو عندما يكون معلقًا بأحد دون الإفصاح له، كيف يعيش بدونهم؟على ذكراهم أم ذكريات وهمية يخلقها لنفسه؟ يدخل دوامة من الألم محاولاً البحث عن بديل يعوض غيابهم أو النقص الموجود عنده.
يالله على هذا القلب المسكين، إذا حاول السيطرة على وضعه وإخفاء حزنه تبديه مدامعه، وتحفر في الجسد آثارًا لا يستطيع التخلص منها والعيش مضمد الجراح.
تنحصر أمام القلب الحلول ولا يعرف طريق آخر لمواصلة الحياة او لنقل شبه الحياة، وأفضل حل يبقى أمام القلب هو أن يتجرد من كل ما يملكه متوجهًا بفطرته الغريزيه التى خُلق عليها بدعوة صادقة لخالقه، خالق الروح والقلب والعقل والجسد.
العالم بمكنونات القلب وخفاياه، القادر على إصلاح العلة وكشف ما في القلب من حزن وغم، فإذا ما ترك القلب نفسه لخالقه، هداه للطريق الطمأنينة والسكينة التي يبحث عنها، هداه لطريق الحياة من جديد، وصدق رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام عندما قال: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”.