وصاية دولية على غزة تخدم أهداف الاحتلال..أبرز بنود الاتفاق    رئيس مجلس القيادة يعود الى العاصمة المؤقتة عدن    ضبط قارب تهريب محمّل بكميات كبيرة من المخدرات قبالة سواحل لحج    نجاة قائد مقاومة الجوف من محاولة اغتيال في حضرموت    بلومبيرغ: تأخر مد كابلات الإنترنت عبر البحر الأحمر نتيجة التهديدات الأمنية والتوترات السياسية (ترجمة خاصة)    37وفاة و203 إصابات بحوادث سير خلال الأسبوعين الماضيين    الهجرة الدولية: استمرار النزوح الداخلي في اليمن وأكثر من 50 أسرة نزحت خلال أسبوع من 4 محافظات    قراءة تحليلية لنص "عدول عن الانتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    المقالح: بعض المؤمنين في صنعاء لم يستوعبوا بعد تغيّر السياسة الإيرانية تجاه محيطها العربي    بيان توضيحي صادر عن المحامي رالف شربل الوكيل القانوني للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشأن التسريب غير القانوني لمستندات محكمة التحكيم الرياضية (كاس)    وزارة الشؤون الاجتماعية تدشّن الخطة الوطنية لحماية الطفل 2026–2029    إضراب شامل لتجار الملابس في صنعاء    جبايات حوثية جديدة تشعل موجة غلاء واسعة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي    المنتخب الأولمبي يتوجه للقاهرة لإقامة معسكر خارجي استعدادا لبطولة كأس الخليج    اليمن ينهي تحضيرات مواجهة بوتان الحاسمة    الحكومة تشيد بيقظة الأجهزة الأمنية في مأرب وتؤكد أنها خط الدفاع الوطني الأول    نقابة الصرافين الجنوبيين تطالب البنك الدولي بالتدخل لإصلاح البنك المركزي بعدن    منتخب مصر الثاني يتعادل ودياً مع الجزائر    الأحزاب المناهضة للعدوان تُدين قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات على اليمن    وقفة ومعرض في مديرية الثورة وفاء للشهداء وتأكيدا للجهوزية    دفعتان من الدعم السعودي تدخلان حسابات المركزي بعدن    مقتل حارس ملعب الكبسي في إب    الكثيري يطّلع على أوضاع جامعة الأحقاف وتخصصاتها الأكاديمية    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    محور تعز يتمرد على الدستور ورئيس الوزراء يصدر اوامره بالتحقيق؟!    الجزائية تستكمل محاكمة شبكة التجسس وتعلن موعد النطق بالحكم    المنتخبات المتأهلة إلى الملحق العالمي المؤهل لمونديال 2026    القائم بأعمال رئيس الوزراء يتفقد عدداً من المشاريع في أمانة العاصمة    انخفاض نسبة الدين الخارجي لروسيا إلى مستوى قياسي    تدهور صحة رئيس جمعية الأقصى في سجون المليشيا ومطالبات بسرعة إنقاذه    تكريم الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب في دورتها ال14 بلندن    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء محدودة من 7 محافظات وأمطار خفيفة على أجزاء من وسط وغرب البلاد    تغريد الطيور يخفف الاكتئاب ويعزز التوازن النفسي    ماذا بعد بيان اللواء فرج البحسني؟    لجان المقاومة الفلسطينية : نرفض نشر أي قوات أجنبية في غزة    المرشحين لجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2025    وادي زبيد: الشريان الحيوي ومنارة الأوقاف (4)    مجلس الأمن وخفايا المرجعيات الثلاث: كيف يبقى الجنوب تحت الهيمنة    اعتماد البطائق الشخصية المنتهية حتى 14 ديسمبر    صنعت الإمارات من عدن 2015 والمكلا 2016 سردية للتاريخ    نوهت بالإنجازات النوعية للأجهزة الأمنية... رئاسة مجلس الشورى تناقش المواضيع ذات الصلة بنشاط اللجان الدائمة    الرئيس المشاط يُعزي الرئيس العراقي في وفاة شقيقه    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    الماجستير للباحث النعماني من كلية التجارة بجامعة المستقبل    مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ل " 26 سبتمبر " : التداعيات التي فرضها العدوان أثرت بشكل مباشر على خدمات المركز    الدكتور بشير بادة ل " 26 سبتمبر ": الاستخدام الخاطئ للمضاد الحيوي يُضعف المناعة ويسبب مقاومة بكتيرية    قراءة تحليلية لنص "محاولة انتحار" ل"أحمد سيف حاشد"    التأمل.. قراءة اللامرئي واقتراب من المعنى    مدير فرع هيئة المواصفات وضبط الجودة في محافظة ذمار ل 26 سبتمبر : نخوض معركة حقيقية ضد السلع المهربة والبضائع المقلدة والمغشوشة    النرويج تتأهل إلى المونديال    قطرات ندية في جوهرية مدارس الكوثر القرآنية    نجوم الإرهاب في زمن الإعلام الرمادي    الأمير الذي يقود بصمت... ويقاتل بعظمة    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصار تعز.. إرادة تجار الحرب
نشر في المشهد اليمني يوم 01 - 12 - 2019

تعد مدينة تعز اليمنية مثالاً فريداً على الجغرافيا الواحدة المتنازع عليها بين المتحاربين اليمنيين، وما أحدثه ذلك من ظروفٍ قاهرة يكابدها أبناء المدينة، فإضافة إلى التبعات المكلفة التي يواجهها المدنيون جرّاء استمرار القتال في جبهات المدينة وأريافها بين المتصارعين، بما في ذلك تعرّضهم للقتل المجاني، فإن تصاعد دورات الصراع المتعاقبة على السلطة المحلية في المدينة بين فرقاء السلطة الشرعية زج المجتمع المحلي في أتون الصراع، وأدّى إلى تعدّد القوى المحلية التي تنتهك المواطنين، مضافاً إلى هذا العنف المزدوج حصار جائر فرض على مدينة تعز، حيث كرّس الحصار واقعاً لا إنسانياً مأساوياً حال بين المواطنين وتدبّر أمورهم المعيشية، كما مزق وحدة النسيج المجتمعي الواحد للمدينة.
يكثف حصار مدينة تعز، بكُليته وبالصور المتغيرة التي اتخذها، تفاهة الحرب في اليمن، وغباء أطرافها المحلية وانتهازية رعاتهم الإقليميين، حيث تغيّرت وظيفة الحصار بما ينسجم مع إرادة فرقاء الصراع، وتفاهماتهم السياسية على جني ثمار الحرب والسلطة، لا لما تقتضيه ضرورة الحرب ذاتها. ووفقاً لذلك تغيرت جغرافيا الحصار في مدينة تعز، بحسب المنعطفات التي دخلتها الحرب، حتى أخذ شكله الحالي، ففي حين كانت وظيفة الحصار عسكريةً في المقام الأول، حين فرضت مليشيا الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إبّان تحالفهما، الحصار على مدينة تعز، لتطويق المدينة من خلال منافذها الرئيسية، حتى تعزل عن محيطها الحيوي المتمثل في مدينة عدن، بحيث تكون مدينة تعز نقطة انطلاقٍ للمتمرّدين للانقضاض على عاصمة السلطة الشرعية المؤقتة، أو على الأقل تهديدها. وترتب على ذلك إغلاق جميع منافذ المدينة البرّية التي تربطها بالمدن الأخرى، وكذلك إقامة نقاط عسكرية داخل المدينة خنقت المواطنين. ومع فشل خطة المتمرّدين التي قام لأجلها حصار مدينة تعز، حوّل المتمردون الحصار إلى ورقة سياسية، حيث ظل معبر الحوبان نقطة الحصار الرئيسية، وقسّم المدينة إلى جغرافيتين منفصلتين، غربي يبدأ من منطقة الحوبان تسيطر عليه مليشيات الحوثي، وشرقي تتنازع على سلطته القوى والأحزاب المنضوية تحت لواء السلطة الشرعية. كما أغلق الحوثيون المنفذ الشمالي للمدينة، الأمر الذي فاقم من معاناة الأهالي، حيث شتت الأسرة الواحدة بين منطقتين ذات سلطات متحاربة، وهو ما عرّضهم لأخطار الاعتقال العشوائي، أو الإخفاء القسري من السلطتين، كما أن تحويل المدينة إلى كانتونات مجزّأة وتقطيع أوصالها فرض على المواطنين اجتياز خط سير مروع لعبور ضفتي المدينة، إذ يجتازون منطقة الحوبان إلى منطقة الأقروض في جبل صبر وحتى منطقة التربة، ومن ثم إلى داخل المدينة أو العكس، مجتازين ممرّات جبلية شاقة غير ممهدة، تتخللها قرى وعرة في رحلةٍ تستغرق يوماً واحداً، حيث يتعرّض السكان لحوادث شبه يومية.
تأبيد معاناة المدنيين في مدينة تعز يعكس لا أخلاقية الحوثيين بدرجة رئيسية، كونه حصارا بلا هدف عسكري، كما أنه لم يكن ذا أولوية في حسابات أطراف الصراع وتفاهماتها، ولا في أجندة المبعوثين الدوليين المتعاقبين في اليمن، فعلى الرغم من محاولة مليشيات الحوثي مقايضة فتح الحصار عن مدينة تعز جزئياً باحتفاظها بسيطرتها على مدينة الحديدة، فيبدو أن الأمم المتحدة في اليمن لم تر في بقاء هذا الحصار من عدمه أثراً مهماً في سياقات الحرب الشاملة، أو في التسوية السياسية بين فرقاء الصراع، ومن ثم جعلته ملفا سياسيا داخليا، يخضع لإرادة فرقاء الصراع المحليين في اليمن وتقديراتهم، لا معاناة إنسانية يقتضي حلها لتحسين الشروط الإنسانية لأبناء المدينة، فمع حرجٍ كثير فرض اتفاق استكهولم ملحقاً ثانوياً يقضي بفتح منافذ الحصار عن مدينة تعز، إذ أوكلت هذه المهمة للجنة مشتركة مشكلة من مليشيات الحوثي وقيادات سياسية من مدينة تعز، ولكن مهام هذه اللجنة وأداءها ظل خاضعاً لمزاجية أطرافها، وبالتالي تسويفها، ففي حين أعلن فرقاء الصراع قبل شهر اتفاقهما على فتح منفذ الحوبان أمام الأهالي، فإن كل التفاهمات، وعلى مدى نحو عام، فشلت في حلحلة هذا الملف الإنساني، لحساباتٍ أخرى بين الطرفين تتعدّى النيات السيئة.
انتهت المسارات التفاوضية التي قطعتها اللجنة المشتركة لفتح منافذ مدينة تعز إلى طريق مسدود، بما في ذلك الجهود الحثيثة التي بذلها محافظ تعز الأسبق، شوقي هائل سعيد، إذ تشي مواقف أطراف الصراع اليمنيين بأن فشل فتح الحصار يتعدّى وجود عراقيل على الأرض، عسكرية أو فنية مهمة، كتمشيط الألغام، إلى تمسّك الأطراف بالمكاسب المترتبة على الحصار، إذ أوجدت البيئة المستقرة للحصار منافع متعدّدة ومتداخلة للمتحاربين من خلال اقتصاد حرب ناشط يتحرّك بين الجبهتين، يتجاوز صراع الفرقاء إلى تفاهمات اقتصادية متبادلة، تسيطر عليه طبقة من أثرياء الحرب الجدد من تجار ومقاولين تابعين لمليشيات الحوثي والقيادات العسكرية والسياسية المنضوية في السلطة الشرعية في مدينة تعز، إذ لا يقوم هؤلاء فقط بالمضاربة في أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية التي يستهلكها المواطنون، وإنما يتحكّمون في إدارة تدفقها بين الجبهتين. وبالتالي، عرقل المنتفعون باقتصاد الحصار أي تفاهماتٍ تؤدي إلى فتح منافذ الحوبان، لأنه يضر بمصالحهم التجارية، إضافة إلى تمسّك جماعة الحوثي بمكتسباتها السياسية والاقتصادية من أنها سلطة حاكمة للقسم الغربي من مدينة تعز، وبدرجة رئيسية العائدات الضريبة التي تتحصل عليها من أن منفذ الحوبان نقطة ضريبة أساسية في تجارتها الداخلية، وربما أهمها. في المقابل، ترى القيادات العسكرية والسياسية في تعز التي استفادت من الحصار طوال هذه السنوات أن رفعه يوقف تحصيلاتها من الأموال التي تستقطعها من مموليها لدعاوى تحرير المدينة من قبضة مليشيات الحوثي، فضلاً عن أن منافع بيئة الحرب في المدينة، بما في ذلك استمرارها جبهة رئيسة ضد مقاتلي الحوثي، كرّس قوى عسكرية وسياسية محلية وجنرالات جددا، وجدت في فتح منفذ الحوبان خطراً رئيساً يتهددها، وذلك ليس لخطر عودة الحوثيين إلى قلب المدينة، وإنما لما قد يؤدّيه ذلك من إزالة أسباب قوتها الاجتماعية التي راكمتها في تعز طوال الحرب والحصار.
يوثق الفنان اليمني، رشاد السامعي، حصار مدينة تعز في كاريكاتيرات هي أبلغ تعبير عن معاناة المواطنين. ولكن في حسابات فرقاء الصراع لا أهمية لهذه المعاناة، مهما طالت، فبقاء الحصار ضرورة لها لجني ثمار اقتصاد الحرب، مع بقائه ذريعة لاستمرار الحرب في المدينة، ولذلك سيسعى فرقاء الصراع، بكل الوسائل، إلى أن يظل الحصار قائماً، ربما حتى الاتفاق النهائي على تسوية سياسية شاملة.
نقلاً عن العربي الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.