الترب:ليكن 2026 عام تطهير اليمن من الخونة وعملاء السعودية والامارات    اجتماع أمني بصنعاء يؤكد على سرعة انجاز القضايا    لا مستقبل للخَوَنة    نادية الكوكباني تفوز بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية عربية للعام 2025    من بنى الأهرامات؟ عالم آثار مصري يشتبك مع عالم زلازل هولندي    الانتقالي و«إسرائيل».. تطبيع سياسي وأمني تحت مظلة أبو ظبي    أرقام فلكية.. الفيفا يعلن عن الجوائز المالية لكأس العالم 2026    سان جيرمان يتوج بكأس القارات للأندية لأول مرة في تاريخه    طائرة شحن إماراتية محمّلة بالسلاح تصل مطار الريان بحضرموت    لمواجهة "التهديد الروسي".. ألمانيا تقر مشتريات عسكرية ب59 مليار دولار    أستاذ قانون دولي: تغطية إعلامية إقليمية ودولية غير مسبوقة تدفع القضية الجنوبية للصدارة    بالهوية الجنوبية لا باليمننة يتحقق الاستقلال    مبارزو الأمانة يحصدون ذهب بطولة منتخبات المحافظات وصنعاء وصيفا وتعز ثالثًا    الإصلاح أمام تشاتام هاوس.. إعادة تسويق الإخوان بلغة إنكار الجذور    بين الاعتزاز والانسلاخ: نداءُ الهوية في زمن التيه    بعد أن أُوصِدت في وجهه أبواب الإنصاف.. رجل أعمال يقرّر الرحيل إلى مرّان بصعدة    شرطة أمانة العاصمة تكشف هوية الجناة والمجني عليهما في حادثة القتل بشارع خولان    من بينها اليمن.. واشنطن توسع حظر السفر على مواطني دول إفريقية وآسيوية    الصحفي والمقدم الإذاعي المتميز محمد السامعي    تسعون يومًا... ولم ولن أنكسر    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    أيها المؤرخ العلم: ما نسيناك !    بوادر أزمة غاز جديدة وقطاع قبلي في مأرب على ذمة أحداث حضرموت    الرئيس المشاط يعزّي الشيخ عبدالله الرزامي في وفاة أخته    روائية يمنية تفوز بجائزة أدبية في مصر    تفقد سير أعمال الترميم في جامع الجند التاريخي    الخراز يكشف عن اختلاس مليشيا الحوثي ل 7 مليون دولار من التمويلات الدولية لليمن    الرئيس الزُبيدي يزور وزارة المياه والبيئة ويطّلع على المشاريع المنفذة لتعزيز الموارد المائية    ضبط زعيمة تهريب في المياه الاقليمية بقطاع خليج عدن    صباح عدني ثقيل    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    اليابان تقدم حزمة مساعدات إنسانية جديدة لليمن بقيمة 13.8 مليون دولار    مؤشر الدولار يترنح قرب أدنى مستوياته وترقب لقرارات الفائدة    اليمنية تفرض شروط جديدة على المسافرين بنظام الترانزيت إلى جيبوتي    الصحفي والقيادي الإعلامي الكبير محبوب علي    أزمات خانقة تضرب المحافظات المحتلة: الغاز والوقود والرغيف تتزامن وسط انهيار الخدمات    الماجستير بامتياز للباحث عبدالله صبرة من الاكاديمية اليمنية العليا بصنعاء    إنشاء أكبر بحيرة مائية في أمانة العاصمة    هامبتون تتوج بجائزة فيفا لافضل حارسة مرمى في العالم 2025    اوفالي تتوج بجائزة فيفا مارتا 2025 لأجمل هدف في كرة القدم النسائية    دوناروما الأفضل في العالم: جائزة تاريخية لحارس إيطاليا في 2025    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على السواحل تمتد نحو المرتفعات    الرئيس الزُبيدي يُعزّي جمال سرور في وفاة شقيقته    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بجامعة عدن ويؤكد دعمه لتطوير العملية التعليمية    صباح المسيح الدجال:    دراسة: الأطفال النباتيون أقصر قامة وأنحف من أقرانهم متناولي اللحوم    مأرب.. السلطة المحلية تكرم فريق نادي السد لكرة القدم بمناسبة الصعود لدوري الدرجة الثانية    وزارة الإعلام تكرم إعلاميات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات الناجمة عن الأمطار في المغرب الى 21 شخصا    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    شبوة.. حريق داخل مطار عتق الدولي    مرض الفشل الكلوي (32)    الصحفي والمراسل التلفزيوني المتألق أحمد الشلفي …    ست فواكه تقلل خطر الإصابة بأمراض الكلى    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار/ مع محمد عبد الوكيل جازم

يعاني الأدباء معاناة كبيرة حين تشتد الصراعات ويعلو صوت الرصاص، يحبطون من قسوة الحياة، يتعرضون للمنفى، يصابون بالاسقام والأمراض، تأكل وجوههم الأحزان على وطن يتألم بنوه، يقتل أطفاله، وتضطهد نساؤه، هكذا حدثني 《محمد عبد الوكيل جازم》، كان باديا عليه آثار الحرب وما خلفته من أوجاع، ومع ذلك أكد لي بأن اليمني أقوى من ذلك وسوف ينهض.
محمد الأديب المؤدب يعاني الكثير لكنه ما زال صلبا رغم إيقاف راتبه وتنكر الجهات الحكومية له.
عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، باحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني، محسوب على جيل التسعينات، كان لنا معه هذا الحوار الخفيف لمجلة العربي الأمريكي اليوم.
القاهرة
حوار/ محمد عبده الشجاع.
**موضوع التجييل تقول في تقرير كتبته مؤخرا للصحافة بأن التقسيم الذي حدث أو الدراسات التي قدمت غير كافية، هل تقصد من ناحية الكم أم الكيف، بمعنى أنه لا توجد أسماء مغمورة حتى يتم تجاهلها؟
المتأمل في المشهد الكتابي اليوم سيجد أنه معتل وغير معافى سواء كان ذلك في الإنتاج الإبداعي أو في الدراسات الانعكاسية التي قدمت كنص موازي، والحديث عن أزمة الكتابة لا تقاس بالكم أو الكيف؛ وإنما تقاس بمدى التأثير السلوكي والحراك الذي يحدث في المجتمع، بمدى السعادة التي تنعكس على الإعلام والتربية والصحة والمجتمع ككل.
المبدع لا يستطيع أن يغير ما أفسده الساسة والدهر لكنه يستطيع أن يقول رأيه بوضوح إذا نظر إلى الحياة بحياد وضمير حي وكان مثقفا حقيقيا، ولا شك أن غياب المشروع النقدي غيّب الكثيرين وقتل مواهبهم، فهناك من تساقط وسط الطريق، وهناك من استمر في الكتابة ولكنه مشلول، إما بسبب ولائه لحزب أو لعقيدة.
وبخصوص الأسماء المغمورة كيف لا يوجد كلنا مغمورين ومدفونيين في الحياة، من يستطيع أن يقدم مشروعه وأين؟ أنت مثلاً لديك رواية، هل هناك مؤسسة يمنية تبنت طباعة عملك وقدمت لك مكافئة نظير الجهد الذي قدمته والعمر الذي اقتطعته على أسرتك وابناءك. هذا مثلا.
**تعتقد أن الحرب تكسر أرواح الشعراء كيف وقد استدليت بجيل الستينات واليوم؟
الحرب في اليمن مستمرة منذ ألف عام، يكفي أن تعرف أننا قبل عشر سنوات أو أقل كنا نقول حرب صعدة السادسة؛ ما يعني أننا خضنا ستت حروب دون أن نشعر بها أو أن المخرجين أرادوا هذا، وكانت النتيجة حرب أكلت الأخضر واليابس في اليمن كلها، هذه حرب استنزف فيها خيرات وطاقات كان يفترض أن تذهب للتنمية، الآن البلد كلها في حالة دمار وقتل وتشرد وهذا أمر يصيب المجتمع بالخيبة و بالانكسار.
الشرائح كلها منكسرة.. الشعراء في المقدمة لأنهم ضمير الأمة وعجزوا عن تقديم حلول، لأن الحكومات المتعاقبة كانت تقصي المثقف مما شكل قهرا متراكما أفضى إلى مجتمع مسلوب الإرادة لايستطيع المشاركة في الحياة بقوة، وهذا أمر لا يسر أن ينكسر كل الناس لكن الحرب تفعل.
الذين يتكئون الآن على الخارج ويمدون أيديهم للمساعدات والميزانيات الخارجية هل سيقدمون حلولا وطنية؟ بالتأكيد لا. وهؤلاء منكسرين، كسرتهم الحاجة للاجنبي وجردتهم قلة الحيلة من صناعة القرار السليم.. أما الشاعر الذي لايتألم ولايحزن ولا يعبر عن ذلك بقوة فهو منكسر.
**إذا كانت المعاناة تولد الإبداع فماذا يتولد عن المنفى الذي يعيشه اليمني والمبدع اليوم؟
المبدع سواءًا كان في الداخل أو في الخارج فإن المعاناة تجعله منفيا، كنا نعتبر إحتراف الكتابة قبل الحرب منفى، لأن الحياة السياسة لاتقبل الكتاب فتنفيهم إلى الكتابة ليقولوا مايشائون مادمنا نمتلك السلاح، فنحن الأقوى ..أما الآن فقد حولت الحرب وطن المبدع إلى حرائق متنقلة، وجحيم إضافي في الداخل والخارج، لهذا لن تجد إبداعا حقيقيا لدى الجميع، ومايكتب سيظل دائما خاليا من الجودة مثلما هي الحياة السياسية.
**أستاذ محمد هل نحن بحاجة لعقد الثمانينات والاستقرار كي نبدع ونلفت الأنظار بعد أن فقدنا كل الإمتيازات بسبب الصراع الأخير؟
عقد الثمانينات لم يكن هو العقد النموذجي مع ما رافقه من هدوء نسبي، لكنه كان العقد الذي بدأت تتشكل فيه بعض المؤسسات الثقافية وخدمته التجاذبات والاستقطابات بين النظامين في صنعاء وعدن، واتضحت فيه معالم الحياة الثقافية وبرزت أسماء شعرية كثيرة، مثل عبدالكريم الرازحي و محمد حسين هيثم وشوقي شفيق وعلي المقري وعبداللطيف الربيع، ولكن ما نستطيع أن نقول عليه بأنه نموذجي فهي المرحلة التي أعقبت الوحدة اليمنية كانت نموذجية بامتياز، لأن الأطراف السياسية شعرت خلالها بأهمية التوازن بين القوى من أجل استمرار الحياة وحفظ هيبة الدولة، والتمسك باللحظة التاريخية وحقن الدماء، ولكن للأسف لم يستمر هذا الشعور عند السياسين كثيرا بسبب عدم اعتمادهم على العمل المؤسسي، وغياب الشعور بالمسؤلية الحقيقية لنقص في الوعي والادراك، فبالقدر الذي شهدت فيه اليمن هدوء شهدت بعد ذلك حرب صيف 94م، لكن المبدع لم ينكسر وقاومنا جميعا لكي يتعافى الوطن من أسقامه، تراكمت الأخطاء وكانت النتيجة هذه الحرب القذرة التي دنست كل شيء ولم ترحم الشيوخ والنساء والأطفال.
**إذا ما تحدثنا عن التجييل فإن التسعينيين قد أخذوا النصيب الأوفر لمن يعود هذا الظهور كثرة المبدعين نوعيتهم أنتاجاتهم أم أن نفَس الثمانينات كان حاضرا ودافعا.؟
لاشك أن التراكم حاضر بقوة، فإذا نظرنا إلى نقابة اتحاد الأدباء فقد كانت متماسكة وحاضرة بقوة طوال التسعينيات ومابعدها، لكن هذا الجيل استفاد من زمام المبادرة التي سبقته وأضاف إليها دفقات إبداعية غذت المشهد بكتاب نوعيين، لهذا نحن دائما نتحدث عن أهمية التراكم، التراكم مهم والقطيعة فناء وضياع وسم، جيل التسعينيات أبدع بسبب ظهور الكثير من المؤسسات الحاضنة للإبداع، فقد استطاع الكثير من الكتاب الحصول على فرص لطباعة كتبهم، وكان اتحاد الأدباء، يطبع ومركز الدراسات والبحوث يطبع، والهيئة العامة للكتاب بإدارة الرويشان يومها وفيما بعد تطبع، ووزارة الثقافة تطبع، والتوجيه المعنوي وغير ذلك، وقد عمل البعض على طباعة كتبهم وتوزيعها على المؤسسات التي كانت تشتري من المبدعين من بند يسمى "بدل شجيع"، وكانت هذه الفكرة على الرغم من مرارتها إلا أنها أفضل من اللاشيء الموجود الآن.
**لديك تجربة وحيدة في الرواية كأنها "نهايات قمحية"، حول ماذا دارت ولماذا توقفت عندها؟
كان لدي مشروع كتابة ثلاثية تؤرخ لثورة سبتمبر 62م، لكن للأسف لم يكتب لهذا المشروع الحياة بسبب انشغالي بمتطلبات الحياة والأولاد، بطل الرواية هو منصور مقبل الذي كان أحد مناضلي الثورة وشارك في الجيش الشعبي لفك حصار صنعاء، لكنه أثناء قيامة بملاحقة فلول الملكيين تم الضرب عليه برصاصة من الخلف أدت إلى إصابته بجروح، فعرف أن هناك موالين للملكين بين صفوف الثوار فعاد إلى مسقط رأسه حيفان ليعمل في تدريب الحمير الشاردة فنون النظام والإلتزام.
**اتجهت لكتابة الشعر في الفترة الأخيرة ولديك نصوص رائعة، السؤال هنا هل بدأ محمد شاعرا أم قاصا أم ناثرا؟ وهل في الشعر بوح لا يوجد في الرواية؟
انا بدأت في كتابة الشعر مثل كل أبناء جيلي ومعظم الموهوبين أول شيء يستهويهم الشعر، ثم يكتشفون مواهبهم في أمور أخرى، لكنني بعد ذلك وجدت نفسي في القصة القصيرة وكنت أستمتع كثيرا في كتابتها، ثم حين كتبت رواية نهاية قميحة وجدت لذة كبيرة. لأن الكتابة وطن بديل عن أوطاننا المهترئة ومجتمعاتنا التي تجد انشغالات في قضايا صغيرة؛ كالعصبية القبلية والمناطقية والطائفية، هذه المفردات القاتلة التي نفر من جحيمها إلى عالم الكتابة الممتع، لأن الكتابة أيضا أصبحت عبء كبير فهي تعاني المسؤلية والإلتزام في وطن يقدس الانتماءات الضيقة، لذا يجد الكاتب نفسه معزولا ومقصيا وبدون حاجاته الإنسانية التي تجب الحياة ممكنة.
**محمد حسن هيثم كيف قرأت رحيله وماذا كان يعيني للمشهد الأدبي؟
الشاعر الكبير محمد هيثم الذي غيبه الموت باكرا. كان أحد العلامات البارزة التي يمكنك أن تراها حتى إذا صعدت إلى سطح القمر. وهو أحد الفلتات التي جاد بها الزمان علينا، فقد أسس أثناء أولية أمانة إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين؛ خلية الطباعة ونجح مشروعه الطباعي الذي أثمر عشرات وربما مئات الكتب المهمة، وشجع الكتاب الصغار يومها وأعلن انحيازه للقصيدة الإبداعية العميقة، وكنت دائما ازوره في مكتبه واسمع قصائده الجديدة قبل أن يلقيها على الآخرين، سواء في مركز الدراسات والبحوث أو اتحاد الادباء
**تقول بأن حرب 94 كانت ظالمة وهذا متفق عليه أغلب الحروب ظالمة خاصة التي يخوضها اليمنيين، برأيك كيف كان لنا أن نوقف تلك الحرب؟ ولماذا نتحمل تبعاتها نحن اليوم ونحن لا ذنب لنا فيها؟
نعم الحروب عمل لا انساني وغير عاقل، لذلك أمراء الحروب متجردين من الإنسانية. إنهم بشر بالاسم فقط. الحرب جريمة يقوم بها الجبناء ومن تقطعت بهم السبل المعرفية فانحازوا لمجتمع الغابة، نحن اليمنيون ظلمنا أنفسنا وشعبنا ومستقبل اطفالنا، وظلمنا تاريخنا في كل الفنون والآداب، حين يريد الباحث أن يؤرخ لشيء يعود إلى جذوره، والعرب يعودون إلى اليمن كبلد حضاري عرف باكرا كل أشكال التعبير الفني والأدبي.
**هل فعلا السلطات تخشى المثقف أم أن المثقف يعجز عن القيام بالدور التنويري فيلجأ إلى التعذر بالسلطات؟
في المجتمعات البدائية يلتف الناس حول من يكذب أكثر، ومن يطلق الوعود والاباطيل والشعوذات، ويلتفون حول المنتصر لأنه يمتلك العدة والعتاد، أما المثقف فلا يستطع أن يجد له مكانا في مثل هذه الأجواء لأنه ينتقدها، وبالتالي فهو يقوم بدوره التنويري من حيث هو، وفي كثير من المراحل قدم المثقف رأسه ثمنا لرأيه، معظم ثوار 62 كانوا شعراء واستشهدوا في المعارك:
الموشكي والزبيري وغيرهم كثيرون يوردهم هلال ناجي كاتب عراقي ألف كتاب عن الشعر الحديث في اليمن، وكذلك النعمان قاتل ونفي واستشهد بشكل أو بآخر، ولم ينهزم المثقف اليمني فقد كان ولايزال يقاوم.
**راهنت بلغة تشاؤمية بأن محرقة الحرب سوف تستمر وسنكون فيها دروع بشرية لا أكثر صورة مخيفة؟
المعطيات تقول ذلك لأن التفكك القائم في صفوف قوى المقاومة يغري خصومهم وحلفائهم بإطالة أمد الحرب، لأن هناك أطرف لا تستطيع أن تتنفس خارج الحرب، هناك كيانات قائمة بسبب الحرب وترى بأن في مصلحتها إبقاء الأمر كما هو علية.. السلام بالنسبة لهذه الكيانات موت؛ لذلك هم يتنفسون معارك وبارود ودبابات ومدافع.
**منذ متى وأنت خارج الوطن؟ كيف تعيش هذا الواقع الطارئ؟
منذ ثلاثة أعوام.. مرت كأنها دهر " الحنين يلسع منكبي الهزيلين" كما يقول الماغوط، الحياة الثقافية في القاهرة تغري بالبقاء..انشطة واصدارات وسينما، وعلى الرغم من أنني موفد للدراسة إلا أن درجتي الوظيفية نزلت من مركز الدراسات والبحوث اليمني وبدون منحة دراسة، ولا استطيع العودة إلى اليمن لأنني أيضا مصاب بعدة أمراض، لذلك أجد نفسي في منافي متداخلة.
**كيف ترى واقع الصحافة الثقافية في اليمن بين الأمس واليوم؟ هل الخوف عليها من اندثار الورق أم المتغيرات والصراعات أم وسائل التواصل الاجتماعي؟
لا زالت الصحافة الثقافية تواكب المتغيرات الحديثة في الأدب والفنون والأنشطة خارج اليمن، أما اليمن فإن وضعها بائس في ظل غياب الكهرباء، ولاشك أن العالم يحتاج لهذا النوع من الكتابة وفي اليمن حقيقة لم يعد هناك صحف فقد أغلقت جميع الصحف الحزبية والمستقلة.
أغلقت معها الصفحات الثقافية ولم تعد هناك صحف ثقافية في بلادنا، ولم يعد أحدا يهتم بالشأن الثقافي والمثقفين أنفسهم غادروا أو هاجروا إلى الصحافة السياسية الإلكترونية، وهؤلاء يغنون خارج السرب لأنه لاجمهور لهم سوى النخب السياسية.
أما المثقفين والمبدعين فلا يمتلكون ثمن قراءة المقالات الالكترونية وأنا واحد منهم، كما أننا لانجد وسائل يمنية تتكفل بنشر القراءات والكتابات الابداعية، وكثير مما يكتب اليوم الكترونيا لا أستطيع ملاحقته لأنه يكلف الكثير ويستهلك الصحة والنظر، وأنا هنا التمس العذر لمحرري الصحافة الالكترونية في زمن تكميم الافواه، لأنهم مجبرين على ذلك فليست هناك وسائل للتعبير سوى ذلك.
**هل هناك تجربة معينة لفتت نظرك من جيل التسعينات أو الألفية في الرواية وتستحق التوقف عندها؟
التجربة الروائية في الفترة الأخيرة بدأت تجد لها مكانا في التجربة العربية، وهناك أعمال دخلت منافسات جادة وحصدت جوائز قيمة، مثل رواية وحي لحبيب سروري التي أخذت جائزة كتارا هذا العام، لم يسلط النقد بعد على تجارب الروائيين المهمة فمثلا لديك تجربة أحمد زين، وعلي المقري، والغربي عمران، ووجدي الأهدل، ونادية الكوكباني، وبسام شمس الدين، وسمير عبدالفتاح، ونبيلة الزبير ووليد دماج وغيرهم،
**على ماذا يراهن الكاتب محمد عبد الوكيل في تغيير المشهد وهل تعتقد أن نشهد 26 سبتمبر ثانية؟
الرهان الحقيقي هو الشعب ألم يقل الزبيري أبو الأحرار.
والشعب لو كان حيا ما استخف
به فرد ولاعاث فيه الظالم النهم
أي رهان خارج وعي الشعب وصحوته مصيرها الفشل ومعناها تأجيل معركتنا مع قوى الظلام الى حين، المكونات الشعبية العفوية الواعية هي الحل، انظر إلى تجربة تونس الشعب يعرف من ينتخب وإذا فشل اليوم في اختياره عبر الصندوق سيختار غدا الأفضل وعبر الصندوق أيضا، أما المراهنة على الحروب والتدخلات الخارجية لن تفيدنا في شيء، حين حسم الجيش المصري ثورة 26 سبتمبر لصالح الثوار، اثبت استبسالا غير معهود لكن القوى المضادة عادت إلى الحكم بعد مؤتمر الطائف بشكل أو بآخر، كان على الجميع ان يكون عند مستوى المسؤلية، لكنهم للإسف الشديد عبثوا بمقدرات بلد عريق وسلموه للجحيم.
**نهاية هذا الحوار هل لديك ما تبوح به، طرح معين، أمنية أي شيء يخطر على بالك؟
في أحدى الأيام يئستُ من زوال الحرب فتوقفت عن القراءة والمتابعة، استغل احد الأصدقاء ذلك ونقل لي خبرا عن أن الحرب انتهت وأتفقت الأطراف على إنهاء الانقلاب وعودة السلم، أتذكر يومها أنني شعرت بسعادة لم تحدث في حياتي كلها، تغير شكل الحياة من حولي في لحظة سلام، لم تدم فرحتي سرعان ماسمعت الطيران الحربي والمدافع والمضادات، كان خبرا مفبرك، الحرب كابوس جحيمي لا أحد يستطيع تخيل خبثها ووانعكاسها على النفس، نعم اتخيل ياصديقي دائما أن الحرب توقفت وانه تم إعادة إصدار مجلة الحكمة، ومجلة الثقافة الجديدة، ومجلة المعرفة والكلمة ودراسات يمانية، ألن تنتهي الحرب؟
على المستوى الشخصي أنا كنت أجد متعة في كتابة القصة والرواية، لكن الحياة غيرت دفة رحلتي و ذهبت بي إلى أمكنة ما كنت أريد الوصول إليها.
ولا شك أن هناك جيل واسع اليوم يتطلع إلى الكتابة بروح المعاصرة غير أن الحرب خذلتهم، فلم يجدوا الحواضن والمتنفسات التي تجسر علاقتهم بما يحبون.
أتمنى من القائمين على هندسة السياسات الثقافية الذين نعرف بأنهم يشتغلون بين حقول الألغام الأخذ بيد الشبان قدر المستطاع، والدفع
بعجلة الثقافة إلى الأمام لأنها الرافعة الوحيدة لتغيير وعي المجتمع؛ بعد أن ثبت بالدليل أن الحرب لاتخلق سوى الثأر.
شكرا لك على هذا الطرح ومحبتي للصديق العزيز رئيس التحرير المبدع عبدالناصر مجلي.
نقلا عن مجلة العربي الأمريكي اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.