مات شاهر عبدالحق، وهذا لا يعني لي شئيًا، لستُ حزينًا ولا فرحًا. لا أحد في قريتنا يعرف شاهر عبدالحق، ملايين اليمنيين البسطاء لم يسمعوا عنه شئيًا، رجل أعمال يملك امبراطورية تمتد من شمال افريقيا حتى جنوب الجزيرة العربية، ولا يعرفه الكثير من أبناء بلده، لقد عاش ملكًا وذلك حقه؛ لكنه مات ككل الأشياء العابرة ولم يترك أثرًا خالدًا بعده في حياة الآخرين..لم يترك مستشفى أو مدرسة أو معهد فني أو ملعب لكرة القدم، أو حتى حديقة للأطفال، يتذكرها به الناس..وتمنح قليل من البهجة للبؤساء في مدينته. نشأ شاهر عبدالحق، في ظل نظام إقتصادي أقرب للنظام الرأسمالي الجشع، نظام يمجد الفردانية ومراكمة الأموال بكل الطرق الشرعية والمشبوهة ولا يكترث لمصير المجتمع، قد يقول قائل أن ذلك جهده وذكاءه وليس علينا أن نغمط الناس في حقهم، هذا صحيح نسبيًّا، غير أن ذلك لا يجعل من شاهر إنسانًا حقيقيًا، بقدر ما هو نموذج للأنانية المعاصرة وقد صارت نظام يمتص جهود الفقراء، يمنحهم الفتات ويراكم ثروته على حساب عرقهم. لم يكن شاهر نزيهًا، ولا أظن أن هناك رجل أعمال بارز في اليمن ويتمتع بقدر كاف من النزاهة، شاهر واحد من هؤلاء الذين حققوا نجاحاتهم في ظل حياة فاسدة، لا يمكن لتاجر شريف أن يصعد حتى النهاية في بيئة كهذه دون أن يكن ملطخ بالفساد من رأسه إلى قدمه. التاجر الذي يُهرب ولده القاتل من بريطانيا بعد أن اغتصب وقتل فتاة هناك، لا يمكن أن تكون سيرته نظيفه وتوقع منه أن يصنع كل شيء لمراكمة ثروة لا يستحقها. شارك شاهر في غسيل أموال لفاسدين ولصوص طوال مسيرته، تاجَر بالسلاح وغذى حروب هنا وهناك، أسس شركات نفطية وكان مساهم في تهريب شحنات نفط للخارج، ومشارك في أسهم بمؤسسات، اتصالات تنهبنا كل يوم وتقدم خدمات ردئية تسبب لك كل الأمراض النفسية والضغوط..لماذا علينا أن نحزن إذًا. لست مبتهجًا بموته، ربما غاضب قليلًا، ناقم كثيرًا كنقمة الفقراء على جار ثري يمر من جوار منزلهم كل يوم ويسمع أنينهم ولم يفعل شئيًا؛ كي يربت على أوجاعهم..لقد مات الآن وعلينا ألا نكترث لموته كما لم يكترث لموتنا اليومي وهو حي. شوفوا لنا موضوع ثان.