استياء شعبي واسع لإعدام مواطن بطريقة بشعة من قبل قبليين في شبوة بعد تسليمه لهم    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    أمن العاصمة عدن يضبط مجموعة مسلحة أغلقت مدرسة الكويت في منطقة إنماء.    البيضاء.. فعالية خطابية في رداع تخلّد ذكرى اللواء صالح الوهبي    مواطنو عدن المحتلة يشترون الزيت بالملليلتر.. مشاهد مروعة تكشف عمق الأزمة المعيشية    الأرصاد تتوقع أمطاراً متفرقة وانخفاضاً في درجات الحرارة    وفد الإصلاح يلتقي أعضاء في مجلس العموم البريطاني ويؤكد دعمه لجهود مكافحة الإرهاب    عالميا.. انخفاض أسعار الذهب    الخميس.. نهائي كأس العرب بين الأردن والمغرب    الانتقالي يشعل جبهة أبين لإزاحة النفوذ السعودي    بورنموث يُجبر مانشستر يونايتد على تعادل درامي    جريمة قتل بشعة تُختزل ببيان.. سلطة شبوة تساوي بين الدم ومخالفة المرور    طقس اليوم..أمطار والحرارة تقترب من 9 درجات بالمرتفعات    صباح المسيح الدجال:    ترامب يقاضي بي بي سي ويطالب بتعويض 5 مليارات دولار    القضاء في شبوة بين غياب الدولة وتمرير سطو النافذين على حقوق المواطنين    مشروع رحلة وعي: الإطار العربي المتكامل لسيكولوجية السفر    الشرق الأوسط الجديد بأجندة صهيونية    المرتضى "القاتل والمفاوض"    صنعاء.. دورات حوثية مسلحة تستهدف أكثر من ألف طالب بكلية المجتمع    السامعي يوجّه بإيقاف العمل في مشروع إنشاء بحيرة صرف صحي بتعز ومحاسبة المتسببين    خبير طقس: انخفاض متوقع في درجات الحرارة خلال الساعات القادمة واحتمال حدوث صقيع    المغرب والأردن إلى نهائي كأس العرب بعد انتصارين مثيرين    دراسة: الأطفال النباتيون أقصر قامة وأنحف من أقرانهم متناولي اللحوم    مدير هيئة المواصفات يطلع على سير العمل بمركزي نهم والجوف    الرئيس المشاط يعزّي محافظ شبوة في وفاة نجله    مأرب.. السلطة المحلية تكرم فريق نادي السد لكرة القدم بمناسبة الصعود لدوري الدرجة الثانية    أعمال إنشائية تمهيدية لترميم سور أثري في مدينة تعز القديمة    ضبط 4 أطنان من السلع منتهية الصلاحية في المنصورة    اللجنة الأمنية في عدن تقرر استكمال ترقيم المركبات الأمنية والعسكرية    الرئيس الزُبيدي يبحث سُبل تطوير البنية التحتية لقطاع النقل    وزارة الإعلام تكرم إعلاميات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة    صنعاء.. موظف يعتدي لفظيًا على محامية داخل قاعة المحكمة والنقابة تُدين وتستنكر    النفط يرتفع وسط مخاوف من تعطل الإمدادات    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات الناجمة عن الأمطار في المغرب الى 21 شخصا    ترامب 2.0 يعيد طرح تقسيم اليمن والاعتراف بالحوثي كمدخل لإعادة هندسة خليج عدن والبحر الأحمر    البشيري : نمتلك قاعدة إنتاجية قوية في الملبوسات    شبوة.. حريق داخل مطار عتق الدولي    تدشين أعمال اللجنة الرئاسية المكلفة بتقييم ومتابعة تنفيذ خطط 1445- 1446ه بحجة    تأكيداً على عظمة ومكانة المرأة المسلمة.. مسيرات نسائية كبرى إحياء لذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    جوهرة الكون وسيدة الفطرة    الأستاذة أشجان حزام ل 26 سبتمبر: 66 لوحة فنية متميزة ضمها متحف الزبير بسلطنة عمان    مرض الفشل الكلوي (32)    هيئة الآثار والمتاحف تنشر القائمة ال30 بالآثار اليمنية المنهوبة    الصحفي والمراسل التلفزيوني المتألق أحمد الشلفي …    تعز.. الجوازات تعلن استئناف طباعة دفاتر الجوازات وتحدد الفترة التي تم الوصول إليها في الطباعة    صندوق النقد الدولي يعلّق أنشطته في اليمن ومخاوف من تبعات القرار على استقرار أسعار الصرف    قائمة منتخب الجزائر لبطولة امم افريقيا 2025    الكالتشيو: الانتر يقفز للصدارة بعد تخطيه جنوى بثنائية    أسياد النصر: الأبطال الذين سبقوا الانتصار وتواروا في الظل    ست فواكه تقلل خطر الإصابة بأمراض الكلى    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    صنعاء.. هيئة الآثار والمتاحف تصدر قائمة بأكثر من 20 قطعة أثرية منهوبة    حضرموت أم الثورة الجنوبية.. بايعشوت وبن داؤود والنشيد الجنوبي الحالي    رونالدو شريكا رئيسيا في خصخصة النصر السعودي    منتخب الجزائر حامل اللقب يودع كأس العرب أمام الإمارات    الله جل وعلآ.. في خدمة حزب الإصلاح ضد خصومهم..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدّداً .. عن القومية واليمينيّة والنرجسية
نشر في المشهد اليمني يوم 06 - 03 - 2021

تجد الأفكار القومية واليمينيّة طريقا سهلا للانتشار دوما بين الناس عبر العصور، فالخطاب الشعبوي جذّاب، عندما يتحدّث بالفخر عن الماضي البعيد والإنجازات الكبرى التي فعلها الأجداد. دعونا نستعيد أمجاد الماضي ونسحق الآخرين ونجعلهم عبيدا مرة أخرى، فنحن الأحق بقيادة العالم، هكذا تقول القومية والأفكار اليمينية، حتى في بلادنا العربية والإسلامية. فإذا كان الفكر اليميني في دول أوروبية كثيرة يفوز أحيانا بأصوات كثيرة، بعد فترات إخفاق الليبراليين أو اليساريين، إلا أن اليمين والأفكار القومية أصبحت مستهجنة بشكل ما، بعد تلك الويلات والحروب التي جلبتها للغرب نفسه، مثل الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وحروب البلقان. أما في بلادنا، فلا يزال الخطاب القومي أو اليميني، أو المتعصب بشكل عام، له جمهور كبير، على الرغم من كل تلك الهزائم التي منيا بها بسببه.
يتحدث كتابٌ عن تاريخ العنف في البشرية لعالم النفس، ستيفن بينكر، عن فكرة القومية بشكل عام، ودورها الرئيسي في تكريس الكراهية وتشجيع العنف ضد الآخر، وفي إشعال الصراعات الدموية والحروب المدمرة بين البشر كأعراق وقوميات وقبائل. وفي الكتاب إنه يمكن فهم ظاهرة القومية وتفسيرها تفاعلا بين علم النفس والتاريخ، أنها الالتحام القوى بين ثلاثة أشياء أو عوامل: الأول الرابط العاطفي الذي يجمع طائفة أو قبيلة، وكذلك الشحن العاطفي الذي يغذّي وعي طائفة أو قبيلة أو مجموعة من البشر. والثاني الأفكار العامة المشتركة، أو القواسم المشتركة بين مجموعة من الناس مشتركين في لغة واحدة، أو أصل واحد، أو دين واحد، أو مكان جغرافي واحد، أو عرق واحد. أو العامل الثالث الملتحم مع الأول والثاني هو التحكّم في الإدارة أو الجهاز السياسي أو الحكومي.
ويقول أينشتاين أيضا، الذي عانى كثيرا من الخطاب القومي النازي، إن القومية، أو الفكر القومي، هو بثور ودمامل في وجه البشرية أو في التطور البشري. ويرى ستيفن بينكر أنها ربما لا تكون كذلك، ولكنها، في أحيان كثيرة، صداع، وتصبح وباءً مدمرا وفتاكا، إذا أصابت القومية أناسا لديهم ما يكافئ "النرجسية" في الطب النفسي، فالنرجسية هي تضخّم الذات مع محتوى هش، وإحساس ومطالب غير مستحقة بالتميز على باقي البشر، كما أن النرجسية يمكن أن تؤدّي إلى العنف، لو ارتبطت بالتعصّب وتحقير الآخر. ويرى بينكر أن دمج النرجسية والقومية يؤدي إلى نتائج وظواهر مدمرة، مثل جنون العظمة وانتفاخ الذات الذي قد يصيب أمة ما أو حضارة ما، فترى أن عندها حقا تاريخيا في العظمة بدعوى الماضي العظيم، على الرغم من أن الواقع الحالي متدن أو سيئ.
وبسبب أوهام الماضي، وكذلك النرجسية وتضخم الذات، يتولد شعور بكراهية الآخر المتقدّم في الوقت الحالي أو حتى المتكافئ. وهذا ما يقود إلى تمنّي الشر والتدمير للآخر، بدلا من تطوير الذات. ولذلك يتم استخدام العواطف من أجل السيطرة، وتتولد مع ذلك مشاعر، مثل الحسد والإحساس بالفشل والدونية، ثم التحيز من الآخر والغضب. وقد ربط علماء بالتاريخ كثيرون الحروب الكبرى التي قتل فيها ملايين البشر في النصف الأول من القرن العشرين بذلك التضخم في الذات وجنون العظمة الذي أصاب كلا من روسيا وألمانيا، فكل منهما كان لديه الشعور بالعظمة والتميز وأن باقي العالم هو مجموعة من الأعداء يحقد عليه.
ويقود ما يذهب إليه ستيفن بينكر إلى التفكير في فكرة القومية بصفة عامة، وفي القومية العربية بصفة خاصة، فقد بدأت فكرة القومية العربية منذ أكثر من مائة عام، وكانت بداية ظهورها مرتبطةً بمساعي التحرّر من الحكم العثماني، وإنشاء الدولة العربية المتحدة، أو الولايات العربية المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهو ما أدى إلى اتفاقية سايكس بيكو التي يلعنها القوميون العرب الآن، على الرغم من أن بداية الاتفاقية كان بين ملوك وأعيان عرب مؤمنين بفكرة القومية العربية وقوى الاستعمار، ولكن ما حدث في الاتفاقية اختلف بعد ذلك، بسبب طمع الحكام العرب وجشعهم وقتها. ثم مع الوقت، تشوهت فكره القومية العربية، وتم اختزالها من مضمونها وتقسيمها بين بعثيين وناصريين. وبعد أن كان الجميع باسم القومية العربية منخرطين في حركات التحرّر العربي في الخمسينيات من القرن الماضي، أصبح هناك الزعيم "أو أكثر"، وأصبح هناك الحاكم الفرد الذي لا يأتيه الباطل.
تحوّل الحلم القومي العربي إلى زعامة لمصر أو زعامة للشام أو للعراق. وأصبح هناك تخفّ وراء حلم الوحدة والقومية، من أجل مصالح قطرية أو شخصية. وتحول الأمر إلى مجرد خطب وأغانٍ وشعارات براقة وعاطفية بلا مضمون، وانتهاك للحريات وتأجيل للديمقراطية باسم القومية والمعركة ضد الاستعمار وضد الرجعية، وانتهى الحلم الي كارثة 1967.
وقد تحدث أستاذنا حسن حنفي، في مقالة له كتبها قبل 20 عاما، عن وحدة الشعوب بدلاً من وحدة الأنظمة، فمحاولات الوحدة التي حدثت كانت باتفاق بين الأنظمة وليس الشعوب. وقد كانت وحدة عاطفية رومانسية بالخطب والأغاني، فورية ناتجة عن لقاءات الزعماء، اندماجية للأجهزة، والأخطر أنها كانت وحدةً للنظم لا للشعوب، ولم تكن وحدة حقيقية عابرة للحدود، ولا وحدة اقتصادية ومناطق تجارية حرّة وصناعه مشتركة. وثمة مقالاتٌ أخرى عن الصراعات المدمرة التي تعيشها منطقتنا منذ عشرات السنين، بين الهويتين العروبية والإسلامية، العروبة والإسلام، دولة الخلافة الإسلامية التي كانت تضطهد القوميين العرب قبل أكثر من مائة عام، أم القومية العربية التي تضطهد الحركات الإسلامية بدعوى أنها صنيعة الاستعمار، التخوين أو التكفير، الثأر التاريخي بين العروبيين والإسلاميين.
يقود ذلك كله إلى التفكير والتساؤل: هل يمكن أن يشهد المستقبل "البعيد" حوارا وبحثا عن مشترك، أو على الأقل تقليل من حدّة الصراع وإخراجه من منطق الصراع الصغرى، بعد رصد ودراسة واعتراف بكوارث وأخطاء ارتكبت باسم الهوية أو القومية أو التميز عن الآخر؟ هل يمكن إحداث تطوير في الفكر القومي عموما، وإنتاج نظريات أو أفكار عن القومية العربية، أو الهوية الإسلامية، بدون اجترار الماضي وتعظيم الذات وخالية من التكفير والتخوين والتعصب والتطرّف وكراهية الآخر؟
أتساءل أحيانا: ماذا لو كان انتصر تيار الديمقراطية في مصر في 1954، وعاد الجيش إلى الثكنات، وعادت الحياة الديمقراطية، وتم البدء في إقامة حياة ديمقراطية سلمية؟ ماذا لو لم ينقلب جمال عبد الناصر على الرئيس محمد نجيب، ولم يحبسه طوال هذه السنوات؟ ماذا لو كان هناك أحزاب وتعدّديه وحرية رأي وتعبير وتداول سلطة واحترام لحقوق الإنسان؟ ماذا لو تم الاعتماد على الكفاءات وأهل الخبرة، بدلاً من أهل الثقة؟ ماذا لو لم يغامر ويضعف الجيش المصري وتضيّع كل تلك الأموال والموارد في حرب اليمن؟ ماذا لو كان هناك تحليل ودراسة لما حدث في 1956؟ ماذا لو كان هناك حساب حقيقي واعتراف بالأخطاء التي قادت إلى كارثة1967؟
ماذا لو؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.