حزب الله يدعو السعودية لفتح صفحة جديدة ويؤكد التزامه باجراء انتخابات آيار 2026    الفريق السامعي يدين اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز افتهان المشهري    إصلاح المتون والزاهر والمطمة بالجوف يحتفل بالذكرى ال35 للتأسيس    تعز.. اعتصام واحتجاجات نسائية للمطالبة بضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    شرطة تعز تعلن القبض على متهم بقتل مدير صندوق النظافة والتحسين    مسيرات حاشدة بمأرب نصرة لغزة وتنديدا باستمرار جرائم الإبادة    القسام توقع آليات لقوة صهيونية في كمين نوعي شمال غزة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    رئيس الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة تكرم محمد صالح الشكشاكي خلال بطولة أفريقيا للشباب بالقاهرة    الرشيد يتأهل إلى نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    العليمي أصدر مئات القرارات في الظلام.. حان الوقت لفتح الملفات    تعز.. تظاهرة حاشدة ونصب خيمة واعتصام نسائي للمطالبة بالقبض على قتلة المشهري    طوفان بشري بصنعاء يؤكد ثباته مع غزة ويرفض الخذلان رغم الجرائم    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    نتنياهو يطرد أردوغان من سوريا    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    لماذا تراجع "اليدومي" عن اعترافه بعلاقة حزبه بالإخوان المسلمين    جنوبيا.. بيان الرئاسي مخيب للآمال    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة أخيرة عن النصر الكروي..

سبع سنوات حرب، أكبر كارثة بشرية مرّت في تاريخ الأمّة اليمنية الحديثة، كادت هذه الحرب أن تُفقد اليمني قدرته على تعريف نفسه، الآثار النفسية والمعنوية التي ألحقت بالشخصية اليمنية هي الخسارة الأشد فداحة من بين كل الخسارات.
طوال سنوات الحرب، تسببت المآلات الكارثية للصراع في زعزعة كل اليقينيات الوجودية لدى المواطن اليمني.
انهار مفهوم الوطن، وتصدّعت الهوية اليمنية الهشّة في أساسها، وشعر اليمني لأول مرّة باغتراب وجودي حاد.
وجد نفسه يقف على أرضية قلقه، بلا جذور ثابتة تشده إلى الوقوف، ولا سماء وطنية واضحة يحدق نحوها، ويشعر بشيء من الأمان المستقبلي.
وسط هذه الحالة السائلة من التيه والشتات والمشاعر الوطنية المضطربة، امتد الخراب المعنوي ليطال كل التصوّرات الوجودية في أعماق وذهنية اليمني.
ولئن كانت البداية من تصدّع مفهوم الوطن، وتشظي ثوابته الناظمة للحياة، إلا أن سلسلة الانهيارات تواصلت، لتشمل خلخلة روابط كثيرة، شخصية وعامة، بعضها ناتج طبيعي/داخلي لتفكك الوطن، وبعضها ناتج عن تقاطعات مع وسائل تطوّر الحضارة وآثارها، ويمكن اختزالها كالتالي:
تفكك منظومة الأسرة، تعاظم الريبة تجاه الأديان والمعتقدات، فقدان العمل، أثر التقنية والعلاقات الهشّة والسائلة... إلخ.
طوال السنوات الأخيرة، كان اليمني قد فقد كل عوامل الثبات، ويتحرّك تائهاً بلا أي نقطة مركزية يدور حولها، ولا قيمة عليا يستند إليها، ولا إنجاز واقعي يُراهن عليه، ولا قائد حقيقي يمنحه ولاءه، والحال هذا، وبشكل فجائي بزغ فريق الناشئين من العدم، وبدأ بالصعود وصولاً إلى الفوز.
من هنا، اكتسب الحدث قيمته المتضخّمة، من حالة الفراغ الرهيب ،واللحظة التاريخية المحبطة، تحوّل هذا الحدث الرياضي إلى حدث وجودي ذي قيمة فارقة، ولهذا خرج اليمني منتشياً، يهتف كأنّه عثر أخيراً عن آلهة يعبدها، عن نبي يتبعه، عن فريق يمثّله، عن محامٍ ينتصر لمظلمته من هذا الهوان التاريخي الكبير.
في كتاب "عبادة المشاعر"، يسرد ميشيل لاكروا فكرة متعلّقة بعالم كرة القدم، يفتتحها بحكاية روتها له جدته- عمرها ناهز ال75 عاما- تحكي الجدة: "كنت أذهب خلال كأس العالم لكرة القدم -عام 1999م- يومياً إلى أحد المحلات التجارية الضخمة لمتابعة المباريات التي كانت تبث على الشاشات الكبيرة. أنا لا أهتم إطلاقا بكرة القدم في أوقاتي العادية، وإذا أردت أن أتابع مباراة ما يمكنني بسهولة أن أفتح تلفازي الصغير في بيتي الهادئ".
وتستكمل السيدة حكايتها قائلة: "ولكنّي كلّما شاهدت اللحظات الأخيرة للمباريات، عندما يبدأ التشويق يكهرب الجمهور، أشعر بالحاجة إلى التفاعل مع جميع المشجّعين أمام الشاشة العملاقة. عندما أجلس مع الناس هنا، أشعر بفرحة غامرة، لم أشعر بمثل هذه الفرحة سوى خلال تحرير باريس عام 1944م".
يرى لاكروا إذناً أن مثل هذه التجمّعات الشعورية تتكاثر في أيامنا الحالية. تارة يتجمّع الأفراد أمام شاشات ضخمة موضوعة في أماكن عمومية لمتابعة المنافسات الرياضية مباشرة، وتارة أخرى يشاركون في حفل غنائي أو مهرجان موسيقي، تارة أخرى يتفاعلون مع تجمّعات روحانية أو حنينية للماضي، وتارة يتجمّعون من أجل المسيرات المناهضة أو المناصرة لقضية ما.
المهم -كما يظهر- هو تشارك الغبطة الاجتماعية، المشاركة في النشوة العاطفية، وتسليم النفس لروح الحشد، الذوبان في الجماعة وتذويب الأنا داخل الكتلة الجماعية.
وكخلاصة لما سبق، يمكن القول إن الشعور القومي الجماعي الناتج عن فوز منتخب الناشئين ببطولة "غرب آسيا"، هو أعظم مكسب جماعي تحقق كنتيجة لهذا النصر، بصرف النّظر عن القيمة العملية والواقعية للفوز من منظور كروي؛ فما هو مهم هنا هو المحصّلة الوجدانية العالية، وتلك مكسب كبير.
المكسب هو "المشاعر بطبيعة الحال"، كما يؤكد لاكروا في الكتاب نفسه.
المشاعر المشتركة هي أداة أساسية لإعادة تشكيل الرابط الاجتماعي، هي "المنقذ" للإنسانية اليمنية الممزّقة. فبفضل التهاب المشاعر الجماعية يمكن إعادة بناء عالم مشترك.
وبإسقاط الفكرة نفسها يمكننا القول إن فوز لاعبي منتخب الناشئين ببطولة "غرب آسيا" قد أثّر -بدون شك- في تعزيز الرابطة الاجتماعية بين اليمنيين أكثر ممّا أثّرت عقود من السياسات الوطنية المتعثرة.
وبلغة مشاعة: نجح فريق صغير في تعزيز الهوية الوطنية، ورمموا خراب سنوات من التمزيق الممنهج للثوابت الوطنية، والعبث بالهوية الجامعة.
أخيراً: لقد تمكّن اليمني من تعزيز إحساسه بذاته الجماعية، ولأول مرّة -منذ سنوات- يتشعر اليمنيون إحساساً موحداً وعالياً، وهو مكسب يمكن تعزيزه واستدامته بوسائل عديدة: ترميز فريق المنتخب الوطني، وتنويع فعاليات تكريمهم داخلياً، وفي عديد من المحافظات اليمنية، لجانب الاشتغال على نتائج الفوز من الناحية المعنوية.
بلغة أخرى، يتوجّب أن نستثمر تلك اللحظة الشعورية الكثيفة للفوز، كي نرسّخها ونحوّلها من لحظة ابتهاج جماعي عابر، لتغدو بمثابة تعبير عفوي كاشف عن الوحدة الوطنية المتجذّرة في نفسية وذهنية اليمني، وبما يُبطل كل المحاولات البائسة لتخريب الهوية الوطنية، ويجعل النّصر رافعة يراكم عليه اليمني نجاحه ومشاعره الوطنية، وينفلت فيها من شتاته وتيهه الطويل.
*بلقيس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.