اتحاد إب يهزم الشروق بخماسية وينتزع صدارة المجموعة الرابعة    وصول طائرة "مملكة أوسان" إلى مطار عدن لتعزيز أسطول اليمنية وتخفيف ضغط الرحلات    العميد صالح بن الشيخ أبوبكر: حضرموت لن تنهض إلا بأهلها    الجالية اليمنية في ماليزيا تنظم ندوة فكرية حول الهوية الوطنية    منذ قرابة 20 ساعة.. مئات المسافرين عالقون بين إب وصنعاء بسبب انقلاب شاحنة    "مؤسسة تنمية الشبابية" مع أوقاف مأرب تختتم المرحلة الثانية من برنامج تأهيل معلمي حلقات القران الكريم    حقيبة فضلات و«حلقة فولاذ».. أغرب تفاصيل أمن بوتين في ألاسكا    حضرموت: تحذيرات من عودة القاعدة وتحالفات مشبوهة تهدد الأمن المحلي والدولي    الحكومة تلزم شركة الغاز بتخفيض الأسعار بما يتوافق مع تحسن صرف العملة    اليمنيون يجددون تأكيدهم على ثباتهم مع غزة ومواجهة مخططات الاعداء    أمطار رعدية متوقعة على المرتفعات والسواحل وتحذيرات من السيول والعواصف    ارتفاع ضحايا لقمة العيش في غزة إلى 1,898 شهيدا و14,113 مصابا    تعز.. سيول جارفة في قدس تلحق اضرارا فادحة بالممتلكات وتهدد قرى بالجرف والاهالي يوجهون نداء استغاثة    إب .. حادث مروري يوقف حركة النقل الثقيل والمتوسط عبر نقيل سمارة    الصحة العالمية: وفاة 4332 شخصاً وإصابة 390 بالكوليرا في 31 دولة هذا العام    البنك المركزي الصيني يجري عملية إعادة شراء عكسية مباشرة بقيمة 70 مليار دولار    مدقق مالي: شركات الادوية الكبرى تسعر الدواء في صنعاء بسعر يتجاوز السعر الرسمي للدولار باكثر من 40٪    إشهار مؤسسة "آفاق التآلف للتنمية الاجتماعية" بصنعاء    حاشد .. صوت المقهورين وقلم المنفيين    عيدروس الزبيدي..عهد الرجال للرجال    «زينبيات الحوثي».. تقرير يمني يكشف «نقاب المليشيات»    المحويت.. كتل صخرية ضخمة تهدد عدد من القرى ومخاوف الانهيار تجبر عشرات الأسر على النزوح    الشيخ نعيم قاسم يحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي فتنة داخلية    وفاة لاعب يمني في رحلة تهريب إلى السعودية    المقالح يوجه دعوة لسلطة صنعاء لتفادي فضيحة الاعتقالات    مدير أثار ذمار يفند مزاعم كشف أثري في وصاب    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم: ثمانية شهداء من الحركة الرياضية منذ مطلع أغسطس    سلة آسيا.. لبنان تفرط في التأهل ونيوزيلندا تعبر    المغرب يكسب زامبيا بثلاثية.. والكونغو تحتفظ بآمالها    ب 1.921 مليار.. ريال مدريد العلامة التجارية الأغلى    الإمارات تدعم شبوة بالكهرباء ومشاريع صحية وتنموية تخفف معاناة آلاف المواطنين    نتنياهو يصدم العرب بخطة إسرائيل الكبرى ما بعد تفكيك حماس    وزير الرياضة يطلق تطبيق «ثمانية» بحضور وزيري الإعلام والاتصالات    احتكار الأدوية في عدن والجنوب: إمتصاص لدماء وصحة الفقراء    البيتكوين يواصل تحطيم الأرقام القياسية    البنك المركزي يسحب تراخيص ويغلق ست منشآت صرافة مخالفة    انتبهوا    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ليفربول وبورنموث في الدوري الإنجليزي    الأمطار توقف مباراة الصقر وأمل الخيامي .. واتحاد الكرة يعلن إعادتها صباح غدٍ الجمعة    ريال مدريد يهنئ باريس سان جيرمان على الفوز بالسوبر الاوروبي    العثور على مدينة قبطية عمرها 1500 عام في موقع عين العرب    ندوة ثقافية بذكرى المولد النبوي في كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار    جرائم القتل في سجون الأمن السياسي بمأرب تظهر الوجه القبيح لإخوان الشيطان    الحكومة: مشاهد الحوثيين بكربلاء تكشف انسلاخهم عن اليمن وانغماسهم بالمشروع الإيراني    تظاهرة شعبية غاضبة في الضالع    حالة من الذعر تهز الأرجنتين بسبب "كارثة" طبية أدت لوفاة العشرات    وزير الكهرباء وأمين العاصمة يدشنان الإنارة الضوئية في ميدان السبعين    وزير الثقافة يطمئن على صحة الممثل المسرحي محمد معيض    تحضيرات مبكرة لاستقبال ذكرى المولد النبوي بامانة العاصمة    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تشدد على مضاعفة الجهود الرقابية للحفاظ على استقرار أسعار الصرف    صنعاء .. مرضى السرطان يشكون من انعدام بعض الأصناف الدوائية    من يومياتي في أمريكا .. لحظة إسعاف        نيويورك حضرموت    اكتشاف حفرية لأصغر نملة مفترسة في كهرمان عمره 16 مليون سنة    من يومياتي في أمريكا .. أنا والبلدي*..!    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    فيديو وتعليق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا ما دار مع الطالب ''فيصل المخلافي'' قبل انتحاره

نشرت موضوع عن فبراير، ولم أكن أعلم أن صديقي فيصل "انتحر"، يا للوحشة في هذه الكلمة، لم يصدمني الخبر؛ لكني شعرت بتبلد غريب، حين استعدت شريط ذكرياته وحديثه معي. غادر فيصل نحو البعيد، وقد قال لي قبل عام إنه سيفعلها وكتب ذلك في صفحته..وها هو يؤكد لنا بطريقة قاسية، أنه لم يكن يمزح.
واحد من جيل الثورة، فقد كل مبررات العيش وقرر أن يطوي أيامه بسرعة. لا ينتحر البشر؛ كي يتخلصوا من حياتهم، بل ليقتلوا الألم بداخلهم، للهروب من عذاب داخلي طويل، حين تغدو حياتهم صورة مطابقة لألمهم، يحاولون طرد الألم فيهدموا حياتهم بالكامل..حين لا يتمكنون من التحايل على الحياة، العثور عن مساحة فيها قابلة للعيش، تخفيف التطابق بينها وبين ما يمزقهم فيها_ليس إزاحة كاملة للألم، تخفيفه قليلا فحسب، ما يكفي ليواصلوا البقاء_حين تحاصرهم خيبة مطلقة وممتدة وظلام من كل مكان..يختارون الموت، كمصير موثوق، نهاية محققة وبديل عن حياة غير قابلة للسيطرة.
جلست معه قبل عام، قال لي : إنه يحب فتاة ويخشى أن تفوت عليه، تُلهمني يا محمد..أكتب بغزارة بعد كل حديث لي معها. أنا عادنا ببداية مشواري، أشتغل بمحل خياطة، بالكاد أوفر مصروفي اليومي..وأريد أن أدرس. ثق يا صاحبي أنها ستنتظرك، لقد اختارتك من بين الجميع وأظنها مؤمنة بك..أنا جوارك يا فيصل، قلت له ذلك، كما يواسي الأصدقاء بعضهم، لكني لم أكن جواره كما يجب..لأسباب تتعلق بانقطاعاته وانشغالي أيضًا وربما قلة نباهتي.
كان يبدو لي أحيانا كما لو أنه قد تعافى تمامًا...وكلما يخبرني بذلك، أبتهج، بأنه تجاوز حالته، فيما هو يحاول أن يكابر في وجه الحياة بهروبه أكثر من كونه قد تخلص من ألمه. كلما هده التعب، يقول: اخترت حياة القرآن يا صاحبي، حتى انتقالاته هذه بين كتابة أدبية حديثة وانشغال بالقرآن بدت لي تحولات فجائية ولا تكشف عن حالة صحية متناغمة.
لو عاد فيصل لما استطاع هو نفسه أن يقول لنا ما السبب المباشر لقراره بالرحيل، ليس هناك من سبب واحد يقف خلف رحيله، بل تراكم لسلسة طويلة من الندوب في نفسه، كان مكتئبًا، ويتعاطى أدوية، هذا ما هو مؤكد، وفترات يفقد قيمة الأدوية فيمضي شهورًا يصارع كوابيس الاكتئاب بالشعر. إحساس بالمهانة في حياة لا تملك فيها شرف البقاء محروسًا من الانكشاف، شعور مخيف بالمجهول، لم يكن يملك ما يسيطر به على حياته في الغد، إحساس بأنك وحيد وعالة في هذا الكوكب..وأسرة ممزقة، كان يحدق في كل مكان ولم يجد له ملاذًا سوى الهاوية.
حين تجلس معه تشعر بأثر التعب في ملامحه، كان منهكًا وخائفًا، يعيش حالة فزع دائم، بسيطًا وعاديًا عندما يحاورك، وحين يكتب يصدمك بلغته العالية..كان هذا السؤال يدور برأسي كلما قرأت له، صحيح لا تشعر أنه مثقفًا عندما تلتقيه، لكنك تقف مذهولا من لغته، لم يكن يكتب انطلاقًا من وعي مكتسب، بل بقوة داخلية غريبة ومجهولة تمده بالشعر. هذا ما أستطيع قوله والتدليل عليه بشكل مكثف.
بعد جلوسي معه كان يسمعني بصمت ويكتفي بالسؤال وقد لا يقول لك كثير من الأفكار، وبعد عودته للمنزل، كتب لي مجموعة رسائل غريبة وذكية وتكشف عن نبوغ استثنائي. ضاع هاتفي قبل أقل من سنة وفقدت تلك الرسائل. لكني أستطيع تذكرها ومحتواها..لكأنك أمام عالم نفس شديد الذكاء، يشرح لك عوالم نفسية موازية بلغة باطنية كاشفة...وفي نصوصه ستجدون مادة ثرية لكل من يرغب بفك شفرة "الانتحار"
أعترف كنت محتارًا بشأن نبوغه، فسألته متى وكيف يكتب الشعر، رغبة مني بإيضاح يشرح لي طبيعة إحساسه بالكلمة، فجاءت إجابته غريبة؛ لكنها منطقية ومؤكدة لأصالته ، كان يقول لي: تمر بي فترات، أعيش أغلب أوقاتها وأسمع أصوات غريبة بذهني، أسمع كل شيء حولي حتى ما لا تنطق به أسمعه بوضوح شديد، هكذا بشكل دائم يلازمني هذا الإحساس، وأكتب وكأن هناك من يُملي عليّ الأفكار، أتذكر عبارة قالها بداية واحدة من رسائله: "أؤمن بالحدس وسأموت به، سأموت بهذا الصوت داخلي" أحتفظ له بقصائد حين تقرأها، تسلم بشكل حاسم : أن مثل هذه النصوص لا يكتبها شخص عادي أبدا. لغة شعرية عالية، على غرار الشعراء الكبار، تصوفية، مجاز خاص به، لا تكاد تلتقط كلمة زائدة عن الحاجة في شعره.
غادر فيصل، وشباب كثر مثله عالقون في فتحة الهاوية، ليس الانتحار خيار حتمي لا نجاة منه، بل خيار قسري ووحيد، لا يقتل المرء نفسه لكونه غير راغب بالحياة؛ بل لأنه بحث عنها كثيرا ولم يجدها..تفقدوا الشباب جواركم، لا يغادر الشخص إلا وقد أطلق اشارات كثيرة وبطريقة غير مباشرة، لكأنها صرخة تطالب بمنقذ، يصارع أتعابه طويلا استنادًا لغريزته في البقاء، علّ منقذا يأتي وما يزال بداخله بعض عروق الحياة، وبالتوازي مع ذلك يطوِّر مناعة ضد الخوف من الموت، وحين يبلغ الألم ذروته القصوى، تنسد كل محاولات التشبث بالحياة، يسقط المرء دون إرادة منه، ولا يتخذ قراره الأخير إلا وقد بات فارغا من أي إحساس بالحياة، بتخلى عن جثته فحسب وقد كان ميتًا منذ فترة؛ لكننا متبلدين ولم نلحظ ذلك.
وداعًا يا فيصل، سنلتقي ذات يوم ونقرأ الشعر وقد تخلصنا من كل القيود وبتنا نعيش داخل المطلق نفسه..المطلق الذي يرد بشعرك كثيرا، شعرك الذي ضممته في صدرك، قبل أن تتسلق الشجرة وتهوي لتنام وحيدًا أسفلها. وحيدا وخاليا من التعب والحياة معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.