الشعبة الجزائية الثانية بمحكمة استئناف الأمانة تصدر حكماً ببراءة الشيخ محمد نايف علي الكريمي من تهمة انتحال صفة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني وكل التهم الكيدية المنسوبة إليه    الشعبة الجزائية الثانية بمحكمة استئناف الأمانة تصدر حكماً ببراءة الشيخ محمد نايف علي الكريمي من تهمة انتحال صفة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني وكل التهم الكيدية المنسوبة إليه    الشعبة الجزائية الثانية بمحكمة استئناف الأمانة تصدر حكماً ببراءة الشيخ محمد نايف علي الكريمي من تهمة انتحال صفة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني وكل التهم الكيدية المنسوبة إليه    تكريم جامعة إقليم سبأ بحصولها على المركز الأول في تقييم أسبوع الجودة    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بايقاف التعامل مع شركة صرافة    بوتين : ردنا على اي هجمات بصواريخ توماهوك سيكون «مدوّياً»    مسيران ووقفتان في بلاد الروس بمرور عامين على عملية "طوفان الأقصى"    بدء حصاد محاصيل العتر والقمح والشعير بذمار    احباط تهريب آثار يمنية عبر رحلة اممية بمطار صنعاء    الأشول: اليمن يحتاج إلى دعم حقيقي لإعادة بناء اقتصاده وتعزيز قدرته الإنتاجية والتجارية    وزارة الاقتصاد : مخزون القمح يكفي لأشهر..    الذهب يعود للارتفاع مع تزايد المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية    لقاء موسع لفرسان ورائدات التنمية بمديرية التحرير في أمانة العاصمة    صنعاء .. اجتماع للجنة التصنيع لأدوية ومستلزمات مرضى الحروق    محافظ شبوة يثمن التجهيزات الإماراتية لمستشفى بن زايد في عتق    رسمياً.. افتتاح السفارة الهندية في العاصمة عدن    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطلع على نشاط مكتب الزراعة بمحافظة المهرة    لدى لقائه أعضاء الجمعية الوطنية والمستشارين بالساحل.. الكثيري: حضرموت لن تُدار إلا بالشراكة    احتجاجات في تعز المحتلة تنديدا بانهيار الاوضاع الامنية    محمد صلاح يثير التساؤلات بحذف "لاعب ليفربول" من حسابه    الأحرار يقفون على أرضية مشتركة    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الإعلامي أحمد زين باحميد وتشيد بمناقبه    الأرصاد: منخفض جوي في بحر العرب وتوقّعات بأمطار رعدية على سقطرى والمياه الإقليمية المجاورة    دراسة: الإفطار الغني بالألياف يقلل الإصابة بسرطان القولون    الرئيس يطمئن على العميد رزيق ويوجه بسرعة التحقيق في ملابسات التفجير وضبط الجناة    دوري أبطال أوروبا: ليفربول ينهي سلسلة الهزائم وبايرن يحافظ على سجله المثالي    المحكمة الجزائية بحضرموت تقضي بإعدام 6 إيرانيين أدينوا بتهريب المخدرات إلى اليمن    المجلس الاستشاري الأسري يقيم ندوة توعوية حول الصحة النفسية في اليمن    كأس آسيا 23.. اللجنة تفتح باب التطوع    بايرن يقسو على كلوب بروج برباعية    الأهلي يتصدر بثنائية الاتحاد السكندري    عدن.. محكمة صيرة تصدر حكمًا بالإعدام قصاصًا بحق قاتل الشاب عارف فرانس    الإصلاح يشكل "المقاومة الوطنية الجنوبية".. تنظيم إرهابي جديد بقيادة أمجد خالد    الشيخ بن بريك: الإخوان بوجهين إرهابيين.. وشبوة برس يفتح ملف الأفغان في الجنوب    السكوت عن مظلومية المحامي محمد لقمان عار على المهنة كلها    الأرصاد يحذر من منخفض جوي يتجه نحو أرخبيل سقطرى    شبوة.. حريق ضخم يتسبب بأضرار مادية باهضة في الممتلكات    أكبر جبان في العالم ؟!    قراءة تحليلية لنص "أكْل التراب" ل"أحمد سيف حاشد"    صوت من قلب الوجع: صرخة ابن المظلوم إلى عمّه القاضي    محمد صلاح في القائمة المختصرة للمرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في إفريقيا 2025    دوري ابطال اوروبا: ريال مدريد يحسم قمته بمواجهة اليوفنتوس    غاسبريني يريد لاعب يوفنتوس ماكيني    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الفريق "الغماري"    صنعاء تبدأ بترميم «قشلة كوكبان» التاريخية    عدن تُحتضر بصمت.. مأساة المدينة تكشف عجز التحالف والشرعية    رئيس الوزراء يدعو الشركات الصينية للاستثمار في اليمن ويشيد بالعلاقات الثنائية مع بكين    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    رسمي: بدء صرف شهري سبتمبر و اكتوبر من اليوم    على ضفاف السبعين.. رسالة من شاطئ العمر    الكشف عن عين إلكترونية تمكن فاقدي البصر من القراءة مجددا    كلمة في وداع د. محمد الظاهري    صاحب الفخامة.. وأتباعه بدون تحية    قراءة تحليلية لنص "هاشم" اسم أثقل كاهلي ل"أحمد سيف حاشد"    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    إشادة بتمكن عامر بن حبيش في احتواء توتر أمني بمنفذ الوديعة    لو فيها خير ما تركها يهودي    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا ما دار مع الطالب ''فيصل المخلافي'' قبل انتحاره

نشرت موضوع عن فبراير، ولم أكن أعلم أن صديقي فيصل "انتحر"، يا للوحشة في هذه الكلمة، لم يصدمني الخبر؛ لكني شعرت بتبلد غريب، حين استعدت شريط ذكرياته وحديثه معي. غادر فيصل نحو البعيد، وقد قال لي قبل عام إنه سيفعلها وكتب ذلك في صفحته..وها هو يؤكد لنا بطريقة قاسية، أنه لم يكن يمزح.
واحد من جيل الثورة، فقد كل مبررات العيش وقرر أن يطوي أيامه بسرعة. لا ينتحر البشر؛ كي يتخلصوا من حياتهم، بل ليقتلوا الألم بداخلهم، للهروب من عذاب داخلي طويل، حين تغدو حياتهم صورة مطابقة لألمهم، يحاولون طرد الألم فيهدموا حياتهم بالكامل..حين لا يتمكنون من التحايل على الحياة، العثور عن مساحة فيها قابلة للعيش، تخفيف التطابق بينها وبين ما يمزقهم فيها_ليس إزاحة كاملة للألم، تخفيفه قليلا فحسب، ما يكفي ليواصلوا البقاء_حين تحاصرهم خيبة مطلقة وممتدة وظلام من كل مكان..يختارون الموت، كمصير موثوق، نهاية محققة وبديل عن حياة غير قابلة للسيطرة.
جلست معه قبل عام، قال لي : إنه يحب فتاة ويخشى أن تفوت عليه، تُلهمني يا محمد..أكتب بغزارة بعد كل حديث لي معها. أنا عادنا ببداية مشواري، أشتغل بمحل خياطة، بالكاد أوفر مصروفي اليومي..وأريد أن أدرس. ثق يا صاحبي أنها ستنتظرك، لقد اختارتك من بين الجميع وأظنها مؤمنة بك..أنا جوارك يا فيصل، قلت له ذلك، كما يواسي الأصدقاء بعضهم، لكني لم أكن جواره كما يجب..لأسباب تتعلق بانقطاعاته وانشغالي أيضًا وربما قلة نباهتي.
كان يبدو لي أحيانا كما لو أنه قد تعافى تمامًا...وكلما يخبرني بذلك، أبتهج، بأنه تجاوز حالته، فيما هو يحاول أن يكابر في وجه الحياة بهروبه أكثر من كونه قد تخلص من ألمه. كلما هده التعب، يقول: اخترت حياة القرآن يا صاحبي، حتى انتقالاته هذه بين كتابة أدبية حديثة وانشغال بالقرآن بدت لي تحولات فجائية ولا تكشف عن حالة صحية متناغمة.
لو عاد فيصل لما استطاع هو نفسه أن يقول لنا ما السبب المباشر لقراره بالرحيل، ليس هناك من سبب واحد يقف خلف رحيله، بل تراكم لسلسة طويلة من الندوب في نفسه، كان مكتئبًا، ويتعاطى أدوية، هذا ما هو مؤكد، وفترات يفقد قيمة الأدوية فيمضي شهورًا يصارع كوابيس الاكتئاب بالشعر. إحساس بالمهانة في حياة لا تملك فيها شرف البقاء محروسًا من الانكشاف، شعور مخيف بالمجهول، لم يكن يملك ما يسيطر به على حياته في الغد، إحساس بأنك وحيد وعالة في هذا الكوكب..وأسرة ممزقة، كان يحدق في كل مكان ولم يجد له ملاذًا سوى الهاوية.
حين تجلس معه تشعر بأثر التعب في ملامحه، كان منهكًا وخائفًا، يعيش حالة فزع دائم، بسيطًا وعاديًا عندما يحاورك، وحين يكتب يصدمك بلغته العالية..كان هذا السؤال يدور برأسي كلما قرأت له، صحيح لا تشعر أنه مثقفًا عندما تلتقيه، لكنك تقف مذهولا من لغته، لم يكن يكتب انطلاقًا من وعي مكتسب، بل بقوة داخلية غريبة ومجهولة تمده بالشعر. هذا ما أستطيع قوله والتدليل عليه بشكل مكثف.
بعد جلوسي معه كان يسمعني بصمت ويكتفي بالسؤال وقد لا يقول لك كثير من الأفكار، وبعد عودته للمنزل، كتب لي مجموعة رسائل غريبة وذكية وتكشف عن نبوغ استثنائي. ضاع هاتفي قبل أقل من سنة وفقدت تلك الرسائل. لكني أستطيع تذكرها ومحتواها..لكأنك أمام عالم نفس شديد الذكاء، يشرح لك عوالم نفسية موازية بلغة باطنية كاشفة...وفي نصوصه ستجدون مادة ثرية لكل من يرغب بفك شفرة "الانتحار"
أعترف كنت محتارًا بشأن نبوغه، فسألته متى وكيف يكتب الشعر، رغبة مني بإيضاح يشرح لي طبيعة إحساسه بالكلمة، فجاءت إجابته غريبة؛ لكنها منطقية ومؤكدة لأصالته ، كان يقول لي: تمر بي فترات، أعيش أغلب أوقاتها وأسمع أصوات غريبة بذهني، أسمع كل شيء حولي حتى ما لا تنطق به أسمعه بوضوح شديد، هكذا بشكل دائم يلازمني هذا الإحساس، وأكتب وكأن هناك من يُملي عليّ الأفكار، أتذكر عبارة قالها بداية واحدة من رسائله: "أؤمن بالحدس وسأموت به، سأموت بهذا الصوت داخلي" أحتفظ له بقصائد حين تقرأها، تسلم بشكل حاسم : أن مثل هذه النصوص لا يكتبها شخص عادي أبدا. لغة شعرية عالية، على غرار الشعراء الكبار، تصوفية، مجاز خاص به، لا تكاد تلتقط كلمة زائدة عن الحاجة في شعره.
غادر فيصل، وشباب كثر مثله عالقون في فتحة الهاوية، ليس الانتحار خيار حتمي لا نجاة منه، بل خيار قسري ووحيد، لا يقتل المرء نفسه لكونه غير راغب بالحياة؛ بل لأنه بحث عنها كثيرا ولم يجدها..تفقدوا الشباب جواركم، لا يغادر الشخص إلا وقد أطلق اشارات كثيرة وبطريقة غير مباشرة، لكأنها صرخة تطالب بمنقذ، يصارع أتعابه طويلا استنادًا لغريزته في البقاء، علّ منقذا يأتي وما يزال بداخله بعض عروق الحياة، وبالتوازي مع ذلك يطوِّر مناعة ضد الخوف من الموت، وحين يبلغ الألم ذروته القصوى، تنسد كل محاولات التشبث بالحياة، يسقط المرء دون إرادة منه، ولا يتخذ قراره الأخير إلا وقد بات فارغا من أي إحساس بالحياة، بتخلى عن جثته فحسب وقد كان ميتًا منذ فترة؛ لكننا متبلدين ولم نلحظ ذلك.
وداعًا يا فيصل، سنلتقي ذات يوم ونقرأ الشعر وقد تخلصنا من كل القيود وبتنا نعيش داخل المطلق نفسه..المطلق الذي يرد بشعرك كثيرا، شعرك الذي ضممته في صدرك، قبل أن تتسلق الشجرة وتهوي لتنام وحيدًا أسفلها. وحيدا وخاليا من التعب والحياة معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.