الطفلة عهد لم تكن هي أول ضحايا الطب التجاري في اليمن، ولن تكون الأخيرة في بلد طغت فيه المادة على كل شيء، حتى ما يتعلق بالموت والحياة كالطب . الطفلة " عهد " ذات العامين وأربعة أشهر دخلت المستشفى وهي تسابق أباها بخطاها الصغيرة، لتخرج بعد بضع ساعات جثة هامدة .. لم يكن هذا ليخطر ببال والديها اللذان ذهبا بها إلى المستشفى ليهبا لها أفضل حياة . لم تكن التوأم " عهد علي أحمد العقيلي " تعاني من مرض عضال وإنما كانت تعاني من ضيق بسيط في التنفس . علي أحمد العقيلي والد الطفلة " عهد " أفاد ل " المشهد اليمني " أن ابنته عهد كانت منذ أيام تعاني من صعوبة في التنفس أثناء النوم أشبه بالانسداد في الخياشيم . موضح بأنه ذهب بها إلى مستشفى " قشوان " ببيحان العليا غرب شبوة، وعرضها على طبيب اخصائي روسي، وبعد الفحص والتشخيص أفاد له الدكتور بأن ابنته تعاني من انسداد في أنفها وتحتاج إلى عملية جراحية فورا . لم يتردد والد عهد ووافق أملاً منه أن تشم ابنته اكثرا هواء بأقل جهد .. قرر الدكتور العملية وحدد موعدها وميقاتها .. لم يتأخر والد عهد عن الموعد وجاء في نفس التوقيت، ولا شيء يخشاه غير أن يكون الدكتور مشغول بحالة أخرى . حان موعد العملية .. سلّما والدا عهد ابنتهما التوأم للممرضين، غادر بها الممرضين إلى غرفة العمليات، وغابت عن أنظار والديها وهي تصرخ، ولم يكن بحسبانهما أنها النظرة الأخيرة . كان والدا عهد يجلسان بصالة الانتظار أمام غرفة العمليات، ينتظران خروج عهد تتنفس الهواء الطلق بدون عناء . طال الانتظار بهما .. قلقا كثيراً على عهد .. تأخر خروجها كثيراً .. ليفاجئا بحركة غريبة .. دخول وخروج متكرر للأطباء والممرضين .. شعرا بالخطر .. اقترب والد عهد من أحد الممرضين وسأله .. طمئنه .. لا تقلق عهد بخير . لم يطمئن والد عهد لتلك التطمينات .. ازدادت حركة الأطباء والممرضين .. تواجد أطباء لا علاقة لهم بالعملية .. ظهرت وجوه جديدة .. حينها أدرك والد عهد الخطر . أصر على الدخول إلى غرفة العمليات لرؤية ابنته .. دخل غرفة العمليات التقى بالجراح الروسي سأله عن ابنته وحالها .. طمأنه الجراح الروسي الذي أجرى العملية .. وقال له ابنتك بخير وستفيق بعد قليل وقد أجريت لها عملية بأنفها وسأجري الأخرى بعد أن تفيق . مضت ساعات تلو الساعات وعهد لم تفيق .. اتضح لوالد عهد أن ابنته ماتت وفارقت الحياة على يد ذلك الجراح الروسي . التوأم عهد التي تبدو على يمين الصورة على يسار شقيقتها " وعد " فارقة الحياة وتركت توأمها وحيدة تسأل عنها كل صباح ومساء . هكذا ماتت عهد وفارقت الحياة في غرفة كان الأجدر بها أن تكون مملوءة بالحياة والرحمة لا العنف والخشونة وألا مبالاة وألا مسئولية . غرفة عمليات مستشفى " قشوان " بها وحوش مفترسة لا أطباء وممرضيين يحملون الحياة والرحمة وهكذا هي مستشفيات اليمن الخاصة والعامة تفتقد لأدنى مقومات الحياة والإنسانية، لكن لا تفتقد للضمائر الميتة والقلوب القاسية والنفوس الجشعة والطماعة .