شر البلية ما يضحك... الذي أضحكني، ويفترض أنه أضحك كثيرين غيري، هي تصريحات الوزير كيري، حول السيد أحمد الجربا، التي وصفه فيها بابن القبيلة التي يمتد نفوذها من سوريا إلى العراق، ويعرف الكثيرين من رجالاتها المؤثرين. أعادت هذه التصريحات "القبلية" التي أطلقها وزير خارجية أقوى وأكبر دولة في العالم حتى الان، أعادت إلى ذاكرتي قصة الايقاع الذي كان مدوياً في الماضي، وتناقص بالتدريج إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في الحاضر. في الماضي، كان هنالك مصطلح مرعب، حين يتردد بأي مناسبة، تمتلىء القلوب بالخوف، وتبدل الحسابات بطرفة عين، إنه مصطلح "حلف شمال الأطلسي"، كان يكفي أي وزير خارجية أمريكي، أن يُلْمح له في تصريحاته حتى تنفتح الأبواب من تلقاء نفسها، وتتحقق النتائج المرجوة دون الحاجة إلى تحريك جندي واحد، أو طائرة تخرق حاجز الصوت في سماء دولة تظهر بعض مؤشرات التمرد. وحلف شمال الأطلسي، لم يكن مجرد سوطٍ ترفعه الولاياتالمتحدة في وجه عصاة العالم، كما لم يكن مجرد جوادٍ فائزٍ على الدوام في سباق النفوذ الدولي الكوني، بل كان الى جانب ذلك كله مظلة توفر لكل أعضاء الحلف.. نفوذاً لا يُبارى في مجالهم المحلي واإقليمي. كان يكفي أن يقال أن هذه دولة أطلسية، حتى يتسابق غير الأطلسيين على التقرب منها، وطلب شفاعتها عند السيد الأمريكي. وبالطبع كان أهم المرعوبين من هذه الظاهرة، هم العرب ومن هم على شاكلتهم من شعوب الأرض الذين لا حلف يحميهم ولا تحالف يردع المتربصين بهم. الآن.. حلف شمال الاطلسي، لم يعد يخيف أحداً.. بل لم يعد يتداول مثلما كان الأمر سابقاً كقوة تهديد رادعة وحاسمة، ولقد شاهدنا فعله الحقيقي في مجال عمله "أوروبا" حين قضم الدب الروسي لقمة اسمها القرم، وهضمها في ثوانٍ معدودات، وإذا بالحلف يقف مشدوهاً أمام ما حدث، وراح أقطابه السياسيون يتسابقون على الوساطة "الطرية" لإنقاذ شرق اوكرانيا من مصير القرم، أو في افضل الأحوال تأجيل هذا المصير إلى وقت آخر. أقوال الوزير الأمريكي، التي زَعمت أنها أضحكتني ، وربما أضحكت غيري، فيها استبدال للمصطلحات، كتعبير عن استبدال للتحالفات.. وما يجري في سورياوالعراق تحديداً، يصلح لأن يقيم الدليل على أن الدولة العظمى، دولة الأطلسي وغيره من البحار والمحيطات، وقفت على حافة الافلاس في أمر التأثير ولا أقول الحسم في سوريا، وبعد "خراب مالطا" كما يقولون، قررت صرف خمسمائة مليون دولار للمعارضة كي تقويها في مواجهة داعش، أما النظام فلبيته رب يحميه!! وفي العراق، وبعد ان اكتشف الأمريكيون، هذا إذا اكتشفوا فعلاً أن الذين صنعوهم في واشنطن و طهران، كي يقودوا عراق ما بعد صدام باتجاه دولة ديموقراطية ليبرالية حديثة، تشكل نموذجاً امريكياً في صحراء الشرق الأوسط.... هؤلاء ما إن عادوا إلى بلادهم، حتى عاد كل واحد منهم إلى طائفته وعشيرته، فإذا بالحروب الأمريكية تذهب سدىً، إن لم نقل تحقق اخطر النتائج العكسية، وإذا بكل ما فعلته أمريكا وأنفقته يصب في جيب الملالي في إيران، وداعش في بلاد العراق والشام، وهيهات للطائرات بدون طيار، التي تستعرض العلم الأمريكي في سماء بغداد للحفاظ عليها كحصن أخير مرشح للسقوط في قبضة داعش، هيهات لهذه الطائرات ولحاملاتها في البحر، أن تعيد العراق إلى ما كان عليه، بعد المسامحة في كل التخيلات حول عراق عصري وديموقراطي تعددي، الى آخر هذه المصطلحات "التزويقية". وهنا أقترح ... إقامة رديف للأطلسي الأوروبي ، بحلف القبائل الشرق أوسطي، فهذا فيما يبدو ما تبقى.