رسما المواقف شبه النهائية للحزبين من الملفات الشائكة على مشارف "الحوار الوطني" قراءة في مخرجات اجتماعين متزامنين للجنة العامة للمؤتمر والأمانة العامة للحزب الاشتراكي الاشتراكي يستبق الجميع ويتبنى رسمياً "دولة اليمن الاتحادية الديمقراطية" المؤتمر الشعبي تحدث "الفيدرالية" بلسان الفروع ورحَّل موقفه الرسمي إلى مؤتمر الحوار المنتصف:- في وقت متزامن الخميس، عقد الحزبان الشريكان في صناعة التحول التسعيني من القرن الماضي وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية: المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، اجتماعين منفصلين على مستوى الهيئة القيادية العليا. وخرج الحزبان ببيانين اتسما بالأهمية السياسية بالنظر إلى المضامين الخاصة في كل منهما والرسم الأخير لمواقف تبدو شبه نهائية حيال عدد من العناوين والقضايا التي تشكل جوهر المعضلة اليمنية والملفات الأهم على طاولة مؤتمر الحوار الوطني المرتقب. المؤتمر يتحدث "الفيدرالية" اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام اجتمعت الخميس برئاسة الرئيس السابق، رئيس المؤتمر علي عبدالله صالح، الذي شدد على اقتران نجاح مؤتمر الحوار الوطني بالتطبيق الكامل للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وهو ما أكدته اللجنة في بيان – خبر- الاجتماع عبر موقع الحزب الإلكتروني. قد يبدو الموقف هذا معتاداً أو تكراراً لما يُقال كل يوم مؤتمرياً. لكن في ثنايا الموقف وما يجعل منه جديداً في ثياب يومية هو أن المؤتمر وإن تحاشا صراحة الخوض في شكل الدولة ونظام الحكم الذي يفضله أو يرجحه الحزب ليمن ما بعد 2014م تاركاً الملف برمته للعرض والتباحث على طاولة الحوار باعتبار القضية في مقدمة الملفات التي يقف أمامها مؤتمر الحوار الوطني، إلا أن الإلحاح على التنفيذ الكامل والتقيد ببنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة يمثل إشارة ضمنية إلى موقف المؤتمر على اعتبار أن المبادرة والآلية المزمنة تتحدثان صراحة ودون لبس عن "يمن موحد" وحلول ومعالجات في إطار الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية. بما يعني، المؤتمر الشعبي منفتح على الخيارات والآليات والصيغ التي ستعرض على طاولة الحوار بشأن شكل الدولة ونظام الحكم على أن تكون جميعها أو ما ستسفر عنه الحوارات في إطار اليمن الواحد وبما لا يقوض الوحدة اليمنية. هذا المعطى كافٍ ليفهم المتلقون والمراقبون أن صيغة من صيغ الفيدرالية قد تكون مناسبة ومقبولة من طرف الشعبي العام، طالما أنها تعمل أو تشتغل ضمن خارطة سياسية وجغرافية ليمن واحد تحته أقاليم أو ولايات وحكومات محلية كاملة الصلاحيات. هذا الموقف وإن حرص المؤتمر على عدم التطرق إليه أو تصديره كموقف رسمي عن الهيئات القيادية العليا للحزب، إلا أننا نعثر عليه ومثله على مستوى المحليات والفروع. اللقاءات التشاورية لقيادات فروع المؤتمر أواخر العام الماضي 2012م كانت المكان المناسب لمناقشة وطرح الأفكار والتصورات المشابهة وإرسال رسائل بهذا الخصوص إلى الأطراف السياسية في الداخل والرأي العام، وبصورة خاصة إخباراً أولياً للقاعدة العريضة للمؤتمر ومناصريه وإعدادهم لخيارات مفتوحة ضمن السقف المحدد. في لقاء المكلا، عرض وتبنى مؤتمريو حضرموت وسقطرى وشبوة والمهرة صيغة الفيدرالية للدولة والنظام في اليمن. الأمر نفسه طُرح وقيل في لقاء عدن وبصورة أوضح تبناه مؤتمر أبين في غير مناسبة. تحضر الدلالة هنا في كون الرسائل سالفة الذكر تبناها مؤتمريو المحافظات الجنوبية والشرقية بصورة أخص وأوضح عن نظرائهم وزملائهم في المحافظات الشمالية والغربية بما فيها أيضاً محافظات الوسط. والتوقعات المبدئية تكاد تكون إيجابية إجمالاً لجهة تقبل مؤتمريي المحافظات الشمالية للصيغة التي يقترحها مؤتمريو المحافظات الجنوبية والشرقية. لكن موقفاً رسمياً بهذا لم يصدر وهو لن يصدر عن القيادة العليا للمؤتمر والتي بالوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني أولاً ومن ثم لكل حادث حديث. وفي هذا القدر من الوضوح ما يفسر اشتغال البيانات والمواقف الرسمية الخارجة من اجتماعات القيادة العليا للمؤتمر على سقف المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة وإعادة التأكيد على الجملة الموقفية نفسها مراراً. من جهة ثانية وفي السياق أيضاً يدفع المؤتمر أن التقيد بالمبادرة والآلية والتطبيق المتوازن وكبح الممارسات والسياسات الانتقائية (في الواقع صار يطالب فقط بالإقلال من الانتقائية المفرطة) يضمن حواراً متوازنا ومتكافئاً بين أطراف متوازنة ومتكافئة على طاولة الحوار الوطني. بما يعني أن تتوافر الضمانات من الآن وقبل الدخول في الحوار بأن سيكون حوار أنداد متكافئة ويتخوف كثير من المؤتمريين من أن معظم السياسات والقرارات اليومية المعلنة وغير المعلنة تستهدف العمل الممنهج على إضعاف المؤتمر والوصول به إلى طاولة الحوار مكشوف الظهر ومحدود القدرة على المناورة والمساومة. على الأقل هذا ما يمكن استخلاصه من استقراء وعرض بيانات ومواقف الحزب الرسمية المعلنة والتي لا تكاد تخلو من إلحاح على التطبيق والتنفيذ المتوازن للمبادرة وآليتها المزمنة والتوقف عن "الانتقائية". الاشتراكي يتحدث "الفيدرالية" رسمياً في الضفة الأخرى، بادر الحزب الاشتراكي اليمني، في اجتماعه الخميس، إلى إشهار موقف سياسي مبكر، استباقاً لمخاضات ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، يتبنى صراحة الفيدرالية (الدولة الاتحادية) نظاماً للدولة والحكم في اليمن. بيان الحزب الذي انتقد ضعف الإجراءات التحضيرية لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني: "وبطئها وعدم ارتقائها إلى مستوى إنضاج المناخات اللازمة لإنجاح عملية التسوية السياسية"، دعا رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي إلى تحويل النقاط العشرين التي سبق أن أقرتها اللجنة التحضيرية للحوار الوطني إلى قرارات تمهد للحوار الوطني. جوهر ما عليه موقف الحزب تركز في الجملة التالية من بيان اجتماع الأمانة العامة "وشدد الحزب على الأهمية الحاسمة والمكانة الفاصلة للقضية الجنوبية التي ينبغي لمؤتمر الحوار الوطني أن يقف أمامها ويخرج بالحل الصائب والعادل لها بكل جدية ومسؤولية بما يضع حلاً لها بصورة واضحة في نطاق الدولة الاتحادية ويمكن الجنوب من مكانة متكافئة في المشروع السياسي للدولة، وتحت مظلة الدولة المدنية اليمنية الديمقراطية الاتحادية الحديثة". في الاقتباس السابق من البيان تكررت تسمية الدولة الاتحادية مرتين، وهو ما يعني بوضوح اندماج الحزب الاشتراكي على خيار الدولة الفيدرالية الاتحادية كمشروع ورؤية نهائية سيدخل بها الاشتراكي مؤتمر الحوار ويضعها على الطاولة. لكن أيضاً، وكما ذهبت التعليقات السياسية على البيان، لم يشأ الحزب أن يتمهل بانتظار طاولة الحوار الوطني وكشف أوراقه مبكراً، ليس عن غير قصد بل ربما أن الحزب فعل عامداً ويهدف من وراء إعلانه المكبر بهذه الطريقة إلى تحقيق جملة اعتبارات، منها: أن يكون المبادر الأول من بين مكونات وأطياف كثيرة تتنازع حق التمثيل ومشروعية التحدث باسم القضية الجنوبية. كما أن بيان الحزب تزامن مع لقاء ثنائي في العاصمة اللبنانية بيروت جمع الرئيسين السابقين وأميني الحزب أيضاً السابقين علي سالم البيض وعلي ناصر محمد، وهو اللقاء الذي يمكن أن يصرف الأنظار قليلاً أو كثيراً عن الحزب الاشتراكي في الداخل ويضاعف من رصيد الآخرين في الخارج ورصيد الكيانات الحراكية المحسوبة عليها في الداخل أيضاً. ولعل الحزب توخى إحداث فارق في هذه اللحظات عبر إعلان عريض يتبنى علانية وبصورة رسمية ونهائية خيار الفيدرالية والدولة الاتحادية. الانتقادات التي وُجهت لرؤية الاشتراكي تركزت حول النزعة الاستباقية وتحديد مبكر لنتائج ومقررات هي من أعمال ومسؤوليات مؤتمر الحوار الوطني.. والذين يلتمسون العذر للحزب ويحاولون تفهم موقفه وظروفه يرون أن الحزب ربما كان سباقاً أيضاً إلى تبني خيار عملي وواقعي لحل القضية الجنوبية يكفل العمل ضمن يمن موحد، قطعاً للطريق أمام خيارات متطرفة تذهب أبعد من هذا. ولكن إلى أي درجة يمكن الاعتماد على مقدرة الحزب الاشتراكي، اليوم في حشد الجماهير والمكونات الجنوبية في الشارع وعلى المستوى التمثيلي والحركي خلف خياره وقناعاته؟ هنا تكمن الاشكالية التي يقف الحزب الاشتراكي أمامها عاجزاً عن تقديم إجابات موثوقة وإجراء رهانات من أي نوع. بالنظر إلى موقفي الحزبين الشريكين في إنجاز دولة 22 مايو 1990م ينشأ تساؤل سياسي ملح على ضوء ما يبدو أنه تقارب أو مساحات داخلية للتقارب بين هذا وذاك، هل الظروف والحسابات مهيأة لإمكانية التنسيق، الاضطراري على الأقل، بين المؤتمر والحزب الاشتراكي، سواءً قبل الدخول في مؤتمر الحوار أو خلال أعمال الحوار الوطني؟! الأمر غير مستبعد، بحسابات السياسة المبنية على المصلحة وخارطة التحالفات التي يمكن أن تنشأ على هامش الحوار الوطني. وليس سراً أن قيادة الاشتراكي اليمني، أو جزءاً منها على الأقل، تراهن على تغييرات في القيادة العليا للمؤتمر الشعبي العام وتمكن الرئيس هادي من رئاسة المؤتمر خلال المرحلة المقبلة، وبالتالي يرى الاشتراكيون بأن إمكانية التقارب والتنسيق في هذه الحالة واردة بل وتوفر للحزب مساحة أفضل للتحرك والمناورة والتحرر من مساوئ الارتهان المكلف لتحالف وحيد وصعب مع الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح. في المقابل للمؤتمر والمؤتمريين خياراتهم وحساباتهم الخاصة. لكن في جميع الأحوال لن يمانع المؤتمر، إذا ما تهيأت الظروف، أن يتقارب وينسق مع الاشتراكي اليمني مع الإبقاء على حق المؤتمريين أنفسهم في معالجة أوضاعهم وقضاياهم الداخلية بمعزل عن الاشتراطات والإملاءات من خارج أسوار المؤتمر. وحتى الساعة لا يعرف على وجه اليقين أو التقريب كيف سيواجه المؤتمر استحقاقات مؤتمره التنظيمي العام الثامن – الانتخابي؟ أو ما إذا كان سيؤجل كل شيء إلى ما بعد 2014 وتتكفل صفقة توافقية داخلية بترتيب البيت المؤتمري خلال العام الجاري؟! * المصدر: صحيفة المنتصف