لم يكن مفاجئاً أن يضرب الإرهاب قلب أجمل مدينة في الكون "باريس"، إلا أن المفاجئ حقاً هو ذلك الخمول الذي اعترف به رئيس الوزراء الفرنسي، والذي أصاب أجهزة الأمن في فرنسا، التي ما مر يوم الا وتهددها الإرهاب بكافة أشكاله وهوياته. كما كان مفاجئاً، المستوى الهابط لتبادل المعلومات بين الأمريكيين وحلفائهم الاوروبيين، حيث كشفت أمريكا عن معلوماتها حول الفاعلين، بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وهذا النوع من المعلومات، يندرج تحت بند المعالجة الإخبارية وليس الأمنية، لأنه نشر في الوقت غير المناسب. وهذا الذي حدث في باريس، لا ينبغي أن ينظر إليه بمعزل عن الحرب الأشمل التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد داعش وإخواتها، وهي حرب تتميز بالبطء والتردد والتفكك وتواضع الانجازات الميدانية. وبتحليل بسيط او مبسط لمجريات الحرب على الإرهاب، نخرج بخلاصة موضوعية، وهي أن جبهة التحالف ذات الإمكانات الضوئية، تبدو عاجزة عن الحسم بسبب كونها تضم أطرافاً ذوي أجندات متعارضة، وذوي رؤىً مختلفة في كيفية المحاربة وأحياناً جديتها، بينما الجبهة المقابلة "داعش وإخواتها"، تبدو موحدة على المستوى الكوني، تضرب وقتما تشاء وكيفما تشاء وأينما تشاء، لمجرد اتصال هاتفي من مكان ما، يوقظ الخلايا النائمة ويأمرها بالعمل. لقد لفت نظري تحليل الرئيس الفرنسي للموجة الدامية التي قتلت عشرين شخصاً حتى الآن خلال ثمانٍ وأربعين ساعة، وما لفت نظري بالضبط، هو قوله بأن هذه العمليات لن تكون الأخيرة. أما الجارة بريطانيا، فلقد وصلتها الرسالة وعاجلت على الفور إلى التصرف كما لو أنها كانت بمنأىً تماماً عن الإرهاب، لتجده فجأة يدق أبوابها من على باب بيت الجيران. لقد حاولت دول كثيرة إقناع نفسها، بأن الارهاب المسلح والدموي، يستوطن مكاناً ما ولا يقترب من أمكنة أخرى، ولا يخلو الأمر من ترتيبات سرية، تحيد قوى الإرهاب عن ساحات معينة، مقابل تخفيف حدة الضغط عليها في ساحات أخرى. ونتيجة هذا السلوك الذي تمارسه غالباً بعض أجهزة الاستخبارات، وتنفيه جملة وتفصيلاً وزارات الخارجية، فإن قوى الإرهاب تجد متنفسات عدة تشجعها على نشر الكثير من الخلايا النائمة انتظاراً للحظة مواتية. يجدر بنا ونحن نراقب مجريات هذه الحرب أن نتابع بدقة ماذا سيفعل الأوروبيون بعد هزة باريس، ثم ماذا يفعلون بصورة مشتركة مع القائد العام للتحالف الدولي ضد داعش وأخواتها. هل سيضعون تشريعات جديدة لتقييد حركة المشتبه بهم وهم بالملايين في بلدانهم؟ وهل تتسع مبادرات قوى الاسلاموفوبيا في التحريض وارتكاب اعمال ارهابية مماثلة؟ وهل يضاعفون أعداد قوات النخبة حيث ما زال العمل البوليسي هو المفضل لدى الدول وربما يرونه الأسهل؟ إن ما يجري في أوروبا هو امتداد بديهي لما يجري في الشرق الأوسط، ولعل ما حدث في فرنسا لفت النظر إلى بديهية كانت غائبة بفعل اللامبالاة، بحيث كان التعامل مع الشرق الأوسط كما لو أنه المحجر الصحي، الذي يعزل فيه الإرهاب، فهل يفكر سدنة الاستقرار الدولي في أمريكا وأوروبا ومن يدور في فلكهما بسياسة جديدة وأداء أكثر نجاعة مما تم حتى الان؟ ماذا سيفعلون؟ وكيف ومتى؟ هذا هو السؤال الكبير الذي طرحته ضربة باريس الموجعة ولنرى كيف يكون الجواب.