ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    صحفي سعودي: الأوضاع في اليمن لن تكون كما كانت قبل هذا الحدث الأول من نوعه    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجوع للشرعية الدستورية شرط ضروري لوقف الحرب في اليمن (1)
نشر في المنتصف يوم 23 - 03 - 2016

(ان مواجهة العدوان لا يكون له شرعية سياسية الا اذا تم الالتزام بالشرعية الدستورية)
- الشرعية السياسية- الدستورية
- الدستور، والأشخاص الذين يشغلون مناصب سياسية- دستورية
- تنازع الشرعيات
- لا شرعية العدوان على اليمن
- مفهوم الشرعية السياسية
- فضح الشرعيات الباطلة
مقدمة
قبل ان تشتعل الحرب في اليمن كان هناك تنازع حول الشرعية السياسية بين مختلف القوى السياسية، على الرغم من ان دستور الجمهورية اليمنية كان بكل المقاييس هو الشرعية السياسية الوحيدة. و هنا ينبغي التميز، بين الدستور كعقد اجتماعي، و بين من يمارس الوظائف السياسية. الدستور يحدد المؤسسات السياسية الشرعية و التي تختلف عن من يشغلها.
فوفقا للدستور اليمني، فإن هناك طرقا محددة يمكن من خلالها تغيير من يشغل المؤسسات السياسية دون الحاجة الى اسقاط الدستور بكامله. و لكن و لأسباب غير سياسية او وطنية تم تضليل البعض من خلال اعتبار الدستور والأشخاص الذين يشغلون المناصب السياسية شيئا واحدا، و من ثم فان اسقاط الدستور ضروري لازاحة من اختلفوا معهم سياسيا.
و من الواضح ان هذا التضليل لم يكن خطئا غير مقصود و انما كان نتيجة لعدم قبول هذه القوى بالدستور من حيث المبدأ، لانها لا تؤمن بتقييد سلطاتها السياسية او الدينية باي شكل من الاشكال. لقد اضطرت الى القبول بالدستور و تشويهه من الداخل، و لكنها لم تستطع ان تشوهه بشكل كامل فاستغلت الفرص باشعال خلافات سياسية و استغلالها لتبرير انقلابها على الدستور تحت مسمى ثورة.
و لانها لم تكن تؤمن باي شرعية غير شرعية هواها لم تلتزم لا بالشرعية الثورية كما يفهمها الاخرون و لا باي شرعية اخرى، و الدليل على ذلك انها كانت تغير موقفها من الشرعيات كلما ثبت لها انها لا تخدم اهوائها حتى لو تطلب ذلك اشعال حرب دون شرعية.
و على هذا الاساس فان تنازع الشرعيات السياسية يمكن ان يكون احد اسباب اشعال الحرب و ليس العكس.
و من ثم، فان من يحاول ان يبرر مواقفه من الحرب من خلال ادعاء شرعية سياسية لذلك؛ الشرعية الدستورية، والشرعية الثورية، و شرعية المقاومة، او اي شرعية اخرى، فهو يمارس التضليل على نفسه و على الاخرين.
و من الغريب في الامر ان هناك من صدق ادعاءاته هذه، و الاكثر استغرابا ان هناك عددا كبيرا من الناس يصدقون ذلك.. حيث انهم يجادلون بعضهم البعض انطلاقا من هذه الادعاءات. ولا شك ان ذلك خطأً كبيرا و انحرافا خطيرا.
فالشرعية السياسية لا تتجزأ. فلا يمكن القبول بان تمتزج معا، الشرعية الدستورية و الشرعية الثورية في وقت واحد. و لا الشرعية الدستورية و شرعية المقاومة، والشرعية الدستورية و شرعية التدخل الخارجي.
و من الملاحظ ان هذا الخلط يمارس جهارا نهارا و بدون اي حياء او تفكير او تعقل. و لا شك ان ذلك كله يشير الى اهدار الشرعية الدستورية و اهانتها من خلال التجرؤ على مساواتها بالشرعيات المناقضة لها بل و على اعطاء الاولوية لهذه الشرعيات غير الشرعية. و لم يحاول احد تنبيه الناس الى ذلك.
و الاكثر سخفا ووقاحة ان هناك من يبرر مشاركته و دعمه للحرب اعتمادا على هذه الشرعيات. فان كانت هذه التبريرات غير صحيحة، فان تبرير الحرب بها غير صحيح ايضا.
الحرب وزر، ولا يمكن تبريرها ابتداء. ولا يمكن تبريرها من خلال اختراع شرعيات متعددة لها. بل انه يمكن القول ان توقف الحرب لن يتم الا اذا تم رفض هذه الشرعيات الباطل و الرجوع الى شرعية وحيدة هي الشرعية الدستورية.
***
و قبل الاستمرار في فضح هذه الشرعيات الباطلة، فاني لا بد و ان اوضح موقفي الثابت من شرعية العدوان الخارجي على اليمن، حتى لا يساء فهم ما سأقوله.
العدوان على اليمن ليس له شرعية؛ لا دولية و لا داخلية. و انما هو عدوان على كل اليمن و يهدف الى اذلال اليمنين كل اليمنين سواء كانوا في الحكم او في المعارضة.
المادة (51) من ميثاق الامم المتحدة تنص على، ان من حق اي دولة ان تباشر في الدفاع عن نفسها في حال حصول اعتداء خارجي عليها دون ان تنتظر صدور قرار من مجلس الامن. ويحق لها طلب المساعدة من الدول الحليفة و الصديقة لرد هذا العدوان.
وبما ان اليمن لم يعتدِ على احد و انما كان هو المعتدى عليه من غير انذار او الحصول على اي قرار دولي يعطي اي شرعية لهذا العدوان، فان هذه المادة تبرر لليمن رد العدوان الخارجي مباشرة و طلب المساعدة من اي دولة ترغب في ذلك. فعدوان الدول الخليجية على اليمن ليس الا عدوان غاشم و يتناقض مع المواثيق الدولية و الاعراف و الشرائع و القوانين.
فان كان لهذه الدول مخاوف من التغيرات التي حدثت في اليمن؛ فقد كان عليها ان تحمي حدودها و ربما تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع اليمن وربما ترفع شكوى الى مجلس الامن، لا ان تتصرف من تلقاء نفسها ووفقا لهواها.
و من حيث الشرعية الداخلية فان الدستور و الاعراف و الشرائع تجرم الدفاع على مصالح القوى الخارجية تجاه المصالح الوطنية، و تعتبر ذلك خيانة عظمى يعاقب عليها مرتكبوها باقصى و اقسى انوع العقوبات. فان لم تكن كذلك، فما هي الخيانة العظمى اذن؟ وبالتالي، فان تبرير العدوان على اليمن من اجل حماية مصالح دول العدوان يعد تبريرا سخيفا، وكان على كل اليمنين ان لا يقبلوا ذلك.
و بما ان دول العدوان قد اشارت صراحة الى انها تهدف الى حماية مصالحها، فان الادعاء بانه -العدوان- جاء بطلب من رئيس اليمن فانها بذلك قد نزعت اي شرعية للرئيس اليمني الذى انحاز الى جانب الطرف المعتدي ضد شعبه.
هذا من ناحية، و من ناحية اخرى فان تبرير تدخل هذه الدول في اليمن بناء على طلب الرئيس اليمني، حتى لو سلمنا انه لا زال رئيسا في ذلك الوقت لعدم وجود رئيس اخر، فانه لا يحق له طلب شن عدوان لخدمة مصالح الدول الخارجية.
و ان كان قد طلب الاستعانة بهذه الدول لاعادة سلطته فذلك يتناقض مع الواقع. فلم يطلب الاستعانة عندما فقد سلطته، و لكن بعد ان قبل بفقدانه للسلطة من خلال استقالته و توقفه عن ممارسة صلاحيته وتفريطه بمسئولته الدستورية.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى، كان يجب ان يتم ذلك من خلال الامم المتحدة و ليس من خلال الطلب الى دول معينة.
و ثالثا فان هذا الطلب كان يجب ان يمر عبر المؤسسات الدستورية.
فوفقا للدستور اليمني، فان على رئيس الجمهورية مع حكومته ان يطلب من البرلمان اي مجلس النواب الموافقة على ذلك، و لكنه لم يفعل. مما جعل طلبه هذا باطلا وفقا للدستور.
فتناقض دول العدوان في تبرير عدوانها قد افقدها اي شرعية على الاطلاق. و لم تستح هذه الدول، فقد بررت عدوانها هذا على اليمن؛ مرة بضرورات امنها القومي، ومرة بدعمها للسلطة الشرعية في اليمن - كما تدعي، و مرة اخرى بحرصها على مصلحة اليمن.
ولا شك ان ذلك تناقض فاضح لا يستقيم. مما يدل على ان الدافع الحقيقي هو تدمير اليمن و ايذائه و اذلاله.
ومن المعروف انه لا يقبل العقل ان يكون المدعي والقاضي ومنفذ الحكم جهة واحدة، لان هذه الجهة لن تعمل الا على فرض ما تراه على الطرف الاخر. وهذا ما تفعله دول العدوان في اليمن في الوقت الحاضر.
فلا تناسُب بين ما تدعيه من مخاوف وما تمارسه من افراط في استخدام القوة ومن الحصار والتامر على اليمن و تشجيع ابنائها على الاقتتال لمجرد الاقتتال بهدف تحقيق نصر لهذه الدول حتى و لو تطلب الامر تدمير اليمن. و هذا ما حاصل بالفعل.
و لا يحق لدول العدوان التدخل في شئون دولة مستقلة، لانها لا تقبل ان تتعامل معها الدول الاخرى على هذا النحو. ومن ثم فان تعاملها مع اليمن لم يكن الا من خلال التكبر و الاستضعاف. و من ثم فانه كان على اليمنين كلهم مع اختلاف توجهاتهم ان يقفوا ضد هذا العدوان.
***
ان تحليل هذه الورقة ينحصر على الحرب الداخلية التي تبَرَر من خلال شرعيات تخالف الدستور.
اما التصدي للعدوان الخارجي فهو امر مشروع في الدستور و القوانين الدولية والاعراف. و لكن يجب ان يكون؛ في اطار الشرعية الدستورية، وفي اطار ردع العدوان، وان لا يتجاوزه الى تحقيق مكاسب سياسية من اي نوع.
في هذه الورقة ساحاول توضيح مفهوم الشرعية السياسية بالقرآن والدستور والصحيح من العقل والتاريخ والمصالح المرتبطة به. ثم ايضاح ان هذه الشرعيات المُدَّعاة لا تتفق مع ذلك. و من ثم فاني، ساقترح بعض التصورات للرجوع الى مسار الشرعية الدستورية الحقيقية.
مفهوم الشرعية السياسية
الشرعية السياسية تقوم على اساس التعاقد و التوافق المسبق بين مجموعة من البشر، تنظم كيف يديرون قضاياهم وشئونهم العامة وكيف يحلون خلافاتهم ان حدثت بالطرق السليمة.
و بذلك فانها تتميز عن اي شرعية اخرى.
فقد تكون هناك شرعيات متعددة؛ اما بسبب العادة او الهوى او الاعتقاد، او بسبب الدين او الاخلاق، او اي سبب اخر. ولكنها تختلف عن المشروعية السياسية، والتي قد تتداخل معها في بعض الجوانب.
فالشرعية السياسية تقوم و تنبع من القبول الجمعي والتراضي. ولكنها بعد ذلك تصبح ملزمة ولو عن طريق الاكراه او استخدام القوة.
وبهذا المعنى فانه لا يمكن ان توجد في مكان واحد وبين اي اناس يسكنون فيه الا شرعية سياسية واحدة. ومن الممكن بل و الاصل في ذلك ان يكون هناك تعدد في الدين و الاخلاق و العادات خارج اطار الشرعية السياسية.
و على هذا الاساس، فان الشرعية السياسية، اما انها يجب ان تحتوي على ما تم التوافق عليه من الدين والاخلاق و العادات، وبالتالي فانه لا يكون هناك اي تنازع في الشرعيات. و اما ان من تخلى عن شرعيته الخاصه لصالح الشرعية السياسية العامة فلا يلوم الا نفسه و لا يحق له بعد ذلك الاحتجاج ضد الشرعية السياسية بشرعيته التي اهملها او تنازل عنها.
و لا يمكن ان يكون هناك اي شرعية سياسية لمن فرض نفسه حاكما على الناس بالقوة. و لا يمكن ان يولد هذا الاستحواذ اي شرعية حتى في حال سلوكه سلوكا مقبولا. فما ترتب على انعدام الشرعية لا يمكن ان يولد اي شرعية من اي نوع. وفي الغالب فان الاستحواذ على السلطة بالقوة لا ينتهي الا من خلال ازالة هذا الاستحواذ ولو بالقوة. و لكن ليس من جانب من سيتولى السلطة لاحقا، وانما من جانب المجموع. ولم يؤدي مبدأ الغلبة على طول فترة التاريخ الاسلامي الى اي ممارسة للسلطة بحسب ما يرغب به الناس و ما شرع اليه القران.
فالبيعة تحت الاكراه لا قيمة لها، لانها تحصيل حاصل وتحصيل الحاصل عبث افضل منه ان لا تتم حتى يشعر من اغتصب السلطة انه مغتصب لها و بالتالي لا شرعية له. فمن القبح ان يجارى بان يُعطى بيعة صورية لتصوير الشر على انه خير. ولا شك ان ذلك خداع لله و للمؤمنين.
و على هذا الاساس، فانه لا يمكن تعدد الشرعيات السياسية. وكل من يحاول فعل ذلك فهو مفسد ويجب الوقوف ضده. وفي حال وجود شرعية سياسية يعبر عنها دستور او ميثاق او تعاهد واضح، فلا شرعية لاي ادعاء؛ مثل الشرعية الثورية، وشرعية المقاومة، وشرعية الدين او المذهب او اي شيء اخر.
***
ورد في لسان العرب تعاريف للشريعة وللشرعية. ويمكن اختصارها على النحو التالي:
شرع الوارد يشرع شرعا بالفتح، و شروعا بالضم، اي تناول الماء بفيه. وشرعت الدواب اي دخلت نحو الماء. والشريعة والشراع والمشرعة التي ينحدر الماء منها .
والشريعة في كلام العرب هي مشرعة الماء وهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها و يستقون. والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدلا لا انقطاع فيه و يكون ظاهرا معينا لا يسقى بالرشا.
شرعت في هذا الامر شروعا، اي خضت. و الشريعة والشرعة ما سن الله من الدين و امر به. والشريعة الدين والمنهج والطريق. وقيل على شريعة اي على مثال. وشرع بمعنى اظهر الحق. و الاشتراع الطريق الاعظم الذي يشرع فيه الناس عامة. وشرع المنزل اذا كان على طريق نافذ.
ومن هذه المعاني يمكن استنتاج معنيين كبيرين لكل هذه المشتقات وهما: التساوي، و الظهور.
ولا يمكن ان تتحقق هذه الشرعية على الوجه الاكمل الا في الشرعية السياسية.
***
ومن اجل التميز بين الشرعية السياسية و اي شرعية اخرى، يطلق علي الشرعية السياسية الشرعية القانونية.
وشريعة القانون او الشرعية القانونية تعني التقيد بالقوانين التي تصدر بطريقة شرعية. وكذلك التقيد بالقوانين الاخلاقية، على الاقل ظاهريا والافضل ان يكون ذلك مع وجود الاحترام الداخلي لها. و منها التقيد بما يلزم به القانون وان كان غير مسبب. واكثر الامثلة على ذلك ما يمكن ان يطلق عليها المسلمات اي العادات و البديهيات التي لا تقابل باي اعتراض.
والشرعي بمعنى المشروع ويكون بمعنى عام، اي انه يقال على كل فعل او موقف او شعور و كل كلام على انه مشروع اي انه يمثل حقا مشروعا لمن يصدر منه. ويحق لكل ذي حق مشروع ان يدافع عنه ولكن بالطرق المشروعة. و لا بد ان يوضح كل ذلك بقانون اي بنصوص واضحة بينة.
***
و بالمعنى السياسي، يقال حكومة مشروعة اي قائمة على قانون وملتزمة به.
ومن المشروعية السياسية التعددية السياسية والتي تعني تقسيم السلطة و استقلاليتها مع وجود توازن بينها. فمن المستحسن ان تزداد و الى حد بعيد استقلالية السلطة التشريعية و السلطة القضائية بالنسبة للسلطة التنفيذية. ان ذلك ضرورة من وجهة نظر المواطنين من اجل ان تتوفر لهم ضمانات كافية في مواجهة تعسف السلطات بمكوناتها الثلاث. فعلى السلطة المحافظة على حقوق وحرية الافراد وحمايتها، و ان لا تتدخل فيها او تنتهكها.
و من اجل منع تعسف السلطة بفروعها الثلاثة فانه لا بد من الفصل؛ بين ممارسة السلطة السياسية والتعصب الديني او المذهبي، وان لا تتولى اي وظائف اقتصادية او تجارية الا بالقدر الضروري والذي لا يستطع الافراد منفردين او عبر تجمعات القيام بها.
***
و بما ان اليمن كان ولازال لديه دستور توافق عليه كل اليمنيين سواء الذين صوتوا له بنعم او الذين صوتوا له بلا، فلا شرعية لاي ادعاء يخالف الدستور.
***
و ينبغي ان نوضح هنا؛ ان ما كثر الحديث عنه في الآونة الاخيرة حول الشرعية الثورية، فان ذلك تضليل وتدجيل. فلا شرعية لاي ثورة في ظل وجود دستور. ولم يذكر القران مصطلح الثورة و لا ما يشير اليه.
وفي الواقع فان مصطلح الثورة مرتبط بالفاظ مثل الثأر و العنف والتدمير والقتل العشوائي، و كل ذلك نهى الله عنها في القران و تمجه العقول السليمة. فالثورة هي اشبه بالمرض، والمرض يحدث ولا يسعى اليه. بل انه من الواجب تجنب الاسباب التي تؤدي اليه. وفي حالة عدم القدرة على تجنبه فانه من الواجب السعي الى معالجته باسرع وقت ممكن.
الطبيب يعالج المرضى، واذا ما امرض الناس من اجل ان يعالجهم فانه لا يصبح طبيبا و انما مشعوذا و دجالا.
وكذلك فان الله وعباده الصالحون لا يسعون الى الافساد بين الناس و انما الى الاصلاح. فلا خير في حديث ما لم يامر بصدق اي عفو عن الناس او معروف من اجل الاصلاح بين الناس او قام بالاصلاح بنفسه.
الثورة التي تؤجج و توسع و تستغل هي ثورة الشياطين، و من يشارك فيها على هذا النحو فهو شيطان و لا يمكن ان يكون مصلحا.
وكذلك الامر فيما يخص المقاومة. ففي ظل وجود شرعية سياسية اي دستورية فان حق الدفاع عن النفس و الحقوق قد تم ايكالها الى هذه الشرعية. وعلى هذا الاساس فان مواجهة هذه الشرعية يعني اهدار حقوق الاخرين الذين يجب ان يقفوا ضد من يمارس ذلك.
***
لقد كان في اليمن و لا زال شرعية سياسية تم انتهاكها و مخالفتها من قبل من يدعي الشرعية، سواء الشرعية الدولية او الشرعية الدستورية او اي شرعية اخرى. فلا وجود الا لشرعية واحدة وهي الشرعية الدستورية. و بالتالي فان مواجهة العدوان لا يكون له شرعية سياسية الا اذا تم الالتزام بالشرعية الدستورية.
..... (يتبع: الحلقة الثانية)
* المقال خاص لوكالة خبر
*وزير المالية الأسبق البروفيسور «سيف العسلي»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.