مكونات الأحزاب والحراك لعبت أدواراً متناقضة تحت جلباب القبائل المتصدرة انزلاق الهبة للعنف يمنح القاعدة فرصة العمل للتغلغل والتمكن قوى المال الحضرمي.. تسابق الزمن لتحقيق الإقليم الشرقي فعلياً قبل انتهاء مؤتمر الحوار
كان انطلاق الحركة الاحتجاجية للشارع الجنوبي أسطورة خلاص نحو الدولة المدنية، وكانت بمثابة الرافعة الأساسية لدعاة المشروع المدني، مشروع الدولة القائمة على العدالة المتساوية رغم تمترسها في مربعات الجهوية والمناطقية، ويبدو أن ذلك التمترس أفقدها بريقها وعثرها من تحقيق الأهداف. ورغم استغلال القوى السياسية في اليمن لتلك الحركة الاحتجاجية وتوظيفها لرموز وقوى موالية لجهات في الأقليم، إلا أنها تمكنت من انتزاع اعتراف بقضيتها التي كانت تعتقد قوى اليسار في الداخل أنها المدخل الأساسي للقضية اليمنية الناجمة من هيمنة قوى القبيلة والعسكر على حاضرها ومستقبلها. وظلت الحركة الاحتجاجية (محلك سر) لم تبارح مكانها رهينة فعاليات وتظاهرات واعتصامات حتى جاء موعد مؤتمر الحوار الوطني. حاول محمد علي أحمد عبر مؤتمر شعب الجنوب خطف الأضواء وانتزاع اعتراف دولي بتمثيل الشارع الجنوبي رغم إعلان مكونات الحراك عدم مشاركتها في الحوار مطالبة بفك الارتباط والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م لكن حضوره في مؤتمر الحوار تحول لانتكاسة حيث تم تفكيك مؤتمر شعب الجنوب، ليأتي موعد الهبة الشعبية الحضرمية على خلفية مقتل الشيخ سعد بن حبريش الحموي في نقطة عسكرية وتتتداعى الأحداث، في ظل تهاون الدولة وتنصلها من تحقيق العدالة بحق قاتليه، لتصل الأمور إلى إعلان تحالف قبائل حضرموت لتوجيه مطالب محاكمة القتلة ورفع النقاط الأمنية والعسكرية والمعسكرات ومنح حضرموت حكماً شبه ذاتي وأمهلوا الدولة (20) يوماً انتهت الجمعة الماضية. الدولة رضخت للمطالب وتعهدت بنقل المعسكرات وتسليم قياداتها لجنرالات من حضرموت، وتخصيص وظائف الشركات النفطية لأبناء حضرموت، لكن تحالف القبائل بحضرموت رفض ذلك وتمسك بالهبة الشعبية لاسقاط المحافظة، وتداعت محافظات الجنوب الأخرى التي كانت تتصدرها القبائل لتنفيذ الهبة بكل الجنوب. جاء ذلك وسط تأييد كل المكونات السياسية في الجمهورية اليمنية ومكونات الحراك للهبة الشعبية التي انطلقت الجمعة الماضية. وتصدرت القبيلة المشهد الجنوبي واقتحمت كل المباني الحكومية لرفع العلم الجنوبي واحتشدت تطالب برحيل المعسكرات وسيطرت على النقاط الأمنية والعسكرية لكنها لم تسيطر على المقرات الحكومية مكتفية برفع العلم عليها والسيطرة على النقاط الأمنية والعسكرية ومحاصرة الشركات النفطية بحشودها الجماهيرية. تصدر القبيلة تصدرت القبيلة في حضرموت وشبوة والضالع ولحج وعدن وأبين الهبة فيما توارت مكونات الحراك والأحزاب السياسية من الواجهة واكتفوا بالمشاركة تحت إبط القبيلة بعناصرها ولعبت تلك الأحزاب والمكونات الحراكية أدواراً متعددة ومتناقضة في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عبر ضخ أخبار متناقضة ودعائية لأحداث الهبة مع العلم أن تصدر القبائل للمشهد يمكنها من تحقيق مطالب آنية ومكاسب شخصية أسوة بقبائل الشمال وهذا معلوم في قاموس البرجماتية القبلية. الإصلاح والاشتراكي! برز أحد قيادة الإصلاح أحمد بامعلم ليعلن تأييد الهبة والتبرع بمبلغ مالي لدعمها.. فيما أنبرى إعلام الإصلاح وجيشها الإلكتروني في التهوين من الهبة الشعبية. وضخ أخباراً مفبركة عن اعتداءات على شماليين وحرق محلاتهم تشوه الهبة الشعبية وتخلق اصطفافاً شمالياً مقيتاً يزج بالجميع بحرب أهلية على أساس مناطقي يجعل الجنوب والشمال ميدان حرب مدمرة. ويرى محللون وسياسيون ومراقبون أن ذلك سيمنح تنظيم القاعدة فرصة ذهبية للتغلغل والتوسع للسيطرة على حضرموت التي صارت هدف القاعدة لإسقاطها وإعادة تكرار سيناريو أبين.. سيما أن الدولة وواشنطن تخوضان حرباً مشتركة ضد تنظيم القاعدة للحيلولة دون السيطرة على حضرموت وحتى لا تشهد انتفاضة الخلايا النائمة للتنظيم هناك والذي تعرض لضربات نوعية مؤلمة على أيادي صواريخ طائرات بدون طيار على امتداد العام الجاري. الاشتراكي رغم تأييده للهبة الشعبية لقبائل حضرموت إلا أنه لعب دوراً آخر مناقضاً للانقضاض عليها لتوظيفها في معركته السياسية لانتزاع صيغة الحكم الفيدرالي من إقليمين في الشمال والجنوب. منطلقاً من مخاوفه من خروج حضرموت بحكم ذاتي تحت صيغة الاقليم الشرقي الذي يعتبره الحزب ضربة كأسرة تستهدف وجوده في الجنوب. كون الجنوب الذي يراهن عليه الاشتراكي بلا حضرموت لا قيمة له. وعجز الرفاق في الحزب من تحقيق أهدافهم سيما بعد تصدر القبائل لمشروع الهبة وهو ما يجعل الحزب والقبيلة وجهاً لوجه في معركة تستمد نارها من الجمر المتقد تحت دماء ذاكرة الصراع بين الحزب والقبيلة. وتأتي الخسارة الفادحة للرفاق في الجنوب بعد ارتهان قيادة الحزب ممثلة بأمينه العام في أحضان القوى التقليدية والقبلية بالشمال والذي كان مقابل صفقة وهمية من تلك القوى لتمكينه في الجنوب الذي ما ان وصل الحزب إليها فوجد القبيلة في الصدارة. المؤتمر الشعبي رغم دعمه للهبة الشعبية إلا أنه أمسك العصا من الوسط. إذ أييد الهبة الشعبية السلمية وطالب القيادة السياسية بتنفيذ مطالبها، محذراً من مغبة الانزلاق للعنف والتفكك. وكان الأمين العام المساعد أحمد بن دغر قد دعا القبائل وأبناء حضرموت لتحكيم العقل وعدم الانجرار للفتنة والفوضى وهو ما جعله عرضة للتخوين من قبل ناشطي الحراك المنضوين في جلباب حزب الرفاق ومطاوعة الإصلاح والمستقلين المستغلين من قوى دثينة العم ناصر. قوى المال الحضرمية في الخليج! كانت قوى المال الحضرمية في الخليج هي القوى الخفية التي تسعى لفصل حضرموت، وتستغل هذه القوى علاقاتها بصناع القرار السياسي في الخليج من جهة وقوتها المالية للحشد لتحقيق حكم فيدرالي (الإقليم الشرقي) لحضرموت وشبوة والمهرة على الواقع قبل انتهاء مؤتمر الحوار المتعثر في مثلث شكل الدولة، القضية الجنوبية، العدالة الانتقالية، هذه القوى انخرطت بالسياسة عن بعد كون تحقيق الاقليم الشرقي في الواقع سيقدم نموذجاً لليمن القادم. بين بن دغر وبامعلم كانت دعوة بن دغر إلى أبناء حضرموت بتحكيم العقل وعدم الانجرار للفوضى والفتنة سبباً في جلده إعلامياً من قبل ناشطي إعلام وفيس بوك الرفاق والإخوان وشيوخ الدين والقبيلة. في وقت ما حولت فرقة الإعلام المدرع لأولئك من موقف أحمد بامعلم القيادي الإصلاحي بطلاً استعرضوا مواقفه ووصفوها بالجسورة، وكشفوا كرمه في التبرع للهبة، لكنهم لم يتطرقوا لمخاوف الحضارم من تنظيم القاعدة المرابط في الأبواب ولم يتناولوا الشكوك الشائعة عن القيادي الإصلاحي بامعلم الذي يعد الممر الآمن للإرهاب المتربص بحضرموت. فشلوا بانقلاب صنعاء فقفزوا للجنوب فشلت قوى الظلام في انقلابها بصنعاء عبر بوابة الدفاع وكانت تلك القوى تطمح في اغتيال الرئيس وإعلان المجلس العسكري بقيادة حماة الثورة بعد إسقاط العرضي والبنك المركزي والإذاعة والتلفزيون وإصدار بيان الانقلاب وإلصاق تهمة اغتيال هادي لفلول النظام وأنصار الله، المؤامرة سقطت وفشل الانقلابيون من التمكين ليقفزوا إلى حضرموت متخفين تحت الهبة الشعبية للانقلاب على هادي وإرباكه. * أسبوعية "المنتصف"