عندما خاض جورج دبليو بوش الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000م لم يثر خصومه الديمقراطيون حملة انتخابية خارج قواعد وأخلاقيات الديمقراطية ولم يذهب أحد إلى إثارة مصطلحات وشعارات تحريضية كالقول بأن وصوله إلى البيت الأبيض سيكون حالة توريث جمهورية كونه أبن رئيس أسبق لأنهم يعرفون أنه موطن أمريكي من حقه أن يمارس حقه الديمقراطي ويرشح نفسه وأصوات الناخبين هي الفيصل والحكم. الناخبون الأمريكيون منحوا الرئيس بوش الابن دورتين انتخابيتين وثماني سنوات في البيت الأبيض وبعد ذلك اجروا علمية جرد لما حققه وللخسائر والكوارث والنكبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي حصلت في عهده وبدوأ خطواتهم للتغيير والتعبير عن استياء هم ورفضهم لسياسات الإدارة الأمريكية والحزب الجمهوري من خلال أولا انتخابات الكونجرس قبل نحو عامين والتي جاءت بأغلبية للحزب الديمقراطي ثم كانت الضربة الحاسمة في الانتخابات الرئاسية. واليوم فأن الفوز الساحق الذي حققه المرشح الديمقراطي باراك أوباما بقدر ما أنه شكل بالنسبة للناخب الأمريكي نوع من العقاب للجمهوريين بسبب السياسات الخاطئة سواء ما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي وكارثة الأزمة المالية أو حربي العراق وأفغانستان فأن أجمل ما حملته هذه الديمقراطية ملمحين أثنين وهما: أولا أن الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدةالأمريكية هو رجل أسود من أصول أفريقية وهذا الأمر يعكس مدى التغيير الذي أحدثته الديمقراطية في أمريكا بحث ذاب جليد التمييز العنصري والعرقي وتماهى الجميع في مبدأ وطريق واحد المهم فيه من يخدم أمريكا ويحقق أمال وتطلعات وليس ما أصله وما هو لونه. والأمر الثاني والأهم والذي ينبغي أن يكون درسا من دورس الديمقراطية أتمنى أن تستوعبه القوى السياسية والحزبية في بلادنا هو ذلك الموقف الوطني المشرف والمسئول الذي عبر عنه المرشح الجمهوري جون ماكين في كلمته التي خاطب بها مناصريه بعد إقراره بالهزيمة. ماكين دعا مناصريه إلى تجاوز أحزان الهزيمة والسمو فوق كل الاعتبارات الحزبية والانتخابية والاتجاه للعمل خلف ومع الرئيس الأمريكي الجديد من أجل أمريكا والأمة الأمريكية العظيمة. ماكين لم يتحرج عن تهنئة منافسه على الفوز ولم يحاول أن يخلق تبريرات وأعذار لهزيمته ولم يقل أن العملية شابها أعمال تزوير أثرت على النتائج وحرمته الفوز ولم يطلق التهديدات والوعيد ولم يلمح بأن بمقدروه أن يحرك الشارع ويهيج الرأي العام الأمريكي. هذه هي الديمقراطية الأمريكية التي منح فيها الأمريكيون الثقة للحزب الديمقراطي المعارض من أجل التغيير ومنح منها الحزب الجمهوري الحاكم والخاسر في هذه الانتخابات الثقة لكل الأمريكيين ولكل أولئك الذين لم يصوتوا لمرشح بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والأمن والاستقرار بل والعمل معا كل من موقعه لخدمة أمريكا ومصالح أمريكا ورفاهية ورخاء الشعب الأمريكي.