صحفي سعودي: الأوضاع في اليمن لن تكون كما كانت قبل هذا الحدث الأول من نوعه    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مونديال العالم .. ثمانون عاما من المتعة (1)
نشر في المؤتمر نت يوم 01 - 06 - 2010

يرقب عشاق الساحرة المستديرة في أنحاء المعمورة ابتداء من الحادي عشر من يونيو المقبل أحداث مونديال القارة السمراء والذي تحتضنه جنوب أفريقيا للمرة الأولى في تاريخ القارة الأفريقية .
مونديال القارة السمراء سيضاعف من سخونة صيف الأدغال الأفريقية بحرارة المنافسة على الذهب الأصفر وخطف لقب النسخة التاسعة عشر لكأس العالم بعد ثمانون عاما من الإثارة والتنافس ابتداء من النسخة الأولى في العام 1930م عندما توجت الأرجواي بلقب النسخة الأولى حينها .
كأس العالم التي مرت برحلة طويلة عبر العقود من الألفية الماضية حتى الآن مرت بعدد من التحولات وشهدت التوقف بسبب الحرب العالمية الثانية وغيرها من الأحداث التي نسردها في حكاية التاريخ المونديال الذي يسجل عبر صفحاته الكثير من الأحداث نبدأها من قصة البداية وحتى الآن .
تأسيس كأس العالم:
بدأت فكرة بطولة كأس العالم عندما دعا الفرنسي ألين جيرار في بداية القرن العشرين إلى جمع شباب العالم في بطولة دولية يمارسون فيها اللعبة الصاعدة التي بدأت تسحر الألباب بعد بداياتها في انجلترا.
غير أن الحرب العالمية الأولى وأدت تلك الفكرة أو أجلتها إلى حين،و بعد أن وضعت الحرب أوزارها جاء فرنسي آخر هو جول ريميه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في 1928 وهنري ديلواني السكرتير العام للاتحاد، ليحي فكرة مواطنه وكان العالم وقتها بحاجة إلى معاني جديدة تقرب لشباب الصاعد من بعضه البعض وتمنحه مفاهيماً جديدة تختلف عن تلك التي أدت إلى الحرب فكان الإجماع هذه المرة على فكرة جول ريميه .وعقب انتهاء أولمبياد 1928 تم إصدار قرار بإقامة نهائي كأس العالم كبطولة دولية مستقلة لكرة القدم بعيدا عن الألعاب الأولمبية تنظم كل أربع سنوات مابين الألعاب الأولمبية .وحدد لها جائزة كأسا ذهبية سمي باسم كأس جوليه ريميه نسبة وتكريما لمن أوجد البطولة ،يزن 4 كجم، وطوله 30 سم، وتتجاوز قيمته ال 50000 فرنك فرنسي، أو 3000 جنيه إسترليني.
واتفقت الشخصيات الرياضية على أن تقام أول بطولة عالمية لكرة القدم وقد أثار هذا القرار في بداية إصداره حفيظة الكثير من الناس وبالذات أولئك الذين يهتمون بالألعاب الأولمبية كجملة ولا يقبلون لها تفصيلا ، ولم يكن في تفكير من طرح الفكرة حينذاك إلى ما سيكون من شأن البطولة على مختلف شرائح المجتمعات، حيث ستتسيد عقول وتحوز متابعة البشر في شتى بقاع الأرض، فطغت على غيرها من بطولات ، واستحقت لقب صاحبة الجلالة في الرياضة. وأصبح أمل كل فريق من دول العالم هو نيل شرف المشاركة بها، وتبقى أية بطولات محلية أو قارية على مستوى جميع فرق العالم ما هي إلا تأهب وتأهيل للتألق في بطولات كأس العالم.
ولكن بقيت أماكن إقامتها محتكرا مابين أوروبا وأميركا اللاتينية. حتى نظمت بطولة كأس العالم في أمريكا عام1994 ،والتي كانت أول بطولة تقام خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية ، بالإضافة إلى بطولة كأس العالم لعام 2002 التي نظمت في سيؤول من قبل اليابان وكوريا الجنوبية.وسنحاول خلال هذا البحث التعرف على الأحداث التي رافقت كل دورة منذ عام 1930 وحتى آخر دورة أقيمت في عام 2002.
جول ريميه.. مؤسس كأس العالم:
تقول سجلات كرة القدم أنه لا يمكن الفصل بين تاريخ مسابقة كأس العالم، واسم الفرنسي (جول ريمية) باعث هذه المسابقة، والرجل الذي قدم من مدينة (بيل فرانش) جنوب فرنسا ليحقق حلماً حالت الظروف دون تنفيذه منذ بداية القرن العشرين، ولم تكتب له البداية إلا في العالم الثلاثين في (مونتفيديو) فعلى الرغم من أن فكرة بعث بطولة للعالم في كرة القدم كانت ضمن طموحات الاتحاد الدولي منذ عام 1904 خلال أول مؤتمر للفيفا في باريس، وتعهدت سويسرا بتنظيم البطولة بعد سنة فقط، إلا أن المشروع سقط في الماء بسبب تدخل البريطانيين وعرقلتهم للمشروع، ولم يعد الحديث عن هذه البطولة إلا خلال أولمبياد عام 24 بعد أن سحر لاعبو، الأورجواي الجماهير بعروضهم الشيقة، رغم غياب المحترفين إذ لم تكن الدورات الأولمبية مفتوحة إلا للهواة.
وتحمس (جول ريميه) من جديد ليأمر، وهو رئيس للفيفا منذ أن تم تعينه عام 21، أمر بتكوين لجنة لدراسة بعث بطولة عالمية بمشاركة المحترفين. وفي مؤتمر أمستردام عام 28 تأكد للجميع أن الفكرة قابلة للتحقيق، وتم الاتفاق على بعث المسابقة عام 30، وتكلفت الأورجواي بتنظيم البطولة، حماس (جول ريميه) مكنه من تحقيق حلمه، أو قل جزءاً منه، إذ لابد أن يكتب النجاح للمسابقة في أول تجربة لها، فقام بتكليف الفنان الفرنسي (أبيل لافلور) بنحت كأس للبطولة، واضطر جول ريميه إلى حمل الكأس في حقيبته وإخفائها عن الجميع خلال الرحلة البحرية التي حملت مسئولي الفيفا والمنتخبات الأوروبية المشاركة عبر المحيط إلى (مونت فيديو) حيث كتب لمسابقة كأس العالم أن تولد.
ومنذ انطلاق المسابقة ظل جول ريميه يعيش معها أحلى الفترات، وحتى التوقف الاضطراري بسبب الحرب العالمية الثانية لم يفقد الرجل إيمانه في تواصل المغامرة، إذ عادت المسابقة إلى نشاطها ليعش معها نسختين عامي 50 و54، قبل أن يتوفى في السادس عشر من شهر أكتوبر من عام ستة وخمسين عن عمر ناهز الثالثة والثمانين، إلا أنه أغمض إغماضته الأخيرة وهو مطمئن على مصير ما اصطلح فيما بعد على تسميته بالمونديال.. مونديال الجميع.
النسخة الأولى الأرجواي أول بطل لكأس العالم عام 1930م:
إذا كانت كرة القدم قد أبصرت النور رسميا بإنشاء الاتحاد الدولي FIFA عام 1904، فإنها لم تمارس بطريقة رسمية في بطولة كبرى إلا اعتبارا من عام 1924 خلال دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في العاصمة الفرنسية باريس. ففي هذه التظاهرة الرياضية الكبرى، التي تقام مرة كل أربع سنوات، شاركت وللمرة الأولى منتخبات من مختلف القارات للتنافس على اللقب.
وحققت الدورة الأولمبية نجاحا منقطع النظير خصوصا في المباراة النهائية التي جمعت أوروجواي وسويسرا وانتهت لمصلحة ممثل أميركا الجنوبية بحضور 50 ألف متفرج.
لكن في النسخة التالية التي أقيمت في أمستردام عام 1928، أعلنت عدة دول عزوفها عن المشاركة، فبدا لزاما استحداث بطولة خاصة بكرة القدم خصوصا في ظل نمو الكرة الاحترافية.
وفي 26 آيار/مايو عام 1928، أقر مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA المنعقد بأمستردام إقامة أول دورة عالمية عام 1930، حيث تم على الاتفاق على فتح باب المشاركة أمام جميع الاتحادات المنضوية تحت لواء FIFA. وفي 18 آيار/مايو عام 1929، أقر مؤتمر FIFA في مدينة برشلونة الأسبانية منح شرف استضافة النسخة الأولى من بطولة كأس العالم إلى دولة أوروجواي.
الرحلة إلى المونديال :
كان من الطبيعي اختيار أوروجواي لتنظيم أول نسخة من كأس العالم، لكونها توجت بطلة أولمبية قبل عامين وصودف احتفالها أيضا بذكرى مرور 100 عام على استقلالها.
وقوبل قرار مؤتمر FIFA بحماس منقطع النظير في معظم الاتحادات المنضوية تحت لواء أكبر سلطة كروية في العالم، بيد أن الدول الأوروبية أثارت بعض التحفظات على مكان إقامة البطولة، خصوصا أنه كان يتوجب على منتخباتها عبور الأطلسي في رحلة طويلة وشاقة ومكلفة إن أرادت المشاركة في الدورة.
فقبل موعد انطلاق البطولة بشهرين لم تؤكد أي دولة أوروبية مشاركتها . لكن التدخل الشخصي لرئيس الاتحاد الدولي "جول ريميه" كان حاسما في إقناع أربع دول في المشاركة، وهي فرنسا وبلجيكا ويوغوسلافيا ورومانيا. وأبحرت هذه الدول من "فيلفرانش سور مير" على متن السفينة "كونتي فيردي" في 21 حزيران/يونيو عام 1930 لتصل إلى ريو دي جانيرو في 29 من الشهر نفسه، حيث سافر على متن السفينة ذاتها أعضاء منتخب البرازيل، لترسو أخيرا في ميناء مونتيفيدو في 4 تموز/يوليو.
نجاح منقطع النظير:
شارك في النسخة الأولى من بطولة كأس العالم 13 منتخبا منها أربعة منتخبات أوروبية وثمانية من أميركا الجنوبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
وقدمت المنتخبات المشاركة عروضا فنية لافتة، وبينما توقع الجمهور المحلي سيطرة منتخبات أميركا الجنوبية، فإن نظيراتها الأوروبية وقفت ندا عنيدا، وتحديدا المنتخب الفرنسي الذي تغلب على نظيره المكسيكي 4-1 في المباراة الافتتاحية، قبل أن يخسر بصعوبة أمام الأرجنتين بهدف يتيم في موقعة بطولية.
وشهد اللقاء حادثة طريفة عندما أطلق الحكم صافرته النهائية قبل ست دقائق من نهاية الوقت الأصلي. وبعد احتجاجات قوية عاد الحكم ليطالب اللاعبين بالعودة إلى أرض الملعب، علما أن بعضهم كان ساعتها تحت مرشة الحمام.
أول نهائي، أول أسطورة :
كانت الأجواء مثيرة في مدرجات ملعب "سنتيناريو"، الذي غص بمائة ألف متفرج لمتابعة أول نهائي في كأس العالم، وزاد من سخونة الأجواء أن جمعت المباراة الفاصلة بين الجارين اللدودين أوروجواي والأرجنتين.
وتخلف أصحاب الأرض بنتيجة 1-2 في نهاية الشوط الأول، قبل أن يتعملق نجوم "لاسيليستي" في الجولة الثانية ويقلبوا النتيجة في مصلحتهم 4-2 وسط اندهاش لاعبي الأرجنتين.
وتسلم قائد منتخب أوروجواي "خوسيه ناسازي" لقب الكأس من رئيس الاتحاد الدولي FIFA "جول ريميه". وكانت الكأس تدعى آنذاك "فيكتوار أوزيل دور"، وهي عبارة عن تمثال صغير مصنوع من الذهب الخالص، ويبلغ وزنه أربعة كيلوغرامات وطوله 30 سنتمترا.
ولم تتوقف الاحتفالات في مونتيفيدو لأيام عدة، لدرجة أعلنت معها سلطات البلاد اليوم التالي من المباراة، الموافق ليوم 31 تموز/يوليو، عيدا وطنيا.
لقد كان فوز أوروجواي بلقب الدورة الأولى بمثابة انطلاقة حقيقية لأسطورة كأس العالم، إذ أعلن رسميا عن بداية الطابع الكوني لرياضة كرة القدم وانتشارها الواسع في مختلف أرجاء العالم.
النسخة الثانية إيطاليا تحسم اللقب لأول مرة 1934م :
أصبح المنتخب الإيطالي أول فريق أوروبي يتوج بلقب بطولة كأس العالم FIFA، عندما استضاف على أرضه النسخة الثانية من المسابقة سنة 1934. ولقيت الدورة الثانية نجاحا أكبر من سابقتها، كونها أقيمت في ثماني مدن وأذيعت على الهواء مباشرة، فتمكن عشاق كرة القدم من متابعة المنافسات عبر الأثير في 12 دولة مشاركة.
وكما حصل مع أوروجواي قبل أربع سنوات، استغلت إيطاليا عاملي الأرض والجمهور لتهزم تشيكوسلوفاكيا 2-1 بفضل هدفين من توقيع "رايموندو أروسي" و"أنجلو سكيافيو"، ليحرز منتخب المدرب الشهير "فيتوريو بوتزو" لقبه العالمي الأول.
وبعد نجاح النسخة الأولى، اعتمد الاتحاد الدولي نظام التصفيات بمشاركة 32 منتخبا، على أن يتأهل منها 16 إلى النهائيات. وحجزت إيطاليا بطاقة التأهل على حساب اليونان، كما تأهلت المكسيك بدورها إلى النهائيات بعد أن تفوقت على كوبا، لكنها لم تلعب أي مباراة في إيطاليا، حيث اضطرت إلى خوض مباراة فاصلة مع الولايات المتحدة التي تقدمت بطلب مشاركتها في وقت متأخر. وانتهت المواجهة بفوز الأخيرة 4-2 لتحل محل المكسيك في العرس الكروي.
نسخة ثانية في غياب حامل اللقب:
كان منتخب أوروجواي الغائب الأكبر عن الدورة الثانية، ذلك أنه رفض الحضور ردا على عدم مشاركة إيطاليا عندما استضاف النسخة الأولى، ليدخل حامل اللقب سجل الأرقام القياسية بصفته الفريق الوحيد الذي لم يدافع عن لقبه طوال تاريخ البطولة.
وخلت الدورة في مراحلها المتقدمة من المنتخبات الأميركية الجنوبية، بعدما خرجت كل من البرازيل والأرجنتين من الدور الأول، عقب هزيمتهما أمام أسبانيا والسويد على التوالي.
ولم يضم المنتخب الأرجنتيني أي لاعب من الفريق الذي شارك في المباراة النهائية للدورة الأولى، حيث خسر العديد من عناصره لمصلحة المنتخب الإيطالي، كان أبرزهم لاعب الوسط المتألق "لويزيتو مونتي"، الذي نجح في قيادة المنتخب الإيطالي إلى اللقب بمعية أربعة من زملائه في المنتخب الأرجنتيني سابقا نظرا لجذورهم الإيطالية، ويتعلق الأمر بكل من "أتيليو دي ماريا" و"إنريكو غوايتا" و"أورسي".
وسجل "سكيافو" ثلاثية و"أورسي" هدفين ليساهما في فوز ساحق لفريقهم على حساب الولايات المتحدة 7-1 في روما. وكان ذلك أكبر فوز في البطولة، لكنه لم يكن الحدث الوحيد الذي سرق الأضواء في هذه النهائيات، إذ نجح المنتخب المصري - أول سفير للكرة الأفريقية في العرس العالمي-في إحراج نظيره المجري عندما نجح في قلب تخلفه بهدفين نظيفين إلى تعادل 2-2 قبل أن يسقط بنتيجة 2-4. وفي المقابل وقف المنتخب الفرنسي ندا عنيدا أمام نظيره النمساوي قبل أن يسقط 2-3 في الوقت الإضافي.
النمسا تكشر عن أنيابها:
دخلت النمسا البطولة مرشحة إلى جانب إيطاليا لإحراز اللقب، حيث نجح مدربها "هوغو ميسل" في إدخال تحسينات على أسلوب التمريرات القصيرة التي كان قد جلبها إلى أوروبا الوسطى الإنجليزي "جيمي هوغان". وتمكن المنتخب النمساوي، بقيادة المهاجم الرائع "ماتياس سينديلار"، من التفوق على نظيره الإيطالي 4-2 في مباراة ودية أقيمت في فلورنسا قبل أربعة أشهر على انطلاق كأس العالم. بيد أن الفريق لم يتمكن من فرض أسلوبه السلس في مباراته ضد المجر برسم ربع النهائي، والتي كانت مليئة بالخشونة والعصبية، حيث بدت أشبه "بمعركة شوارع"، لتنتهي في الأخير بفوز صعب للنمسا بنتيجة2-1.
وفي المقابل، لم تسمح الظروف المناخية بأن يقدم المنتخب النمساوي عرضا جيدا في مواجهة إيطاليا في نصف النهائي، خصوصا وأن نجمه "سينديلار" خضع لرقابة لصيقة من قبل "مونتي" أفشلت حركته وأبعدته عن اللقاء بشكل كامل. ونجح المنتخب الإيطالي في الخروج فائزا في مباراة أقيمت على أرضية مبللة وثقيلة بفضل هدف وحيد سجله "غوايتا". وكانت تلك ثالث مباراة لمنتخب "الأزوري" في أربعة أيام، بعد فوز شاق على أسبانيا في ربع النهائي.
والتقى المنتخبان الإيطالي والأسباني للمرة الأولى في 31 أيار/مايو، حيث أسفرت المباراة عن تعادلهما 1-1، ليلتقي الفريقان مرة أخرى بعد 24 ساعة، حيث لعبت أسبانيا من دون حارسها الأساسي الشهير "زامورا"، لينجح "جوسيبي مياتزا" في تسجيل هدف المباراة الوحيد. ونظرا لشهرة "مياتزا" وتألقه، أطلق اسمه على ملعب "سان سيرو" في مدينة ميلانو.
واحتج الأسبان على عدم احتساب أكثر من هدف لمصلحتهم في المواجهتين ضد إيطاليا، لكن الجماهير الإيطالية لم تكترث لاعتراضهم، مفضلة التركيز على الاحتفال بنشوة فوز فريقها.
جمهور متميز:
قدر عدد المتفرجين الذين تابعوا النهائيات بحوالي 367 ألف متفرج، أكثر من نصفهم من الإيطاليين الذين حضروا المباريات الخمس لمنتخب بلادهم.
وكانت إيطاليا خاضعة للنظام الفاشي بقيادة الزعيم "بينيتو موسوليني" الذي استغل تنظيم البطولة لاستعراض قوة بلاده، حتى أنه صمم كأسا مرادفة للبطولة أطلق عليها اسم "كأس دل دوتشي"، حيث تفوقت في حجمها على الكأس الأصلية.
وجمعت المباراة النهائية، التي أقيمت في روما يوم 10 حزيران/يونيو، بين منتخبي إيطاليا وتشيكوسلوفاكيا. وكما كان حال المنتخب النمساوي، فإن نظيره التشيكوسلوفاكي كان ينتمي إلى مدرسة "دول الدانوب" التي تتميز بالتمريرات القصيرة السريعة.
وضم المنتخب التشيكوسلوفاكي حارسا رائعا هو "فرانتيسيك بلانيكا"، بالإضافة إلى المهاجم المتألق "أولدريخ نييدلي"، الذي توج هدافا للبطولة برصيد 5 أهداف.
وبعد فوز صعب على رومانيا في مستهل مشواره في البطولة، نجح المنتخب التشيكوسلوفاكي في قلب تخلفه أمام سويسرا إلى فوز 3-2 في ربع النهائي بفضل هدف حاسم من توقيع "نييدلي"، الذي عاد ليضيف ثلاثية رائعة أمام ألمانيا في نصف النهائي ويضمن فوز فريقه بنتيجة 3-1. وكان عزاء ألمانيا في الميدالية البروزنية بعد فوزها على النمسا في مباراة المركزين الثالث والرابع.
ولم يتمكن "نييدلي" من التسجيل في المباراة النهائية، لكن الجناح التشيكوسلوفاكي "بوك" نجح في افتتاح حصة الأهداف لمنتخب بلاده، بعد مرور 14 دقيقة بتسديدة زاحفة وسط صمت تام في المدرجات التي غصت بحوالي 50 ألف متفرج. وكاد مرمى المنتخب الإيطالي أن يتلقى هدفا ثانيا لكن العارضة تصدت لتسديدة "سفوبودا".
ورمى أصحاب الأرض بكل ثقلهم في الشوط الثاني فأثمر الضغط هدف التعادل بواسطة "أورسي" الذي سدد كرة داخل شباك الحارس "بلانيكا" في الدقيقة 81. واستمر التعادل الإيجابي سيد الموقف في نهاية الوقت الأصلي، فخاض المنتخبان وقتا إضافيا نجح خلاله المنتخب الإيطالي في تسجيل هدف الفوز بواسطة "سكيافينو".
وكان المدرب الإيطالي القدير "فيتوريو بوتزو" أعطى تعليماته لكل من "سكيافينو" و"غوايتا" بتبادل المراكز فيما بينهما، وقد أعطت هذه الخطة ثمارها، عندما مرر "ميازا" كرة متقنة ترجمها "سكيافينو" إلى هدف الفوز، مانحا بذلك بلاده أول لقب عالمي .
إيطاليا تحسم اللقب للمرة الثانية لعام 1938م :
لم تكن الظروف المحيطة بالمونديال الفرنسي عادية على الإطلاق، حيث أقيمت البطولة الثالثة لكأس العالم FIFA وسط أجواء الحرب والصراعات. ولم يعكر هذا الواقع على الجمهور الفرنسي استمتاعه بهذا العرس الكروي على مدى 15 يوماً، ألهب خلالها المنتخب البرازيلي المشاعر بقدرات لاعبيه، قبل أن يذهب اللقب في النهاية إلى إيطاليا عن جدارة واستحقاق.
ولم تضم تشكيلة "بوتزو" في دورة فرنسا سوى ثلاث لاعبين من الفريق المتوج بلقب 1934، حيث عول المدرب كثيراً على خدمات لاعبي الوسط "جيوزيبي مياتزا" و"جيوفاني فيراري" بالإضافة إلى المهاجم النجم "بيولا"، الذي سجل هدفين من أصل أربعة في النهائي أمام المجر، لتصبح إيطاليا بذلك أول فريق يحافظ على لقبه في بطولة كأس العالم.
وكانت نهائيات 1938 آخر حدث رياضي دولي قبل انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية، إذ لم تشارك أسبانيا بسبب تخبطها في حرب أهلية، كما انسحبت النمسا بعدما أصبحت تابعة للحكم الألماني، إلا أنها كانت ممثلة ببعض اللاعبين ضمن منتخب ألمانيا. كما اتفقت أوروجواي والأرجنتين على عدم المشاركة بعد إخفاقهما في استضافة الحدث على أرضهما، بينما اختارت البرازيل السفر إلى فرنسا، حيث قدمت مباراة غاية في الروعة أمام بولندا ضمن الدور الأول.
سباعية لونيداس:
بقيت مباراة البرازيل وبولندا راسخة في ذاكرة بطولة كأس العالم، حيث فاز منتخب "السامبا" بنتيجة 6-5 بعد التمديد لإنتهاء الوقت الأصلي بالتعادل 4-4. وتعملق "ليونيداس" في هذا المهرجان التهديفي بتسجيله ثلاثية كانت كفيلة بمنح البرازيل بطاقة التأهل إلى الدور ربع النهائي، إلا أنه لم يكن الوحيد الذي تألق في هذه الموقعة حيث سجل البولندي "إرنست فيليموفسكي" رباعية سمح من خلالها لمنتخب بلاده بقلب تخلفه من 1-3 إلى تعادل 3-3 ثم 4-4، لكنه استسلم بعدها لتفوق رفاق "ليونيداس" الذي فاز بلقب هداف البطولة بسبع أهداف.
وودع "فيليموفسكي" فرنسا بجائزة ترضية، حيث أصبح أول لاعب يسجل رباعية في كأس العالم، فيما واصل "ليونيداس" مشواره مع منتخب بلاده في طريقه للتتويج بلقب هداف البطولة برصيد 7 أهداف، متقدما على المجري "غيولا زينغيلر" صاحب 6 أهداف، والتي سجل منها هدفين في الدور الأول أمام جزر الهند الهولندية الشرقية التي ظهرت للمرة الأولى والأخيرة في هذا الحدث، قبل أن تودعه إلى الأبد بهزيمة ثقيلة على يد المجر بسداسية نظيفة.
كما كانت كوبا ضمن الوافدين الجدد على البطولة، لكن مشاركتها كانت بطعم آخر، إذ حققت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أطاحت برومانيا بنتيجة 2-1 في مباراة معادة، بعد انتهاء المواجهة الأولى بالتعادل 3-3. ويرجع الفضل في ذلك إلى المهاجم "سوكورو"، الذي هز الشباك الرومانية في المباراتين. لكن حلم رفاق "سوكورو" - الذي يعني اسمه بالأسبانية "النجدة" - انتهى عند الدور ربع النهائي بهزيمة قاسية جداً على يد السويديين قوامها ثمانية أهداف نظيفة.
وعند هذا الدور انتهى المشوار الألماني أيضاً وكان ذلك على يد السويسريين الذين فازوا 4-2 في مباراة معادة، بعد تعادل الطرفان 1-1 في اللقاء الأول. وكان مدرب المنتخب الألماني حينها "سيب هيربيرغ" الذي قاد الفريق إلى اللقب العالمي بعد 16 عاماً في سويسرا بالضبط. لكن من لفت الأنظار في مواجهة 1938 كان على مقعد الاحتياط في الجهة المقابلة، حيث طبق النمساوي "كارل رابان" مع المنتخب السويسري خطة دفاع محكمة عرفت لاحقا مع الإيطاليين باسم "كاتيناتشيو".
ولم يلق الوجود الألماني والإيطالي على الأراضي الفرنسية ترحيباً كبيراً، حيث نظم الجمهور المحلي مظاهرات حاشدة ضد النظام الفاشي، إلا أن ذلك لم يؤثر على "بوتزو" ومنتخبه الذي أظهر مستوى تصاعدي من مباراة إلى أخرى، بينما ودع الألمان البطولة مبكراً.
إيطاليا تقصي أصحاب الأرض:
بدأ منتخب "الأزوري" مشواره بالفوز على النرويج 2-1 بعد التمديد بفضل هدف من "بيولا"، ثم تخطى صاحب ذهبية أولمبياد 1936 نظيره الفرنسي في ربع النهائي 3-1 بعد هدفين آخرين من توقيع "بيولا" أمام 59 ألف متفرج احتشدوا في ملعب "كولومب" في ضواحي باريس، ليؤكد أن فوزه بلقب 1934 لم يكن فقط بسبب لعبه على أرضه وبين جمهوره.
ولم يكن "موسوليني" بعيداً عن أجواء مواجهة ربع النهائي أمام فرنسا، حيث ارتدى لاعبو المنتخب الإيطالي قمصاناً سوداء بناء على أوامر الديكتاتور الفاشي.
ولم يكن التوتر والتعصب محصوراً فقط بمباراة فرنسا وإيطاليا، حيث كانت المواجهة الأخرى في ربع النهائي بين البرازيل وتشيكوسلوفاكيا ضارية بكل ما للكلمة من معنى، بعدما شهدت ثلاث بطاقات حمراء، فضلا عن إصابات وكسور متعددة قبل أن تنتهي بالتعادل 1-1 بعد التمديد.
وتعرض الحارس التشيكوسلوفاكي "فرانتيزك بلانيكا" لكسر في يده وزميله المهاجم "أولدريخ نييدلي"، هداف نسخة 1934، لكسر في ساقه لحظة تسجيله هدف التعادل لبلاده، بعد أن افتتح "ليونيداس" التسجيل لمصلحة البرازيل.
واحتكم الفريقان إلى مباراة معادة شهدت مشاركة لاعبَين فقط من المباراة الأولى مع المنتخب البرازيلي، كان أحدهما المهاجم "ليونيداس"، والذي وجد طريقه مجدداً إلى الشباك في لقاء حسمه منتخب بلاده 2-1 ليخطف بطاقة التأهل إلى المربع الذهبي لأول مرة في تاريخه.
وقرر مدرب البرازيل "أديمار بيمينتا" أن يبقي "ليونيداس" خارج التشكيلة التي واجهت إيطاليا في مباراة نصف النهائي في مارسيليا، فدفع ثمن خياره هذا غالياً، حيث ودع الفريق المنافسات على يد المنتخب الإيطالي لخسارته بنتيجة 2-1 في مباراة لم يقدم خلالها المنتخبان أي شيء يذكر.
وأكد "ليونيداس"، الذي أطلق عليه الجمهور الأوروبي لقب "الجوهرة السوداء"، فداحة الخطأ الذي ارتكبه مدربه عندما عاد إلى التشكيلة في مباراة تحديد المركز الثالث ليسجل هدفين وليقود البرازيل للفوز على السويد 4-2.
وكانت السويد قد خسرت المواجهة الثانية ضمن دور نصف النهائي أمام المجر 1-5 في مباراة تألق خلالها "زينغيلر" بتسجيله ثلاثية حرمت السويديين من منح ملكهم "غوستاف الخامس" هدية التأهل إلى النهائي في الذكرى الثمانين لولادته.
وكان المنتخب المجري بقيادة مدربه "ألفرد شافر" و"زينغيلر" الأوفر حظا للفوز باللقب، عندما دخل لمواجهة إيطاليا في باريس. ولكن منتخب "بوتزو" خالف كل التوقعات وخرج فائزاً من المواجهة عن جدارة واستحقاق، بفضل الثنائي "فيراري" و"مياتزا"، أو "مهندسي النصر" بحسب صحيفة "لوتو" حينها.
واستهل المنتخب الإيطالي المباراة بطريقة مثالية فافتتح التسجيل منذ الدقيقة السادسة بواسطة "كولاوزي" ولكن الرد المجري جاء بعد دقيقتين فقط عندما أدرك "بال تيتكوس" التعادل. إلا أن التفوق الإيطالي كان واضحاً، حيث أنهى رجال "بوتزو" الشوط الأول متقدمين بنتيجة 3-1، بعدما أضاف "بيولا" و"كولاوزي" هدفين في الدقيقتين 16 و35.
إلا أن المجريين رفضوا الاستسلام وعادوا مجدداً إلى أجواء اللقاء بعدما قلص "غريغوري ساروزي" الفارق في الدقيقة السبعين قبل أن يطلق "بيولا" رصاصة الرحمة في الدقيقة 82 بتسجيله هدفه الشخصي الثاني في المباراة والخامس في البطولة، مؤكدا جدارة تتويج منتخب بلاده باللقب للمرة الثانية على التوالي.
أورجواي تفوز باللقب العالمي للمرة الثانية في تاريخه عام 1950م :
شيدت البرازيل أكبر ملعب في العالم ليكون مسرحا رائعا لنهائيات عام 1950، بيد أن حلمها بالتتويح باللقب العالمي للمرة الأولى في هذه المعلمة الرياضية اندثر في واحدة من أكبر مفاجآت البطولة على الإطلاق.
واختتمت هذه النسخة من كأس العالم على شكل بطولة مصغرة تضم أربعة منتخبات، على أن يحرز اللقب الفريق الذي يحقق أعلى رصيد من النقاط. والتقت البرازيل مع أوروجواي في المباراة الحاسمة لتحديد هوية البطل، حيث كان التعادل كافيا لتتويج أصحاب الأرض. ونجح منتخب السامبا في افتتاح حصة التسجيل عبر "فرياكا" قبل أن تقلب أوروجواي النتيجة في مصلحتها بواسطة هدفين حملا توقيع كل من "خوان شيافينو" و"السيديس غيغيا".
ونزل الهدفان كقطعة ثلج بارد على الجماهير المحلية، حيث أطبق صمت رهيب على مدرجات ملعب "ماراكانا"، في الوقت الذي كانت الجارة الجنوبية الصغيرة تحتفل بلقبها الثاني.
وكانت أوروجواي، التي توجت بطلة أيضا عام 1930، قد خاضت مباراة واحدة قبل بلوغ الدور النهائي من البطولة، حيث سحقت بوليفيا بثمانية أهداف نظيفة، لكنها نجحت بعد ذلك في قلب تخلفها في مبارياتها الثالث الموالية، ليؤكد رجال المدرب "إيفان لوبيز" مدى تماسكهم وقوتهم المعنوية في هذه البطولة، ما أدى إلى خلق كلمة جديدة في اللغة الأسبانية "ماراكانوزو"، وهي ما زالت سارية حتى أيامنا هذه للإشارة إلى خسارة البرازيل أمام فريق منافس في الملعب الشهير.
وكانت بطولة كأس العالم FIFA في البرازيل أول دورة تقام بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث بقيت الكأس المرموقة خلال سنوات الصراع مخبأة في علبة أحذية تحت سرير نائب رئيس الاتحاد الدولي FIFA الدكتور "أوتورينو باراسي". وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، أصبحت البطولة تحمل اسم "كأس جول ريميه" للاحتفال باستمرارية هذا الحدث العالمي الكبير.
13 منتخبا في النهائيات :
لم يشارك في النهائيات سوى 13 منتخبا، وذلك بسبب غياب بعض دول أوروبا الشرقية وسلسلة انسحابات من منتخبات عريقة مثل الأرجنتين وفرنسا، حيث اعترضت هذه الأخيرة احتجاجاً على برنامج البطولة الذي كان يتطلب رحلة مسافتها 3.500 كلم بين المباراة والأخرى.
وشاركت إنجلترا للمرة الأولى بعد إحرازها بطولة الدول البريطانية، بينما اعتذرت اسكتلندا رغم احتلالها المركز الثاني في البطولة ذاتها، وهي نتيجة كانت تخول لها المشاركة في نهائيات كأس العالم. ومن جهة أخرى، شهدت البطولة تخلف منتخب تركيا الذي اعتذر عن المشاركة كذلك. وفي المقابل، رفضت الهند المشاركة احتجاجا على قرار الاتحاد الدولي FIFA بعدم السماح للاعبي منتخبها باللعب حفاة الأقدام. أما أوروجواي فقد كانت ضمن خمس دول من أميركا الجنوبية التي لم تخض أي مباراة في التصفيات.
وجرى الدور الأول بنظام غير مألوف، حيث وزعت المنتخبات المشاركة على مجموعتين مؤلفتين من أربعة فرق، ومجموعة أخرى من ثلاثة، ورابعة مشكلة فقط من منتخبي أوروجواي وبوليفيا. وإذا كان ملعب "ماراكانا" صرحا لطموحات البرازيليين، فإن الآمال كانت معلقة على رجال المدرب "فلافيو كوستا" ليقارعوا عظمة هذا المعلمة العمرانية الكبيرة. وبالفعل استهل نجوم السامبا مشوارهم في البطولة بفوز رائع على المكسيك برباعية نظيفة.
وبعد أن تعادل المنتخب البرازيلي مع نظيره السويسري 2-2 في مباراته الثانية، كان الفريق في حاجة إلى الفوز في مباراته الأخيرة ضد يوغوسلافيا لبلوغ الدور النهائي. وحالف الحظ أصحاب الأرض في تلك المواجهة، حيث كان مهاجم يوغوسلافيا "رايكو ميتيتش" يخضع للعلاج لإصابة في رأسه، عندما نجح المنتخب البرازيلي في افتتاح حصة التسجيل بواسطة "اديمير" قبل أن يضيف الثاني عبر "زيزينيو".
وفي الوقت الذي حجز المنتخب البرازيلي بطاقته إلى الدور النهائي، ودع المنتخب الإيطالي حامل اللقب البطولة بخسارته أمام السويد 2-3. وكان المنتخب الاسكندينافي الهاوي خسر ثلاثيه المتألق "غونار غرين" و"غونار نوردال" و"نيلز ليدهولم" لمصلحة الدوري الإيطالي الممتاز بعد فوز السويد بذهبية دورة الألعاب الأولمبية عام 1948. لكن ذلك لم يمنع رجال المدرب الإنجليزي "جورج راينور" من التغلب على المنتخب الإيطالي الذي فقد أبرز أعمدته بسبب تحطم طائرة كانت تقل لاعبي تورينو، موديا بحياة 19 منهم، في ما عرف بكارثة "سوبرغا" قبل عام من انطلاق بطولة العالم.
الولايات المتحدة تباغث إنجلترا :
كان "راينور"، الذي نجح في قيادة منتخب السويد إلى المركز الثالث في هذه البطولة، الإنجليزي الوحيد الذي ظل مبتسما طوال أيام المنافسات، ذلك أن منتخب بلاده تعرض لخسارة مذلة في أول مشاركة له في النهائيات. ووصل الإنجليز، الذين يعتبرون مؤسسي كرة القدم الحديثة، إلى نهائيات البرازيل دون أن يسبق ذلك أي استعداد أو تحضير جدي، فدفعوا الثمن غاليا في مدينة "بيلو هوريزونتي" عندما خسروا أمام الولايات المتحدة صفر-1. وكان المنتخب الأميركي، بقيادة الأسكتلندي "بيل جيفري"، قد تقدم على إسبانيا 1-صفر في معظم فترات مباراته الأولى قبل أن يسقط بنتيجة 1-3، لكنه نجح أمام إنجلترا في الحفاظ على هدف السبق الذي سجله في الشوط الأول اللاعب "جو غايتينز" المولود في "هايتي" .
واعتقدت الصحف الإنجليزية للوهلة الأولى بوجود خطأ مطبعي، فصححته معتبرة بأن المباراة انتهت في مصلحة منتخب بلادهم بواقع 10-1. لكن الحقيقة أن المنتخب الإنجليزي، الذي ضم في صفوفه "ألف رامسي" مهندس فوز منتخب بلاده بالكأس لاحقا عام 1966، كان في طريقه إلى خروج مذل من الدور الأول، حيث سقط في مباراته الثانية أمام أسبانيا بالنتيجة ذاتها، بعدما تلقت شباكه هدفا مباغثا من توقيع "زارا".
واستهل المنتخب البرازيلي الدور النهائي بشكل رائع مسجلا فوزا ساحقا على السويد 7-1، حيث أحرز مهاجمه "أديمير" رباعية، ساهمت لاحقا في تتويجه هدافا للبطولة برصيد 8 أهداف. وواصل أصحاب الأرض تألقهم عندما حققوا فوزا عريضا على أسبانيا 6-1 ليضعوا يدا واحدة على الكأس قبل خوض المباراة الأخيرة والحاسمة ضد أوروجواي، والتي كانت قد قلبت تخلفها في مباراتها أمام السويد إلى تعادل 2-2، قبل أن تتخطى أسبانيا بصعوبة 3-2.
ورغم أن منتخب "لاسيليستي" فاز في واحدة من ثلاث مباريات ودية ضد البرازيل قبل انطلاق البطولة بشهرين، فإن الثقة العالية في صفوف أصحاب الأرض جعلت صحيفة "غازيتا اسبورتيفا" الصادرة في ساو باولو تعلن تحت عنوان عريض "غدا سنهزم أوروجواي! وأعلن عمدة ريو دي جانيرو البرازيل بطلة للعالم قبل انطلاق المباراة النهائية. ولم يكن أحد يتوقع حدوث العكس، لكن خابت تنبؤات الجمهور الذي قدر رسميا بحوالي 174 ألف متفرج- لكن العدد ناهز 200 ألف على الأرجح.
وكما كان منتظرا، تمكن المنتخب البرازيلي من افتتاح باب التسجيل بعد عملية مشتركة بين "زيزينيو" و"أديمير" أثمرت تسجيل "فرياكا" لهدف السبق. لكن أوروجواي، بقيادة "أوبدوليو فاريلا"، أدركت التعادل في الدقيقة 66 عندما تفوق "غيغيا" في الجهة اليمنى على "بيغودي" وأرسل كرة عرضية باتجاه "شيافينو" فأودعها الأخير في الشباك. ثم حدث ما لم يكن في الحسبان في الربع ساعة الأخير، حيث نجح "غيغيا" في التفوق مجددا على "بيغودي"، ليودع الكرة بسهولة داخل شباك الحارس البرازيلي "باربوسا" ويرسل أوروجواي إلى النعيم والبرازيل إلى الجحيم.
كأس العالم بسويسرا 1954م مفاجأة الألمان :
نجح المنتخب الألماني في تحقيق مفاجأة أكبر من مفاجأة أوروجواي قبل أربع سنوات حين فاز باللقب في سويسرا منهياً السجل الكبير للمجر بدون أي خسارة في 31 مباراة في نهائي أصبح يعرف باسم معجزة بيرن. حيث قلب المنتخب الألماني تخلفه بهدفين ليحقق الفوز بنتيجة 3-2 على نفس الخصم الذي خسر أمامه بنتيجة 8-3 قبل أسبوعين ليقدم جول ريميه، رئيس الإتحاد الدولي FIFA في ذلك الوقت الكأس إلى فريتز فالتر ليتعلم الجميع درساً مهماً وهو: "لا تستبعدوا الألمان أبدا من حساباتكم".
بوشكاش "الرائد القوي" :
دخل منتخب المجر إلى نهائيات 1954 وهو يحمل اللقب غير الرسمي كأفضل فريق في العالم بعدما توجوا بذهبية أولمبياد 1952 وسطروا 23 فوزاً و4 تعادلات على التوالي قبل وصولهم إلى سويسرا، بما في ذلك الانتصار التاريخي على إنجلترا 6-3 في تشرين الثاني/نوفمبر 1953 ليصبح المجر أول منتخب من خارج بريطانيا يسقط الإنجليز في "ويمبلي".
وكان نجم المنتخب المجري في ذلك الوقت هو "فيرينك بوشكاش" الذي كان يحمل لقب "الرائد القوي"، حيث كان يلعب حينها مع فريق الجيش "هونفيد" وكان يتميز بتسديداته القوية بقدمه اليسرى.
وضم فريق المدرب غوستاف شيبيش أيضاً ترسانة من اللاعبين الكبار مثل زميلي بوشكاش في خط الهجوم "ساندور كوتشيش" و"ناندور هيديكوتي" ولاعب الوسط "جوزف بوتشيك"، مما جعل الفريق يتميز بأسلوبه الهجومي الخاص معتمداً في معظم الأحيان على تشكيلة 4-2-4 التي شهدت لعب "بوشكاش" و"كوتشيش" كرأسي الحربة ومن خلفهما "هيديكوتي". واستعد المنتخب المجري للبطولة بسحقه للمنتخب الإنجليزي بنتيجة 7-1 في "بودابيست" قبل أن يسجل الفريق 17 هدفاً في أول انتصارين في الدور الأول من البطولة حيث فاز بنتيجة 9-0 على كوريا الشمالية و8-3 على ألمانيا الغربية. إلا أن النتيجة الأخيرة لم تكن مهمة كما بدا.
وكان نظام البطولة يقضي بأن يلعب المنتخبين المصنفين في كل مجموعة مع الفريقين غير المصنفين والعكس. لذلك دخل مدرب المنتخب الألماني "سيب هيربرغر" مباراة المجر وهو يعلم بأن فريقه سيخسر المباراة ولكنه سيتأهل على الرغم من ذلك في المركز الثاني بفوزه في مباراة التصفية أمام الفريق الآخر في التصنيف منتخب تركيا والذي كان قد فاز عليه مسبقاً بنتيجة 4-1. لذلك أجرى هيربرغر سبع تغييرات على تشكيلة الفريق وهو ما أسقط فريقه بنتيجة قاسية قبل أن يشرك تشكيلة قوية فاز بها بنتيجة 7-2 على تركيا في مباراة فاصلة ضمنت للفريق التأهل إلى ربع النهائي.
فيضان من الأهداف:
لم يكن مفاجئاً أن نهائيات سويسرا هي أكثر نهائيات كأس العالم FIFA تهديفاً خصوصاً مع تسجيل 41 هدفاً في هذه المجموعة فقط حيث شهدت النهائيات تسجيل 140 هدفاً في 26 مباراة بمعدل خمس أهداف في المباراة الواحدة. وكانت موقعة ربع النهائي بين النمسا وسويسرا المضيفة الأكثر تهديفاً حيث شهدت اثني عشر هدفاً بعدما تقدم أصحاب الأرض بنتيجة 3-0 في أول 19 دقيقة قبل أن يتلقى المنتخب السويسري خمسة أهداف في عشر دقائق قبل الاستراحة ليخسر المباراة بنتيجة 7-5.
وعلى الرغم من غزارة الأهداف، إلا أن الوافدين الجديدين كوريا الجنوبية واسكتلندا فشلا في إيجاد طريقهما إلى الشباك ليودعا البطولة في ذيل ترتيب مجموعتيهما.
وكان منتخب اسكتلندا قد خسر بنتيجة 7-0 أمام منتخب أوروجواي حامل اللقب والذي حقق الثنائية بفوزه على فريق بريطاني آخر هو منتخب انجلترا في دور الثمانية في مباراة شهدت مشاركة لاعبان في التاسعة والثلاثين من العمر حيث شارك "أوبدوليو فاريلا" مع أوروجواي و"ستانلي ماثيوز" مع منتخب إنجلترا. وعلى الرغم من محاولات الأخير، إلا أن منتخب أوروجواي حسم المباراة بنتيجة 4-2 بعدما سجل فاريلا والمهاجم النجم "خوان شيافينو"، الذي سجل هدفاً في نهائي البطولة السابقة، هدفين من الأهداف الأربعة.
وكان الخصم التالي لأوروجواي الفريق الفائز من مواجهة ربع النهائي الأخرى بين المجر والبرازيل في المباراة التي ارتدى فيها لاعبو البرازيل قمصاناً صفراء للمرة الأولى كانت من تصميم أحد الفائزين بمسابقة أطلقتها إحدى الصحف المحلية. إلا أن آمال المنتخب البرازيلي انتهت في المباراة القوية التي عرفت فيما بعد باسم "معركة بيرن". وسجل الفائز بالحذاء الذهبي كوتشيش هدفين من أهدافه الإحدى عشر في البطولة ليقود المجر إلى الفوز بنتيجة 4-2 ولكن المباراة شهدت طرد "بوتشيك" من المجر و"نيلتون سانتوس" و"هومبرتو" من البرازيل قبل أن تمتد المواجهة إلى غرف الملابس بعد نهاية المباراة.
وكرر المنتخب المجري نتيجة هذه المباراة في مواجهة نصف النهائي أمام أوروجواي حيث نجح منتخب أوروجواي في قلب تخلفه في المباراة بنتيجة 2-0 بفضل ثنائية "خوان هولبرغ" قبل أن يتعرض لخسارته الأولى في نهائيات كأس العالم. وبينما واجه المنتخب المجري اختبارين قويين، تأهل منتخب ألمانيا الغربية إلى النهائي بكل سهولة بعد فوزه على يوغوسلافيا بنتيجة 2-0 قبل أن يقصي جاره المنتخب النمساوي بنتيجة 6-1 في المباراة التي شهدت تسجيل الشقيقين "فريتز" و "أوتمار فالتر" هدفين في المباراة.
المناخ المثالي لفريتز فالتر:
أقيم النهائي في 4 تموز/يوليو على ملعب "وانكدورف" في بيرن في جو ممطر كان إيجابياً للمنتخب الألماني الذي كان معروف أن قائده "فريتز فالتر" يعاني في الطقس الحار بسبب ذكرياته الأليمة مع مرض الملاريا الذي ألم به خلال سنوات الحرب. وكانت هذه الأجواء مثالية حيث أصبحت تعرف لدى الجماهير الألمانية بأنها كانت "المناخ المثالي لفريتز فالتر".
في المقابل كان هناك بعض المخاوف حول إمكانية مشاركة بوشكاش الذي غاب عن آخر مباراتين بعد ضربة على كاحله من "فيرنر ليبريخ" في المباراة الأولى بين المنتخبين.
وعلى الرغم من عدم تعافيه بشكل كامل، إلا أن بوشكاش افتتح التسجيل في المباراة بعد مرور ست دقائق وبعد دقيقتين فقط عزز المنتخب المجري تقدمه بنتيجة 2-0 بعدما أوقع الحارس الألماني "توني توريك" الكرة أمام "زولتان تشيبور" الذي سجل الهدف الثاني.
إلا أن المنتخب الألماني نجح في تعديل النتيجة بحلول الدقيقة الثامنة عشر حيث سجل "مورلوك" هدف تقليص الفارق بتسديدة في الزاوية البعيدة قبل أن يسجل ران هدف التعادل بعد ركنية من "فريتز فالتر".
ومع ازدياد هطول الأمطار، ارتفعت حدة المباراة وحرمت العارضة "هيديكوتي" من التسجيل. ولكن قبل نهاية المباراة بست دقائق، حصل "ران" على الكرة على حافة منطقة الجزاء قبل أن يسدد كرة قوية بيسراه في الزاوية البعيدة لمرمى المنتخب المجري. وبقي بعض الوقت لبوشكاش ليسجل هدف التعادل ولكن الهدف ألغي بداعي التسلل قبل أن تنطلق صافرة النهاية معلنةً حقيقة لا بد منها: خسر منتخب المجر، وولدت قوة عظمى جديدة.
السويد 1958م ميلاد الجوهرة والبرازيل تبدأ رقصة الذهب العالمي :
شكلت أيام السويد الصيفية الطويلة والمشرقة خلفية ذهبية لمشهد إسدال الستار الرائع للمنتخب البرازيلي الفائز بكأس العالم FIFA سنة 1958، إذ شهدت البطولة ولادة نجم عالمي كبير في السابعة عشرة من عمره هو البرازيلي "أدسون أرانتس دوناسيمنتو" المعروف بلقب "بيليه".
وبفضل تنظيم تكتيكي جديد وامتلاك موهبتين رائعتين في الهجوم ("بيليه" و"غارينشا")، فاز المنتخب البرازيلي على نظيره السويدي بنتيجة 5-2 في النهائي الذي أقيم على ملعب "رازوندا" ليصبح أول منتخب يحرز اللقب خارج قارته. ولم يكن البرازيليون الأبطال الوحيدين في البطولة، حيث سجل "جوست فونتين" رقماً قياسياً من الأهداف في دورة واحدة لا يزال صامداً حتى الآن حيث سجل 13 هدفاً في ست مباريات ليقود منتخب بلاده إلى المركز الثالث بجدارة واستحقاق وهو الإنجاز المميز للاعب الذي شارك مع فريقه كبديل ل"رينيه بليار" الذي تعرض للإصابة.
واستعد المنتخب البرازيلي بقيادة مدربه "فينسنتي فيولا" جيداً لهذه البطولة، حيث قرر مواجهة التحدي الكبير المتمثل بالفوز بكأس العالم. فبعد ثلاثة أشهر من التدريبات المكثفة، قام المنتخب البرازيلي بجولة في مختلف أنحاء أوروبا في الفترة التي سبقت انطلاق النهائيات، قبل أن يحط الرحال في السويد بوفد كبير ضم من بين أعضائه طبيباً نفسياً. واعتمد المنتخب البرازيلي طريقة 4-2-4، حيث لم يشرك المدرب "بيليه" أو "غارينشا" إلا في المباراة الأخيرة من الدور الأول ضد الإتحاد السوفيتي. وشكل "بيليه" إلى جانب "فافا" ثنائي خط الهجوم، في حين لعب "غارينشا" على الجهة اليمنى، ففاز المنتخب البرازيلي بنتيجة 2-0 ليضمن المركز الأول في المجموعة. وارتفعت معنويات البرازيل عندما جاء هدف "بيليه" الأول في النهائيات ضد ويلز في الدور ربع النهائي والذي منح الفوز لمنتخب السامبا حاملاً معه بطاقة التأهل إلى نصف النهائي.
وخاض أصحاب الأرض السويد النهائيات بمعنويات عالية، حيث سُمح لها بتعزيز صفوفها خلال البطولة بلاعبيها المحترفين ليعود اللاعبين المحترفين في الدوري الإيطالي وخصوصاً "غونار غرين" و"نيلز ليدهولم"، نجمي المنتخب الذي توج بالذهبية الأولمبية سنة 1948، بالإضافة إلى وجود الهداف الجناح "كورت هامرين". إلا أن استعداداتهم لم تكن في المستوى المطلوب، لدرجة أن "بنغت غوستافسون" المحترف في إيطاليا لم ينضم إلى صفوف المنتخب إلا قبل ثلاثة أيام فقط من المباراة الافتتاحية.
ابتهاج سويدي:
كانت المعنويات عالية داخل صفوف المنتخب السويدي بقيادة مدربه الإنجليزي "جورج راينور" ولكن التطلعات لم تكن كبيرة. فبعد تصدر أصحاب الأرض مجموعتهم في الدور الأول، حزم بعض اللاعبين حقائبهم قبيل المواجهة مع الإتحاد السوفيتي في ربع النهائي، ظنا منهم بأنهم سيخرجون من البطولة. إلا أن المنتخب السويدي فاز على المنتخب السوفيتي قبل أن يتخطى ألمانيا الغربية بنتيجة 3-1 في نصف النهائي في غوتنبرغ، ليحجز مقعده في المباراة النهائية. وكان المنتخب الألماني بقيادة مدربه "سيب هيربيرغر" يضم في صفوفه المهاجم "أوفي ران" الذي سجل ست أهداف وزميله في خط الهجوم "أوفي زيلر" الذي خاض خمس مباريات من المباريات الإحدى والعشرين في نهائيات كأس العالم FIFA على التوالي. ولم يكن الألمان سعداء بالخسارة واستاءوا من فرقة التشجيع السويدية التي لم تتوقف عن تشجيع منتخب بلادها بالقرب من الملعب طوال اللقاء.
وللمرة الأولى حظيت بطولة كأس العالم FIFA بتغطية تلفزيونية عالمية في تاريخها، إلا إن دول أوروبا الشرقية لم تتمكن من المشاهدة بسبب إنها لم تكن مجهزة بأنظمة ملائمة لاستقبال البث المباشر، وكان ذلك أمر مؤسفً بالنسبة للاتحاد السوفيتي، الذي كان أحد المنتخبات المشاركة للمرة الأولى في العرس الكروي إلى جانب ويلز ومنتخب أيرلندا الشمالية الذي تأهل إلى النهائيات على حساب إيطاليا. وبمشاركة ويلز وأيرلندا الشمالية ووجود إنجلترا واسكتلندا، فإن جميع ممثلي الكرة البريطانية تواجدوا في النهائيات للمرة الأولى والوحيدة حتى الآن.
وتضاءلت آمال الإنجليز بإحراز اللقب بفقدان عدد من اللاعبين الأساسيين في حادثة طائرة ميونيخ في فبراير من ذلك العام وعلى الرغم من تعادلهم السلبي مع البرازيل، التعادل السلبي الأول في تاريخ النهائيات، فإن المنتخب الإنجليزي خسر المباراة الفاصلة أمام الإتحاد السوفيتي لتحديد هوية المتأهل منهما إلى ربع النهائي، بعدما تعادل المنتخبان بنفس الرصيد من النقاط.
وفازت كل من ويلز وأيرلندا الشمالية في مباراتهما الفاصلة في الدور الأول على المجر وتشيكوسلوفاكيا. وكانت ويلز قد تأهلت إلى النهائيات في السويد عن طريق الصدفة بحلولها ثانية في مجموعتها، لكنها كانت مدعوة إلى مباراة فاصلة أمام إسرائيل والتي انسحب جميع خصومها لأسباب سياسية. واستغلت ويلز هذه الفرصة برغم غياب نجمها الشهير "جون تشارلز"، ليتأهل الفريق إلى دور الثمانية قبل أن يخسر بصعوبة أمام البرازيل بهدف يتيم من توقيع "بيليه".
أهداف فرنسية بالجملة :
بعد تخطي المنتخب المجري الذي غاب عنه أبرز نجومه أمثال "فيرينك بوشكاش" و"ساندور كوتشيش"، سقط المنتخب الأيرلندي الشمالي أمام فرنسا في ربع النهائي. ونجح المنتخب الفرنسي في التفوق على نظيره البرازيلي من حيث عدد الأهداف المسجلة، إذ تمكن من هز شباك خصومه 23 مرة، بفضل الرؤية الثاقبة لنجمه "ريمون كوبا" الذي كان قد توج لتوه بطلاً لأوروبا مع العملاق الأسباني "ريال مدريد"، ليتم اختياره في ما بعد أفضل لاعب في أوروبا. لكن أبرز ما ميز الأداء الهجومي للفريق الأزرق هو الحس التهديفي لمهاجمه "جوست فونتين"، الذي أمطر شباك الفرق المنافسة بسيل من الأهداف.
وكانت المواجهة بين البرازيل وفرنسا في نصف النهائي هي أفضل مباراة في البطولة. وعلى الرغم من تسجيل "فونتين" هدف التعادل لفرنسا بعدما تقدم المنتخب البرازيلي عن طريق "فافا"، إلا أن هدف البرازيل الثاني عن طريق "ديدي" ضمن للمنتخب الجنوب أمريكي التقدم مع نهاية الشوط الأول. وبعد الاستراحة، استلم "بيليه" زمام المبادرة حيث سجل ثلاثية ليقود بلاده للفوز بنتيجة 5-2 على المنتخب الفرنسي الذي أنهى المباراة بعشر لاعبين بسبب إصابة المدافع "بوب جونكيه".
وفي المباراة النهائية، ارتدى لاعبو البرازيل قمصاناً زرقاء نظرا لتشابه زيهم الأصفر المعتاد مع الزي الرسمي للمنتخب السويدي. ونجح المنتخب البرازيلي في تسجيل خمسة أهداف بعدما تخلف مبكراً بهدف من "ليدهولم" الذي أعطى التقدم للمنتخب السويدي. وسجل كل من "فافا" و"بيليه" هدفين قبل أن يضيف "ماريو زاجاللو"، الذي فاز بعد ذلك بكأس العالم مع البرازيلي كمدرب، الهدف الخامس. وكان الهدف البرازيلي الثالث الذي حمل توقيع "بيليه" واحداً من أجمل أهداف البطولة، حيث قام بإسقاط الكرة من فوق أحد المدافعين السويديين بمهارة كبيرة قبل أن يطلق قذيفة داخل شباك الحارس "كارل سفنسون". وكان المنتخب البرازيلي قد نجح في كسب تعاطف الجماهير السويدية نظراً للروح الرياضية العالية التي تمتع بها اللاعبون خارج الملعب قبل أن يحتفل نجوم السامبا بالفوز رافعين علم البلد المضيف وطائفين به حول الملعب. كما تلقى أعضاء المنتخب البرازيلي أيضاً تهنئة الملك السويدي "غوستاف الرابع"، وهو التنويه الملكي للفوز الذي اختتمته دموع المراهق الذي أطلق عليه لاحقا لقب "الملك".
1962م تشيلي تستضيف المونديال والبرازيل يؤكدون أنهم الأبطال :
كان "غارينشا" مصدر الإلهام الذي قاد المنتخب البرازيلي للاحتفاظ بكأس "جول ريميه" في تشيلي 1962 بعد فوزه على تشيكوسلوفاكيا في النهائي بثلاثة أهداف تناوب على تسجيلها "أماريلدو" و"زيتو" و"فافا" ولكن لم يكن هناك أي تساؤلات حول اللاعب الذي هندس فوز البرازيل بكأس العالم FIFA للمرة الثانية. هو "أروع جناح أيمن في تاريخ كرة القدم"، بهذه الكلمات وصفت صحيفة "ليكيب" الفرنسية النجم البرازيلي "غارينشا" أو "الطائر الصغير" الذي كان في أوج عطائه عن عمر لا يتجاوز خمسة وعشرين ربيعاً.
وضم المنتخب البرازيلي تسعة من اللاعبين الذين توجوا بلقب 1958 ولكنه كان بقيادة مدرب جديد هو" إيمور موريرا"، شقيق المدرب "زيزي" الذي كان قد أشرف على المنتخب البرازيلي في سويسرا 1954. واستلم "ايمور موريرا" تدريب الفريق بعدما استقال "فيسنتي فيولا" لتراجع وضعه الصحي. واعتمد المدرب الجديد على إستراتيجية جديدة متمثلة باللعب بطريقة 4-3-3 وافتتح حامل اللقب مشواره بالفوز على المكسيك بنتيجة 2-0 بفضل هدفي كل من "ماريو زاغالو" و"بيليه".
إلا أن هذا الهدف كان الأخير ل"بيليه" حيث أصيب المهاجم ذو الحادية والعشرين من العمر في فخذه في الدقائق الأولى للمباراة الثانية أمام تشيكوسلوفاكيا. وبينما انتهت البطولة ل"بيليه" فإنها كانت قد بدأت للمنتخب البرازيلي بفضل المهارات الفردية المميزة ل"غارينشا" والمساهمة الفعالة ل"زاغالو"، الذي فاز باللقب كمدرب في 1970، بالإضافة إلى "أماريلدو" بديل "بيليه".
"معركة سانتياغو" :
نالت تشيلي شرف استضافة كأس العالم FIFA على حساب جارتها الأرجنتين على الرغم من الزلزال الأضخم في القرن العشرين والذي تعرضت له قبل عامين من انطلاق البطولة، والتي انطلقت في 30 أيار/مايو 1962 على أربعة ملاعب في سانتياغو وفينا دل مار ورانكاغوا وأريكا. وبدا ملعب العاصمة "إستاديو ناسيونال" رائعاً بحلته الجديدة وبموقعه المطل على جبل الأنديز ذو القمم المكسوة بالثلوج، إلا أنه احتضن إحدى "أبشع" المباريات في تاريخ البطولة في الدور الأول عندما واجه أصحاب الأرض منتخب إيطاليا في الدور الأول.
فقد طرد الثنائي الإيطالي "جورجيو فيريني" و"ماريو ديفيد" الذي تم إقصائه بعدما قام بركل "ليونيل سانشيز" على رقبته رداً للكمة وجهها إليه اللاعب التشيلي والذي كان قد كسر في وقت سابق أنف "أومبرتو ماتشيو" أحد اللاعبين الإيطاليين المنحدرين من أمريكا الجنوبية. ونجح المنتخب التشيلي في الفوز بنتيجة 2-0 في المباراة التي وصفتها شبكة "بي بي سي" البريطانية بكونها "أغبى وأقبح وأبشع لقاء في كرة القدم على الإطلاق".
وودعت كل من إيطاليا وأسبانيا البطولة مبكراً. ودخل المنتخب الأسباني المنافسات بقيادة المدرب الأرجنتيني "هيلينيو هيريرا"، الذي غزا أوروبا لاحقا مع "إنتر ميلان" الإيطالي، وبوجود كوكبة من نجوم "ريال مدريد" من ضمنهم "فيرينك بوشكاش"، الذي دافع عن ألوان أسبانيا هذه المرة بدلا من منتخب بلاده المجر. ودخل منتخب "لاروخا" مباراته الأخيرة مع البرازيل وهو يحتاج إلى نتيجة إيجابية من أجل العبور إلى دور الثمانية.
أماريلدو يقود البرازيل:
كانت مواجهة أسبانيا والبرازيل هي الأبرز في هذا الدور (على الرغم من أنها كانت أقل إثارة من المباراة التي قلب فيها منتخب كولومبيا تخلفه بثلاث أهداف ليتعادل مع الإتحاد السوفيتي بنتيجة 4-4). تقدم المنتخب الأسباني عندما مرر "بوشكاش" الكرة إلى "أديلاردو رودريغيز" الذي سجل هدف التقدم، ومع معاناة المنتخب البرازيلي من تكتيك "كاتيناتشو" الدفاعي الذي فرضه المدرب "هيريرا"، تزايدت آمال المنتخب الأسباني في المباراة. إلا أن هدفي "أماريلدو" في الدقائق الأخيرة والذي جاء الثاني منها قبل أربع دقائق على نهاية المباراة، أسقطا المنتخب الأسباني ولتبرز التساؤلات حول عدم إشراك "ألفريدو دي ستيفانو"، الذي كان مصاب وعلى خلاف مع مدربه، في مباريات الدور الأول الثلاث.
وكانت بطولة كأس العالم تشيلي 1962 FIFA هي النسخة الأولى التي لا يطبق فيها نظام المباريات الفاصلة لتحديد المتأهل إلى ربع النهائي في حال تعادل صاحبي المركزين الثاني والثالث بعدد النقاط، فاستفاد المنتخب الإنجليزي من النظام الجديد ليتأهل بفارق الأهداف أمام المنتخب الأرجنتيني، حيث فاز المنتخب الإنجليزي على نظيره الأرجنتيني بنتيجة 3-1 ولكنه خسر بنفس النتيجة أمام البرازيل في ربع النهائي. وبينما أوقف المهاجم الإنجليزي "جيمي غريفز" كلباً شارداً دخل ملعب المباراة، إلا أنه ورفاقه لم يستطيعوا إيقاف "غارينشا" الذي سجل هدف التقدم برأسه قبل أن يسدد ركلة حرة تابعها "فافا" مسجلاً الهدف الثاني ومن ثم حسم الأمور بعد ذلك مسجلاً الهدف الثالث بتسديدة قوية من مسافة بعيدة.
بعد ذلك فاز المنتخب البرازيلي على أصحاب الأرض بنتيجة 4-2 في نصف النهائي حيث سجل كل من "غارينشا" و"فافا"، هدفين في المباراة التي حضرها 80 ألف متفرج. وتخطى المنتخب التشيلي، الذي فاز بالمركز الثالث، منتخب الإتحاد السوفيتي في إحدى مفاجئات ربع النهائي والتي شهدت خروج المجر على يد تشيكوسلوفاكيا في مباراة تألق خلالها الحارس "فيليم شرويف" الذي حرم إلى جانب خشبات مرماه المنتخب المجري من التسجيل. كما شهد هذا الدور فوز يوغوسلافيا على منتخب ألمانيا الغربية الذي فاز في المواجهتين السابقتين بين الفريقين في عامي 1954 و1958. وكانت ردة الفعل الألمانية على هذه الخسارة هي إطلاق دوري المحترفين "البوندسليغا" في العام التالي.
مازوبوست يفتتح التسجيل:
إلا أن حظ يوغوسلافيا انتهى في نصف النهائي أمام تشيكوسلوفاكيا في المباراة التي شهدت تألق "شرويف" و"أدولف شيرر" الذي سجل هدفين في آخر عشر دقائق لينتهي اللقاء بفوز فريقه بنتيجة 3-1 ليتأهل إلى النهائي لمواجهة البرازيل.
وكان فريق المدرب "رودولف فيتالسيل" قد تعادل مع البرازيل في الدور الأول في البطولة ولكن في النهائي كانت الأمور مختلفة حيث لم يكن فريقه مرشحاً خصوصاً مع مشاركة "غارينشا" في المباراة النهائية بالرغم من طرده في نصف النهائي أمام تشيلي.
إلا أن منتخب تشيكوسلوفاكيا، الذي شارك في المباراة النهائية بعد غياب 24 سنة، افتتح التسجيل في الدقيقة الخامسة عشر عن طريق لاعب الوسط المميز "جوزف مازوبوست" والذي أنهى العام بحصوله على جائزة الكرة الذهبية حيث أعطى التقدم لفريقه بعد تمريرة من "شيرر" تابعها في المرمى.
ولكن التقدم لم يدم طويلاً حيث نجح "أماريلدو" في التسجيل في مرمى "شرويف" قبل أن يصنع "أماريلدو" الهدف الثاني في الدقيقة السبعين عندما مرر كرة عرضية إلى "زيتو" الذي تابعها برأسه في المرمى معطياً التقدم للبرازيل. بعد ذلك ارتكب "شرويف" خطأً فادحاً ليعطي المهاجم "فافا" فرصة لتسجيل الهدف الثالث ولينضم إلى زميله ""غارينشا"" والتشيلي "ليونيل سانشيز" والمجري "فلوريان ألبيرت" والسوفيتي "فالنتين إيفانوف" واليوغوسلافي "درازان يركوفيتش" كهدافي البطولة حيث سجل كل منهم أربعة أهداف ليحصلوا على جائزة الحذاء الذهبي. إلا أن الجائزة الأهم على الإطلاق كانت إستحواذ البرازيل على اللقب.
1966م انجلترا تتوج بلقبها الأول :
تربعت انجلترا مهد كرة القدم على العرش العالمي لأول مرة في تاريخها. وأضفى تتويج المنتخب الإنجليزي على أرضه وأمام جماهيره نكهة مميزة على الإحتفالات، بعدما كان ملعب "ويمبلي" الشهير مسرحاً لمباراة نهائية تاريخية أمام الألمان كان بطلها المهاجم "هيرست" والحكم المساعد السوفياتي "توفيق باخراموف" الذي اعتبر أن قذيفة النجم الإنجليزي في الشوط الإضافي الأول تجاوزت خط المرمى قبل أن ترتد من القائم بينما اعترض الألمان على هذا القرار الذي مازال موضع نقاش حتى اليوم.
وتميزت هذه البطولة بإخفاق منتخبات أمريكا الجنوبية حيث ودعت البرازيل حاملة اللقب من الدور الأول بعد خسارتها أمام المجر والبرتغال بالنتيجة ذاتها 3-1 مقابل فوز وحيد على بلغاريا 2-0 بينما لقيت كل من أوروجواي والأرجنتين المصير ذاته بعد خروجهما من الدور الثاني إثر الخسارة أمام ألمانيا الغربية 4-0 وإنجلترا 1-0 على التوالي.
رامسي صاحب الرؤية الثاقبة:
دخل الإنجليز بطولة كأس العالم 1966 وهم يأملون بمحو الخيبات السابقة حيث أوكلوا مهمة الإشراف على المنتخب عام 1963 إلى المدرب "رامسي" الذي كان أحد مدافعي المنتخب عام 1950 عندما خرج الأخير على يد الولايات المتحدة الأمريكية في مفاجأة من العيار الثقيل. ووضع "رامسي" أمامه هدف حمل منتخب بلاده إلى العصر الجديد، وتمثلت أول مهمة تولاها في الإشراف شخصياً على عملية اختيار اللاعبين بعد أن كانت محصورة بلجنة اتحادية وضم "رامسي" لاعبين مكافحين يميلون أكثر إلى الأسلوب الدفاعي رافضاً الإعتماد على تشكيلة 4-2-4 الرائجة حينها واحتكم إلى اللعب بطريقة 4-4-2 ما جعل منتخبه يستحق لقب "العجائب دون أجنحة" في إشارة إلى غياب مركز الجناحين في تشكيلة الفريق.
وكان مفتاح تألق الإنجليز الثنائي المكون من المدافع "بوبي مور" ولاعب الوسط الهداف "بوبي تشارلتون" إلا أن بداية المنتخب المضيف لم تترك انطباعاً جيداً بعدما اكتفى بالتعادل السلبي مع أوروجواي قبل أن يجد لاعبوه طريقهم إلى الشباك أمام المكسيك (2-0) ثم فرنسا بالنتيجة ذاتها في اللقاء الذي شهد خطأ قاسيا للغاية من "نوبي ستايلز" على الفرنسي "جاك سيمون" ما دفع بعض الإتحادات للتقدم بطلب رسمي إلى المدرب "رامسي" لاستبعاد اللاعب من التشكيلة ولكن المدرب الإنجليزي لم يكترث لذلك.
ولم تكن البداية الصعبة للإنجليز محصورة بالنتيجة فقط، بل أن البلد المنظم تلقى ضربة موجعة عندما سرقت كأس "جول ريميه" من المعرض قبل أن يعثر عليها الكلب البوليسي "بيكلز" مطمورة في إحدى حدائق جنوب-شرق لندن.
ولم يكن "بيكلز" البطل الوحيد في هذه البطولة حيث اتجهت الأنظار أيضاً إلى الأسد "ويلي" الذي أصبح أول تميمة في تاريخ نهائيات كأس العالم FIFA.
وكان الإهتمام في الدور الأول منصباً على شمال إنجلترا وبالتحديد مدينة ليفربول حيث بدأ المنتخب البرازيلي حملة الدفاع عن لقبه بالفوز على بلغاريا بهدفين من "بيليه" و"جارينشا" اللذين أصبحا أول لاعبين يسجلان في ثلاث بطولات متتالية.
وكان هذا الإنجاز هو العزاء الوحيد للمنتخب البرازيلي في هذه البطولة حيث انقلبت الأمور رأساً على عقب في ما بعد حيث خسر في الجولة الثانية أمام المجر بنتيجة 3-1 في المباراة التي غاب عنها "بيليه" بسبب الإصابة ليتلقى المنتخب البرازيلي هزيمته الأولى في كأس العالم منذ 1954.
ولم يتغير الوضع في الجولة الثالثة رغم عودة "بيليه" فسقط منتخب البرازيل مجدداً بنفس النتيجة أمام البرتغال بعدما حد المدافع "مورايس" من تحركات "بيليه" وهو ما سهل مهمة رجال المدرب "أوتو جلوريا" لحسم اللقاء الثالث لمصلحتهم بفضل ثنائية من "أوزيبيو" الذي كان قد توج في ذلك العام بلقب أفضل لاعب في أوروبا.
الكوريون يحققون المفاجأة:
لم يكن خروج حامل اللقب المفاجأة الوحيدة في الدور الأول حيث سرق منتخب كوريا الشمالية كل الأضواء عندما أطاح بإيطاليا بهدف دون رد سجله "باك دو إيك" في الجولة الأخيرة من منافسات المجموعة الرابعة ليتأهل إلى الدور الثاني كوصيف المجموعة خلف الإتحاد السوفياتي. وكان منتخب كوريا الشمالية قد تأهل إلى العرس الكروي بفوزه على أستراليا بعد انسحاب المنتخبات الآسيوية الأخرى والأفريقية أيضاً اعتراضاً على قرار منح القارتين الصفراء والسمراء مقعداً واحداً فقط في النهائيات.
وبدا أن المنتخب الكوري في طريقهم لتحقيق مفاجأة مدوية أخرى عندما تقدم في ربع النهائي على العملاق البرتغالي 3-0 في 25 دقيقة فقط على ملعب "جوديسون بارك" في ليفربول. إلا أن "أوزيبيو" حمل منتخب بلاده على كتفيه وضرب بقوة بتسجيله 4 أهداف قبل أن يضيف "جوزيه أجوستو" هدفاً خامساً ليقودا منتخب بلادهما إلى نصف النهائي حيث توقف مشواره على يد الإنجليز بخسارته بنتيجة 2-1 بعد هدفين من "بوبي تشارلتون" مقابل هدف متأخر جاء من ركلة جزاء نفذها "أوزيبيو" الذي عانى الأمرين أمام المدافع "ستايلز".
وكان منتخب إنجلترا قد تخلص في طريقه إلى نصف النهائي من الأرجنتين بصعوبة بفضل هدف سجله "هيرست" قبل 12 دقيقة من النهاية مستفيداً من تفوقه العددي طرد قائد المنتخب الأرجنتيني "أنطونيو راتين".
ولم يبق بين الإنجليز واللقب إلا منتخب واحد هو ألمانيا الغربية بقيادة مدربه "هيلموت شون" وبوجود "فرانس بكنباور" الذي كان في العشرين من عمره حينها والذي سجل أربعة أهداف ليساهم في قيادة المنتخب الألماني إلى نهائي "ويمبلي".
وكان منتخب ألمانيا قد بدأ مشواره في البطولة بفوزه على سويسرا 5-0 في المجموعة الثانية جاء منها هدفان من توقيع "بكنباور" قبل أن يتعادل سلباً مع منتخب الأرجنتين ومن ثم حسم صدارة المجموعة بفوزه على أسبانيا بنتيجة 2-1 بهدف متأخر "أوفي سيلر". وفي الدور التالي، تخطى منتخب ألمانيا كلا من أوروجواي والإتحاد السوفيياتي الذي سقط حارسه الأسطوري "ليف ياشين" بهدفي "هالر" و"بكنباور".
وعلى الرغم من افتتاح "هالر" التسجيل للمنتخب الألماني في المباراة النهائية، إلا أن 30 تموز/يوليو 1966 كان أسعد يوم في تاريخ الكرة الإنجليزية حيث عادل "هيرست" النتيجة قبل أن يسجل "مارتن بيترز" هدف التقدم لأصحاب الأرض. واعتقد الجميع أن منتخب انجلترا قد حسم المواجهة إلا أن "فولفجانج فيبر" أسكت جماهير "ويمبلي" مرة أخرى عندما خطف هدف التعادل للألمان في الدقيقة 89 ولكن رجال "رامسي" ضربوا بقوة مجدداً عبر نجمهم الكبير "هيرست" الذي سجل هدفين في الوقت الإضافي ليقود منتخب إنجلترا إلى منصة التتويج.
1970م المكسيك تشهد عودة سحر البرازيليين والنقل التلفزيوني للمرة الأولى :
للمرة الأولى نقلت مباريات نهائيات كأس العالم FIFA على الهواء بالألوان ولكن لم يطغى أي شي على نضارة ألوان قميص منتخب البرازيل الصفراء. فبفضل عودة "بيليه" القوية وتسجيل "جيرزينيو" في كل مباراة، لم يتمكن أحد من إيقاف رجال المدرب "ماريو زاجاللو" حيث فاز الفريق على إيطاليا في المباراة النهائية ليحرزوا اللقب للمرة الثالثة ويحتفظوا بكأس "جول ريميه" إلى الأبد. وإذا ما كان اللقب قد دون بإسم البرازيل، فإن آخرين قدموا الكثير أيضاً في هذا العرس الكروي وكان أبرزهم "المدفعجي" الألماني "غيرد مولر" الذي سجل عشرة أهداف في البطولة.
نقلت مباريات نهائيات كأس العالم FIFA للمرة الأولى بالألوان، حيث شاهد عشرات الملايين تألق وروعة المنتخب البرازيلي، الذي قدم كرة هجومية استعراضية منحته اللقب الثالث في تاريخه عن جدارة واستحقاق. ومنح الفوز على إيطاليا في النهائي بنتيجة 4-1 منتخب البرازيل الحق في الاحتفاظ بكأس "جول ريميه" إلى الأبد، كما شكل أفضل وداع للنجم الكبير "بيليه" في مشاركته الأخيرة في نهائيات كأس العالم.
وكان "بيليه" هدد بعدم المشاركة بعد التجربة المريرة التي خاضها في إنجلترا قبل أربع سنوات، حيث تعرض لشتى أنواع الركل والخشونة ولكنه عاد وأخذ مكانه في الفريق الذي كان غنياً بالمهاجمين حيث شكل خماسي المقدمة المكون من "جيرزينيو" و"بيليه" و"جيرسون" و"توستاو" و"ريفيلينو" خطاً هجومياً مرعباً يهابه الجميع. ولم يجسد أي شيء جمال الكرة التي قدمها هؤلاء أكثر من الهدف الرابع في النهائي ضد إيطاليا على ملعب "أزتيكا ستاديوم"، بعد أن مرر بيليه كرة رائعة باتجاه قائده "كارلوس ألبرتو" لينهي الأخير مسلسل سبع تمريرات بكرة من لمسة أولى استقرت في الزاوية البعيدة لمرمى الحارس "إنريكو ألبرتوزي".
وقبل انطلاق النهائيات، تخوف كثيرون من الظروف المناخية التي يواجهها اللاعبون خصوصاً في أجواء حارة ومرتفعة جداً عن سطح البحر وازدادت هذه المخاوف أيضاً بعد قرار إقامة المباريات وقت الظهيرة لكي يتناسب توقيتها مع البث التلفزيوني في الدول الأوروبية. ولم تكن تلك الإشارة الوحيدة للتغيرات التي بدأت حيث تم أيضاً السماح بإجراء تبديلين لكل منتخب للمرة الأولى في تاريخ البطولة كما منح الحكام حق رفع البطاقتين الصفراء والحمراء واستعملت كرة "أديداس" ذات اللونين الأسود والأبيض والتي أطلق عليها اسم "تيلستار".
صدة "بانكس" العجيبة:
جمعت أبرز مباراة في الدور الأول بين حامل اللقب منتخب إنجلترا والبرازيل. وشهدت المواجهة أشهر صدَة في تاريخ نهائيات كأس العالم FIFA حيث نجح حارس إنجلترا "غوردون بانكس" في التصدي ببراعة لكرة رأسية سددها "بيليه" عندما أبعدها من الزاوية السفلى إلى فوق العارضة. وأسفرت المباراة التي كانت الإختبار الأصعب للبرازيل عن فوز المنتخب البرازيلي بهدف ل"جيرزينيو" الذي دخل التاريخ بعدما سجل في كل مباراة في هذه البطولة. في المقابل، نجح قائد إنجلترا "بوبي مور" في تقديم أداء رفيع المستوى متخطياً الصعوبات التي واجهته قبل انطلاق البطولة، عندما ألقت السلطات الكولومبية القبض عليه بعد أن اتهم زوراً بسرقة سوار.
ومن جهتها كانت إسرائيل عاقدة آمال كبيرة على مشاركتها في النهائيات للمرة الأولى بعد رفض كوريا الشمالية مواجهتها في التصفيات. وقدم الوافد الجديد عروضاً واعدة بعد تعادله السلبي مع إيطاليا في مباراتهما الإفتتاحية. ونجح المنتخب المغربي أيضاً في ترك صورة جيدة، بعد أن تقدم على منتخب ألمانيا الغربية قبل أن يخسر بهدف متأخر سجله "غيرد مولر" وهو الهدف الأول له من بين أهدافه العشرة في البطولة والتي منحته الحذاء الذهبي.
وأضاف "مولر" ثلاثيتين في مرمى بلغاريا ثم بيرو، قبل أن يسجل هدف الترجيح في الوقت الإضافي في مباراة درامية أمام إنجلترا في ربع النهائي. وتخلف الألمان في تلك المباراة في مدينة ليون المكسيكية بهدفين نظيفين قبل 23 دقيقة على نهاية المباراة ولكن "فرانز بكنباور" و"أوفي زيلر" نجحا في إدراك التعادل لألمانيا. ولسخرية القدر، ألغي هدف "جيف هيرست"، الذي سجل هدفاً مثيراً للجدل قبل أربع سنوات أمام ألمانيا الغربية، قبل أن يسجل "غيرد مولر" هدف الحسم بتسديدة هوائية. وتحسر الإنجليز على غياب "بانكس" عن المباراة ضد ألمانيا لمرضه، ولكن الفوز الذي حققه فريق المدرب "هيلموت شيون" على الإنجليز كان الثأر المناسب للخسارة في النهائي عام 1966.
نصف نهائي مثير:
وساعدت الروح القتالية للمنتخب الألماني في تقديمه لملحمة كبيرة في نصف النهائي أمام المنتخب الإيطالي في المباراة التي شهدت تسجيل أعلى نسبة من الأهداف في الوقت الإضافي في تاريخ النهائيات. حيث أدى هدف التعادل الذي سجله "كارل هاينتس شنيلينغر" في الدقيقة التسعين إلى خوض الفريقان لوقت إضافي شهد تسجيل خمسة أهداف بما في ذلك هدفين ل"مولر"، قبل أن يفوز المنتخب الإيطالي بنتيجة 4-3 بعدما سجل أفضل لاعب في أوروبا في ذلك العام "جياني ريفيرا" هدف الفوز على المنتخب الألماني الذي شارك معه قائده "فرانز بكنباور" بكتف مخلوعة.
وبينما اكتفى منتخب ألمانيا الغربية بالمركز الثالث، نجح بطل أوروبا منتخب إيطاليا، الذي كان قد أقصى مستضيف البطولة المكسيكً، في الوصول إلى النهائي للمرة الأولى منذ سنة 1938. ولكن على الرغم من صلابة المنتخب الإيطالي الدفاعية بقيادة "جاسينتو فاكيتي" والقدرات التهديفية ل"جيجي ريفا"، فإنه دخل النهائي وهو غير مرشح للفوز باللقب.
وقدم المنتخب البرازيلي عروضاً رائعة في طريقه إلى النهائي. وقد يكون "ماريو زاجاللو" إستلم تدريب المنتخب البرازيلي خلفا ل"جواو سالدانيا" قبل ثلاثة أشهر فقط من إنطلاق البطولة، ولكن فريقه استعد بشكل مكثف للنهائيات خلال هذه المدة. فبعد فوزه على تشيكوسلوفاكيا وإنجلترا ورومانيا، وصل منتخب السامبا إلى نصف النهائي بفوزه على منتخب بيرو الذي كان يقوده مدرب برازيلي آخر هو "ديدي"، زميل "زاجاللو" في المنتخب البرازيلي في 1958 و1962. وكان منتخب بيرو قد تأهل إلى النهائيات على حساب الأرجنتين وضم في صفوفه المهاجم الشاب الواعد "تيوفيلو كوبياس" ولكنه فشل في احتواء خطورة المنتخب البرازيلي حيث خسر في المباراة بنتيجة 4-2.
خدعة بيليه:
تمكن المنتخب البرازيل من محو خيبته الكبرى المتمثلة بالخسارة في نهائي البطولة في 1950 بفوزه في نصف النهائي على أوروجواي. وعلى الرغم من تخلفه بنتيجة 1-0، إلا أن المنتخب البرازيلي عاد بفضل أهداف "كلودوالدو" و"جيرزينيو" و"ريفيلينو". ولكن الحادثة الأبرز في المباراة كانت خدعة "بيليه" التي أكدت عبقريته الفريدة حيث تلقى تمريرة من "جيرزينيو" وعندما خرج حارس أوروجواي "لاديسلاو مازوركيفيتش" لملاقاته، موه "بيليه" بجسمه دون لمس الكرة التي تخطت الحارس ليركض "بيليه" لاستقبالها من ورائه ولكنه سدد الكرة بعيداً عن المرمى.
إلا أن "بيليه"، الذي كان يسعى للفوز بلقبه الثالث في البطولة، كان من افتتح التسجيل نفسه في النهائي. وعلى الرغم من تعديل "روبرتو بوننسينيا" النتيجة، إلا أن النتيجة النهائية كانت تسجيل كل من "جيرسون" و"جيرزينيو" و"كارلوس ألبرتو" ثلاث أهداف في الشوط الثاني ليفوز المنتخب البرازيلي باللقب بكل جدارة واستحقاق. هذه الجدارة أكدتها صحيفة "إل ميساجيرو" الصادرة في مدينة روما الإيطالية والتي اعترفت بأن "الأزوري" "هُزم على يد أفضل لاعبي كرة القدم في العالم".
1974م عودة الألمان بقيادة القيصر للقبهم الثاني :
شكلت دورة 1974 دورة كرة القدم الشاملة بامتياز، حيث كانت مسرحا لعرض مهارات وإبداعات "يوهان كرويف" و"فرانز بيكنباور"، إذ ملأ النجمان الهولندي والألماني الفراغ الذي تركه "بيليه" على الساحة الكروية العالمية، ليتمكن الإثنان من قيادة فريقيهما إلى المبارة النهائية على ملعب ميونخ في السابع من يوليو/تموز 1974. وكما كان الحال أمام المنتخب المجري بقيادة المخضرم "فيرينك بوشكاس" قبل عشرين عاما، تعين على ألمانيا الغربية العودة في نتيجة المباراة لتخرج منتصرة على أفضل منتخب مشارك في النهائيات، وتتوج بثاني لقب عالمي في تاريخها.
وكانت انطلاقة المباراة النهائية مثيرة للغاية، حيث أحرز الهولنديون هدف التقدم قبل أن يتمكن لاعبو المنتخب الألماني من لمس الكرة. ففي الثواني الأولى من اللقاء، انطلق الساحر "كرويف" بالكرة من وسط الملعب باتجاه المرمى مخترقا خط الدفاع، إذ لم يقوى على إيقافه سوى خطأ "يولي هونس" في منطقة العمليات، ليعلن الحكم بذلك عن أول ضربة جزاء في تاريخ المباريات النهائية لكأس العالم FIFA. وحول "يوهان نيسكنس" على إثرها نتيجة المباراة إلى 1- 0 لمصلحة المنتخب الهولندي، والذي كان قد سجل 14 هدفا في البطولة بينما تلقت شباكه هدفاً وحيداً.
وقد تلاعب المنتخب الهولندي بخصمه خلال معظم فترات الشوط الأول كما تتلاعب القطط بالفئران، لكن الأمور تغيرت بعد الدقيقة 25 عندما انتفض الألمان، بعد إحساسهم بالإهانة على أرضهم وأمام جماهيرهم، ليحققوا التعادل من ضربة جزاء أخرى جاءت نتيجة إعاقة "ويم يانسن" للمهاجم "بيرند هلزنبين"، ليتمكن على إثرها "بول بريتنر" من تحويل الكرة داخل الشباك. ومع تمكن "بيرتي فوغتس" من احتواء خطر "كرويف"، استطاع "جيرد ميلر"، صاحب الحذاء الذهبي في الدورة السابقة، أن يضمن الفوز لألمانيا الغربية بكأس الدورة، بعد أن توصل بعرضية من "رينير بونهوف" سددها منخفضة لتستقر في شباك "يان يونغبلود".
وكانت دورة دورة ألمانيا 1974 دورة التغيير بامتياز. فقد حمل قائد منتخب ألمانيا الغربية "فرانس بيكنباور" كأسا ذهبية في شكل تمثال صغير عوضا عن الصيغة القديمة لكأس "جول ريمي" التي احتفظ به المنتخب البرازيلي بعد الفوز ببطولة 1970. كما تزامنت الدورة مع تعيين رئيس جديد للاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA، حيث ترك الإنجليزي "ستانلي روس" مكانه للبرازيلي "جواو هافلانج". وشهدت البطولة كذلك تغييرا كبيرا في نظام المنافسات، إذ أصبح الدور الثاني يلعب على شكل مجموعتين تضم كل واحدة منهما أربعة منتخبات، عوض الطريقة التقليدية المبنية على نظام خروج الخاسر في دور الثمانية ودور الأربعة.
ألمانيا الشرقية تقض مضجع الجيران:
سجلت نهائيات 1974 غياب كل من المنتخب الإنجليزي والروسي، بعد أن فشل الأول في التأهل إلى النهائيات لأول مرة في تاريخه، بينما رفض الثاني الرحيل إلى شيلي لإجراء مباراة فاصلة لأسباب سياسية. ومن بين الوافدين الجدد على البطولة، فجرت ألمانيا الشرقية مفاجأة من العيار الثقيل بفوزها في هامبورغ على الجارة الغربية بهدف دون رد في الدور الأول. ووقع الهدف "يورغن سبرافاسير" في الدقيقة 77، ليعلن من خلاله تصدر منتخب ألمانيا الشرقية للمجموعة، متقدما على أصحاب الأرض.
وتميزت الدورة بمشاركة منتخب الزائير، الذي أصبح أول فريق من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء يتأهل إلى نهائيات كأس العالم FIFA. وجاءت أكثر اللحظات طرافة في البطولة عندما أقدم المدافع الزائيري "إلونغا ميوبي" على ترك حائط الصد والتوجه لإبعاد الكرة قبل أن يلمسها لاعب الفريق المنافس، في المباراة التي جمعت ممثل القارة الأفريقية بالمنتخب البرازيلي. وعلى صعيد آخر، استفاد منتخب هايتي من استضافة الدورة النهائية التأهيلية لمنطقة أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي لحجز بطاقة التأهل إلى النهائيات. وفاجأت هايتي منتخب إيطاليا بافتتاح حصة التسجيل في مباراتهما الافتتاحية، لتنهزم بعد ذلك بنتيجة 3-1، وهي أول الهزائم الثلاث التي لحقت بالفريق الذي افتقد خدمات نجمه "إرنست جان جوزيف" بسبب ثبوت تعاطيه للمنشطات.
وللإشارة، فقد كانت بداية منتخب ألمانيا الغربية في البطولة متعثرة، حيث تسببت الخلافات الداخلية بشأن المكافآت المالية في تدني أداء الفريق خلال مباريات الدور الأول، إذ خرج أصحاب الأرض تحت صافرات الاستهجان بعد مواجهة المنتخب الأسترالي رغم فوزهم بثلاثية نظيفة. لكن الألمان انطبق عليهم المثل القائل "رب ضارة نافعة". فقد تبين أن هزيمة أبطال أوروبا على يد ألمانيا الشرقية كانت لصالحهم، حيث تفادى من خلالها البلد المضيف مواجهة المنتخب الهولندي والأرجنتيني والبرازيلي في الدور الثاني، ليتمكن بالتالي من تجاوز المنتخبين اليوغوسلافي والسويدي قبل أن يحجز بطاقة التأهل إلى المباراة النهائية على حساب المنتخب البولندي. وقد أنقذ "سيب ماير" مرماه من أهداف محققة ليحافظ بذلك على تقدم فريقه من خلال الهدف الوحيد الذي وقعه "مولير" على ملعب فرانكفورت في مباراة فاصلة غمرتها الأمطار.
لاتو يفوز بالحذاء الذهبي:
صحيح أن تأهل بولندا إلى النهائيات على حساب المنتخب الانجليزي بدا مفاجئا للعديد من المتتبعين، لكن أداء الفريق كان يتحسن مباراة بعد أخرى. وبفضل وجود "كازميرز ديينا" في خط الوسط، فضلا عن "غريغورز لاتو" و"أندري زارماك" في قلب الهجوم، استطاع المنتخب البولندي التغلب على الأرجنتين وإيطاليا في الدور الأول قبل الفوز على يوغوسلافيا والسويد، ليتمكن بعد ذلك من إحراز المرتبة الثالثة على حساب المنتخب البرازيلي بجدارة واستحقاق. كما اعتبرت بولندا قوة هجومية ضاربة في هذه الدورة، إذ فاز نجمها "لاتو" بجائزة الحذاء الذهبي بتسجيله سبعة أهداف في البطولة، بينما تمكن زميله "زارماك" من هز الشباك في خمس مناسبات.
وكان منتخب "السامبا" بعيدا كل البعد عن المستوى الذي ظهر به في المكسيك عندما تمكن من الظفر بالكأس. فقد تأهلت البرازيل هذه المرة بشق الأنفس على حساب المنتخب الاسكتلندي (الفريق الوحيد الذي لم يذق طعم الهزيمة في دورة ألمانيا 1974) بفارق الأهداف. فرغم فوزه على المنتخب الأرجنتيني، في أول لقاء من نوعه بين عملاقي أمريكا الجنوبية في تاريخ كأس العالم، فشل المنتخب البرازيلي في الوصول إلى المباراة النهائية بعد انهزامه أمام نظيره الهولندي بهدفين نظيفين، حملا توقيع كل من "نيسكنس" و"كرويف".
وشهدت نهائيات كأس العالم FIFA بألمانيا أول مشاركة لهولندا منذ دورة 1938، ورغم ذلك فقد اعتبر المنتخب البرتقالي أفضل المرشحين للظفر بالكأس، خاصة بعد فوزه الكاسح على الأرجنتين برباعية نظيفة. وكان الهولنديون يستحقون الفوز في هذه البطولة، في ظل وجود مدرب مقتدر من حجم "رينيس ميشالز" وقائد كبير من طينة "كرويف"، بعدما قاد الثنائي نادي "أجاكس" إلى التحليق عاليا في سماء كرة القدم قبل توجههما إلى نادي برشلونة. لكن كان لمنتخب ألمانيا الغربية رأي آخر في المباراة النهائية، عندما حسم أمر اللقب لصالحه بقيادة القيصر "بيكنباور"، الذي أحدث ثورة في مركز الليبرو، فضلا عن قدرة زملائه على استغلال كل الفرص المتاحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.