قال نائب رئيس الجمهورية كما جاء في قناة سهيل : " إن الشعب اليمني لا يزال بعيداً عن التفاعل مع العصر " . إن هذه العبارة المشؤومة هي اعتراف بالحالة المأساوية التي وصل إليها الشعب اليمني على أيديهم الهدامة ، واعتراف بالمحصلة المريرة التي جناها شعب اليمن بعد فترة طويلة من إسناد الحكم لغير أهله . وما قاله نائب الرئيس هو إقرار واضح بالفشل والعجز الكبير للنظام الحاكم ، وعدم أهليته وقدرته على إدارة شئون البلاد ، واعتراف بعدم وفاء السلطة بواجباتها الوطنية والأخلاقية تجاه هذا الشعب الذي يتوق للعيش بكرامة على أرضه كغيره من الشعوب ، ويتطلع لأن يتبوأ مكاناً مرموقاً بين الأمم بما يتناسب مع تاريخه المجيد ، وأرضه الطيبة ، وموقع بلاده الاستراتيجي الهام ، وقدراته الفطرية . والحقيقة أن حكام اليمن اليوم قد حافظوا باقتدار على الموروث القبيح للشيوعية والاستعمار والإمامة وذلك في إبقاء شعب بأكمله خلف الستار الحديدي حتى في زمن توافرت فيه كل أسباب التواصل ، وتآكلت المسافات الجغرافية ، وذابت الحواجز الثقافية والحضارية بين الأمم . وهذا يعني أن الحاكم اليمني قد تفوق على الاستعمار وأعداء الشعوب التاريخيين في الإضرار بمصلحة الوطن . قال شاعر اليمن الكبير – عبدالله البردوني :
وهل تدرين يا صنعاء من المستعمر السري غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري إن الشعب الذي وصل إلى هذا المستوى من التخلف والبؤس والشقاء على أيدي أعداء الحياة ليس هو شعب الاسكيمو ، أو أحد شعوب أدغال افريقيا ، أو مجموعة من البدو الرحل التائهين في شعاب الأرض الهامشية البعيدة ، بل هو الشعب اليمني ، وهو شعب لديه من الإمكانيات ما يمكنه من الحضور بقوة بين الشعوب ، وأن يحتل موقع الصدارة . فهو الذي كانت أرضه مهداً لحضارات عريقة ، وتحتل بلاده موقعاً هاماً في العالم كان ولا يزال هدفاً للغزاة ، وهو الشعب الذي كان له السبق في التمرد على الاستعمار والإمامة ، وأقام الثورة الدستورية في أربعينيات القرن الماضي ووضع أسس النظام الجمهوري الشوروي آنذاك يوم كانت كثير من الشعوب لديها قابلية للاستعمار والحكم الوراثي . كما أن الزمن الذي شخَص فيه نائب الرئيس حالة الشعب اليمني ليس هو العصر الحجري بل هو عصر العلم والتقنية، والتكنولوجيا المتطورة ، والانفجار المعرفي ، والعصر الذي صار فيه الكون قرية صغيرة . ولكن كل هذه العوامل الذاتية منها والموضوعية المعينة على التقدم والتطور لا قيمة لها حين يتولى الأقزام المهام العظام . فيا حسرةً على العباد ! لقد تم الانحراف بأهداف الثورة في أبشع أشكال التبديد للفرص السانحة ، والتنكر لدماء الشهداء . فالاستبداد والاستغلال والتمييز ، والجهل والفقر والمرض وغير ذلك من البلاوي والمصائب الحضارية هي وحدها الحاضرة في هذا البلد . وتبخرت تطلعات الشعب وآماله الكبيرة بصنع يمن جديد . وأجهض مشروع الوحدة اليمنية في أول أيامه لتتحطم على صخرة العنصرية والأنانية الأحلام الجميلة التي طالما حملها الشعب اليمني لتتحول إلى كوابيس مرعبة ، وفقد الشعب مكتسبات وحدوية حقيقية كان يتمتع بها في زمن التشطير . ألا قاتل الله العنصرية . وبعد عشرين عاماً من التغني بالديمقراطية تم تدمير هذا الهامش تدميراً كاملا من خلال قيام الحزب الحاكم بالتزوير والتلاعب بإرادة الناخبين في أبشع وأشنع وأقبح الصور والأساليب مما جعل الديمقراطية مجرد خرافة . وتكرست السلطة والثروة في أيادي أقطاعيي القرن الحادي والعشرين مما جعل مبدأ التداول السلمي للسلطة أسطورة ,والشراكة في الثروة أكذوبة, وصارت المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص في ظل تكريس التمييز العنصري والمناطقي والجهوي والسلالي وهماً كبيراً . ولازال صناع التخلف يهددون الشعب اليمني بمزيد من الكوارث والرزايا . وإذا ما سنحت لهم الظروف بالسير في طريقهم الجهنمي فعلى الشعب أن يودع ما تبقى من أشياء جميلة في الوطن ، وليستعد للدخول في الزوايا الأكثر ظلاماً في النفق .