مازال بعض "الغلابى" من موظفي القطاع العام في حضرموت يتحسرون على العامين الماضيين اللذين شهدا أول وآخر عملية صرف لإكرامية شهر رمضان المبارك وعيد الفطر. وحتى اللحظات الأخيرة من الشهر الفضيل الذي أخذ يلملم أوراقه بخفه مذهلة، وينسحب من بين أيدينا كحبات الرمال المتناثرة وعقد اللؤلؤ المنفرط، بقي البعض يحلم على أمل سماع أو قراءة إعلان يوجهه صوب أقرب مكتب بريد لاستلام الإكرامية، التي دفعت آنذاك بعض المؤسسات وشركات القطاع الخاص لاعتمادها ضمن إضبارة تعاملاتها المالية السنوية!. والحقيقة الصادمة هي أن الإكرامية ذهبت إلى غير رجعة، وتبخرت تحت معاول "حجج" الأزمة المالية العالمية، وأهدرت في التحضيرات لاستضافة بطولة كأس الخليج، ولإتمام صفقة تأمين الدورة بشراء 25 كلبا مدربا بقيمة 5 مليون دولار، أي بما يقدر بحوالي مائة مليون ريال يمني، كان حريا صرفها على أعمار الطرقات المنهارة أو مشروع سكني خدمي أو لإغاثة المحرومين من نعمة الأمن والاستقرار في اليمن السعيد، ودفع تعويضات المتضررين من كارثة السيول والأمطار 2008م، حتى لو كان مصدر المبلغ دعم أو منحة من الأصدقاء أو الأشقاء كالعادة!. لم تكن الإكرامية هي القضية الوحيدة التي شغلت الرأي العام في حضرموت وأعيت تفكير المواطنين وأوغرت صدورهم، فقد زاحمتها فضيحة مخطط الأراضي الدسمة التي كان ممثلو الشعب أعضاء المجالس الموقرة المحلي والشورى والنواب، يمنون أنفسهم بتقسيمها بناء على توجيهات عليا كما أشيع، وعندما كثر الحديث وتفاقم اللغط حول تفاصيل الصفقة وقائمتها السوداء وأسماء الفائزين ال119 بمواقعها من قيادات المحافظة وأقربائهم ومرافقيهم، بادرت صنعاء بسحب البساط على من توهموا بأن فعلتهم "الموجهة عن بعد" ستمر دون التفاتة أو مساءلة من الجماهير التي أوصلتهم إلى سدة السلطة ومقاعد البرلمان وعضوية المجلس المحلي، الذين كنا ننتظر من فصيل منهم أن يتحلى بروح الشجاعة ويتخلص من أزمة الضمير التي تنتابه ويبادر بإيضاح موقفه ورفضه القاطع التصرف بالملكية العامة، وغسل يده من القضية التي يخطئ من يعتقد بأن ملفها أقفل نهائياً، فالاتفاقات والاتصالات والتربيطات بين الفرع والمركز قد تكون سلاحا ناجعا لتمرير الصفقة بصور مغايرة وبترتيبات مختلفة ولربما كان أحد أوجهها غض الطرف عن استيلاء متنفذين محليين على حرم بجوار مسجد الشافعي بفوه، أو التفكير في الإغارة على موقع، بعيدا عن الأنظار، وتخصيصه لمكافأة نهاية الخدمة لأعضاء المجالس التي شرعنت لسياسات تجويع الشعب وحقنه بالجرع الاقتصادية، كما حدث في البرلمان الذي سن أعضاؤه قوانين لتأمين استلامهم رواتب خيالية أبدية حتى بعد انتهاء فترة ولايتهم في المجلس، مقابل التعتيم على قضايا الفساد ونهب أموال الدولة، أو للتكتل كما جرى في المجلس المحلي للإطاحة بمن سببوا الصداع والقلق للمحافظين، وبالغوا في التوغل في مناطق نفوذهم، وتدخلوا في اختصاصاتهم و آلية صرف اعتماداتهم. مفارقة غريبة شهدها رمضان هذا العام، فالسباق كان محموماً في مضمار الظفر بالإكراميات التي توهب وتوزع وفق مبدأ المقامات بين الناس، وفي ظني أن إكرامية قطاع من موظفي الدولة قد رست على كيس "بر" تقريباً - مبروش أو حبوب الله أعلم -، واحتمال العام القادم تصبح مع عوامل التعرية والتسلية "بقشة حنظل"!، أما بالنسبة لممثلينا في المجالس الموقرة فإن مرادهم لن يحيد عن قطعة أرض في شارع الستين أو ساحل خلف، أو حتى على سطح القمر، ويارايح كثر في الفضائح!. آخر الكلام سأل أحدهم عضو مجلس شعب فشل في الانتخابات، لماذا تمشي في الشارع وأنت تحمل مسدساً، هل التحقت بسلك البوليس أو عينت مأموراً ؟!.. فأجابه: كلا.. لقد حصلت على صوت واحد فقط في الانتخابات، وإذا كان هذا هو كل ما عندي من أصدقاء، فأنني بحاجة إلى حمل السلاح تحسباً لأي طارئ. فعاد وسأله: وهل مازلت حيا في عيون الناس؟!, صمت، ولم يحر جواباً.